قصة الصياد والعملاق

قصة الصياد والعملاق من أشهر القصص والاساطير العربية عن مواجهة بين الصياد الذكي والعملاق الغاضب الذي يهزم من ذكاء وحيلة الصياد في أسلوب قصصي وتربوي يغرس في نفوس الأطفال أهمية التوكل علي الله في الرزق وأهمية استخدام العقل الذي وهباه الله للإنسان.

الذهاب للصيد

يحكى أن صيادا فقيرا، كثير الحاجة، قليل الرزق، كبير السن كان له زوجة وأربعة أطفال. ولشده فقره وكبر سنه لم يستطع أن يقوم بما تحتاج إليه أسرته من طعام وشراب وملابس. وحار في أمره، ولم يعرف ماذا يفعل. وكان يذهب إلى البحر في كل صباح، ويرمي شبكته ليصطاد شيئا من السمك، ولكنه كان سيئ الحظ يقضي يومه في الصيد، ولا يرجع إلى منزله في آخر النهار إلا بقليل من السمك الصغير الذي لا يكفي زوجته وأولاده.

وفي يوم من الأيام أخذ شبكته وسلته قبل طلوع الشمس، وذهب إلى شاطئ البحر ليبحث عن طعام لأطفاله، وخلع ملابسه الخارجية، ثم نشر شبكته، ورماها في البحر، وبعد وقت قصير أحس أن الشبكة ثقيلة، فأخذ يشدها ويسحبها، وظن أن في الشبكة سمكة كبيرة تبلغ قنطارين، فظهر الفرح والسرور على وجهه، واعتقد أن الحظ سيبتسم له، فشد الشبكة مرة بعد أخرى بكل احتراس، وأحس أنها ثقيلة جداً، وأخذ يحاول ويشد بنفسه فلم يستطع إخراج الشبكة وحده، وأخيرا طلب من أحد المارين أن يساعده، فساعده حتى خرجت الشبكة من البحر، ونظر هو ومساعده في عجب واستغراب، فوجدا في الشبكة بقرة ميتة، بدلا من السمكة الكبيرة التي ظنها.

فتضايق الصياد بعد أن خاب ظنه، ونصح له الرجل بالصبر، حتى يأتيه رزقه، وودعه وهو يقول: سبحان مقسم الأرزاق. ونظر الصياد إلى السماء وصفائها، والبحر وعظمته، وقال: “يا رب ارزقني برزق أولادي، فإنهم في حاجة إلى مساعدتك”. ورمى جثة البقرة، ولم الشبكة، ورتبها، ثم رماها ثانية في البحر، ووقف ينتظر رزقه. وبعد قليل أحس أن الشبكة ثقيلة، وتمنى أن يكون سعيد الحظ هذه المرة، ويصطاد سمكة لا نظير لها، وشد الشبكة، وأخرجها بصعوبة من البحر، ثم نظر فوجد جحشاً ميتاً، فابتسم وضحك، وقال لنفسه: “اصبري حتى يرسل الله إليك رزقك.”

محاولة أخري

ألقى الصياد الجحش الميت بعيداً، ونظف شبكته، وأخذها وذهب بها إلى جهة أخرى من الشاطئ ليبحث عن رزقه ورزق زوجته وأولاده، ثم رمى شبكنه في البحر، ووقف ينتظر ما يعطيه الله، وما يجود به عليه. وبعد مدة أحس أن الشبكة ثقيلة، فانتظر قليلا، ثم شدها وأخرجها، وهو معتقد أن بها سمكا كبيرا، ولكنه نظر إلى ما فيها، فاستغرب كثيرا، وتعجب لأنه وجد بها أواني وقدراً كبيرة مكسورة من الفخار.

فحمد الصياد الله، وقال: “سبحان مقسم الأرزاق”. وأخذ يفكر ويسأل نفسه: ماذا أستطيع أن أفعل؟ وأنا رجل فقير مسكين، وزوجتي وأولادي ينتظرونني بالبيت، وينتظرون ما أقدمه لهم من السمك والخبز عند رجوعي. وهم الآن في شدة الجوع، لأنهم لم يجدوا شيئا يأكلونه في الصباح، ولكن اليأس لم يصل إلى فلبه، وابتسم وكله أمل في رزق يأتيه من عند الله. وأخذ يقرأ قوله تعالى: ((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)). وقوله: ((وفي السماء رزقكم وما توعدون)).

ونظر إلى السماء وقال: اللهم ارزقني، ثم نظف شبكته، ورمى ما فيها من الفخار بعيدا على جانب من الشاطئ، وأعدها، ورتبها، ثم رماها في البحر.

انتظر ساعة من الزمان، وفي النهاية شد الشبكة، وأخرجها من البحر، وهو معتقد أن بها مقدارا كبيرا من السمك، ثم نظر إليها فوجد بها كثيرا من الطمي والأعشاب والحجارة والحصا. فقال لن يصل اليأس إلى قلبي. وأملي كبير في الله. وكل ما يأتي به الله خير. ولن ينساني ربي، وسألقى الشبكة هذه المرة الخامسة بعد أن أصلى الظهر.

القدر النحاسي المسحور

توضأ الصياد، وتوجه إلى القبلة، وصلى الظهر لله، ثم قام، وأخذ شبكته، وألقى ما فيها من الحجارة والحصا والأعشاب بعيدا، ونظفها، ورتبها، ثم ألقاها ورماها في البحر، وكله ثقة بالله، وأمل فيه جل شأنه، وأخذ ينتظر وهو صابر، حتى أحس أن الشبكة ثقيلة، فوجد عنده شيء من الأمل هذه المرة، وشدها وأخرجها. ثم نظر إلى ما فيها، وأخذ يقلبها ويبحث فيها من كل جانب، فلم يجد بها سمكا، ولكنه وجد قدرا كبيراً، مصنوعة من النحاس، ووجد فوهتها وفتحتها معلقة، ومختومة بخاتم سلمان.

اعتقد الصياد أن القدر مملوءة بالذهب، وأنها هدية من عند الله، وأن بها كنزاً ثمينا من كنوز سليمان، لأن فتحتها قد نقش عليها هذا الخاتم الثمين، وأخذ بهز القدر، ويقلبها، فلم يسمع لها صوتاً، وأحس أن الحظ سيبتسم له، وسيبتسم لزوجته وأولاده، وظن أن في استطاعته، أن يبيع هذه القدر الثمينة لتاجر كبير من تجار الذهب والجواهر. واعتقد أن الفقر سيزول، وسيكون غنيا بعد فقره، وسيستطيع أن يشترى لأسرته كل ما تحتاج إليه من طعام وشراب وملابس، ولن يحتاج لأحد بعد اليوم. فهذه قدر أثرية ثمينة، وهي مملوءة ذهبا، ومقفلة ومختومة بخاتم سليمان. وهذا أكبر دليل على أنها ثمينة مملوءة جواهر ولآلئ، ولا يمكن تقديرها بمال. فماذا يريد الصياد بعد ذلك من الغنى والثروة والمال؟

أخذ الصياد يكير النظر إلى القدر، ويقلبها، وهو معجب بجمالها، وبخاتم سليمان، وما نقش عليه من الكتابة الأثرية العجيبة، وقال لنفسه: لابد أن يكون في القدر كنز مملوء بالذهب والجواهر النفيسة، واللآلئ الغالية. وفكر في أن يفتحها بعد أن يصلى العصر، ويشكر لله ما أعطاه، ثم قام وصلى العصر، وشكر لله ما أنعم به عليه، ثم جلس، ووضع، القدر أمامه، وأخذ يحاول فتحها، ولم يجد صعوبة في فتحها، وفتحها بسكين كان معه، وهزها ليخرج ما فيها، فلم ينزل منها شيء، وأخذ ينظر في داخلها، فرأى دخاناً كثيفا خارجاً منها، صاعداً إلى السماء، فتركها ورجع إلى الوراء.

جني في القدر

عجب الصياد غاية العجب، وزاد عجبه واستغرابه حينما رأى الدخان الكثيف يتحول في النهاية إلى عملاق طويل القامة، وقد وقف ونشر يديه إلى الجانبين، ووضع رجليه الطويلتين في القدر.

رأى الصياد الفقير ذلك العلاق الطويل، فخاف خوفا شديدا من هذا المنظر الغريب، الذي لم يره من قبل، ولم يمر به في حياته الطويلة. وقف الصياد المسكين ممسكا بشبكته، وهو ينظر في عجب واستغراب إلى هذا العملاق الذي خرج من القدر، وجف ريقه، وعمي عن طريقه، ووقف في ذهول تام في مكانه، لا يتحرك من شدة الخوف.

نظر العملاق إلى الصياد وقال له: ” أيها الصياد، إني سأقتلك الآن”. فقال الصياد: “لماذا تريد أن تقتلني، وأنا لم أفعل شيئا أستحق عليه أن أقتل؟ ولأي سبب تريد أن تقتلني؟ ألم أخلصك من القدر؟ وهل نسيت أنى أطلقت سراحك، وأعطيتك الحرية بعد أن كنت مسجوناً؟ وهل نسيت أنى أخرجتك من البحر، وأطلعتك إلى البر؟

فأجاب العملاق: لقد فتحت القدر. وهذا ذنب لا يغتفر. ومن أجل هذا الذنب سأقتلك، ولكنى أترك لك الفرصة في أن تختار الطريقة التي بها أقتلك. أتحب أن أقتلك بيدي، أم تحب أن أرميك في البحر فتموت غرقا؟

فاعترض الصياد وقال: ولكنى لا أريد أن أموت؛ لأني لم أفعل شيئا أستحق عليه الموت. ماذا فعلت لك حتى تفكر في قتلي؟ وقد وهبتك الحرية وأخرجتك من السجن الذي كنت محبوسا فيه.

فأجاب العملاق: سأخبرك الآن بما ارتكبت من ذنب. ولكن اقنعك بذنبك سأذكر لك قصة حياتي إذا كنت تحب ان تسمعها.

قال الصياد: أحب أن أسمعها بشرط أن تختصر في الكلام، لأن روحي وصل إلى قدمي.

قصة العملاق

فقال العملاق: إني عملاق من الذين لم يخضعوا للملك وعصيته، فتم القبض علي وقدمت إلى المحكمة؛ لأحاكم على العصيان، وحكمت على بمعاقبتي وسجني في هذه القدر التي فتحتها بنفسك، وحبستني فيها، وأغلقت القدر، ورموني في وسط البحر، وكان ذلك منذ مئات السنين.

وحينما كنت محبوسا في القدر المسحورة نذرت في نفسي أن من يفتح هذه القدر المسحورة، ويخلصني من السجن جعلته سلطانا عظيما. وقد مرت مائة سنة ولم يفتح أحد هذه القدر، فنذرت نذرا آخر، وقلت في نفسي إن من يفتح هذه القدر المسحورة لن أجعله سلطاناً عظيماً، بل سأجعله سلطانا مسكيناً. وقد مضت مائتان من السنين، ولم يفتح أحد هذه القدر.

فنذرت نذرا ثالثاً، وقلت في نفسي: إن من يفتح هذه القدر سأجعله غنيا من كبار الأغنياء. وقد مضت ثلاثمائة سنة، ولم يفتح أحد هذه القدر المسحورة، ولم يخلصني أحد، فقلت في نفسي: إن من يخلصني فتحت له كنوز الأرض، وقد مضت أربعمائة سنة، ولم يفتح أحد هذه القدر المسحورة، ولم يخرجني أحد، فقلت في نفسي: إن من يخرجني من هذه القدر أقضي له ثلاث حاجات. فلم يخلصني أحد. فغضبت غضبا شديدا، وقلت في نفسي: إن الذي سيفتح هذه القدر سأقتله، وسأترك له الحرية في اختيار الطريقة التي يقتل بها. وأنت الآن قد فتحت القدر، ولك الحرية في أن تختار الطريقة التي تحب أن تموت بها.

فلما سمع الصياد هذا الكلام عجب كل العجب، ورجا العملاق أن يعفو عنه.

فقال العملاق: لابد من قتلك. ولا فائدة من الرجاء. فقال الصياد: سأطلب منك شيئا واحدا أرغبه، فهل تجيبني إلى هذا الطلب، وتحقق لي هذه الرغبة؟

حيلة ذكية

فأجاب العملاق: سأجيبك إلى طلبك، وأحقق لك رغبتك إذا ذكرت طلبك ورغبتك بسرعة فأسرع وقل.

فسأله الصياد: هل كنت حقا في هذه القدر؟

فأجابه العملاق: نعم كنت في هذه القدر.

فنظر الصياد إلى القدر، وتعجب كل العجب، وقال له: إنك علاق كبير الجسم، طويل اليدين والرجلين. وإن القدر صغيرة، ولا يمكن أن تسع رجلاً من رجليك، فكيف يمكن أن تسع جسمك كله؟ إني لا أستطيع أن أصدق أنك كنت في هذه القدر. فلماذا لا تقول شيئا معقولاً يقبله العقل؟ ولماذا لا تفكر قبل أن تتكلم؟ هل حدث لك خبل في عقلك، حتى تقول ما قلت، وتذكر ما ذكرت؟

فغضب العملاق، وسأله: هل أنت لا تصدق أنني كنت في القدر؟

فأجاب الصياد – وقد أراد أن يتغلب عليه بالحيلة – إني لا أصدق أبدا حتى أراك فيها بعيني.

أراد العملاق أن يثبت للصياد أنه صادق فيما قال، ولم يقل إلا الحقيقة، فانتفض، وحول نفسه إلى دخان. وصعد الدخان إلى الجو ثم أخذ يصغر نفسه، ويتجمع ويدخل في القدر قليلاً قليلاً، حتى لم يبق في الخارج شيء من الدخان. ثم قال العملاق: أنت الآن ترى أنني في القدر.

فأسرع الصياد، ووضع الغطاء فوقها، وسد به فتحة القدر جيداً، وأغلقها إغلاقا محكما كما كانت. وختمها ثانية بخاتم سليمان، واطمأن على حيائه كل الاطمئنان. ثم قال: أيها العملاق، لقد انتصرت عليك بما آتاني الله من عقل، وتفكير وسأرميك ثانية في البحر. وسأضع القدر في الماء لأرد الأمانة كما أتت في شبكتي. وسأبني لي هنا على شاطئ البحر منزلا لأسكنه، ولأنصح كل صياد يريد أن يري شبكته في البحر. وأمنعه من الصيد في هذا المكان، وأحذره ألا يخرجك ثانية من البحر، وأقول له إن هنا عملاقاً. وكل من أخرجه يهدده بأنواع القتل، ويطلب منه الطريقة التي يريد أن يقتل بها. وسأخبر كل صياد أنك لا تعترف بالجميل. وأنك تسيء إلى من يحسن إليك، وتريد أن تقتل من يخرجك من السجن، ويعطيك الحرية.

انتصار الصياد وهزيمة العملاق

فلما سمع العملاق كلام الصياد أراد أن يخرج من القدر، فلم يقدر، ووجد نفسه محبوسا، وأن الفتحة أغلقت جيدا، وخيمت بخاتم سليمان، وعلم أن الصياد سجنه كما كان في السجن المظلم القذر، سجن العمالقة.

أخذ الصياد القدر، وذهب بها إلى جهة البحر، فسأله العملاق: ماذا أنت فاعل؟

فأجابه الصياد: سأرميك في البحر كما كنت.

فرجاه العملاق ألا يرميه في البحر، وأن يخرجه من القدر.

فقال الصياد: لا بد أن أرميك في البحر. وكيف أخرجك وكنت تريد أن تقتلني؟ ولم تقبل لي رجاء. ولم تسمح بالعفو عنى، وأردت أن تيتم أطفالي الصغار. فتوسل إليه العملاق، ولم يصل اليأس إلى قلبه، وقال له: إذا فتحت القدر واخرجتني منها أعطيتك جائزة ثمينة وثروة كبيرة، وجعلتك من كبار الأغنياء. فرد عليه الصياد: كيف أصدقك، وأنت ظالم لا تعرف بالجميل، ولا تقدر المعروف، وتحب أن تسيء إلى من أحسن إليك؟

فأجابه العملاق أرجو أن تصدقني هذه المرة، وأنى أسف لما حدث مني. فقال الصياد: محال أن أصدقك، وقد كنت تريد أن تقتلني؛ لأنني أطلقت سراحك، وأخرجتك من السجن، وجعلتك حرا بعد أن كنت مسجونا. فقال العملاق: صدقني، وجربني هذه المرة. وسأكافئك على جميلك، وأجعلك من أغنى الأغنياء.

فقال الصياد: لقد جربتك مرة من قبل، وعذبتني من غير سبب في الوقت الذي أحسنت فيه إليك. فأنا قد لدغت منك مرة. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”. وإني مؤمن ولا يحب أن ألدغ مرة أخرى من عملاق عرف بالظالم والغدر. وفى الحال أخذ الصياد القدر ورماها كما كانت في البحر، واتعظ بالتجربة الماضية. ونال العملاق جزاء ظلمه، وذهب الصياد إلى بيته بعد ان اصطاد لمرة أخري سمك كثير هذه المرة، وقد حمد الله على الصحة والسلامة. وانتصر على الظالم بحسن حيلته وتفكيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى