قصة ملكة الثلج

قصة ملكة الثلج هي حكاية وقصة شعبية شهيرة للأطفال تعلم الصغار عن روابط الصداقة القوية التي لا تنكسر وألا نترك أصدقائنا خلفنا أبداً وهم بحاجة إلينا.

صداقة قوية

في مدينة كوبنهاجن، حاضرة بلاد الدانمرك، يقوم بيتان جميلان يفصل بينهما زقاق، وفوق الزقاق قنطرة عالية من الحجر تمتد كالجسر بين شرفة البيت الأول وشرفة البيت الثاني.

وكان الفتى «كاي» يقطن البيت الأول، والفتاة «جيردا» تسكن البيت الثاني. وكانا يتبادلان المودة، وتربطهما صداقة بريئة. وغالبا ما كانا يلتقيان فوق سطح القنطرة وهما يزرعان في أحواضه الورد، أو يسقيان الزهر، خصوصا في أيام العطل المدرسية.

وكانا عند ذاك يتذاكران دروسهما فتطرح «جيردا» على «كاي» بعض مسائل الرياضيات وكان بارعا في هذا العلم، ويسألها شروحا في بعض فصول التاريخ والأدب والفلسفة وكانت مجلية فيها.

وظلت الصداقة تنمو بين الشابين حتى حدث ما لم يكن بالحسبان.

ذات يوم، مر في الزقاق رجل غريب المنظر، تدل ملامحه على أنه لئيم خبيث. وبالفعل فقد كان هذا الرجل حقودا لا يطيق أن يرى اثنين من البشر صديقين، تجمع بينهما ألفة ووئام. فلما رأى «كاي» و«جيردا» يتبادلان الحديث بمودة ظاهرة، وهما يسقيان معاً أحواض الورد والزهر، فوق سطح القنطرة، امتعض جدا، وصمم على رمي الفتنة والحقد بينهما…

وكان في حوزة هذا الرجل مرآة صفراء، غريبة عجيبة، إذا هي عكست نور الشمس على إنسان، جعلت قلبه يتجمد حتى يصير كتلة من الجليد لا يشعر بالحنان، ولا العواطف الجميلة والمشاعر الطيبة من صداقة ومحبة.

وتجعل هذه المرآة على عيني لهذا الإنسان أيضا غشاوة باردة صفراء فلا تريان من خلالها لا الجمال ولا الحسن، سواء في الناس أو في الطبيعة.

وقف الرجل اللئيم حيث يرى «كاي» و«جيردا» ولا يريانه، وأمسك بالمرآة الصفراء فجعل صفحتها قبالة الشمس، ثم مال بها قليلا حتى عكست نورها القوي على عيني «كاي»، ثم على صدره. واقشعر بدن الفتى، وبهر الضوء عينيه، والتفت نحو مصدره فتوارى الرجل وهو يضحك في سره …

قلب قاسي

وفجأة، شعر «كاي» أنه تبدل حتى صار إنسانا آخر. ونظر الى الورود والزهور في أحواض القنطرة، فإذا هي فقدت ألوانها وخسرت عطورها، وصارت أشبه بالأشواك. وحول عينيه نحو صديقته «جيردا» لعله يعود إلى نفسه، ولكن، ويا للأسف، فإنه شعر وكأن الفتاة غريبة عليه، باردة جامدة فقدت جمالها، في عينيه، وذبل لون الورد في خديها، وانعكاس السماء الصافية في عينيها تحول عن الزرقة إلى لون الرماد. وكأن «كاي» لم يري «جيردا»، من قبل، ولم يخفق قلبه بالمحبة لها….

أما الفتاة، فقد اختلج قلبها في صدرها خوفا وهي تقرأ في عيني «كاي» ملامح النفور منها، ومعالم القسوة عليها، فجأة على غير انتظار. فما كان منها إلا أن سألته بقلق شديد: “ما دهاك يا «كاي»؟ هل انتابك، بغتة، وجع أو ألم؟ هل أصابك توعك في صحتك؟”

وأجاب الفتى بحدة لم تألفها الفتاة: “دعيني وشأني، ألست حرا بحالي؟”

فردت عليه صديقته «جيردا» قائلة: “هل صدر عني ما أزعجك؟ هل أسأت إليك على غير انتباه؟ أم أنت لا تريد أن أشاركك في ري الزهور؟”

فأجابها «كاي» بقسوة قائلاً: “أين الزهور وأين الورود؟ أتهزئين بي؟ إني لا أري في هذه الأحواض الغليظة إلا أشواكاً لا لون لها ولا رائحة”.

وأدار ظهره بغضب، وهرول نحو منزل أهله وكأنه هارب من وباء خطير. وراحت «جيردا» تلاحقه بعين دامعة وقد غص قلبها بالدهشة. وهي لا تصدق ما ترى وما تسمع، وحين بلغ شرفة بيته، هتفت به تقول: “لا شك في أنك تمزح يا «كاي». أرجو أن تكف عن الدعابة.”

ولكن سرعان ما أدركت «جيردا» أن «كاي» لم يكن هازلاً، بل هو تبدل وصار فتى آخر غريبا عن نفسه، وغريبا عنها وعن الجيران، جف قلبه كما يجف النبع، فصار لا يشعر بعاطفة طيبة، ولا ترى عيناه جمالا.

ومتى تحاول أن تقترب منه، تراه سرعان ما ينفر منها، وكأنهما عدوان لدودان…

وبقي على تلك الحال، و«جيردا» لا تفقد الأمل في عودة رشده إليه، حتى جاء موسم الشتاء والثلج…

غربة وشتاء

وكان الفتى «كاي» يعشق التزلج على الثلج، وكان لديه زلاجة أشبه بالعربة الصغيرة يحملها إلى هضبة من الثلج ثم يركبها فتنزلق به نزولاً. ويعيد الكرة حتى ينال منه التعب.

وذات يوم، وهو منصرف إلى هذه الرياضة، سمع هديرا يصم الآذان، فالتفت إلى مصدره فأبصر عربة كبيرة يجرها وعلان من الوعول المتشابكة القرون كأنها أغصان الشجر الملتف. وكانا يعدوان بأقصى سرعة. وكان في العربة سيدة ذات جمال وجلال.

وما شعر «كاي» إلا والعربة تمر كالبرق به فيسقط منها حبل متين يلتف حوله وحول عربته فيجرهما. وصاح الفتى من هول المفاجأة. وحاول التملص عبثا، وصرخ مستنجدا، ولكن هيهات، فما هي إلا لمحة عابرة حتى ألفى نفسه خارج المدينة، مشدودا إلى العربة، وقرون الوعلين تشق الريح…

وكانت الفتاة «جيردا» قد رأت ما جرى للفتى «كاي»، من نافذة غرفتها، فهبت إلى الشرفة تنظر، لكنها لم تلمح سوى آثار العربة على الثلج، ولم تسمع غير هديرها يتلاشى متباعداً وراء الهضاب.

وبقيت تنظر وهي مصدومة، لا تصدق ما رأت عيناها…

وكان أهل «جيردا» وأهل «كاي» قد هبوا بدورهم على الضجيج فخرجوا يستطلعون الخبر. وقصت عليهم الفتاة ما أبصرت، وكاد يغمى على أم «كاي» من وقع الصدمة فاقتربت منها «جيردا» وقالت لها بثقة وحزم: “لا تخافي فإني رأيت، بعيني، صاحبة العربة، وسوف أظل أتحرى من تكون حتى أذهب إليها وأعود بـ«كاي»”.

وشرعت «جيردا» لتوها تسأل كل من تصادف في طريقها من تكون السيدة ذات الجمال، صاحبة العربة التي تجرها الوعول. وبقيت تسأل وتجمع المعلومات وتقارن بعضها ببعض حتى علمت أن تلك السيدة هي ملكة الثلج، وأن مملكتها بعيدة، في أرض لا تعرف الشمس، يغطيها الجليد على مدار السنة.

وما كان من «جيردا» إلا أن استأذنت أهلها، وبدأت سفرها الطويل نحو مملكة الثلج…

مملكة الثلج

وقد علم بأمرها أهل أسوج، وأعجبتهم شجاعتها ووفاؤها، فكانوا حيث مرت يقدمون لها الماء والطعام والثياب، يستقبلونها بالترحيب وكلمات الإطراء، ويودعونها بالصلوات والدعاء….

أما «كاي» فإنه، ما إن استقر به المقام في مملكة الثلج، حتى تذكر ما مر به، من دون أن يشعر بحزن على فراق أهله و«جيردا» لأنه، كما مر بنا، كان قد صار يحمل في صدره قلبا من جليد. كان قد فقد مشاعره الطيبة وبات لا يملك إلا شعورا واحدا بأنه صار في مملكة الثلج سجينا. وكان قد خسر رغباته الخيرة ما عدا رغبة واحدة وهي الحرية.

وأما ملكة الثلج فإنها دعت إليها «كاي» من سجنه، وقد تجمدت أطرافه من الصقيع، فلما وقف في حضرتها، قالت له: “لماذا اعترضت طريقي أيها الفتى؟”

واحتج «كاي» قائلا: “ما إن أبصرت عربة الوعول، وأنا منصرف إلى التزلج، حتى ألفيت نفسي مكبلا بالحبل إلى العربة”.

فاعترضت ملكة الثلج قائلة: “ولكني كنت مررت بأحياء كوبنهاجن كلها فلم يعترض طريقي سواك. وقد أتيت بك إلى مملكتي تعاني السجن والصقيع عقابا لك. وعبرة لسواك من سكان بلاد الدانمرك”.

فأجبها «كاي» يقول: “لكني بريء، صدقيني، أنا بريء”.

فانتفضت ملكة الثلج بغضب، وهتفت بحدة وهي تتفرس في عينيه: “كيف تكون بريئا وصادقا، وأنت لم تذرف دمعة واحدة على فراق أهلك وأحبابك ووطنك؟”

وارتبك «كاي»، ولم يجد جوابا. وما تراه يقول وقد صار قلبه حجراً فقد الشعور بالحب والشوق والحنين؟

وصاحت الملكة به: “أرأيت أنك لست بريئا كما تدعي؟”

واحتار الفتى في أمره، واكتفى بطرح هذا السؤال: “حتى متى تريدين أن أبقى أسيرا هنا؟”

ونظرت الملكة إلى البعيد، وقالت له بصوت عميق: “اسمع يا فتى، عندي شرط وهو طلب، إذا نفذته، أطلقت سراحك”.

شرط واحد

وقبل أن يفتح فاه تابعت تقول ببطء ووقار: “أريد منك أن تحفر على الجليد كلمة من حروف أربعة. الحرف الأول هو الخاء، والثاني اللام، والثالث حرف الواو، والرابع والأخير حرف الدال … هل عرفت ما أعني؟”

وأجاب «كاي» وقد زال ارتباكه: “هذه الأحرف تؤلف معاً كلمة «خلود»”.

وأشرق وجه الملكة لدى سماعها كلمة «خلود»، وقالت لـ«كاي»: “اذهب واحفر هذه الكلمة الجميلة على الجليد، فإذا حفرتها كاملة واضحة، أطلقت سراحك، وأرجعتك إلى بيتك وأهلك …”

وأسرع «كاي» إلى ساحة القصر، وهو يستخف بطلب الملكة، حاسبا أن تنفيذه أمر سهل.

وفي وسط الساحة انحنى على الجليد، وراح يحفر بأظافره حرفا من كلمة «خلود» بعد آخر. ولكن كم كانت دهشته عظيمة حين رأى أنه كلما خط حرفاً، تساقط الثلج على الحرف السابق له وطمسه طمسا. وحاول أن يسرع في حفر الأحرف وكأنه في سباق مع الثلج، ولكن تراكم الثلج على الساحة كان أسرع منه…

وبقي «كاي» على هذا المنوال أياما عدة، يحفر الحرف والثلج يمحوه، حتى ألم به اليأس، وأيقن أن لا سبيل له إلى الخلاص من أمره في مملكة الثلج…

أما «جيردا» فإنها كانت قد بلغ بها الطواف، بحثا عن «كاي»، حدود بلادها التي تفصلها عن مملكة الثلج. وتسلحت بالشجاعة والأمل، وتابعت طريقها لا تعبأ بعواصف الشتاء ولا تأبه لقرس البرد.

وما مضت أيام حتى لمحت عن بعد دخاناً أبيض يتصاعد من أكواخ مبنية بحجارة من الجليد، فأيقنت أنها أشرفت على غايتها، فراحت تسأل من تصادفه في طريقها عن مكان قصر الملكة، وكان الناس يسألونها عن أمرها فتخبرهم، فيكبرون شجاعتها، ويكرمون وفادتها ويزودونها مأكلا ومشربا، ويرافقها بعضهم حتى ظاهر قريته ….

وظلت «جيردا» تمشي حتى راحت قواها تنهار من التعب ومشقة الطريق وقساوة الشتاء. ولكنها تجلدت، ولم تقطع الأمل حتى أبصرت، ذات يوم، أسوارا عالية من الجليد. وراحت تحث الخطو نحوها بآخر ما بقي لديها من القوى حتى اقتربت منها وسألت من صادفتهم فعلمت منهم أنها أصبحت عند أبواب قصر الملكة.

لقاء بارد

ولكنها حين بلغت ساحة القصر أبصرت رجلا مكبل القدمين بالحديد، وقد انحنى على الجليد. واقتربت منه وقد خفق قلبها بحنان غريب. وكان مكبا على الجليد يحفر عليه بأظفاره ما لا يلبث الثلج الأبيض أن يغطيه. وعرفته، وكادت تصيح من الدهشة وهي تراه، لكن هزيلا مكدودا، وقد بان على وجهه اليأس المتثبت بالأمل، ونادته بصوت حنون: “«كاي»، «كاي» … أنا «جيردا»”.

والتفت فرآها، ولم يبد عليه أثر للدهشة أو بصيص من فرح، بل فراغ في العينين أقسى من القسوة. وسرعان ما عاد إلى عمله يحفر في الجليد ما يسرع الثلج المتساقط فيمحوه …

وأخذت قسطا من الراحة في كوخ قريب، وقامت تسعى إلى القصر. ولم يعترضها أحد من الحراس والخدم لأنهم كانوا جميعا داخل جدران القصر يصطلون بالنار التماسا للدفء.

وأدركت «جيردا» على الفور أن «كاي» ما زال على حاله من فقدان العاطفة، ثم عرفت، بعد تأمل بما يفعله، أنه يحاول أن يكتب كلمة «خلود» عبثا. وانحنت نحوه، فما إن همت بالحفر معه حتى سمعت جلبة في القصر، فأسرعت تتوارى في كوخ قريب.

وكان الكوخ زريبة للوعول، دافئة بأنفاس ذوات القرون المتشابكة، فأدرك «جيردا» النعاس فراحت تخط في نوم عميق، لذيذ على رغم العناء والمشقات، والخوف والقلق، لأنها رأت «كاي»، وعلمت أنه ما زال على قيد الحياة … ولكن: كيف الخلاص؟

حين أقبل صباح اليوم التالي، أفاقت «جيردا» على هدير فأطلت من مخبئها على حذر فرأت ملكة الثلج تصعد إلى عربتها، وتهمز الوعلين وتنطلق خارجا في لمح البرق.

وحين خلت الساحة من بعض الحرس، خفت «جيردا» نحو ساحة القصر، ودنت من «كاي» وكان ما زال منصرفا إلى عمله على غير طائل، ونادته برقة فلم يلتفت إليها، فأشاحت بوجهها وهي تغالب دمعها، ولكن الدمع كان أقوى فانفجرت بالبكاء.

ومالت نحو كاي تحضنه بعينيها فسقطت بعض دموعها على وجهه، ونزلت دمعة أخرى من مقلتها على صدره.

دموع وفرح

وكان لدموع «جيردا» مفعول غريب عجيب، فقد انتعش «كاي» فجأة، وهب واقفا ينظر إلى الفتاة والمحبة تسطع في عينيه. وبغتة شعر بأن قلبه عاد إلى خفقانه الأول حين كان يلتقي الحبيبان. وبكى فرحا وقد عاد إلى رشده وانحدرت دموعه بقوة فمزقت الغشاوة الصفراء التي كانت على عينيه، وهتف: “«جيردا»، أنت هنا؟”

وصاحت «جيردا»: “«كاي»، لا تخف، أنا «جيردا»، نعم، وقد أتيت أخلصك…”

وتعانقا في غمرة من الفرح. وفجأة أحس الفتى بقوة خارقة تجتاح ساعديه وأصابعه حتى أظافره، فانحنى على الجليد وحفر بسرعة فائقة كلمة «خلود».

وكأن للثلج قلبا يخفق، فكف فوراً عن السقوط، وظهرت الكلمة المحفورة على الجليد كاملة واضحة لا أثر لرقعة من رقاع الثلج عليها …

وحين عادت ملكة الثلج إلى قصرها، ورأت بعينيها الكلمة الساحرة، وعرفت ما كان من أمر «جيردا»، ومن شأن «كاي» مع الساحر الخبيث، رق قلبها، وأمرت على الفور سائق عربتها فحمل الشابين إلى بلادهما، وقد ملأت الملكة العربة بالهدايا…

وعادت قنطرة الورد تضحك طربا وهي ترى «كاي» و«جيردا» يلتقيان على سطحها، يسقيان أحواض الورد والزهر، ويتهامسان بكلام الصفاء والوئام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى