قصة اللنجة بنت الغولة

استمتع بمغامرة شيقة في قصة اللنجة بنت الغولة حيث يتحدى الشاب امقيدش الخوف والقوة الجسدية ليواجه غولة مرعبة وينقذ قريته بحنكته.
جدول المحتويات

في قرية نائية تقع عند سفح جبل، عاش أهلها في رخاء وسعادة، حتى ظهرت غولة وابنتها اللنجة العوراء. استقرت الغولتان في الجبال المجاورة للقرية، ونزلتا إلى القرية كلما جاعتا، تهاجمان الحيوانات والأطفال بلا رحمة. حاول أهل القرية التخلص منهما، لكن دون جدوى، فجلد الغولتين متين لا يخترقه الرصاص، وفخاخهم لم تنجح بسبب يقظتهما. أخيراً، قرر أهل القرية الهرب وترك بيوتهم الجميلة.

بين هؤلاء المهجرين كان هناك شاب يُدعى “امقيدش”، نبذه أهل القرية بسبب بشاعة مظهره. عاش امقيدش وحيداً، يحب البراري والطبيعة، ولكنه كان غاضباً من الغولة التي سرقت أرزاقهم ومن أهل القرية الذين فروا خوفاً منها. رغم تحذيرات والدته من الاقتراب من القرية المهجورة، قرر امقيدش مواجهة الغولة.

في يومٍ من الأيام، دخل امقيدش القرية المهجورة واكتشف أن حدائقها ما زالت مليئة بالخيرات. جمع الفواكه والخضراوات وعاد إلى بيته، لكن الغولة وابنتها لاحظتا تسلله. حاولتا الإيقاع به أكثر من مرة، لكنه كان ذكياً ورشيقاً، فنجا من مكائدهما، ومنها عندما حاولت اللنجة رميه بحبات الجوز لتمسك به.

لم تتوقف اللنجة عن محاولاتها للإمساك بامقيدش. في محاولة خادعة، تظاهرت بالبكاء والضعف على الأرض، مرتدية ملابس أنيقة لتخفي مظهرها المرعب. عندما اقترب منها امقيدش بحذر ليساعدها، كانت تخطط للإيقاع به. لكنه اشترط عليها شرطاً قبل مساعدتها: أن ترحل هي وأمها وتتركا القرية لأهلها الطيبين. بينما هو يحاول مساعدتها على النهوض، كانت تخفي نواياها الشريرة حتى أسقطته وأمسكت بعنقه وبدأت في خنقه.

بذكاءه، تظاهر امقيدش بعدم المقاومة حتى لا تشتد قبضتها عليه. ثم وضعت اللنجة امقيدش في كيس قديم ومهترئ وأخذته معها إلى الكهف. أثناء سيرها، نجح امقيدش في إحداث ثقب في الكيس وتوسعته حتى تمكن من الخروج منه. ملأ الكيس بالحجارة واختبأ بينما استمرت اللنجة في طريقها دون أن تدرك ما حدث.

عندما وصلت اللنجة إلى الكهف، بدأت بإصدار أصوات مرعبة لتعلن لأمها عن عودتها بالنصر. فرحت الغولة الأم واعتقدت أن ابنتها عادت بالآدمي ليكون عشاءً دسماً. ولكن عندما فتحت الغولة الكيس وصبت محتوياته في القدر المغلي، تدفقت المياه الساخنة وأحرقت الغولة وابنتها، مما أدى إلى موتهما.

كان امقيدش يراقب من بعيد، وعندما تأكد من موت الغولتين، أسرع إلى القرية ليبشر أهلها بالنصر. عاد القرويون إلى بيوتهم، وشكروا امقيدش على شجاعته وذكائه. ومنذ ذلك الحين، أصبح يُعرف بأشرف الأسماء، ويفتخرون به في كل القبائل، مؤكدين أن الإنسان لا يُقاس بمظهره، بل بعقله وحسن تدبيره.

هذه القصة تبين لنا أن الشجاعة والذكاء يمكن أن يهزما حتى أقوى الأعداء، وأن الجمال الحقيقي يكمن في قوة العقل والروح، وليس في المظهر الخارجي.

قصة اللنجة بنت الغولة مكتوبة

يحكى أن قرية نائية كانت تقع عند سفح جبل، وكانت تحيط بها أراض خصبة تجري فيها جداول عذبة على مدار السنة. عاش أهلها في سعة ورخاء وهناء.

وفي ذات مرة تفاجأ أهلها بوجود غولة مع ابنتها، وقد اتخذتا في الجبال المجاورة للقرية كهفاً مأوى لهما. إذا جاعتا أو أرادتا شيئاً نزلتا إلى القرية، فإذا وجدتا بهيمة هجمتا عليها وأخذتاها، حتى الأطفال لم يسلموا منهما.

استمرت الغولة وابنتها على هذه الطريقة يوماً بعد يوم، تفترسان أي شيء تجدانه. وكثيراً ما حاول أهل القرية القضاء عليهما بالبندقية، لكنهم لم ينجحوا، لأن الرصاص لا يخترق جلدهما المتين المغطى بالوبر والصوف. نصبوا لهما فخاً، فلم يفلحوا، لأنهما كانتا شديدتي الحذر واليقظة. أخيراً فكروا في الوسيلة الوحيدة التي تريحهم من الغولة وابنتها، وهي أن يهجروا القرية ولا يرجعوا إليها، وقد فعلوا ذلك. أصبحت القرية خالية من أهلها، والحدائق والمروج خاوية من البهائم ومن الفلاحين.

امقيدش الوحيد

من بين هذه العائلات المهاجرة كانت هناك عائلة شاب بشع الخلقة، قصير القامة، لا يرغب أحد من سكان القرية في مصاحبته. ترفعوا عنه ونبذوه منذ كان صبياً، فكبر وحيداً وأطلقوا عليه اسم “امقيدش”.

كبر امقيدش وحيداً يقضي وقته في الحقول والبراري ولا يعود إلى البيت إلا في المساء عندما تغرب الشمس ويحل الظلام. كانت الغولة وابنتها تترصدان حركاته، فكم من مرة نصبتا له شركاً لتوقعاه فيه، لكن امقيدش كان ينجو منه، بسبب رشاقته واحتراسه الشديد من كل ما هو غامض أو مبهم.

تحدي الغولة

ذات يوم رأته أمه يطيل النظر إلى الجبال ويمعن التفكير فيها. فهمت ما يدور في ذهن ابنها الوحيد، فقالت له: “امقيدش! إنك تكثر الخروج إلى الغابة وأنت وحيد فيها. الغابة وكل ما يحيط بها من بساتين صارت ملكاً للغولة، وهي عدوتنا، ونحن فررنا منها لنتقي شرورها وإيذاءها. فهي شرسة لا ترحم. لهذا أنصحك يا بني بالابتعاد عنها وألا تقترب من القرية المهجورة.”

لكن امقيدش لم يستطع أن يتخلى عن البراري، ففيها يجد الراحة والمتعة، والمناظر الطبيعية تنسيه همومه، وتنسيه المضايقات التي يتعرض لها من أهل القرية. تغير وجه امقيدش واشتد غضبه من الغولة التي استولت على أرزاقهم، كما اشتد غضبه من أهالي القرية الذين فروا خوفاً من الغولة وتركوا وراءهم منازلهم الجميلة وأراضيهم التي كانت مصدر رزقهم.

مغامرة امقيدش في الحقول

خرج امقيدش من بيته صباحاً باكراً كعادته، وفي أحد جيبيه سكين، وفي الآخر كيس. راح يتجول، لكن هذه المرة لم تكن كالمرات السابقة، فقد اقترب كثيراً من الجبل. وجد حدائق القرية المهجورة جنة ساحرة؛ أشجاراً تدلت أغصانها من كثرة الثمار، وخضراوات متنوعة: فلفل، طماطم، جزر، خيار، يقطين، قرع، وأشياء أخرى. لم يصدق ما رآه، وظن أنه في حلم. أكل من الثمار حتى شبع، وشرب من الماء العذب حتى ارتوى، ثم انهمك في جني الفواكه وقطف الخضراوات حتى ملأ كيسه وقفل راجعاً إلى بيته.

بينما هو سائر في الطريق، سقطت على رأسه جوزة. تك.. ثم جوزة ثانية. تك.. تك.. نظر إلى أعلى وإلى أسفل، ثم يميناً فشمالاً دون أن يتوقف عن السير، ولم يظهر له أي شيء. قال في نفسه: “هذه ألعوبة من ألاعيب الغولة، أرادت أن أتوقف لتقبض علي.” ثم قال: “لا.. لا..” وراح ينط ويعدو حتى ابتعد عن المكان، وكيس الخضراوات والفواكه على ظهره.

عودة امقيدش للمنزل

لما اقترب امقيدش من البيت، أخذ يصفر ويغني من شدة الفرح. فلما سمعته أمه، خرجت إليه وأخذت منه الكيس ودخلا المنزل. عندما أفرغت الأم ما في الكيس في آنية الطعام، فتحت فاها من شدة التعجب؛ خضراوات وفواكه كبيرة الحجم، جميلة الشكل واللون! ثم تذكرت وانتبهت، فصرخت في وجه امقيدش قائلة: “تكلم يا امقيدش! من أين أتيت بهذه الخيرات؟ لماذا أنت ساكت؟”

رد عليها امقيدش: “من قريتنا.”

قالت الأم: “كانت قريتنا. أما اليوم فهي قرية الغولة، تخلينا عنها مثلما تخلى عنها كل الأهالي مقابل الهناء والسلام.”

تفكير امقيدش

وقعت هذه الكلمات كالصاعقة على امقيدش، فازداد سخطه وغضبه على الغولة. بات ليلة كاملة يتقلب على الفراش، لم يغمض له جفن، ولم يهدأ له بال، يفكر في كيفية استرجاع ما سلب، دون تهور ودون خسارة.

في هذه الأثناء، كانت الغولة وابنتها اللنجة العوراء تتشاوران. قالت الغولة الأم لابنتها: “ذلك الآدمي الذي اقتحم ضيعتنا وأخذ خيراتنا لا بد من معاقبته لوقاحته وجسارته، ولنمثل به حتى يكون عبرة لأمثاله.”

قالت اللنجة: “لقد رميته بحبات الجوز ليتوقف وأهجم عليه، لكنه فطن جداً، حيث خطا خطوات سريعة وقفز عالياً كأنه جرادة. في رمشة عين صار بعيداً ثم اختفى. آه يا أمي، لو كنت أقدر على القبض عليه، لكان لحمه لذيذاً، وبأكله نتخلص منه. فلا نعيد الخطأ الذي ارتكبناه سابقاً حين قبضنا على ذلك الآدمي الهزيل، كأنه كومة من العظام. سجنّاه لنسمنه ثم غفلنا عنه وفر بعدما غرز عود الحديد في عيني، وتركني عوراء.”

خطة الغولة وابنتها

قالت الغولة الأم: “لا بد من القبض عليه، لكن متى وكيف؟ هذا أمر لا يجب أن نتسرع فيه. يجب أن نستعد، فأنا قد كبرت وشخت، وهانت قوتي رغم ضخامة جسدي. أصبحت غير قادرة على العدو والتسلق والقفز السريع في الجبال والغابات والمنحدرات. وأنت عوراء، ربما يخدعك بصرك، فلا نفلح نحن الاثنتين في القبض عليه. نتهور ونرتكب أخطاء، فنصبح عرضة للتهكم والسخرية من البشر. اقنعي يا ابنتي بما في الغابة من قردة وخنازير، ولنا من الخضر والفواكه ما لا يحصى.”

بينما هما تتجادلان، إذا بامقيدش آتٍ من بعيد. صرخت اللنجة من الفرحة: “ها هو آتٍ! يا سعادتي! اليوم هو أغلى يوم عندي. سأقبض عليه وأحضره لنطبخه. اجمعي جذوع الأشجار، أشعلي النار، وضعي القدر الطيني الكبير عليها. أضيفي إليها الضفادع والفئران حتى يكون المرق في منتهى الذوق.”

المواجهة بين امقيدش واللنجة

قالت الغولة الأم: “أنت مصرة وأنا خائفة عليك. لقد حاولت مراراً ولم تفلحي، فما الفائدة من الذهاب اليوم إليه؟”

فأجابتها اللنجة: “سوف ترين يا أمي، فلا أعود بدونه.”

ردت عليها الغولة العجوز: “ما دمت مصرة، لا تنسي أن تأخذي معك الكيس الذي صنعته من جلد الفرس أيام شبابي وكنت أستعمله لمثل هذه الأغراض.”

أخذت اللنجة الكيس الجلدي الكبير، لكنها نسيت أنه ممزق وقديم ولم يعد يصلح بسبب قدم عهده. خرجت اللنجة وانحدرت تعدو نحو القرية قبل أن يسبقها امقيدش، ثم اختفت وراء جذوع الأشجار. فلما جاء امقيدش، هجمت عليه. أفلت منها بأعجوبة واختفى وسط الخضر، ثم اهتدى إلى يقطينة كبيرة مستديرة. استطاع في ظرف وجيز أن يفتحها ويدخل فيها ليختفي عن أنظار اللنجة الغولة.

حيلة اللنجة

بحثت اللنجة في كل مكان فلم تجد لامقيدش أثراً. كانت القرعة الكبيرة أمامها ويظهر منها خصلتان من الشعر الأسود من جهة القطمير، فتلمست اللنجة الخصلتين وقالت في سرها: “هل للقرع شعر؟!” ثم أضافت: “هذه خليقة ربي.” انتظرت طويلاً، وهي تطيل النظر هنا وهناك لعله يظهر له أثر، لكن بعد طول الانتظار، ملت وانصرفت.

لما تأكد امقيدش من انصراف اللنجة، خرج من القرعة مبتهجاً. ملأ كيسه بالغلة الموجودة في الحديقة حتى صار الكيس ثقيلاً، وضعه على كتفيه وتسلل من الحديقة بحذر، دون أن يحرك ساكناً، كأنه نملة.

العودة إلى المنزل

وصل امقيدش إلى حيه وهو مفتخر بنفسه، وأطلق حنجرته تارة يغني وتارة يصفر. سمعته أمه فخرجت إليه لاستقباله كعادتها. أخذت عن عاتقه الكيس الثقيل ودخلا إلى بيتهما، وامقيدش لم يصمت ثانية وهو يتحدث بعزة وافتخار عن مغامراته وغباء الغولة. كانت الأم تستمع له في ذهول وعيناها تذرفان دموعاً غزيرة. ثم قالت: “لماذا تخاطر بنفسك وترمي بها إلى التهلكة؟ الغولة لا ترحم، إنها شرسة. لو قبضت عليك لتمزق لحمك إرباً إرباً. وكيف تكون حياتي بدونك؟”

غضب اللنجة

عندما حل المساء، نزلت الغولتان للبحث عن غذائهما، فمرتا بالضيعة فلفت انتباههما القرعة المحفورة والخاوية. ضربت اللنجة على صدرها وصرخت: “خدعني القزم مرة أخرى. توهمت أن للقرع شعر! يا لي من مغفلة! لكن المرة القادمة، لا ولن يفلت مني أبداً. حينما يقع في قبضتي، سيرى ما سأفعل به.”

قالت لها أمها: “نصحتك مراراً يا ابنتي، لكنك مصرة على القبض عليه، ولن تفلحي. لقد ضعفنا. البشر يخافون منا لضخامة أجسامنا وبشاعتنا، ولو عرفوا ما نحن عليه من ضعف القوة، لقضوا علينا منذ زمن.”

باتت اللنجة ليلة كاملة لم يهدأ لها بال، وهي تفكر في الحيلة التي توصلها لنتيجة ترضيها وترضي أمها دون فشل أو خطأ.

اللنجة تخطط للإيقاع بامقيدش

في الصباح الباكر، قبل طلوع الشمس، ذهبت اللنجة إلى الضيعة وهي مرتدية ثياباً أنيقة لتخفي جسمها وأطرافها المخيفة المغطاة بالوبر. لفت رأسها بخمار وتلثمت بجزء منه، ودست الكيس تحت إبطها. لما شعرت بمجيء امقيدش، انبطحت على الأرض تبكي وتئن: “آي.. آي، ساعدوني يا ذوي القلوب الرحيمة.” بقيت اللنجة بنت الغولة مدة وهي تتظاهر بالعجز وعدم القدرة على الوقوف، تئن وتصرخ كأنها تتألم فعلاً: “أين أنتم يا ذوي القلوب الرحيمة؟ ساعدوني على الوقوف، سأمنح لمن ساعدني مكافأة لن تخطر له على بال، وسأخدمه مدى الحياة.” بقيت على هذه الحال مدة دون ملل، وهي تتوسل، لأنها كانت تعلم أن امقيدش قريب منها، فهو يراها ويسمعها، لكنه يحترس منها فقط.

محاولة امقيدش لمساعدة اللنجة

لما طالت المدة وهي على تلك الحال، قال امقيدش في نفسه: “ربما تحتاج للمساعدة، سأقترب منها وليكن ما يكون.”

اقترب امقيدش من الغولة وقال لها: “سأساعدك، لست طامعاً في المكافأة أو راجياً خدمة منك، ولكن لي شرط أطلبه منك. إن وافقتِ عليه سأساعدك على النهوض.”

قالت اللنجة بنت الغولة: “طلبك رخيص. أمر واطلب ما تريد، ستجدني طيبة سخية لا أبخل عليك بشيء. أما الآن، ساعدني على الوقوف فقط.”

الخدعة تنكشف

مد امقيدش يده ليساعدها على النهوض، وهو يقول بلهجة حاسمة مغتاظة: “ارحلا فوراً، اتركا القرية لأناسها الطيبين.” لكن الغولة لم تعر اهتماماً لما كان يقوله امقيدش، بل كانت تنظر إلى يده وفمها يسيل باللعاب. حاولت أن تخفي نواياها الشريرة بكل حذر حتى لا يتفطن امقيدش إلى ما تهدف إليه.

بعد جهد كبير، كان امقيدش يحاول مساعدتها على النهوض، لكن من غير جدوى. كانت الغولة تجذبه إليها ببطء لتسقطه، فسقط امقيدش على الأرض. وفي رمشة عين، مدت يديها الغليظتين الشعراوين إلى رقبته وبدأت تخنقه.

هروب امقيدش من اللنجة

تظاهر امقيدش بعدم المقاومة حتى لا تستمر اللنجة في خنقه، ثم وضعته في الكيس المهترئ وراحت تعدو نحو كهفها. استطاع امقيدش أن يحدث ثقباً في الكيس، ثم وسع الثقب حتى صار كافياً لخروجه. بقي امقيدش داخل الكيس منتظراً الفرصة الملائمة للهروب.

تعبت اللنجة بنت الغولة وشعرت بإرهاق شديد. حدثت نفسها: “من حقك يا لنجة أن تأخذي قسطاً من الراحة. لقد أرهقك هذا القزم.” وضعت الكيس جانباً وتمددت على الأرض وهي تقول: “آه! ما أعذب الراحة بعد التعب! سأنام قريرة العين، فتعبي لم يذهب سدى.” أغمضت عينيها واستسلمت للنوم.

اغتنم امقيدش الفرصة فخرج من الكيس وملأه بالحجارة وأغلق الثقب واختفى. واللنجة ما زالت مسترسلة في نوم عميق.

خداع اللنجة

لما نهضت اللنجة من نومها لم تشعر بما جرى، لأنها كانت مرهقة وفي أشد الحاجة إلى الراحة. ذهبت إلى الكيس وحملته على ظهرها ومشت نحو الكهف، وامقيدش يمشي خلفها بحذر.

عندما اقتربت من الكهف بدأت تصدر أصواتاً مرعبة، تارة تنبح “هووو” وتارة تعوي “عو.. عو..” وتارة تزأر وتزمجر “آع.. آو..”. سمعتها أمها الغولة وخرجت لملاقاتها، وبادلتها الأصوات: “عو.. عو.. عو.. هو.. هو.. هو.. آآآووو” تعبيراً عن فرحتها بعودة ابنتها سالمة.

قالت الأم بفرح: “يا فرحتي بابنتي عادت سالمة غانمة!” ضمت الغولة ابنتها إليها وقالت: “ذكرتني يا ابنتي بأيام شبابي، يوم كنت أعود من القرية المجاورة بكيس ثقيل وأعد لك عشاءً دسماً طيباً تأكلين حتى التخمة وتنامين مبسوطة.”

النهاية المحتومة

مدت الغولة يدها إلى الكيس بابتهاج وأخذته من ابنتها اللنجة. قالت في استغراب وتعجب: “إنه ثقيل! لقد نال منك التعب!” أجابت اللنجة بغباء: “نعم، لأن الآدمي دخل الحديقة وأكل كثيراً، لقد كبر وسمن في الكيس.”

ساعدت اللنجة أمها على حمل الكيس، واتجهتا نحو القدر الذي نصبته الغولة على النار. رفعت اللنجة الغطاء عن القدر، وصبت الغولة ما في الكيس. فإذا بالماء المغلي يفور بقوة، وانكسر القدر وفاضت المياه الحارة على الغولة وابنتها، فاحترق جلدهما وأصيبتا بحروق بليغة. صرختا صرخات مرعبة.

انتصار امقيدش

سمع امقيدش صراخهما من مخبئه بين الصخور قرب الكهف، فأدرك أن نهايتهما قد حانت. ولما بدأ صراخهما يتلاشى تدريجياً، اقترب من باب المغارة فوجدهما ساكنتين لا تتحركان، فأيقن أنهما فقدتا الحياة.

راح يعدو في المنحدرات دون توقف وهو يلهث، ولما وصل إلى القرية، أبلغ أهلها بالخبر السار. جاء أهل القرية مسرعين ليتأكدوا من موت الغولة وابنتها اللنجة. حفروا لهما حفرة عميقة ودفنوهما فيها، ثم عادوا إلى قريتهم المهجورة وعاشوا فيها مثلما كانوا من قبل.

تقدير أهل القرية لامقيدش

لم ينس أهل القرية ما بذله امقيدش من جهد وما أظهره من شهامة وشجاعة. صار يُدعى بأنبل الأسماء، ويفتخرون به أمام القبائل ويستشيرونه في أمورهم. تعلموا أن الإنسان لا يقاس بجسمه أو جماله، بل بعقله وحسن تدبيره.

معرض الصور (قصة اللنجة بنت الغولة)

المصدر
قصة اللنجة بنت الغولة - سلسلة حكت لي جدتي - المكتبة الخضراء للطباعة والنشر والتوزيع - الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى