تهمل بعض الأمهات التحدث الى اطفالهن الرضع بحجة ان الطفل في هذه المرحلة من العمر لا يعي شيئاً. ولكن هذا الرأي غير سليم في نظر علماء اللغة. فالاعتقاد الذي كان سائداً حتى وقت قريب أن الطفل يتعلم الكلام بطريقة طبيعية تلقائية وهذا صحيح الى حد كبير.
ولكن الأبحاث التي قام بها الباحثون في خلال السنوات العشر الماضية أثبتت ان الأم التي تدرك المراحل المختلفة لاكتساب اللغة وتعمل جاهدة مع الطفل لكي يعبر هذه المرحلة على أفضل وجه تشجيع طفلها على الكلام في مرحلة مبكرة، والطفل يتعلم الكلام في الأشهر الأولى من عمره عن طريق المناغاة والتفوه بأصوات غير مفهومة لنا.. إلا أنها بالنسبة للطفل تعتبر مرحلة حاسمة ومهمة جداً.. لأنه عن طريق هذه المناغاة يختبر أصوات الكلمات ويتعلم التحكم في لسانه وشفتيه وحلقه وحباله الصوتية.
واتفق الخبراء على أن الآباء والأمهات يجب أن يردوا على مناغاة الأطفال بمناغاة أخرى.. فهذه الطريقة تبعث السرور في نفس الطفل وتنبهه وتدعوه إلى بذل مجهود أكبر في المناغاة وإصدار الأصوات بعد ان اكتشف أن هذه الطريقة تجذب اهتمام والديه وتدعوهما للاهتمام به. مع الحرص على كلام الام لطفلها بصفة مستمرة الى طفلها بأسلوب طبيعي.. فهذه المرحلة هي التي يبدأ فيها الطفل التقاط الايقاعات والأنغام من السماعيات.
أما تأخر الكلام عند بعض الأطفال فيرجعه الباحثون الى فشل الأب والأم في تنبيه الطفل عندما يبدأ مرحلة المناغاة.. فقد لاحظوا أن الطفل الذي لا يساعده ولا يشجعه والداه يستمر في مرحلة المناغاة هذه فترة أطول من اللازم ويتأخر بالتالي عن اقرانه الذين في نفس السن بالنسبة لتعلم الكلام.
وتقول عالمة النفس الاميركية اليزابيث هارلوك إن الطفل الذي تأخر في الكلام بالمقارنة بأقرانه الذين في نفس سنه يفقد ثقته وهي الصفة الضرورية لطلاقة اللسان. ونجده بعد ذلك يتردد كثيراً عندما يرغب في التعبير عن نفسه شفهياً مما يعوقه بعد التكيف اجتماعياً وأكاديمياً.
لذلك فعلى الآباء والأمهات أن يحرصوا على تنبيه أطفالهم سمعياً في مراحل مبكرة من العمر مثلما يحرصون على تنبيههم نظرياً عن طريق الصور واللعب المتحركة والملونة ثم ينتقل الطفل بعد ذلك الى مرحلة اصدار أصوات مكونة عادة من حرفين مثل: ((بابا… ماما)) وتعني هذه المرحلة أنه توصل الى مزيد من التحكم في كلامه إلا أنه لا يستطيع بعد أن يربط بين الصوت والمعنى..
وواجب الأم أن تبدأ في تشجيع طفلها على تفهم معاني الكلمات وهناك عدة طرق للتوصل الى ذلك فيمكنها مثلاً: أن تبدأ في التشديد اللفظي على كلمة معينة مثل: ((هيا نخرج)) عندما تخرج طفلها من عربته أو سريره وتكرر نفس الجملة عندما تخرج به من المنزل.
ثم تكرر كلمة ((إلى أعلى)) عندما ترتفع ذراعيه لتلبسه ملابسه أو لتحمله من السرير.. بهذه الطريقة يتعلم الطفل ربط المعنى بالصوت كما يمكن للأم أن تشير الى أجزاء من جسمها أو وجهها وتنطق معناها مثل: ((شعري)) ثم تضع أصبعها على شعر الطفل وتكرر نفس الكلمة ((شعرك)) ثم تدعو الطفل الى لمس شعرها وشعره وهي تكرر نفس الكلمة..
وبالنسبة للتعليم عن طريق اللعب فيمكنها أن تسأله: ((أين بابا)) وتشير إلى الأب وتقول له: ((هذا هو بابا)) ثم تسأله من جديد: ((أين بابا)) وتشجع الطفل على أن يشير بيده اليه.. وهكذا مع تغيير الأشخاص.
كما يمكن للأم أن تثري لغة الطفل عن طريق إفهامه بعض المعاني مثل: ((مليء وفارغ)).. فالكوب فارغ تسكب فيه الحليب ليمتلئ وعندما يشربه الطفل ثم يعود فارغاً من جديد.
ويقول المتخصصون ان الطفل يبدأ مرحلة الكلام في الفترة التي تتراوح ما بين 9 أو 10 أشهر وعامين..
والذي يجب أن يدركه الوالدان هو أن الطفل يفهم قبل أن يستطيع التعبير لغوياً بفترة طويلة.
وتشير الأبحاث إلى أن الأمهات يتكيفن طبيعياً مع مستوى لغة أطفالهن التي تتكون عادة من جمل قصيرة أو ترديد كلمات يسمعونها.. ويجب على الأم أن تعيد نطق الكلمة التي يرددها الطفل بطريقة صحيحة دون التشديد على الحروف لإبرازها كما يفعل البعض لأن هذه الطريقة تقدم للطفل صورة مشوهة للكلمة فيتعلمها كما ترددها الأم التي تضطر بعد ذلك الى تصحيحها له.
من المفيد أيضاً في المرحلة التي يتعلم فيها الطفل الكلام أن تلعب معه الأم وتستعمل كلمات مثل: ((هيا نأكل الطعام)) أو ((هيا لقد حان موعد النوم)) وهكذا في كل تصرف تقوم به ليربط الطفل بين الكلمة والفعل..
أما الخطوة الكبيرة التالية بالنسبة لاكتساب اللغة فهي عندما يبدأ في استعمال أول جملة وعبارة فنلاحظ أن جملته تتكون من كلمتين ((لعبة أنا) أو ((أنام.. لا)) ثم يبدأ في تكوين جمل أطول مكونة من اسمين وفعل وأحياناً صفة.
فكيف يكون هذه الجمل؟ لم يتوصل العلماء حتى الآن الى الأسس التي يلجأ اليها الطفل في تكوين جمله ولكن علماء اللغة يعتقدون أنه منذ أن يولد الطفل فإن كل ما يسمعه يسجل بداخل مخه ويستخلص منه بعد ذلك القواعد السليمة للغة.
هذا هو السبب الذي يبين خطورة التكلم مع الطفل بلغته حيث ان تقليد الخطأ في كلام الطفل يؤدي الى تأخر عملية التصحيح الطبيعية.. هذا لا يعني أن تقاطع الأم الطفل عندما يخطئ في النطق لتصحيح كلامه ولكن بعد أن تستمع اليه وتفهم مراده تعيد نطق كلماته بطريقة صحيحة.
ويقول المتخصصون إنه في السنوات الأربع الأولى من عمر الطفل، ينمو ذكاؤه نمواً مطرداً ويستمر في النمو لمدة ١٣ عاماً أخرى وفي سن ٢ أو ٣ سنوات يستطيع الطفل تعلم أي لغة وعدة لغات بسهولة أكثر من الشخص الكبير..
ومتى بلغ الطفل سن ٤ سنوات تكون جمله تقريباً كاملة لأنه يستعمل تقريباً كل الأجزاء التي تكون الجملة.
وفي سن الخامسة يستعملها بعد ذلك تبدأ مرحلة تهذيب القاموس اللغوي، لهذا يجب الاستمرار في كلام الام لطفلها ومساعدته على تعلم كلمات جديدة واستعمال تركيبات أكثر تعقيداً للجمل.
كذلك يجب الاهتمام بالإنصات إليهم.. فالإحساس بالأمان عند الطفل يبدأ من المنزل وشعوره بأن من حوله يهتمون بما يقوله وهذا الاحساس سوف يزوده بالثقة التي سوف يحتاجها عندما يقتحم العالم الكبير المكون من المدرسة والأصدقاء.