قصة بحيرة القمر

تدور أحداث قصة بحيرة القمر عن تعدي الأفيال على بحيرات جيرانها الأرانب وأهمية استخدام الذكاء والعقل في مقابل ضخامة الجسم للحصول علي نعمة الحرية.

موسم جاف

كان رئيس الأفيال يعيش في غابة واسعة، كثيرة الأشجار، ومعه عدد كبير من الفيلة الكبيرة والصغيرة. وقد اعتادت الأفيال أن تعيش مع رئيسها في الغابة، وتنام تحت الأشجار الضخمة في الظل عندما تشتد حرارة الشمس نهاراً. وحينما يظهر القمر ليلا تذهب لتلعب وتستحم في البحيرات والنهيرات العميقة ذات الماء البارد، وتتمرغ هنا وهناك فوق الطمي حتى يبتل الشاطئ الذي حول البحيرات والمستنقعات. وإذا أحست الفيلة بالجوع أكلت ما تحتاج إليه من الطعام في ضوء القمر.

وذات مرة انقطع ماء المطر في الغابة، وقد مرت أيام وأسابيع ولم تمطر السماء. واشتدت حرارة الشمس يوماً بعد يوم حتى صارت محرقة، وبمرور الأيام جفت البحيرات الكبيرة، والمستنقعات والترع الصغيرة، وجف الطمي المبتل، وجفت الجذور والنباتات الخضراء من شدة العطش.

وحينما اشتدت الحال، وانقطعت المياه رفع كبير الأفيال رأسه القوي، وخرطومه الطويل، وحرك أذنيه، ونادى جميع الفيلة المتوحشة بأعلى صوته. سمعت الفيلة صوته في الغابة، فأتت جميعها لترى ما حدث، وتعرف ما يريده كبيرها. ووقفت الفيلة أمامه، وأحنت رؤوسها وآذانها احتراما له.

فقال لها كبير الأفيال بصوت مرتفع: لقد انقطعت المياه، وجفت البحيرات، ونحن الآن في خطر محقق. ويجب أن نحصل على ماء بأي وسيلة لنشربه، وإلا متنا جميعا من العطش.

كلنا نعلم أن الاستحمام في الماء البارد في البحيرات الكبيرة، والأنهار العميقة – ضروري لكل فيل منا. ويجب أن نتعاون في البحث عن الماء في كل مكان بالغابة. اذهبوا وابحثوا عن بحيرة من البحيرات، أو مستنقع من المستنقعات، أو ترعة من الترع. ابحثوا عن مكان رطب نتمرغ فيه، وطمي مبتل نتدحرج فوقه. ابحثوا عن أي جهة بها أعشاب خضراء، ونبات. وليذهب بعضكم إلى الشرق، وبعضكم إلى الغرب. وليتوجه جزء منكم إلى الجهة البحرية، وجزء آخر إلى الجهة القبلية، وإذا وجدتم ماء في أي مكان فارجعوا إلى هنا، وأخبروني.

البحث عن مكان جديد

تفرقت الأفيال في الغابة، واقتحمتها بأقدامها الكبيرة المستديرة، وذهب بعضها إلى السمال واتجه بعضها إلى الجنوب، وجرى بعضها إلى الشرق، وبعضها إلى الغرب. وأخذت الأفيال تبحث بعيونها الصغيرة عن الماء في كل مكان، تبحث عن بحيرة من البحيرات، أو مستنقع من المستنقعات، وعن أي جهة فيها طمي أو مكان رطب.

وبخراطيمها الطويلة القوية أخذت تبحث في الأرض طول الطريق عن النبات الأخضر، والأرض المبتلة.

وأخيرا وجدت الأفيال التي ذهبت جهة الغرب بحيرة تسمى بحيرة القمر، وهي بحيرة، كبيرة، كثيرة العمق، تحيط بها أشجار كبيرة من كل جانب. وفوق تلك الأشجار عاشت مئات من الطيور المختلفة، وتحتها حفرت مئات من الأرانب جحورها وسراديبها في الأرض التي حول البحيرة. فجرت نحو البحيرة مسرعة، ومكثت تشرب وتشرب مدة طويلة؛ لتزيل ما كانت تحس به، من شدة العطش. وحينما رأت الطيور هجوم الفيلة على البحيرة طارت خوفا منها، وابتعدت عن الأشجار؛ كي لا تسمع الضوضاء من أقدامها المزعجة.

وقد تألمت الأرانب كل الألم من الأفيال التي أتت إلى بحيرة القمر تجرى، فقد أحدثت كثيرا من الضوضاء. وداست بأقدامها فوق جحورها وسراديبها، فهدمتها وقتلت كثيرا من أولادها، وضرت الأرانب الصغيرة والكبيرة، وحزنت الأرانب حزنا شديدا لما لحقها من ضرر.

وبعد أن انتهت الأفيال من الشرب والاستحمام جرت، ورجعت بسرعة لتخبر رئيسها عن البحيرة التي كشفتها ووجدتها، واستمرت تجرى حتى وصلت إليه، فانحنت أمامه بآذانها، وطأطأت رؤوسها الكبيرة إلى الأرض احتراما له، وقالت: أيها الرئيس، لقد وجدنا بحيرة عميقة عذبة الماء، تسمى بحيرة القمر، وحولها كثير من الأشجار الضخمة الكبيرة التي نستطيع أن نستظل بظلها، ونحمي أنفسنا تحتها من حرارة الشمس.

فسرت الفيلة بهذا الخبر السار، وارتفع صوت الرئيس في الغابة، وقال: فلنذهب جميعا إلى بحيرة القمر. ولهذا اتجهت الأفيال كلها إلى بحيرة القمر، وحضرت من الشمال، ومن الجنوب، ومن الشرق. جرت الفيلة بسرعة في الغابة الواسعة، واستمرت في جريها حتى وصلت إلى بحيرة القمر.

التعدي على الجار

وفي ذلك الوقت اجتمعت الأرانب في مؤتمر برئاسة كبير الأرانب، صاحب الأذنين الطويلتين، للتشاور في أمرها، والتفكير فيما أصابها بسبب اعتداء الفيلة على كبيرها وصغيرها، وحضرت الأرانب كلها من سراديبها وجحورها المحفورة تحت الأرض قرب البحيرة. وقد جلس كبير الأرانب على تل مرتفع، وبقي ساكنا هادئا ساكتا كالحجر، يستمع إلى شكوى رعيته من الأرانب، وينظر بعينيه الواسعتين الكبيرتين البراقتين، ويرفع أنفه إلى أعلى مرة ويخفضه إلى أسفل مرة أخرى، وقد تألم كل الألم لما حدث لها من ظلم وقتل واعتداء، وشاركها في حزنها على ما مات من أولادها، وعلى ما جرح منها، وما أصابها من ضرر كبير.

وقف كبير الأرانب وقال: إني أسمع وقع أقدام الأفيال المتوحشة، وهي آتية، أسمع أصوات أقدامها المستديرة الكبيرة. وستكون هنا في بحيرة القمر بعد قليل. ولن أسمح لها بهدم بيوتنا، وتحطيم جحورنا، وقتل أولادنا. فاطمئني أيتها الأرانب، فإني سأحرسك، وسأعتني بك، ولن أسمح للأفيال بأن تضرك أو تدوسك بأقدامها. ارجعي إلى جحورك وبيوتك. انزلي إلى أعمق جزء في سراديبك التي تحت الأرض، وامكثي هناك، حتى أدعوك وأناديك ثانية، كي لا يصيبك أي ضرر.

سمعت الأرانب كلام رئيسها، وأطاعت نصيحته، وأحنت رؤوسها احتراما له، لإخلاصه وشجاعته، وصواب رأيه، وذهبت وهي مطمئنة كل الاطمئنان، وسكتت الأمهات عن البكاء، ورجع الآباء والأمهات إلى مخابئها المحفورة تحت الأرض، والتي تبعد كثيرا عن سطح الأرض؛ لتكون في مكان أمين، لا يصيبها فيه أي ضرر.

استمرت الأفيال في جريها حتى قربت من جحور الأرانب بالقرب من بحيرة القمر. وفي الوقت الذي وصلت فيه الأرانب إلى مخابئها العميقة تحت الأرض – أتت الفيلة يتقدمها رئيسها إلى الأشجار الضخمة التي حول البحيرة.

أرنب ذكي وشجاع

واقترب كبير الفيلة من بحيرة القمر بأقدامه الكبيرة. فصاح كبير الأرانب، وقال بصوت مرتفع: – قف في مكانك، ولا تتحرك أيها الفيل الظالم المعتدى على غيره. لماذا أتيت إلى هذه البحيرة، وليس لك فيها شيء؟ هل معك تصريح بالمجيء إلى هنا؟ ومن الذي صرح لك بالحضور إلى هنا؟ ارجع إلى المكان الذي أتيت منه.

عجب كبير الأفيال حينما سمع ما قاله كبير الأرانب: ووقف ساكنا، وسأل الأرنب الصغير الجسم: من أنت؟ وكيف تجرؤ على أن تخاطبني بهذا القول؟ أجاب كبير الأرانب بكل شجاعة: أنا أرنب أتيت من مملكة القمر. وقد أرسلني القمر إليك، وأمرني أن أبلغك هذه الرسالة، وأذكر لك شيئا لم تعرفه من قبل.

فسأل كبير الفيلة: ماذا يريد القمر أن يبلغني؟

أجاب كبير الأرانب: لقد سمحت لأولادك من الفيلة بالمجيء إلى بحيرة القمر، فداست بأقدامها الثقيلة على أرانبي الضعيفة، وقتلت كثيرا من صغارها وكبارها. فبكت الأمهات، واشتد الحزن بينها. ويجب أن تعلم حق العلم أن الأرانب التي تسكن حول بحيرة القمر تنسب كلها إلى القمر، وهو الحارس لها، والمسئول عنها إذا حدث لها أي ضرر، أو أصابها أي أذى.

وإذا قربت من البحيرة مرة أخرى أو قرب منها أولادك فتأكد أن القمر سيغيب عنك، ولن ينظر إليك في أثناء الليل، ولن ينظر إلى أولادك ثانية، ولن يسمح لك بأن تراه، ولن يسمح لأولادك من الفيلة بأن تنظر إليه. وسينظر إلى جهة أخرى. وستكون النتيجة ضارة بك. فإن القمر سيغيب عنك ليلا. وسترى الشمس طول النهار، وطول الليل؛ حتى تحترق نهارا، وتحترق ليلا، ويحترق جلدك من شدة حرارة الشمس، وتموت ويموت أولادك معك.

فتأثر رئيس الأفيال، وخاف، وقال: أيها الصديق، يا كبير الأرانب، إني أعترف حقا أن أولادي من الفيلة قد داست فوق الأرانب، والحقت بها كل ضرر وأذى. وقتل بعضها، وجرح كثير منها. وأنى أسف كل الأسف، وأعتذر عما حدث. وأرجو قبول المعذرة، وتبليغ القمر شدة أسفى، واعتذاري. وأرجو أن أتكلم معه، وأسأله أن يصفح عنى.

خطة ماكرة

قال كبير الأرانب: تعال معي.

وأخذ كبير الأفيال إلى شاطئ البحيرة.

فسأل كبير الفيلة: أين القمر؟

فأخذه كبير الأرانب إلى البحيرة، وأراه القمر وهو يضيء، وقد ظهرت صورته في البحيرة. وقال له: إن القمر الآن في البحيرة. أنظر إليه لتراه في البحيرة. أنظر إليه تجده حزينا، ساخطا عليك، متألما منك؛ لأنه يفكر في أرانب بحيرته، التي دست على أجسامها، وقتلت بعضها، وكسرت ظهور كثير منها، والحقت بها كل ضرر وأذى، مع أنه مسئول عنها.

وضع كبير الفيلة خرطومه الطويل في ماء البحيرة، وأخذ يقول: إني أسف كل الأسف لما حدث من أتباعي من الفيلة الكبيرة والصغيرة. إني أعتذر عما أصابها من الأذى والضرر: وأنى أعدك وعدا صادقا بأننا لن نعتدي عليها ثانية.

وبتكلم الفيل وخرطومه في الماء قد تحول الماء إلى كثير من الأمواج الصغيرة. وتكسر وجه القمر في تلك الأمواج الصغيرة الكثيرة.

قال كبير الأرانب: أنظر يا كبير الفيلة إلى وجه القمر في البحيرة. إن وجه القمر يتحرك. إن القمر متأثر منك، ومتألم كل الألم. إنه غضبان جدا لما حدث منك.

سأل كبير الفيلة: لماذا أرى القمر متأثرا، وما السبب في تألمه وغضبه؟ وماذا حدث مني؟

أجاب كبير الأرانب: لقد حركت مياه بحيرته بخرطومك الطويل، فعكرت المياه، وأحدثت كثيرا من الأمواج الصغيرة. فأسرع واهرب، ولا ترجع هنا ثانية؛ كي لا يغضب القمر ويتحول وجهه عنك.

عودة بحيرة القمر لأصحابها

خاف كبير الأفيال غضب القمر، وأمال أذنيه الكبيرتين جهة الأرض، وأحنى رأسه، وقال: أيها القمر: إني أعتذر عما حدث. وأرجو العفو والمغفرة. وأتمنى أن تكون عنى راضيا على الدوام. وأنى أعدك بأننا لن نأتي إلى بحيرتك ثانية. وأرجو ألا تحول وجهك عنا مطلقا. ثم نادى أولاده بأعلى صوته للرجوع معه إلى مملكة الأفيال.

سار كبير الأفيال، وسار أولاده وراءه. وخرجت بلا رجعة، وتركت بحيرة القمر لأصحابها، ولم ترجع إليها.

وأصبحت الأرانب آمنة في بحيرتها، مطمئنة في حياتها وبيوتها، ورجعت الفيلة المعتدية المغتصبة إلى أماكنها في الغابة الواسعة الخضراء. وعادت الطيور المختلفة إلى أعشاشها في أشجارها حول بحيرة القمر. وعاشت هادئة مطمئنة. وخرجت الأرانب صغيرها وكبيرها من سراديبها التي تحت الأرض، وظهرت خارج المحيرة كما كانت من قبل. وأعلنت الأفراح لخروج الظالم المغتصب الذي كان يحتل بحيرتها، ويعتدى عليها، ويحرمها التمتع بالحياة والحرية في الهواء والطعام والشراب. ولم يستطع الظالم أن يقرب ثانية من بحيرة القمر، ولم يجرؤ على التفكير في الرجوع إليها. وعاشت الأرانب والطيور في أمن وسلام، وتمتعت بحريتها الكاملة في وطنها العزيز، وهو بحيرة القمر، وأحست بلذة الحرية وقالت: ما أجمل الحرية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى