قصة أنشودة العيد

في قصة أنشودة العيد، يكتشف سكروج من خلال زيارة ثلاثة أطياف معاني الكرم والمحبة، ويتعلم أن السعادة الحقيقية تكمن في مشاركة الفرحة مع الآخرين.
جدول المحتويات

في إحدى ليالي الشتاء الباردة والمظلمة في لندن، عاش رجل يدعى “إبنزر سكروج”، كان معروفًا ببخله الشديد وقسوته على الآخرين. لم يكن سكروج يحب الناس، ولا سيما في فترة الأعياد، وكان يرفض المشاركة في أي أعمال خير أو تقديم مساعدة للفقراء. حتى عندما غنى له صبي فقير أغنية عيد الميلاد، طارده سكروج بمسطرة خشبية.

سكروج كان شريكًا في العمل مع رجل يُدعى “جاكوب مارلي”، الذي توفي منذ سنوات. في إحدى الليالي، وبينما كان سكروج وحيدًا في منزله العتيق، فوجئ بشبح مارلي. ظهر مارلي أمامه، مُغطى بسلاسل ثقيلة، وأخبر سكروج أنه يعاني في الآخرة بسبب جشعه في الحياة. جاء مارلي ليحذره من المصير نفسه، وأخبره أن ثلاثة أطياف ستزوره لتعلمه دروسًا لا تُنسى.

أول طيف زاره كان طيف “الماضي”، الذي أخذه في رحلة عبر الزمن ليُريه طفولته الحزينة حيث كان وحيدًا في المدرسة خلال العيد، وتذكر كيف كان وحيدًا ولم يهتم به أحد. ثم رأى نفسه شابًا، عندما كانت أخته الصغرى تأتي لتأخذه إلى المنزل، وكيف أحبها بشدة. لاحقًا، شاهد سكروج نفسه وهو ينفصل عن خطيبته بسبب حبه الشديد للمال، وكيف ضاع منه الحب والسعادة.

بعد ذلك، زاره طيف “الحاضر”. أراه الطيف كيف يحتفل الناس بعيد الميلاد رغم صعوباتهم. ذهب به إلى بيت كاتبه الفقير “بوب كراتشت”، حيث تعيش عائلة بوب ببساطة وسعادة رغم قلة المال. كان بوب لديه ابن صغير يُدعى “تم الصغير”، كان يعاني من مرض ويحتاج إلى رعاية. لاحظ سكروج أن الأسرة كانت ممتنة حتى للوزة الصغيرة التي استطاعوا شرائها للعشاء. تأثر سكروج بشدة حين رأى تم الصغير يقول: “فليبارك الله الناس جميعًا”.

وأخيرًا، ظهر الطيف الأخير، طيف “المستقبل”، الذي أراه ما قد يحدث إذا استمر في طريقه البخيل. رأى سكروج نفسه ميتًا دون أن يحزن عليه أحد، وشاهد كيف تفرح الناس لموته. ذهب إلى المقبرة ورأى اسمه محفورًا على شاهد القبر، مما جعله يرتجف رعبًا. أدرك سكروج أنه سيُنسى وسيعيش وحيدًا إذا لم يُغير حياته.

بفزع، تعهد سكروج للطيف بأنه سيتغير، وسيصبح شخصًا أفضل. استيقظ في صباح اليوم التالي وقد امتلأ قلبه بالسعادة. أسرع سكروج إلى الخارج، وابتسم لكل من رآه، وطلب من أحد الأولاد شراء ديك رومي ضخم لإرساله إلى بيت بوب كراتشت كهدية دون أن يعرف بوب من أرسلها. كما زار سكروج ابن أخته “فرد” ليحتفل معه بعيد الميلاد.

منذ ذلك اليوم، تحول سكروج إلى رجل كريم وعطوف. أصبح صديقًا مخلصًا لعائلة كراتشت، واعتنى بتم الصغير الذي استعاد صحته. عاش سكروج بقية حياته بفرح، وأصبح مثالًا للسخاء والمحبة في المجتمع.

وهكذا تعلم سكروج أن الفرح الحقيقي يأتي من العطاء والمشاركة مع الآخرين، وكما قال تم الصغير: “فليبارك الله الناس أجمعين!”

قصة أنشودة العيد مكتوبة

حدثت وقائع هذه القصة في إنجلترا في العام 1837. كان أحد رجال الأعمال، واسمه جاكوب مارلي، قد مات قبل ذلك التاريخ بسبع سنوات. وكان شريكه إبنزر سكروج رجلاً خسيساً بخيلاً لا يدانيه في ذلك أحد من سكان لندن. بلغ سكروج من البخل حداً بعيداً، حتى إنه امتنع عن شراء طلاء يزيل به اسم شريكه عن لافتة المكتب، فظلت اللافتة كما كانت: “سكروج ومارلي”.

جدول المحتويات

مشاعر سكروج تجاه الأعياد

في أمسية من أماسي الأعياد، وكان الجو ضبابياً بارداً، اقترب صبي فقير من المكتب، ولعله كان طامعاً في الحصول على قرش، وراح ينشد:

“فليمنحكم الله السعادة، أيها السادة، وليبعد عنكم الفزع وكل وجع!”

اندفع سكروج إلى خارج المكتب يحمل مسطرة خشبية ليخبط بها رأس الصبي، لكن الصبي لاذ بالفرار. لقد كان سكروج يكره كل ما له صلة بالأعياد. كان حسير اليد، لا يقوم بأي عمل خير، ولا يعطي قرشاً للفقراء والمحتاجين. كانت شفتا سكروج مزرقتين من شدة الصقيع، لكن قلبه كان أشد برودة وقساوة. لم يكن سكروج يشعل في أبرد أيام الشتاء إلا ناراً خفيفة، وكان يحتفظ بكيس الفحم قرب طاولته، فلا يسمح لكاتبه بإيقاد فحمة جديدة إلا بعد استئذانه.

بوب كراتشت في مكتب سكروج

كان كاتبه يدعى بوب كراتشت، وكان يجلس على مقعد عال في غرفة المكتب الأمامية، ويكتب في دفتر حسابات ضخم. وكان بوب يلبس قفازين، ورغم ذلك كانت أصابعه من شدة البرد لا تكاد تقوى على الإمساك بالريشة، بل كاد الحبر نفسه أن يتجمد في المحبرة. وكان يضع شالاً حول عنقه، يلفه ثلاث لفات طلباً للدفء. بدا للناس أن اسم سكروج نفسه وضيع، وهل يوحي اسم إبنزر سكروج بغير ذلك؟

كان الناس يسرعون الخطو في شوارع لندن المغلفة بالضباب، يسعلون ويجهدون أنفاسهم. بدا الجو قاتماً معتماً، رغم أن الساعة لم تكن تجاوز الثالثة بعد الظهر. ولم يكن بالإمكان رؤية البيوت المقابلة إلا بصعوبة، فأشعلت الشموع في مكاتب المدينة. حاول بوب أن يدفئ يديه على لهب شمعة، لكن دون نجاح يذكر.

أجواء الأعياد رغم الضباب

رغم الضباب والعتمة، فقد كان الناس مبتهجين. فغداً يوم عيد. المحلات التجارية كانت تفيض بهجة وتتألق أنواراً. كان فيها ديوك رومية، وأوز، وأكوام من البرتقال والتفاح والجوز والفطائر وأنواع كثيرة من الحلوى. لكن لم يكن الناس كلهم قادرين على دفع ثمن هذه الأطايب.

تجمع عدد من الأطفال ذوي الثياب الرثة حول نار متأججة أوقدها بعض العمال في زاوية الشارع.

زيارة فرد لسكروج

فجأة، انفتح باب مكتب سكروج وارتفع صوت فرح يقول: “عيد سعيد، يا خالي!” كان ذلك فرد، ابن أخت سكروج. وقد فعل البرد والمشي الجاد فعلهما فيه، فدخل على خاله بعينين متألقتين ووجه أحمر وأنفاس تتلاحق وتنعقد في الهواء كبخار.

قال سكروج بتأفف وازدراء: “ما الذي يسعدك، وأنت فقير؟” ضحك ابن الأخت وقال: “وما الذي ينعسك، وأنت غني؟” زمجر سكروج: “عيد سعيد! فليسقط العيد! لو كان الأمر لي، لأمرت بسلق كل أحمق يقول عيد سعيد، ولأشرفت على دفنه بعد أن أضع شوكة في قلبه!”

رد ابن الأخت: “لا أظنك تعني ما تقول، يا خالي! تعال وتناول معنا غداء العيد، ولنكن أصدقاء!” لكن سكروج رفض الدعوة.

أكمل ابن الأخت: “رغم مزاجك العكر، فإني سأتمنى لك عيداً مجيداً وعاماً سعيداً!”

لقاء مع المتسولين

بدت على سكروج علامات الازدراء وهو يراقب ابن أخته يغادر المكتب، ويلقي في طريقه تحية لطيفة على بوب كراتشت. فتح فرد الباب فإذا به أمام رجلين سمينين أنيسي الوجه، فأزاح جانبًا مفسحًا أمامهما المجال للدخول. كان الرجلان يجمعان مالًا للفقراء والمحتاجين لمساعدتهم في موسم العيد.

قال أحد الرجلين: “السيد مارلي؟” أجاب سكروج بصوت كالنباح: “مارلي متوفى، أنا سكروج!” ثم رفض أن يعطي شيئًا لمساعدة الفقراء، وصاح: “أليس في البلد سجون؟ أليس فيه إصلاحيات وملاجئ؟ أنا أساعد هذه المؤسسات بما أدفعه من ضرائب، فليذهب الفقراء إليها!”

اعترض الرجلان قائلين: “كثيرون لا يتاح لهم دخول تلك المؤسسات، وكثيرون يفضلون الموت عليها.” فرد سكروج ببرود: “فليموتوا إذاً! عندنا منهم أعداد كبيرة!” وخرج الرجلان.

انتهاء يوم العمل

ازداد الضباب كثافة وازدادت العتمة. وسرعان ما حان وقت إقفال المكتب، فأطفأ بوب شمعته. زمجر سكروج قائلًا: “أحسبك تريد أن يكون يوم غد عطلة، وأن أدفع لك أجر يوم كامل دون أن تقوم بأي عمل؟” أجاب بوب بخوف: “العيد يأتي مرة واحدة في العام!” زمجر سكروج: “مرة واحدة ليس شيئًا قليلًا!” لكن رغم زمجرته وهياجه، لم يكن أمامه هذه المرة إلا أن يذعن.

جرى بوب بشاله الأبيض كما يجري ولد خرج من المدرسة بعد طول انتظار. وراح ينزلق على سفح تلة غطاها الجليد، يشارك الأولاد في الطريق لهوهم ثم أسرع إلى بيته ليلعب مع أطفاله.

شبح مارلي

كان سكروج يعيش وحيدًا في منزل عتيق معتم كان يخص جاكوب مارلي، شريكه المتوفى. حين وصل سكروج إلى ساحة المنزل، كان الظلام حالكًا، فراح يتحسس طريقه إلى الباب. وبينما كان يدير المفتاح في الباب، وجد نفسه ينظر إلى المقرعة الكبيرة العتيقة الطراز. لكنها بدت له تلك الليلة غريبة! لقد رأى فيها وجه شريكه المتوفى مارلي.

ظهور وجه مارلي

بدا وجه مارلي بلون أخضر باهر، أشبه بسمكة فاسدة تلمع في الظلام. وظهرت فوق الوجه نظارة شبحية. ثم تحرك الشعر قليلًا، كأنما بفعل النسيم. كانت العينان بارزتين تحدقان تحديقًا جامدًا بلا حياة. حدق سكروج في الطيف، فإذا به يختفي وتعود المقرعة إلى هيئتها الطبيعية!

لم يتطرق الخوف إلى قلب سكروج، إذ إنه لم يكن يؤمن بالأشباح. ومع ذلك، عندما دخل المنزل، أضاء شمعة ونظر إلى الجانب الداخلي من الباب، وكأنه كان يتوقع أن يرى شعر مارلي الطويل المربوط، لكنه لم يرَ غير البراغي التي تثبت المقرعة.

في المنزل العتيق

كان كل شيء في غرفة النوم العلوية عاديًا. ومع ذلك، فتش سكروج تحت السرير وتحت الطاولة، لكنه لم يجد شيئًا مريبًا. لبس ثياب النوم ووضع على رأسه طاقية الليل. ثم أشعل نارًا صغيرة وسخن فوقها قدرًا من العصيدة، وجلس يأكل دون شهية. لم يعرف سبب انشغاله بالبال، لكنه حرص على أن يتفحص قفل الباب جيدًا.

كان يحيط بالمدفأة صور تمثل أشخاصًا مختلفين من عصور مختلفة. بدت هذه الصور جميعها في عيني سكروج وكأنها وجوه شريكه المتوفى جاكوب مارلي. أفزعه ذلك وأرسل القشعريرة في بدنه.

ظهور شبح مارلي

فجأة، بدأ جرس معلق فوق المدفأة يتأرجح يمينًا ويسارًا. لم يكن أحد قد استعمل ذلك الجرس منذ سنوات، أما الآن فقد ارتفعت رنينته، وراحت ترن معه أجراس البيت كلها لمدة دقيقة تقريبًا. ثم سمع سكروج أصوات فرقعة عميقة، وكأن أحدًا يجر سلسلة في قبو المنزل.

صاح سكروج: “إنها خرافات! لن أصدق ما أسمع!” ثم سمع صوت باب القبو ينفتح، وأحس بحركة تصعد على الدرج. رأى باب غرفته ينفتح، وإذا بزائر الليل الخفي أمامه وجهاً لوجه. قفزت ألسنة اللهب في المدفأة وكأنها تصيح: “أعرفه! إنه مارلي!”

انتصب مارلي بشعره الطويل المربوط، يلبس صدرته وبنطلونه الضيق وجزمته. وكانت تلتف حول جسمه سلسلة طويلة جدًا، تتألف من صناديق نقود، ومفاتيح، وأقفال، ودفاتر حسابات، ومحافظ معدنية ثقيلة. بدا مارلي شفافًا يخترقه الضوء.

قال الشبح: “أنت لا تصدق ما ترى، أليس كذلك؟” أجاب سكروج: “لا أصدق، لعلك وهم تسببه معدة مملوءة.”

لم يعير الشبح نكتة سكروج السخيفة اهتمامًا. وأصدر، عوضًا عن ذلك، صيحة مرعبة وهز سلسلته.

حوار سكروج مع شبح مارلي

سأل سكروج: “ما هذه السلسلة التي تحيط بك؟” أجاب مارلي: “صنعت هذه السلسلة حين كنت على قيد الحياة، حلقة حلقة، وشبرًا شبرًا. عندك أنت أيضًا واحدة ثقيلة مثلها، لكنك عشت بعدي سبع سنين، فسلسلتك أطول.” نظر سكروج إلى نفسه فلم يرَ سلسلة.

تنهد الشبح وقال: “لم أفكر إلا بالمال، فضيعت فرصًا كثيرة كانت لتجعل مني إنسانًا صالحًا.” أجاب سكروج: “لكن كنتَ، يا جاكوب، رجل أعمال ناجحًا!” رد مارلي: “الأعمال! البشر كانوا عملي! أهملتهم، وأنا الآن أنال قصاصي!”

سأل سكروج: “لماذا جئتني؟” أجاب مارلي: “لأحذرك، فلا تلاقي مصيري. سيزورك، عندما تدق الساعة دقة واحدة، ثلاثة أطياف!” قال سكروج: “لا رغبة لي في استقبال أحد.” لكن الشبح لف ذيل سلسلته حول ذراعه وأخذ يتراجع ناحية النافذة.

ظهور المزيد من الأشباح

انفتحت النافذة على مصراعيها، وخرج الشبح سابحًا في هواء الليل. سمع سكروج صرخات حزينة، وبدا له فضاء المدينة غاصًا بأشباح كشبح مارلي. كانت كلها تصدر صرخات حزينة وتحاول الوصول إلى الناس الذين أهملتهم وظلمتهم عندما كانوا لا يزالون على قيد الحياة.

أحس سكروج فجأة بالتعب الشديد، فانسل إلى فراشه ونام.

طيف الماضي

استيقظ سكروج مذعورًا عندما دقت الساعة معلنة انتصاف الليل. تساءل إن كان ما رآه حلمًا أم أن شبحًا سيظهر له فعلاً عندما تدق الساعة الواحدة؟ ظل مستيقظًا ينصت، إلى أن دقت الساعة أخيرًا الواحدة.

في تلك اللحظة، أضيئت الشموع في غرفته، وأزيحت الستائر عن سريره. وظهر أمامه طيف أنثوي صغير غريب، ذو وجه ناعم كوجوه الأطفال، وشعر طويل أشيب كشعر العجائز. كان الطيف يلبس رداءً أبيض ويحمل في إحدى يديه غصنًا أخضر، وفي اليد الأخرى قمعًا يمكن أن يطفئ به نورًا ينبعث من قمة رأسه.

قال سكروج: “من أنت؟” أجاب الطيف: “أنا طيف الماضي.” تساءل سكروج: “الماضي البعيد؟” أجاب الطيف: “لا، ماضيك أنت.” فسأله سكروج: “ما الذي جاء بك إلى هنا؟” رد الطيف: “أتيت لأنعش ذاكرتك. أتيت لأساعدك. انهض وتعال معي!”

ذكريات الطفولة والوحدة

نهض سكروج من فراشه وأمسك يد الطيف. فجأة، وجد نفسه في قرية ريفية، ورأى أولادًا في الطريق، يركب بعضهم خيولًا، ويلبس آخرون ثياب مزارعين. كانوا يتخاطبون بسعادة وحماسة، فقد كانوا في طريقهم إلى منازلهم لقضاء إجازة العيد. عرف سكروج بين هؤلاء الأولاد رفاق مدرسته.

تحدرت الدموع من عينيه، فقد تذكر كيف بقي في ذلك العيد وحيدًا في غرفة باردة من غرف المدرسة، لا يسأل عنه أحد. رأى نفسه في الماضي، جالسًا يقرأ في كتاب، وكان أبطال هذا الكتاب يتمثلون أمامه كأشخاص حقيقيين.

صاح سكروج بحماسة: “ذاك هو روبنسون كروزو، وذاك هو فرايدي، صديقه الذي يجري على الشاطئ الرملي!” لكن الصور تلاشت، فمسح سكروج عينيه بكمه.

قال بصوت حزين: “ليتني…” فسأله الطيف: “ليتك ماذا؟” أجاب سكروج بأسف: “لقد جاءني هذا المساء ولد فقير وغنى أمام مكتبي، ليتني أعطيته شيئًا.”

لقاء الأخوة وذكرى العائلة

حرك الطيف يده وقال: “فلننظر في عيد آخر.” فجأة، رأى سكروج غرفة المدرسة نفسها، لكنه كان قد كبر. ومع ذلك، كان وحيدًا مرة أخرى. انفتح الباب فجأة، واندفعت فتاة صغيرة نحوه وضمت الفتى إلى صدرها. كانت الفتاة أخته، التي جاءت لتصطحبه إلى البيت لقضاء عطلة العيد.

قال سكروج بأسى: “كانت ضعيفة البنية، وقد ماتت شابة.” رد الطيف: “وتركت وراءها ولدًا، أليس كذلك؟ إنه ابن أختك فرد.” أجاب سكروج بإطراق: “نعم.”

ثم تركا المدرسة، ووجد سكروج نفسه في مدينة كبيرة. كانت الشوارع مضاءة في ليلة العيد، فتوقفا عند باب أحد المخازن. قال الطيف: “أتعرف هذا المكان؟” فأجاب سكروج: “أعرفه! لقد كان أول مكان عملت فيه.”

حفلة العمل وسحر الماضي

كانت تدور في المخزن حفلة بهيجة في ليلة العيد، يحضرها رب العمل وأسرته وموظفوه. امتدت مائدة مليئة بالمآكل الشهية، الفاكهة، والحلويات. لكن ما سحر الجميع كانت الموسيقى الشعبية التي كان أحد الموسيقيين يؤديها.

كان رب العمل نجم الحفلة، يراقص زوجته ويتحرك معها بحيوية ونشاط، وتشاركه زوجته في الحماسة. أحس سكروج بالسعادة، وراقت له الحفلة تمامًا كما كانت في الماضي.

التفت سكروج إلى الطيف وكأنه يريد أن يقول شيئًا. فسأله الطيف: “هل يشغل بالك شيء؟” أجاب سكروج مترددًا: “لا، أتمنى فقط لو أقول كلمة لكاتي…”

فشل الحب والندم

الصورة التالية التي رآها سكروج من ماضيه كانت مؤلمة. رأى نفسه رجلاً مغرورًا، تغلي ملامحه بالبخل والخسة. كانت خطيبته حينها تتحدث إليه، تخبره أنه يحرص على المال أكثر مما يحرص عليها، ثم تعيد له خاتم الخطبة.

شعر سكروج بالضيق. ثم رأى في صورة أخرى، خطيبته التي تزوجت شخصًا غيره وعاشت حياة سعيدة، بينما هو يجلس وحيدًا في مكتبه، لا يرافقه سوى شمعة وحيدة تضيء عزلته.

صاح سكروج: “ابتعد عني!” ثم هجم على الطيف محاولًا انتزاع القمع الذي يحمله ليكتم به نور الذكريات الذي يشع من رأسه. فجأة، وجد نفسه في غرفة نومه. فارتمى منهكًا على السرير وغط في نوم عميق.

طيف الحاضر

استيقظ سكروج مذعورًا مرة أخرى في اللحظة التي كانت الساعة تدق فيها الواحدة. بدا كأن شعاعًا من نور يتسرب من باب الغرفة المجاورة. سمع صوتًا يدعوه قائلًا: “تعال، يا سكروج!”

انتعل سكروج خفيه وراح يجرجر نفسه نحو الباب. رأى غرفته بشكل مغاير لما يعرفه؛ فقد كانت مزينة بأغصان الشجر الخضراء والنباتات المتسلقة والهدال. الموقد كان متأججًا بنار شديدة، وعلى الأرض كانت هناك ديوك رومية، بط، دجاج، شرائح لحم، سجق، وأطعمة أخرى، وفاكهة وحلويات مكدسة على هيئة تلة صغيرة.

فوق تلك الكومة جلس عملاق مرح يحمل في يده مشعلًا. أضاء نور المشعل وجه سكروج الذي كان يحدق في الغرفة غير مصدق ما يراه. قال العملاق: “ادخل وتعرف إلي! أنا طيف الحاضر!”

كان الطيف يلبس رداء أخضر داكن، ذا حواف من الفراء الأبيض، وغصن أخضر يشك شعره الجعد. قال سكروج بخضوع: “أيها الطيف، أعرف أنك جئت لتساعدني. أرجوك، خذني معك!”

سكروج يشهد احتفالات العيد

أخذه الطيف إلى الشوارع حيث كان الناس يسرعون لشراء حاجيات العيد قبل نفاد الوقت، وراحت الأصوات تتعالى من المعابد داعية الناس إلى الصلاة. أما الفقراء الذين لم يكن لديهم نار تكفي لطبخ طعام العيد، فقد حملوا قدورهم وصوانيهم إلى الأفران العامة.

وقف العملاق أمام أحد الأفران ورمى من مشعله رشة لطيفة من الشرر، داعيًا أن يبارك الله عشاء أولئك الفقراء. بعد ذلك، وصلا إلى منزل صغير للغاية، هو منزل بوب كراتشت، كاتب سكروج. كان راتب بوب ضئيلًا جدًا، فخصص الطيف لمنزله دعوات كثيرة.

احتفال عائلة كراتشت

كان أفراد عائلة كراتشت جميعهم يرتدون أفضل ما لديهم احتفالًا بالعيد. لبست السيدة كراتشت وبناتها ثيابًا بسيطة لكنها زينت بشرائط ملونة بهيجة. ارتدى الفتى بطرس قبة أبيه المنشاة المجنحة وراح يشك شوكته في قطعة من البطاطا الساخنة، بينما كانت إحدى البنات تساعد في إعداد المائدة.

اندفع إلى المنزل صغيران من آل كراتشت، صبي وبنت، يقولان إنهما يشتمان رائحة الوزة المشوية القادمة من مخبز الفران. سألت الأم: “أين أبوكما وتيم الصغير؟” رد الولدان: “ها هما!” ودخل بوب وقد لف شاله حول عنقه مرات عدة، وهو يحمل على كتفه ابنه تيم الصغير. كان تيم طفلًا ضئيل الجسم، بساق معطوبة يحيط بها رباط حديدي، ولا يفارق عكازه أينما ذهب.

وليمة العيد

ثم دخلت كبرى الفتيات تحمل صينية عليها وزة. سخنت الأم مرق اللحم، وهرس بطرس البطاطس المسلوقة، وسكبت الفتيات مرق التفاح في الصحون، وأعددن الأطباق الساخنة. بعد أن جلس الجميع حول الطاولة، شكر بوب الرب على عطائه. قامت السيدة كراتشت بتقطيع الوزة وتوزيعها على أفراد الأسرة، بينما كانت تفوح من المائدة رائحة البهارات والمأكولات الشهية.

قالوا جميعًا إنهم لم يذوقوا طعامًا أطيب من هذا! وكان الطعام وفيرًا، فأكل الصبيان الكبيران بشهية كما لم يأكلا من قبل.

حلوى العيد وسعادة الأسرة

وأخيرًا، جاء دور حلوى العيد التي كانت رائحتها تتسرب إليهم من المطبخ. حملت الأم صينية الحلوى وجاءت بها. نسي الأولاد أن بطونهم ممتلئة، ولكن خطر في بالهم أن صينية الحلوى تبدو صغيرة على أسرة كبيرة مثل أسرتهم. ورغم ذلك، لم يفصح أحد منهم عما يجول في خاطره. كانوا جميعهم يدركون أن والديهم قدما لهم أقصى ما يمكن تقديمه، وكانوا بذلك راضين وسعداء.

كلمات تم الصغير والقلق بشأنه

قال بوب: “علينا أن نشكر الله على عطائه، وعلى محبتنا بعضنا لبعض، وعلى أنه وهبنا هذه الأسرة الصالحة المتعاطفة. عيد سعيد! وليباركنا الله!” وأجاب تم الصغير، الذي كان يجلس إلى جانب أبيه ويمسك بيده: “ليباركنا الله، وليبارك الناس أجمعين!”

همس سكروج قائلاً: “أيها الطيف، أخبرني، هل سيقدر لتم الصغير أن يتعافى ويعيش؟” رد الطيف: “أرى كرسياً خالياً، وأرى إلى جانب الكرسي عكازاً. إن لم تتغير هذه الظلال، فلن يكون تم الصغير في العيد المقبل بين أفراد أسرته. لكن، ما سبب اهتمامك؟ فليمت! ألست أنت القائل إن عندنا من هؤلاء الفقراء أعداداً كبيرة؟”

سمع سكروج كلماته القديمة ذاتها، فغلبه صمت الخجل.

مشاهد من حياة الآخرين

أخذ الطيف سكروج إلى الأماكن النائية المؤحشة، وأراه كيف يكون العيد هناك. أراه عمال المناجم، ورجال المنارات الذين تحيط بهم عواصف البحر. كما أراه بحارة السفن في عرض البحر، يغنون في ظلام الليل وينشدون للعيد.

فجأة، سمع سكروج ضحكة حبور وفرح. كانت ضحكة ابن أخته فرد، الذي كان يحتفل مع أسرته بليلة العيد. كانوا يلعبون لعبة الاستخفاء بمرح وصخب، ثم لعبة التحزير، حيث كان أفراد الأسرة يسألون، وكان على فرد أن يجيب بـ”نعم” أو “لا”.

لعبة التحزير وضحك العائلة

كان ابن أخته يفكر في حيوان ما، وكان الجميع يحاولون تخمينه. سألوا: “هل هو حيوان منفّر؟” أجاب: “نعم.” “هل يعيش في لندن؟” “نعم.” “هل هو في حديقة الحيوان؟” “لا.” “هل هو حصان؟” “لا.” “حمار؟” “لا.” “بقرة؟” “لا.” “نمر؟” “لا.” “قطة؟” “لا.” “دب؟” “لا.”

ضحك ابن أخت سكروج بشدة حتى كاد أن يقع عن مقعده. وأخيراً، صاحت شقيقة زوجته السمينة: “عرفته! إنه خالك سكروج!”

خجل سكروج وابتعاده

أحس سكروج بالخجل والعار! صاح الجميع: “فليهد الله خالنا سكروج!” أراد سكروج أن يرد لهم تمنياتهم، لكن الطيف أسرع به إلى بلاد بعيدة، ليريه كيف يقضي الناس هناك العيد.

أخذ الطيف بعد تلك الرحلة يتضاءل رويدًا رويدًا، وأخذ الشيب يدب سريعًا في شعره البني. قال سكروج: “هل تنتهي حياتك بهذه السرعة؟” أجاب الطيف: “نعم.”

ظهور الطفلين الجائعين

ثم لاحظ سكروج شيئًا يخفيه الطيف في ثنايا ردائه. سرعان ما أدرك أن ما يراه طفلان، صبي وبنت، نحيلان جدًا، يبدوان في حالة جوع شديد، ويلبسان ثيابًا رثة.

قال الطيف بأسى: “إنهما من أطفال العالم، ممن لا أب لهم ولا أم، ولا أحد يقضي العيد معهم.”

سأل سكروج: “أليس لهما مكان يذهبان إليه؟” رد الطيف مكرراً كلمات سكروج السابقة: “أليس هناك سجون؟ أليس هناك ملاجئ؟”

ظهور الطيف الأخير

دقت الساعة دقة واحدة، ونظر سكروج حوله باحثًا عن الطيف، فلم يجده. لكنه رأى شبحًا مغطى برداء أسود وغطاء رأس، ينزلق نحوه وسط الضباب. كان هذا الطيف الأخير.

طيف العيد الآتي

لم يقل الطيف شيئًا، ولم يرَ سكروج منه وسط الظلام سوى يد ممدودة تشير إليه من بين الثياب السوداء. امتلأ قلبه بالذعر، فسأل وهو يرتجف: “أأنت طيف المستقبل؟ أستريني أشياء تقع في السنين الآتية؟” بدا الطيف وكأنه يؤمي برأسه.

رجاه سكروج قائلاً: “ألن تكلمني؟” لكن الطيف لم يقل شيئًا، بل أشار بيده إلى الأمام. وجد سكروج نفسه في مدينة، حيث كان رجال الأعمال يقفون جماعات ويهزون النقود الذهبية في جيوبهم. وقف سكروج والطيف قريبًا يستمعان إلى حديث بعض هؤلاء الرجال. قال تاجر سمين: “لا أعرف الكثير، لا أعرف إلا أنه مات.”

رد الآخر، وهو يأخذ نشقة قوية من علبة السعوط: “لمن ترك كل هذا المال؟” قال مصرفي ذو أنف أحمر: “لم يترك ماله لي!” فضحك الجميع.

أضاف التاجر السمين: “أتساءل إن كان أحد سيحضر جنازته. لا أعرف له صديقًا واحدًا!”

أراد سكروج أن يعرف عمن يتحدثون، وراح يبحث عن نفسه، لكنه لم يكن في مكان عمله المعهود.

مشاهد من حياة لندن الفقيرة

أخذ الطيف سكروج إلى حي بائس من أحياء لندن الفقيرة. هناك، رأى محلًا لبيع البضائع العتيقة، منخفض السقف ومتهدم، مليء بالخردة. رأى رجلاً نحيلاً بارز العظام يتقوقع حول مدفأة كريهة الرائحة، منتظرًا الزبائن.

دخل المحل رجل وامرأة، قادمان من قلب الليل الضبابي، يحملان صررًا تحتوي على شراشف وثياب وستائر قديمة. قال الرجل النحيل متذمرًا: “من أين جئتم بهذه البضائع الكريهة؟” ردت المرأة بصوت عال: “أخذناها من عجوز لن يحتاج إليها بعد اليوم!”

قال الرجل الآخر: “لا، لن يحتاج حيث هو الآن إلى شراشف أو ثياب نوم!” وأضاف: “لو لم يكن عجوزًا خبيثًا، لوجد من يعتني به ساعة موته.”

راقب سكروج الرجل والمرأة يأخذان مبلغًا زهيدًا ويغادران المحل. قال: “أيها الطيف، ألا يشفق أحد على ذلك الرجل الميت؟ أرني شخصًا يبدي نحوه شيئًا من الشعور!”

مشاعر الناس تجاه الموت

نشر الطيف رداءه الأسود كما ينتشر الجناحان، ثم رفعه لتظهر أمام سكروج غرفة داخلها أم وأطفالها. عندما دخل الزوج، كان رجلاً منهكًا واهن الجسم، ومع ذلك بدت عيناه تشعان اطمئنانًا. قال: “أمامنا متسع من الوقت لوفاء ديننا.” سألته الزوجة بلهفة: “هل مدد لنا العجوز مهلة الدفع؟”

أجاب الزوج: “لا، لكنه مات!” أشرق وجه الزوجة بالفرح، فالشعور الوحيد الذي أحس به الناس لموت ذلك العجوز كان شعور الارتياح.

عائلة كراتشت بعد رحيل تم الصغير

رجا سكروج الطيف أن يريه شخصًا يشفق على ميت، فنقله الطيف إلى منزل بوب كراتشت.

بدت أسرة كراتشت هادئة، وأمهم كانت تخيط ثيابًا. سألت الأم: “متى يأتي أبوكم؟ لقد تأخر.” رد بطرس: “أظن أنه يسير في الأمسيات الآن أبطأ مما كان يسير حين كان يحمل تم الصغير على كتفه.” قالت الأم: “لقد كان أبوكم يحب تم الصغير، وكان تم خفيف الوزن جدًا.”

زيارة بوب للمقبرة

في تلك اللحظة، دخل بوب البيت وهو يلف شاله حول عنقه. أسرعت الأسرة إليه، فقد كان يزور المقبرة. قال بوب: “إنه مكان لطيف. لقد وعدت تم الصغير أن أزوره مرة في الأسبوع.”

ثم أضاف بوب لأفراد أسرته: “علينا ألا ننسى تم الصغير أبدًا. علينا ألا نتخاصم، فقد كان صبورًا صالحًا لا يحب الخصام.” فأقبل الجميع يضمون بعضهم بعضًا، ويعدون الوعد الذي طلب منهم أن يقطعوه.

نظر بوب إلى زوجته وأولاده وقال: “أنا الآن راض!”

مواجهة سكروج لمصيره

التفت سكروج إلى الطيف وقال بلهفة: “أرني ما سأكون عليه بعد سنين!” فأخذه الطيف إلى مكتبه، ووجد هناك رجلاً آخر يجلس في مقعده. دب الفزع في قلبه.

قاد الطيف سكروج بإشارة من يده إلى باب حديدي، ووراءه أرض مهملة تغطيها أعشاب عالية وأشواك، حيث كانت القبور تنتشر. وقف الطيف الأسود بين القبور وأشار بيده إلى شاهد من شواهدها.

سأل سكروج بقلق: “قل لي أيها الطيف، أكان ما رأيت أمورًا محتومة أم محتملة؟ أما من سبيل لتغييرها؟” لكن الطيف أشار إلى شاهد القبر دون أن ينطق بحرف. وعلى الشاهد، رأى سكروج اسمه:

إبنزر سكروج.

صاح وهو يتمسك برداء الطيف: “لا، لا! أنا لست ذلك الرجل، لن أكون ذلك الرجل! أما من أمل لي؟ هل أقدر أن أغير ما رأيتني إياه؟” فارتعشت يد الطيف.

وعد سكروج بالتغيير

تعهد سكروج قائلاً: “أعد أن أحفظ روح العيد في قلبي طوال أيام حياتي! أعد أن أتذكر الدروس التي علمتني إياها الأطياف: طيف الماضي، طيف الحاضر، وطيف المستقبل! أرجوك قل لي إني قادر على تغيير ما كتب على هذا الشاهد!”

بينما كان يتوسل إلى الطيف، رأى تغييرًا يصيب رداءه وغطاء رأسه. بدأ الثوب والرداء يتضاءلان رويدًا رويدًا حتى تحولا إلى قائمة سرير.

استفاق سكروج على صوت نفسه قائلاً: “فليباركنا الله أجمعين!” لقد كان في غرفته، أمامه الأيام المتبقية من حياته ليكفر عما فعل في الماضي.

استيقاظ سكروج في صباح العيد

قفز سكروج من سريره، وأزاح ستائره، ملاحظًا أنها لم تنتزع. أمسك ثيابه وراح يقلبها ويلبسها ويخلعها، ضاحكًا باكيًا في وقت واحد. صاح بأعلى صوته: “عيد سعيد أيها الناس جميعًا! أيام مباركة خيرة للعالم كله!”

بدأ يسمع جلبة في الشوارع، وقد انحسر الضباب، وبدا النهار الجديد نقيًا وجميلًا. ما أجمل شمس الصباح الذهبية وهواء الصباح النقي! أسرع إلى النوافذ وفتحها، ثم نادى على فتى كان يسير في الطريق وسأله: “أي يوم هذا اليوم؟”

بدا الاندهاش على الفتى وهو يجيب: “أي يوم؟ إنه يوم العيد!”

مفاجأة بوب كراتشت

أدرك سكروج أنه لم يضيع الوقت، فقد أرته الأطياف مدهشات الحياة في ليلة واحدة، والعيد لم ينقض بعد. قال سكروج للفتى: “اذهب إلى اللحام في الشارع المجاور، واشترِ لي أكبر ديك رومي عنده. نعم، أكبر ديك رومي. قل للرجل أن يعود معك لأخبره أين يرسل الديك. ومكافأة لك، سأعطيك نصف جنيه!”

ركض الولد في الطريق بسرعة، فنصف جنيه كان مبلغًا كبيرًا من المال.

قال سكروج بحماسة: “سأرسله إلى بوب كراتشت. لن يعرف من أرسله. سيكون الديك الرومي ضعف حجم تم الصغير!”

سكروج يغير حياته

بعد أن أرسل الديك الرومي، ألقى سكروج نظرة فاحصة على مقرعة الباب الخارجي وقال: “إنها مقرعة صادقة، ما أجملها!” ثم حلق ذقنه وارتدى أفضل ما عنده من ثياب وخرج من المنزل. وأخذ في الطريق يبتسم لكل من يراه ويحييه ويتمنى له عيدًا سعيدًا. كان الجميع يردون له التحية بأحسن منها.

اتفق أن قابل الرجل السمين الذي كان يجمع تبرعات للفقراء والمعوزين، فأسرع إليه وهمس في أذنه. بدا على الرجل السمين الدهشة والفرح. قال سكروج: “يشمل هذا ما تأخرت عن دفعه خلال سنوات كثيرة.”

زيارة مفاجئة لابن أخته

بعد ذلك، توجه سكروج رافع الرأس إلى بيت ابن أخته، وقرع الباب قائلاً: “أنا خالك سكروج. أتيت لأتناول عندكم طعام العشاء. هل لي أن أدخل، يا فرد؟”

استقبله ابن أخته وأسرته بترحاب شديد. قضى سكروج أمسية رائعة، رقص فيها مع أفراد الأسرة، ولعب مع الأطفال، وغنى، وأحس بسعادة لم يعرفها من قبل.

مفاجأة بوب كراتشت في العمل

في اليوم التالي، استيقظ سكروج باكرًا، فقد أراد أن يفاجئ بوب كراتشت عند وصوله إلى المكتب. حاول بوب المسكين أن ينسل إلى المكتب دون أن يراه أحد، ولكنه تأخر ربع ساعة عن موعده المعتاد. نزع قبعته وشاله وأسرع إلى مقعده، وبدأ في الكتابة فورًا، وكأنما في تأخره عن العمل نهاية له.

زمجر سكروج في وجهه، متظاهرًا أنه لا يزال الشخص الكريه الذي كان عليه، وقال: “ما تقصد من مجيئك في مثل هذا الوقت من النهار؟” أجاب بوب بمذلة: “آسف جدًا، إنها مرة في العام.”

رد سكروج: “لن أحتمل مثل هذا التصرف!” ثم دفع بوب وتابع: “لذلك… سأعطيك علاوة!”

ظن بوب أن سكروج أصيب بالجنون، فالتفت يبحث عن المسطرة الخشبية الطويلة ليدافع بها عن نفسه. لكن سكروج صاح: “عيد سعيد، يا بوب! وليكن أسعد من كل الأعياد السابقة التي قضيتها معي، يا صديقي المسكين! أشعل نارًا قوية، واجلب الكثير من الفحم! سأعتني بأسرتك، وأساعد تم الصغير. سنحتفل اليوم ببدء حياة جديدة!”

تحول سكروج إلى شخص كريم

وفى سكروج بوعده، بل فعل أكثر مما وعد به. تحول إلى إنسان عطوف وكريم، متفهم وصادق. اعتنى بتم الصغير الذي عاش بصحة جيدة، وكان له كأب ثان. أصبح سكروج صديقًا مخلصًا، ورب عمل عطوفًا، ومواطنًا صادقًا وكريمًا.

لم تزر الأطياف سكروج مرة أخرى، وعاش سعيدًا بعد أن أدرك الفرح الذي ينبع من فعل الخير والحرارة التي تنبع من العاطفة الصادقة.

فليصب التحول الذي حل بسكروج كل أولئك الذين لا يزالون بعيدين عن محبة الإنسان! وكما قال تم الصغير ذات يوم: “فليبارك الله الناس أجمعين!”

معرض الصور (قصة أنشودة العيد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى