يروى أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ساح مرة في الأرض حتى وصل إلى عين من الماء، فتوضأ وصلى ما شاء الله تعالى أن يصلي، ثم ذهب إلى كهف صغير في سفح الجبل ليستريح فيه، وجلس هناك في الظل، وعين الماء أمامه، وأخذ يراقب ما يجري على مسرح الحياة.
بعد برهة من الزمن ظهر من بعيد فارس على فرسه، وهو يتجه إلى عين الماء، حتى وصل إليها، فنزل عن فرسه وتركها لترعى حول العين وسيدنا موسى يراه، وهو لا يرى سيدنا موسى، ونزع ثيابه، وكان حول وسطه حزام من جلد فيه مال، نزعه أيضاً ورماه بين العشب الطويل إلى جانب ثيابه، ونزل إلى العين فاغتسل وتبرد، ثم صعد فلبس ثيابه وركب فرسه، وذهب، وقد نسي حزام المال.
لقاء الراعي والشيخ
وبعد برهة أخرى ظهر راعي غنم يسوق غنمه نحو العين، حتى وصل إليها فسقى غنمه، واغتسل وتبرد، ثم ساق غنمه ليذهب فعثرت رجله بحزام المال، فنظر حوله ليرى هل له صاحب، فلم ير أحداً فأخذه وانصرف.
وبعد برهة أخرى أيضاً ظهر من بعيد شيخ كبير يمشي ببطء وهو يتوكأ على عصاه حتى وصل إلى العين، فشرب منها وغسل وجهه ثم جلس بالقرب منها ليستريح.
وعند ذلك ظهر الفارس الأول من بعيد، وهو يركض بفرسه نحو العين حتى وصل إليها فنزل عن فرسه وأخذ يبحث بين العشب عن حزامه، فلم يجده، ورأى الشيخ جالساً فاتجه إليه وسأله عن الحزام، فقال له:
أنا لم أر شيئاً.
ولكن الفارس لم يقتنع وقال له:
لا يوجد هنا أحد غيرك، وحزامي كان هنا، فأين أخفيته؟
ورفع عصاه ليهدده بها، فوقعت على رأس الشيخ فسقط مغشياً عليه، وما لبث أن مات، فخاف الفارس وركب فرسه وفر هارباً.
العدل الإلهي
مر كل ذلك أمام سيدنا موسى في برهة قصيرة من الزمن، فصاح في نفسه:
أين العدل؟
ثم توجه إلى ربه فناجاه وقال:
يا رب! أين العدل؟ فارس يضيع ماله، وراع يأخذ ما ليس له، وشيخ كبير يفقد حياته دون ذنب، فأين العدل يا رب؟
فأوحى الله إليه:
يا موسى! لقد حكمت بالظاهر، ولو اطلعت على الغيب لعلمت أن العدل هو في ما حدث.
قال:
وكيف ذلك يا رب؟
قال تعالى:
الراعي له في ذمة الفارس مبلغ من المال أجرة تربية غنمه يعادل المبلغ الموجود في الحزام، والفارس يماطل في دفعه له، والآن أخذ الراعي حقه. وهذا الشيخ كان قد قتل في شبابه والد هذا الفارس دون أن يراه أحد أو يعلم به أحد، والآن مات على يد ابن الشخص الذي قتله في شبابه؛ فهل في كل ذلك شيء من الظلم، أم هو العدل بعينه؟
فقال سيدنا موسى:
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت السميع العليم، وأنت الحق المبين، ولا اعتراض لأحد على حكمك.
العبرة من القصة
علينا ألا نتسرع في الحكم على ظواهر الأشياء قبل معرفة حقيقتها.