في قديم الزمان، وفي بلد بعيد بين البلدان، كان أحد الرهبان يتنقل من بلدة إلى أخرى ليجمع الصدقات والتبرعات. كان فخورًا جدًا بنفسه لأنه كان تلميذ أستاذ كبير مشهور. في طريقه من بلدة إلى أخرى، كان يخاطب نفسه قائلًا، لا يعرف أحد الكتب أكثر مني. أعرف أكثر مما يعرف أي من الناس الذين أقابلهم. أهل هذه البلدة محظوظون لأني آتي إليهم وأجمع منهم الصدقات والتبرعات! زيارتي لهم أعظم ما يمكن أن يحدث لهم!
لقاء مع الكبش
في صباح أحد الأيام، وصل الراهب باكرًا إلى بلدة صغيرة لطيفة تقع على سفح إحدى التلال. كانت الدنيا ربيعًا وكانت الطيور تغرد فرحة. بدأ يتنقل بين بيوت البلدة ويجمع من أهلها التبرعات ويضعها في سلته الخشبية.
استقبله أهل تلك البلدة الصغيرة جميعهم بلطف شديد وأكرموه وأعطوه صدقات كثيرة وهدايا. لكنه لم يكن يقول لأحد منهم كلمة شكر. كان يظن أنهم محظوظون بالفرصة التي يتيحها لهم إذ يقدمون له الهدايا. كان يقول لنفسه، أهل هذه القرية البسيطة ليسوا أغبياء. فهم على الأقل يرون ما في من صلاح وعظمة، وهم لذلك يعطونني بكرم شديد! أنا من العظمة بحيث إن حتى القرويين البسطاء يدركون عظمتي.
الغرور والعبرة
مشى الراهب في طرق القرية يردد في نفسه ما يردد، ويؤكد ما هو منه متأكد. بعد الظهر، وجد نفسه في طرف حقل ترعى فيه الكباش، وفي وسط ذلك الحقل، كان كبش كبير يضرب الأرض ويدور بغضب. لم يكن ذلك الكبش كبيرًا فقط. كان أكبر من كبير. وكان قرناه ضخمين معقوفين حادين، ومن عينيه الحمراوين يشع بريق مخيف.
إذ مشى الراهب إليه، ارتد الكبش إلى الوراء خطوة وخفض رأسه. قال الراهب في نفسه، آه! أنا عظيم فعلًا! حتى هذا الحيوان يرى ما في من عظمة. وها هو يقدم لي الاحترام اللائق بي. آه، انظر كيف يرتد إلى الوراء وينحني رأسه.
نفخ الراهب صدره كما تفعل حمامة ساذجة، وقال، أيها الكبش العظيم، أنت فهيم. فأنت ترى ما في من علم ومعرفة وما اكتسبته من تقوى ونبل وصلاح، لذا فأنت محق في أن تنحني لي. لكن لا تخف، فأنا سأباركك، وسأجعلك أقوى حيوان. شخر الحيوان الضخم ونخر ونبش الأرض بأقدامه.
التحذير والهجوم
سمع صاحب دكان قريب كلام الراهب. ناداه وقال له، يا راهب! أنت غلطان. ما رأيت غير ما فهمت. احذر الكبش، ولا تقترب منه! فهو يرتد ويخفض رأسه ليهاجم. رأسه محني لينطحك ويمزق لحمك بقرنيه.
قال الراهب، وقد ظن أنه يعرف كل شيء، كلام فارغ! هذا الحيوان ينحني لي لأنه رأى ما أنا عليه من صلاح وعظمة. حتى حين كان الراهب لا يزال يتكلم، كان الكبش يضرب الأرض بأقدامه بقوة مثيرًا من حوله الغبار. وبعد لحظات، اندفع مهاجمًا بسرعة فائقة. على الرغم من الغرور الذي كان يغشى عيني الراهب، فقد أحس في تلك اللحظة بالخوف، فاستدار ليهرب، لكن بعد فوات الأوان.
العبرة
نطح الكبش الراهب بقوة عظيمة. فطار في الهواء ووقع على وجهه، وانقلبت سلته وتبعثر ما فيها. تألم الراهب كثيرًا، وراح يتأوه قائلًا، ساعدني! أظن أن هذا المخلوق الكريه قد كسر عظامي! طارت الهدايا وانقلب الأكل في الوحل. يا خسارة!
سارع صاحب الدكان إليه ليساعده، وقال له، كان عليك أن تسمع كلامي. التفت الراهب حوله، فرأى الكبش قد عاد إلى وسط الحقل يرعى العشب راضيًا.
خفض رأسه خجلًا، وتمتم، أستحق ما نلت. هذا جزاء المدعي المغرور.
ربت صاحب الدكان على ظهر الراهب، وقال له بلطف، المهم أنك تعلمت درسك. قال الراهب بوداعة وتواضع، نعم، والفضل في ذلك يعود إلى الكبش. ضحك صاحب الدكان وأخذ الراهب إلى دكانه ليغتسل ويأكل ويستريح.
منذ ذلك اليوم، لم يعد الراهب مغرورًا. ولم يعد يرى نفسه عظيمًا. تعلم أن يقدر طيبة الناس الذين يعاملونه بلطف وكرم.