يحكى أن جملا وحمارا هربا من أصحابهما، وترافقا معا، وسارا حتى وجدا غابة صغيرة من الأشجار فيها عين جارية، وأعشاب طويلة، وظل ظليل بعيدة عن عيون الناس والحيوانات، فقالا لبعضهما: “لا يمكن أن نجد أحسن من هذا المكان، نأكل من العشب ونشرب من الماء، وننام في ظل الأشجار، ونأمن من خطر الإنسان والحيوان.”
ودخلوا الغابة وعاشوا فيها أياما سعيدة هنيئة، يأكلون ويشربون وينامون ويلعبون، لا يعكر صفوهم ضرب بالعصا، ولا حمل أثقال ولا أي شيء آخر.
الهروب إلى الغابة وبداية الخلاف
ومرت الأيام، وبطر الحمار بعد أن شبع واستراح، فقال للجمل: “أنا في غاية النشوة والفرح والسرور، وقد هيجني ذلك إلى الغناء.. لذلك سأرفع صوتي بالشهيق والصياح.”
فقال له الجمل: “إياك أن تفعل، وإن فعلت ذلك كان فيه هلاكك وهلاكي، فقد يسمع صوتك أحد البشر الذين يمرون بالقرب منا، فيدخل علينا الغابة ويأخذنا ويعيدنا مرة ثانية إلى الأسر وإلى الضرب والإهانة وحمل الأثقال بعد أن أنقذنا الله تعالى من كل ذلك.”
فلم يقتنع الحمار، وقال: “إنني في غاية السرور والانشراح ولا بد من الغناء.”
وأخذ ينهق ويصيح! وكانت قافلة تمر بالقرب من المكان فسمعت صوت الحمار، فقال صاحب القافلة: “إن هاهنا حمارا وهو ضروري لنا وللقافلة، فلندخل ولنأخذه.” فدخلوا إلى الغابة فوجدوا الحمار والجمل، وهما في غاية السمن والقوة بسبب الطعام الوفير والراحة، فأحاطوا بهما وأمسكوا بهما وفرحوا بهما كثيرا لأنهما ضروريان لحمل أثقال القافلة.
عواقب الغناء والوقوع في الأسر
أخذ أصحاب القافلة الجمل والحمار وساروا، فقال الجمل للحمار: “هل أعجبك هذا؟! نصحتك ألا تغني فلم تقتنع، حتى أوقعنا غناؤك في البلاء والتعب مرة أخرى. أهكذا المرافقة؟! المرافقة يجب أن تكون موافقة.”
فسكت الحمار ولم يجب، وماذا يستطيع أن يقول بعد أن وقع البلاء؟!
وبعد أن ساروا قليلا تعب الحمار فهو قد اعتاد على الراحة والكسل فعترس ووقف في الطريق ولم يعد يمشي معهم، فضربوه ودفعوه، ولكنه بقي معترسا ولم يمش.
فقال بعضهم: “ماذا نصنع مع هذا الحمار العنيد؟”
فقال الآخرون: “احملوه على ظهر الجمل إلى أن نصل إلى بلدنا فترى ما نصنع به.”
عند ذلك أناخوا الجمل وحملوا الحمار على ظهره، فصار الجمل يتميز من الغيظ، وقال للحمار: “إن بركات غنائك كلها حلت علي وحدي، ولكن بسيطة معك، وسوف أردها عليك.”
الانتقام على حافة الجبل ونهاية الشراكة
وفي الطريق صادفهم جبل عال، فسارت القافلة بما فيها الجمل والحمار في طريق ضيق على سفح الجبل، عن يمينهم جبل عال، وعن يسارهم واد سحيق، وهنا حبكت مع الجمل فقال لنفسه: “الآن يحلو الانتقام من هذا الحمار اللعين الذي أحمله فوق ظهري.”
فالتفت إلى الحمار وقال له: “إن غناءك الذي غنيته في الغابة قد أطربني طربا شديدا، وهيج نفسي إلى القفز والرقص، لذلك فإنني سأرقص الآن.”
فقال له الحمار: “أرجوك ألا تفعل، أتوسل إليك ألا تفعل، إن رقصت فإنني سأقع عن ظهرك وأموت. ألست رفيقك؟! ألم تقل: إن المرافقة موافقة؟!”
فقال له الجمل: “هل الموافقة علي وحدي؟! ألم أتوسل إليك ألا تغني لئلا يسمعنا أحد فلم تقبل؟! لذلك لا بد من الرقص الآن.”
وأخذ الجمل يقفز ويرقص حتى وقع الحمار عن ظهره فانكسر عنقه ومات. فتركته القافلة هناك فريسة للسباع، وأخذوا الجمل معهم وصاروا يحملون عليه الأحمال الثقال.
وهذه هي نتيجة الاختلاف، إذ هلك الحمار وعاد الجمل إلى الشقاء، ولو توافقوا لما حل بهم كل هذا البلاء.
العبرة من القصة
الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار، والمرافقة موافقة.