قصة أبو الحناء الحكيم

في قصة أبو الحناء الحكيم، يعيش عصفوران صغيران مغامرة شتوية في البحث عن الطعام والزينة. تعلم الأطفال الشجاعة والتفاني مع أحداث شيقة وجميلة.
جدول المحتويات

في يوم شتوي قارس، عاش عصفورا الحناء، سوسو وسوسن، أوقاتًا عصيبة بحثًا عن الطعام، إذ كانت الأرض مغطاة بالثلوج، والحشرات مختبئة بعيدًا عن الأنظار. لكن لحسن حظهما، كان هناك مكان واحد يقدّم بعض الطعام، وهو عتبة نافذة الأطفال في المنزل الكبير، حيث يضع الصغار فتات الخبز كل يوم.

ذات يوم، أثناء بحثهما المعتاد عن الطعام، لاحظت سوسن شجرة عيد الميلاد الجميلة داخل غرفة الأطفال، مزينة بالكرات الزجاجية اللامعة والخيوط الفضية البراقة. أعجبت سوسن بالخيوط الفضية وتمنت الحصول عليها لتزيين عشها في الربيع. على الرغم من تردد سوسو وخوفه من دخول الغرفة، وافق أخيرًا على إحضار الخيوط لسوسن ليُرضي رغبتها.

في صباح اليوم التالي، طار سوسو إلى نافذة غرفة الأطفال، التي كانت مفتوحة قليلاً. تسلل إلى الداخل بحثًا عن الخيوط الفضية، لكن سرعان ما امتلأت الغرفة بالأطفال والكبار، وأُغلقت النوافذ والستائر. خاف سوسو بشدة عندما بدأ الجميع بالتجمع حول الشجرة وإشعال الشموع. حاول البقاء مختبئًا بين الأغصان، لكن فتاة صغيرة اكتشفته وطلبت من الرجل الطويل أن يحضر لها “لعبة أبا الحناء”.

أدرك سوسو أن عليه التصرف بسرعة، وإلا سيظل محتجزًا كجزء من ديكور الغرفة. لذلك، جمع شجاعته وطار إلى أعلى الشجرة، وبدأ يغني بأعلى صوته ليُظهر للجميع أنه عصفور حي وليس لعبة. ذُهل الجميع بجماله وغنائه، وقرروا فتح النافذة له ليطير بحرية إلى الخارج.

بعدما خرج من المنزل، عاد سوسو إلى سوسن بسلام، وقد سرّت كثيرًا بعودته. ومع مرور الأيام وذوبان الثلج، وجد سوسو بعض الخيوط الفضية التي تركت على شجرة عيد الميلاد في الحديقة. طار بها مسرعًا إلى سوسن، التي استخدمتها في تزيين عشها. وعندما جاء الربيع، كان عش سوسن من أجمل الأعشاش، معجبًا به كل من رآه.

قصة أبو الحناء الحكيم مكتوبة

كان الطقس بارداً جداً، فالثلج يغطي الأرض، وحافات السقوف أصبح ماؤها خيوطاً من جليد تتدلى منها. تجمدت مياه البرك، وراح الأولاد يركضون هنا وهناك بوجوه وردية وأنوف قرنفلية. بقي أبو الحناء “سوسو” وأم الحناء “سوسن” طول النهار في زاوية مخزن الحبوب، ولم يجترئا على الخروج إلا عندما يجوعان. كان العثور على الطعام صعباً جداً؛ جميع الحشرات التي يحبها سوسو وسوسن كانت مخبأة في الشقوق، حتى العنكبوت اختفى عن أعينهما.

ومع ذلك، كان هناك مكان واحد عرفا أن من المرجح أن يجدا فيه شيئاً للأكل. ذلك المكان هو عتبة شباك غرفة الأولاد في المنزل الكبير، حيث كانوا يضعون عليها فتات الخبز مرتين أو ثلاث مرات في اليوم. أحسن العصفوران بذهابهما إلى تلك العتبة، وإلا كانت أحوالهما قد ساءت كثيراً.

مفاجأة على عتبة النافذة

في أحد الأيام التي اشتد فيها البرد كثيراً، حط العصفوران على عتبة الشباك. قالت سوسن بعد هنيهة: “ما أحسن حظنا! إن فتات الكعك اليوم هو أحسن فتات أكلناه، والزبيب لذيذ الطعم”.

قال سوسو في أثناء نقداته بمنقاره: “لقد سرني يا عزيزتي أن الفتات قد أعجبك. أما أنا فيعجبني فتات الخبز الجاف أكثر من فتات الكعك”.

بعد راحة قصيرة، سألت سوسن: “يا سوسو! ما هذا الذي أراه داخل الغرفة؟”

اقترب سوسو من النافذة بعد أن التقط قطعة كبيرة من الفتات، ونظر إلى داخل الغرفة. رأى في طرفها البعيد شجرة عيد الميلاد. كانت عالية حتى كادت تصل إلى السقف، ولونها أخضر، وأغصانها كثيرة. يا له من منظر جميل! تدلت منها كرات ملونة من الزجاج المنير، وفرقاعات زاهية الألوان تحتوي على هدايا، وأكياس مملوءة بالحلوى، ولعب صغيرة وحيوانات من جميع الأنواع. وزعت الشموع غير المضاءة على جميع أجزاء الشجرة، وتدلت من كل غصن خيوط فضية طويلة تحمل زينات لامعة.

حدق كلا العصفورين في الشجرة مدة من الزمن، ثم قالت سوسن لزوجها: “إنني أحب كل تلك الخيوط الفضية البراقة، ألا تحبها أنت؟”. لكن قبل أن يتمكن سوسو من الإجابة، جاءت خادمة إلى النافذة لتنفض ممسحة الغبرة. ففزع العصفوران وعادا طائرين إلى مخزن الحبوب.

عودة إلى المخزن وطلب سوسن

في المساء، تجمع عدد كبير من العصافير الصغيرة في المخزن، هرباً من الطقس البارد. دخلته من نافذة مكسورة الزجاج ومن باب لا يغلق جيداً. امتلأ المكان بالثرثرات والزقزقات عندما راحت العصافير تحدث بعضها عن مغامرات اليوم. كانت عصافير الدوري الأكثر ضجيجاً، وكادت الزرازير تكون مزعجة مثلها.

قال سوسو لسوسن بينما كان يجلسان معاً: “إنك هادئة جداً يا عزيزتي، هل أزعجك شيء؟”. رفعت سوسن رأسها إلى زوجها ثم خفضته وتنهدت.

قالت له: “أريد قليلاً من تلك الخيوط الفضية البراقة لعشي في الربيع. تصور كم ستبدو جميلة عندما أحوكها هنا وهناك! وكم سيكون شديداً إعجاب كل إنسان بها!”.

أجابها سوسو بسرعة: “لا، لا يا عزيزتي! إن هذا لن يفيدنا أبداً، لأن هذا النبات قد يجعل عشنا يشع كثيراً، فيراه الأولاد فيأتون ويسرقون بيضنا!”.

القرار الصعب

نظرت سوسن إلى زوجها بعينيها اللامعتين وقالت بلهفة: “آه لا، لن يفعل الأولاد ذلك، وسوف يظنون أن هذا النبات ليس سوى قطرات من الندى تلمع في الشمس. أرجوك يا عزيزي أن تجلب لي قليلاً منه، إنك عصفور شجاع جداً. إنني أخاف كثيراً من الحصول عليه بنفسي”.

وبينما كان سوسو يوشك أن يجيبها، فتح باب المخزن محدثاً صريراً، فسكتت الطيور كلها. دخل رجل حاملاً فانوساً أضاء المكان بتوهجه الوردي. ملأ طاساً من خابية القمح، ثم خرج تاركاً المخزن في ظلام كما كان من قبل.

طلب سوسن من سوسو

قالت سوسن لسوسو برقة: “هل ستجلب لي قليلاً من ذلك النبات؟” نظر أبو الحناء إلى زوجه الصغيرة. أحبها كثيراً وأحب أن تراه شجاعاً، كما أراد أن يلبي طلبها. ولكنه خشي من المغامرة بالدخول إلى غرفة الأولاد. فقال لها: “يا عزيزتي! سوف تنسين قريباً كل شيء عن هذا النبات. هل لنا أن نتحدث في موضوع آخر؟”

ردت سوسن بصوت رقيق جداً: “آه يا عزيزي، لقد ظننت…” وتدحرجت دمعة ببطء إلى منقارها. هزت جناحيها وقالت: “حسناً يا عزيزي! سأحاول ألا أفكر فيه…” ولكنها ما إن قالت ذلك حتى أنهت كلامها بتنهد عميق.

التفت سوسو إليها فوراً وقال بلطف: “لا تبكي يا عزيزتي! بالطبع سأحضر لك قليلاً منه. وسوف يكون أول شيء أحضره غداً.” ثم وضع كلا العصفورين الصغيرين رأسيهما تحت جناحيهما وناما.

صباح المغامرة

كان الثلج يتساقط بشدة في صباح اليوم التالي، وكانت الرياح قوية جداً لدرجة أن العصافير الصغيرة لم تكن آمنة إذا خرجت. جلس سوسو وسوسن في زاويتهما، يتحادثان قليلاً وينامان قليلاً، بينما ازداد شعورهما بالجوع مع مرور الوقت. في العصر، توقف نزول الثلج وأشرقت الشمس، وخرج الأولاد من البيت يقفزون، وأصبحوا مشغولين بصنع رجل من الثلج.

أخذ البستاني مكنسته وراح يكنس الثلج من الممرات. طار سوسو وسوسن معاً إلى شجرة تشرف على نافذة غرفة الأولاد. أشرقت عينا سوسو حينما رأى أن الثلج قد أزيل عن العتبة التي كان فتات الخبز قد رش عليها.

قال سوسو لسوسن مسروراً: “إن الطعام يجعلنا دائماً أكثر شجاعة.”

المغامرة داخل الغرفة

راح العصفوران يأكلان الفتات، بينما كانت سوسن مشغولة بالنظر إلى النبات الفضي من النافذة، حتى إنها لم تلحظ أنها كانت تأكل فتات الخبز بدلاً من فتات الكعك. بعد أن انتهيا من الأكل، قال سوسو: “اذهبي الآن يا عزيزتي سوسن، وانتظري في شجيرة الآس البري، وأنا سأرى ما يمكنني فعله لك.” ثم نفخ صدره الأحمر بفخر.

ذهب سوسو إلى النافذة ووجدها مفتوحة قليلاً من أعلاها، ورأى الغرفة خالية من الناس. دخل من النافذة وحط فوق خزانة صغيرة. أدار رأسه لينظر إلى شجرة عيد الميلاد، لكنه شعر برعب شديد عندما رأى بالقرب منه فماً كبيراً مفتوحاً بأسنان ضخمة، وعينين تحدقان فيه بشراسة. اعتقد أن مخلوقاً مخيفاً كان على وشك التهامه، لكنه لم يكن يعلم أن ذلك المخلوق لم يكن سوى حصان هزار.

اكتشاف الألعاب

خاف سوسو كثيراً وطار إلى كرسي على الجانب الآخر من الغرفة. وما كاد يصل إليه حتى طار مرة أخرى ووقف فوق ستائر النافذة وهو يرتجف. هناك رأى دمية كبيرة جالسة على الكرسي، كانت ذات شعر أشقر وعينين زرقاوين كبيرتين تحدقان فيه. ثم نظر إلى بقية الغرفة ورأى عيوناً أخرى موجهة إليه، وشاهد على الأرض لعبة على شكل دب يحدق به بشراسة. كما رأى في الزاوية جندياً خشبياً يقف موجهاً بندقيته نحوه.

قال سوسو لنفسه: “يا إلهي! ماذا يجب أن أفعل؟” ثم نظر مرة أخرى إلى الغرفة وأدرك أن كل ما فيها ليس سوى ألعاب، لا حياة فيها، مثل الأشياء التي كانت على شجرة عيد الميلاد. تنهد سوسو بارتياح، ثم هبط من مكانه ووقف على كرسي الدمية وراح يشد شعرها. نقر أنف الدب ولكنه لم يقترب من الحصان الهزاز، ثم طار إلى شجرة عيد الميلاد.

كانت الزخارف تلمع والكرات الزجاجية تشع على ضوء النار، والدمى الصغيرة تنظر إليه بعيون صغيرة ثابتة.

خوف سوسو من الحشود

انشغل سوسو جداً في البحث عن الخيوط الفضية البراقة ليحملها إلى سوسن. وبينما هو كذلك، كاد عقله يطير من شدة الرعب عندما فُتح الباب فجأة، وامتلأت الغرفة بالأولاد والكبار. أغلق الشباك وأنزلت الستائر، وبدأ الأولاد يقفزون حول الشجرة وهم يتحدثون عن جمالها ويصيحون طالبين إضاءة الشموع. خاف سوسو كثيراً ولم يستطع التحرك.

جلس سوسو على الغصن، يرتعد من شدة الخوف، وراح يحدق بصمت إلى الناس حوله من بين الأغصان، آملاً أن لا يراه أحد. ارتعب أكثر عندما بدأ رجل طويل بإشعال الشموع. ضحك الأولاد واستمروا في الثرثرة، لكن سوسو تقلص أكثر فأكثر متسائلاً متى ستحرق الشموع أطراف ريشه.

طلبات الهدايا والخوف المتزايد

بعد قليل، بدأ الأولاد يرقصون حول الشجرة وهم يغنون، ثم صاح الرجل الطويل قائلاً: “حان الآن وقت الهدايا.” اختارت إحدى البنات كرة مطاطية ذات لون أزرق وأخضر، واختار صبي صغير قطاراً. أما الثالثة فكانت بنت نحيفة جداً طلبت بخجل لعبة موضوعة في أعلى الشجرة. وقف الرجل الطويل على كرسي ليصل إليها ويجلبها.

ثم سمع سوسو بنتاً أخرى تقول: “أرجوك أن تعطيني لعبة أبا الحناء.” خاف سوسو المسكين كثيراً وكاد قلبه يتوقف عن الخفقان.

قال الرجل الطويل لها: “أتريدين لعبة أبا الحناء؟ لكن لا أظن أن هناك لعبة من هذا النوع على الشجرة.”

فردت البنت مندهشة: “هناك لعبة من هذا النوع، انظر!” وأشارت بإصبعها إلى سوسو. نظر الجميع إليه، فقال الرجل الطويل: “إذاً، هناك واحد، ولا أدري كيف وصل إلى هناك.” وذهب إلى الجانب الآخر من الشجرة ليحضر كرسياً ويقف عليه.

قرار سوسو الجريء

ارتجف سوسو من الخوف حتى ظن أنه سيسقط من الشجرة. أدرك أنه إذا لم يتصرف بسرعة، فسيبقى هناك كأنه لعبة أبا الحناء بين الألعاب الجامدة، في غرفة الأولاد مع الدمية ذات العينين الجامدتين والحصان المخيف.

تساءل سوسو عن الحل، وفجأة عرف ما عليه فعله. قرر أن يظهر للجميع أنه عصفور حي حقيقي وليس لعبة جامدة. توقف عن الارتجاف، فرد جناحيه، وطار إلى أعلى غصن في الشجرة. هناك، رفع رأسه وفتح منقاره الصغير، وبدأ يغني بأعلى صوته.

ارتعش بلعومه، ولامع صدره التماع التوت البري الأحمر الذي كانت الغرفة مزينة به. صاح الصغار والكبار قائلين: “لقد ظهر أنه عصفور حقيقي، ما أجمله!”

العودة إلى الحرية

كانت العيون كلها متجهة إلى سوسو وهو يغرد ويزقزق، وعندما توقف عن الغناء أخيراً، صفق الجميع له. أزاح الرجل الطويل الستائر وفتح النافذة، وقال له: “شكراً يا أبا الحناء الصغير، لأنك جعلت شجرة عيد الميلاد هذه أحسن شجرة عرفناها. طر الآن إلى عشك سالماً.”

ودعه الأولاد وهم يلوحون بأيديهم بينما كان يطير في الهواء البارد القارس قائلين: “وداعاً يا أبا الحناء الصغير، وداعاً.” كان سروره بحريته عظيماً جداً، لدرجة أنه لم يفكر بالخيوط الفضية البراقة.

استطاع سوسو أن يطير رأساً إلى شجيرة الآس البري لأن الظلام لم يكن كثيفاً. وهناك وجد سوسن في حالة قلق شديد، فسرت كثيراً بعودته سالماً، ولم تعر الخيوط الفضية أي اهتمام. طار الاثنان معاً إلى مخزن الحبوب، حيث أصغت سوسن بدهشة إلى قصة مغامرات سوسو.

النهاية السعيدة

بعدما ذاب الثلج وازرقت السماء، بعد أسبوعين أو ثلاثة، وعاد الطعام بكثرة، وجد سوسو شجرة عيد الميلاد في الحديقة. كانت بعض الخيوط الفضية البراقة لا تزال تتدلى منها. عندما أدار البستاني ظهره، طار سوسو إلى الشجرة وأخذ تلك الخيوط بحماس كبير ليقدمها إلى سوسن.

سرّت سوسن بالخيوط كثيراً وخبأتها. وعندما أنهت بناء عشها في الربيع، أعجب كل من رآه بالخيوط الفضية التي زينته.

معرض الصور (قصة أبو الحناء الحكيم)

المصدر
قصة أبو الحناء الحكيم - سلسلة قصص الحيوانات - محمد العدناني - مكتبة لبنان ناشرون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى