وقف أرنوب خلف قضبان قفصه يتطلع إلى الأرانب البرية وهي تلعب مرحة في الشمس الدافئة. أحس أرنوب بالحزن الشديد، وقال في نفسه: “أنا وحيد هنا، في هذا السجن الصغير. لماذا لا أشترك مع هذه الأرانب في اللعب والمرح؟” بكى أرنوب كثيرًا، لكن دموعه لم تخفف من حزنه.
كان أرنباد، وهو واحد من الأرانب البرية، يجري ويقفز خارج سور المزرعة مع أصدقائه من الأرانب، فشاهد أرنوب يبكي حزنًا. أشفق أرنباد على أرنوب المحبوس، وأراد أن يساعده ويسليه، فاقترب من القفص، وأمسك قضبانه بيديه.
قال أرنباد: “لا بكاء بعد الآن! ستخرج من هذا السجن الضيق لتعيش معنا.” وأخذ أرنباد يجذب أرنوب ويشده، لكن أرنوب كان سمينًا، فلم يستطع الخروج من بين قضبان القفص.
لحظة الهروب
كان وليد، صاحب القفص، قد بلل طعام أرنوب بالماء، وحمله في وعاء كبير، وتوجه إليه. شاهد أرنباد الصبي يقترب من القفص، فأسرع بالابتعاد هاربًا، قفز من بين أسلاك السور، وخرج من المزرعة، تاركًا أرنوب في سجنه الصغير يتألم وهو يتطلع إلى صاحبه وليد مقبلًا عليه.
لم يلحظ وليد شيئًا مما حدث، وأراد وضع الطعام داخل القفص، ففتح الباب. وفي الحال، اندفع أرنوب خارجًا من القفص! فصاح وليد: “أيها الشقي أرنوب! لقد أسقطت طعامك على الأرض! ارجع إلى هنا في الحال!” لكن أرنوب لم يتوقف.
قفز أرنوب وجرى، وتدحرج وعاء الطعام على الأرض، وانسكب ما فيه. ألقى وليد نظرة خاطفة على أرنوب، فلم يلمح غير هزة ذيله وجسده البني ينطلق انطلاق السهم. جرى أرنوب وجرى، ثم اختفى بين الأشجار.
وأخيرًا… أحس بالحرية، ولم يعد يفكر في قفصه الضيق الصغير.
تحذير اللافتة
شق أرنوب طريقه إلى أرض الأرانب، حيث أصدقاؤه من الحيوانات. شاهد أرنوب لافتة كبيرة كتب عليها: “احذر الثعلب”، فلم يفهم معنى العبارة، وأخذ يضحك ببراءة. إنه أرنب صغير ينقصه الكثير من الخبرة. فجأة، اقترب الثعلب بهدوء، يبحث عن حيوان يأكله. وهنا شعر أرنوب بخوف شديد، واختبأ خلف جذع شجرة كبيرة. نزع الثعلب اللافتة الكبيرة، ومزقها غاضبًا، ورماها في غيظ. فزاد خوف أرنوب، وارتفعت ضربات قلبه. اندفع كالصاروخ، يبحث عن مخبأ يلتجئ إليه. مضى الثعلب يبحث عن صيد، مبتعدًا عن مخبأ أرنوب.
حفلة الغابة
لما زال خطر الثعلب عن أرض الأرانب، مد أرنوب رأسه ليستكشف ما حوله، فرأى أرنباد يركض في الغابة من مكان إلى مكان باحثًا عنه. قفز أرنباد فرحًا، وصاح: “أهلاً يا أرنوب! هيا معي إلى حفلة أهل الغابة. ستكون حفلة جميلة في الهواء الطلق… أنظر.. هنا فوق الشجرة إعلان عنها!!” أمسك كل منهما بيد الآخر، وسارا في ظلال الأشجار، حتى وصلا إلى مكان الحفلة.
كانت الحفلة رائعة جميلة، اجتمع فيها كل أرانب الغابة وفئرانها حول المائدة الكبيرة. وأخذت جماعة الأرانب والفئران تغني وتلعب، وقد اجتمعت بين الأشجار حول مائدة عامرة بأنواع المآكل الشهية كالتفاح والجزر والخس، ويتوسط كل ذلك فطيرة لذيذة. جلس الجميع حول المائدة، وأقبلوا على الطعام بشهية كبيرة، بعد أن استمتعوا باللعب والغناء. أكلوا كل شيء وهم سعداء، واختفى التفاح والجزر والخس.
الخطر يقترب
لم يلحظ أحد منهم أن الثعلب المكار بدأ يدور حول المكان، في هدوء وخفة وحذر. تقدم الثعلب، في صمت، ناحية الأرانب والفئران. شاهدته البومة وهي تتطلع من بيتها في جذع شجرة، فأطلقت صيحة تحذير عالية: “تو-ويت… تو.. وو-وو-وو!” وعندما ارتفعت صيحة التحذير العالية، أسرع كل من في الغابة إلى الاختفاء تحت المائدة، والانكماش بعيدًا عن الأنظار. حافظت الحيوانات في مخابئها على الصمت التام، ترقبًا لكل صوت. فسمعت، بصعوبة شديدة، صوتًا خفيفًا بالقرب منها. كان ذلك صوت الثعلب، وهو يدور حول المكان، باحثًا عن طعام.
نجاة الأرانب والفئران
وبعينين تلتمعان بالجوع، ويملأهما الطمع، شاهد الثعلب المائدة، وليس حولها أحد. أطلق صيحة فرح عالية، واندفع بغير تردد نحو الفطيرة، ورفعها إلى فمه، ووضعها بين أسنانه، وأكلها بسرعة. امتلأت معدة الثعلب، وشعر بالنعاس، فوضع رأسه على المائدة، واستغرق في نوم عميق. خيم الصمت والهدوء على المكان، فأطل أرنباد برأسه في حذر. وبصوت خافت قال أرنباد للجماعة: “لقد نام الثعلب.” فأخذ أفراد الجماعة، في صمت وحذر، يتسللون واحدًا بعد الآخر على أطراف أصابعهم، متجهين إلى بيوتهم.
وعندما وصلوا خلف جذع شجرة كبيرة، أسرعوا يجرون ويسألون أنفسهم: “هل يستيقظ الثعلب ويرانا؟” رأتهم البومة من بيتها فوق الشجرة، فقالت: “لا.. لا.. لا تخافوا.” لكنهم تابعوا جريهم. وصلوا أخيرًا إلى بيوتهم، واختفوا بسرعة فيها. دخل أرنباد إلى بيته، ومعه أرنوب. فهناك لا يستطيع الثعلب أن يصل إليهما. أضاء أرنباد المصباح فأحس أرنوب بالاطمئنان في بيته الجديد. ثم شربا وأكلا في أمان، بعيدين عن عيني الثعلب المكار، وعن قفص وليد الضيق.