قصة الجميلة والوحش

قصة الجميلة والوحش هي حكاية خيالية شعبية من التراث مناسبة للأطفال، تعملهم عن أهمية النظر والاهتمام بالجمال الداخلي أكثر من المظاهر الخادعة.

الوحش المرعب

يحكى أنه في أحد البلاد البعيدة، كان هناك أمير صغير يعيش في قلعة.. وعلى الرغم من أنه كان يحوز كل ما يتمناه، إلا أنه كان أنانيا فاسداً.. بل وشريرا أيضا …!

وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة، جاءت امرأة شريدة إلى القلعة.. وقدمت للأمير وردة واحدة، نظير أن يوفر لها مكانا يحميها من برد الليل القارس. كان منظر المرأة منفرا.. مما جعل الأمير يرفض الهدية، ويأمر بطرد المرأة بعيدا..

وحذرته المرأة من أن ينخدع بالمظاهر، لأن الجمال دائما ينبع من داخل الإنسان.. لكن، عندما أمر مرة أخرى بطردها، إذا بقبح المرأة يتحول تماما إلى جمال أخاذ…! فقد كانت المرأة إحدى الساحرات الماهرات..

حاول الأمير الاعتذار، ولكن دون جدوى.. فقد فات الوقت.. بعد أن تأكدت المرأة الساحرة أن قلب الأمير خال من المودة والحب.

وعقابا للأمير، حولته الساحرة إلى وحش منظره بشع مخيف، وأخضعت القلعة وكل من يعيش فيها لتعويذة سحرية قوية، ثم إنها كذلك سحرت الوردة، فجعلتها تبقى متفتحة ومزهرة حتى يبلغ الأمير عامه الواحد والعشرين، فإذا تعلم أن يكون ودودا محبا، وأن يكون محبوبا من الآخرين قبل أن تسقط آخر ورقة من الوردة فستنحل التعويذة، ويبطل السحر، ويعود الأمير إلى سيرته الأولى، وإلا فإنه سوف يظل وحشا بشعا بقية عمره.

وبمرور السنوات، أخذ الوحش ييأس من أن يحبه أحد … وشيئا فشيئا بدأت الوردة تذبل هي الأخرى، وتساقط وريقاتها الواحدة إثر الأخرى..

فتاة جميلة

وفي قرية قريبة، كانت فتاة جميلة صغيرة تعيش هناك وتدعى «جميلة». كانت تحب القراءة كثيرا. ومعظم ما كانت تقرؤه يدور حول المغامرات وقصص الحب، وكان والدها يحب القراءة هو الآخر. ولكنه يقرأ كتب العلوم والمخترعات الحديثة.

كانت «جميلة» تعتقد أن والدها مخترع عظيم. بينما كان أهل القرية يعتقدون أن «أبا جميلة» شخص غريب الأطوار.

بل إن أهل القرية كانوا يتهامسون فيما بينهم، بأن «جميلة» نفسها، ربما كانت أكثر غرابة من والدها.. إنها دائما تقرأ.. ودائما تعيش في عالمها الخاص.

ومن بين شباب القرية، كان «وجيه»، أكثرهم وسامة، وأشدهم رغبة في أن يتزوج «جميلة».. لكنها كانت ترفضه دائما بحجة أن في طبعه غلظة وقسوة، وأنه بطيء الفهم، ولا يحسن التقدير. 0

وفي يوم شديد البرودة، كان على «أبي جميلة» أن يمتطي حصانه ويعبر الغابة في طريقه إلى البلدة المجاورة، كي يعرض بها آخر اختراعاته في المعرض المقام هناك.

لكن «أبا جميلة» ضل طريقه في الغابة، لانشغال ذهنه بالتفكير في المعرض وفجأة ارتفع عواء الذئاب وتردد صداه في أرجاء الغابة، وهبت الرياح العاصفة الباردة من بين الأشجار، فذعر الحصان وأجفل، وألقى «أبا جميلة» من فوق ظهره، وانطلق هاربا.. نهض «أبو جميلة» من سقطته، وأخذ يعدو في الغابة خوفا من الذئاب.

قلعة مخيفة

وأخيراً وصل «أبو جميلة» وهو يلهث إلى القلعة المرصودة. توقف أمامها، فاذا وجد هناك؟ كان في استقباله من المسحورين في القلعة إبريق الشاي السيدة «أم فنجان»، و (أبو شنب) الساعة ذات البندول، والشمعدان «أنوار» فتملكته الدهشة.. وقبل أن يفيق من ذهوله، وجد أمامه مفاجأة أكثر غرابة – الوحش الرهيب …!

حدق «أبو جميلة» في الوحش مرعوبا وغير مصدق.. لذلك لم يبد مقاومة تذكر حين رفعه الوحش وحمله إلى زنزانة في برج القصر.

في تلك الأثناء، كان الحصان قد عاد إلى القرية.. وحين رأته «جميلة» أدركت أن شيئا ما قد حدث لوالدها، فأسرعت تقول للحصان وهي تقفر فوقه: “خذني إلى حيث تركت أبى …!” واستجمع الحصان المنهك قواه وشجاعته، وعاد بها إلى الغابة..

جميلة والوحش

عندما وصلت «جميلة» إلى القلعة الغريبة، لم تشعر بالخوف، ولم تتردد، بل بدأت تبحث عن والدها. عطفت عليها الأدوات المسحورة وقادت خطاها إلى البرج الحصين حيث عثرت على والدها أخيراً. لكنها لم تكد تهنأ بذلك، حتى فوجئت بظهور الوحش المخيف أمامها! ارتعدت «جميلة» رعبا وفزعا، لكنها تمالكت نفسها، وتوسلت إلى الوحش بصوتها الجميل الرقيق أن يطلق سراح والدها العجوز.. لكن الوحش لم يستجب لها.. فعرضت عليه بشجاعة أن تحل مكان أبيها في الأسر.. فوافق الوحش على الفكرة وخلى سبيل أبيها، وقادها هي إلى إحدى الغرف بالقلعة المسحورة.

أراد الوحش أن يدخل في قلبها الهدوء والاطمئنان، فقال لها بصوته الأجش: «من الآن فصاعدا، هذه القلعة هي بيتك الآمن المريح! ولك مطلق الحرية في أن تتجولي أينما تشائين في أرجاءها، ما عدا الجناح الغربي، فأحذرك من أن تقتربي منه …!

بقيت «جميلة» بعد ذلك أياما تفكر في استغراب: ترى ماذا في الجناح الغربي؟! وفي ليلة من الليالي.. تسللت «جميلة» من غرفتها، واقتربت من الجناح وهي مترددة، ثم تجرأت ودخلته. هناك.. اكتشفت مكان إقامة الوحش.. ويا له من مكان غريب!! وكانت الوردة المسحورة هناك بجوار النافذة.. أخذت «جميلة» تتأملها، واقتربت منها بحذر.. وما إن حاولت أن تلمسها حتى ظهر الوحش فجأة أمامها وهو في قمة الغضب.. صرخت «جميلة» مذعورة.. ثم فرت هاربة على وجه السرعة …!!

خرجت «جميلة» مسرعة من القلعة، وامتطت حصان والدها وهربت، إلا أن مجموعة من الذئاب سرعان ما أحاطت بالفتاة والحصان.. وكادت أن تفتك بهما.. لكن الوحش ظهر فجأة.. ودارت معركة رهيبة بين الوحش والذئاب.. أخيرا هربت الذئاب وتركت الوحش جريحا.

معاملة طيبة

أدركت «جميلة» أنها لا يمكن أن تترك الوحش وشأنه هكذا.. لذلك عادت به إلى القلعة حيث ضمدت جراحه برقة ولطف.. لكن الوحش كان يتألم كثيرا، فزمجر متأوها. وعندما رأت تعبير الألم على وجهه، قالت: “نسيت أن أشكرك على إنقاذ حياتي …! فشكراً جزيلاً..”.

مست كلماتها اللطيفة قلب الوحش، فهدأ. وفي الأيام التالية بدأت جروحه تلتئم، وتتماثل للشفاء، وأخذ في الوقت نفسه يحاول أن يكون مضيفا لطيفاً.. وأخذ يتودد إليها، ويحسن معاملتها.. فصحبها في زيارة خاصة لمكتبته الكبيرة العامرة.

كانا يقرآن سوياً في المكتبة. وانتهزت «جميلة» الفرصة، فأخذت تعلم الوحش كيف يتصرف بطريقة مهذبة.. وكيف يكون لطيفا مؤدبا مع الآخرين وهو يحدثهم ويتعامل معهم. وهكذا بدأت المودة تنمو بينهما شيئا فشيئا. وهنا همس «أبو شنب» «لأم فنجان» وابنها «فنجان»: “ربما كان هناك أمل.. ولو حدث وأحبت «جميلة» الوحش فإن التعويذة السحرية سوف تنحل، ويبطل مفعولها، ويتحطم السحر…!”.

مر الشتاء سريعا وسعيدا على «جميلة» والوحش، فقد توثقت العلاقة بينهما وصارت «جميلة» تعتبر الوحش أفضل أصدقائها. وفي إحدى الليالي، وبينا كانت «جميلة» تعلم الوحش كيف يرقص، همس الوحش قائلا: «جميلة» هل أنت سعيدة معي هنا؟ أجابت «جميلة»: “نعم !!”.

وأضافت بعد أن لاحظ الوحش تعبيراً حزينا يكسو وجهها: “لو أنني فقط أستطيع أن أرى والدي وأطمئن عليه مرة أخرى.. ولو للحظات قليلة !!”.

أجابها الوحش، وهو يعطيها امرأة سحرية: نعم تستطيعين.

نظرت «جميلة» في المرأة حيث رأت والدها يمشي مجهداً متثاقلا في الغابة، بدا عليه التعب، وأثر تقدمه في السن.. ثم أخذ يتعثر في مشيته حتى وقع مغشياً عليه.

صرخت «جميلة» قائلة: “يجب أن أذهب إليه.. ربما كان يحتضر”. رد الوحش على الفور بحزن: “سأطلق سراحك.. لكن خذي هذه المرأة معك، إذ ربما تذكرك بي”..

العودة للقرية

انطلقت جميلة، تجرى في الغابة، بعد أن غادرت القلعة المسحورة، وسرعان ما وجدت أباها، بمساعدة المرآة السحرية.. وبعد أن أفاق من غيبوبته، أنهضته، ثم صحبته عائدة إلى بيتهما مسرورين، لكن سعادتها لم تدم إلا قليلا.. إذ سرعان ما سمعا طرقا قويا على الباب، وإذا به العمدة!! قال العمدة مخاطبا «جميلة» في جفاء: “لقد جئنا لنأخذ والدك حالا إلى مصحة الأمراض العقلية”.

صرخت «جميلة» قائلة: “لا.. والدي ليس مجنونا”. تقدم أحد أصدقاء «وجيه» وقال: “والدك يدعي أن وحشا رهيبا قد أسرك.. ولا يقول ذلك إلا رجل مجنون !!”.

احتجت «جميلة» قائلة وسط دهشة الجميع: «ولكن هذا صحيح تماما». ثم بحثت عن «وجيه» لعله يستطيع شيئا، إذا رغب في مد يد العون. وعندما رأته قالت له: “«وجيه»، أنت تعلم بإن أبي ليس مجنون، أخبرهم بذلك».

رد «وجيه» عليها بأنه ربما يستطيع تهدئة الناس لو وعدت بأن تتزوجه.

غضبت «جميلة»، وردت بقوة وتصميم: “أبدا.. وكذلك، فإن والدي ليس مجنونا.. يوجد وحش حقيقي وسأثبت لكم ذلك على الفور.. انظروا في هذه المرأة..”.

وكم كانت دهشتهم كبيرة، حين رأوا صورة الوحش في المرآة وانتشر الرعب بينهم. وغضب «وجيه» لرفض «جميلة» الزواج منه، وصمم على الانتقام فقال: “يجب أن نصطاد هذا الحيوان المتوحش.. من يأتي معي؟”.

أجاب القرويون: “نحن معك!”. وقبل أن يتحرك الجمهور مبتعدين، قاموا بحبس «جميلة» وأبوها في البدروم، ثم ذهب جميع القرويون إلي الغابة في اتجاه القلعة.

ولحسن الحظ كان «فنجان» ابن السيدة «أم فنجان» قد اختبأ في سرج حصان «جميلة»، فظهر في الوقت المناسب. وبمساعدة أحدث مخترعات «أبي جميلة» استطاع أن يطلق سراحهما من البدروم، وانطلقوا مسرعين في اتجاه القلعة.

الأمير الوسيم

عندما وصلت جميلة إلى القلعة، كانت هناك معركة رهيبة، تدور رحاها بين الوحش و «وجيه» على سطح القلعة. أخيرا نجح الوحش في انتزاع سلاح «وجيه» الذي كان قاب قوسين أو أدنى من أن يصاب بطعنة قاتلة …!

صرخ «وجيه» طالبا الرحمة! وبصعوبة ملك الوحش نفسه، فاستجاب، وأمن «وجيه»، واستدار منصرفاً. إلا أن الغادر «وجيه» استل سكيناً، وطعن الوحش من الخلف…!

صرخ الوحش من الألم صرخة هائلة متوحشة.. ذعر «وجيه»! وتراجع إلى الخلف، فزلت قدمه، وسقط من فوق السطح لشدة رعبه.

وهرعت «جميلة» لنجدة الوحش الذي قال لها بصوت ضعيف: “آه! لقد عدت.. إذن سأراك لمرة أخيرة..”

وقالت «جميلة»: “لا! لا! لا تمت.. أرجوك.. فأنا أحبك…!”.

في هذه اللحظة الرهيبة، انفكت التعويذة وبطل السحر.. وعاد الوحش إلى صورته الأولى الأمير الوسيم، وعاد أهل القلعة المسحورون إلى صورتهم الآدمية.

وهكذا عادت الحياة إلى القلعة، وضم الأمير الوسيم «جميلة» إليه بعد زواجهما. ولم يعد هناك أي شك لدى أهل القلعة في أنها سيعيشان في سعادة وهناءة دائمتين…!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى