وها هي الإجازة الصيفية قد بدأت والفتى محمود قرر العمل. محمود يعرف البئر وغطاءه، وأن أباه ليس بمقدوره أن يعطيه كل ما يريد، كفاه أنه يتعب ويشقى من أجله.
“محمود، أنت الآن في وقت إجازة، تستطيع أن تثبت فيه كفاءتك. يجب أن تعمل ويجب أن تحصل على قروش تغنيك عن السؤال.”
“ولدي محمود، لا أريد أن تتعب، أريدك أن تفرح وتلعب فأنت ما زلت صغيرا.”
“لا يا أبي لم أعد صغيرا، أراقبك في خروجك وعودتك وألمح وجهك الطيب متعبا.”
وذهب الفتى محمود ليعمل أجيرا، لا بأس، المهم أن يرجع آخر النهار مع غروب الشمس ومعه قروش تسعده.
تجربة العمل الشاق وتقدير الأب
وأمسك محمود الفأس لكن يديه احمرتا وشعر بالتعب، لكنه استمر في العمل. مر وقت قليل وظهرت في كفيه بالونات صغيرة، تورمت يداه ولم يعد بمقدوره أن يعمل. يا الله، أكل هذا التعب من العمل بالفأس يوما واحدا؟ وأبي، أبي يعمل بها منذ وعيت الدنيا. عاد محمود كئيبا، إنه لا يستطيع أن يستمر في هذا العمل المتعب. ربت أبوه على كتفه وقال له: “لا تحزن يا محمود.”
قال محمود: “يا أبي لست حزينا لتعبي، وإنما لأنني أدركت كم تتعب أنت. ما أقسى أن أمسك الفأس.”
ضحك أبوه وقال: “يا ولدي، يداي اخشوشنتا واعتدت أن أمسك الفأس، ثم إنك تنقل كفيك فوق يد الفأس كثيرا فتؤلمك.”
“دعك يا محمود، إنك متعلم، ليس هذا عملك.”
راح محمود يفكر، ماذا يعمل؟ لماذا لا يذهب إلى المصنع في المدينة؟ هناك يستطيع أن يعمل في مصنع النسيج. أخذ محمود يتأمل وجوه المتعبين، إنهم يتعبون مثل أبي، التعب هو التعب.
شرارة الإلهام في مصنع النسيج
“نعم يا ولدي، في التعب روعة الحياة، الجسم يجدد نشاطه ولا يستسلم للرقود.”
ووقف محمود بجوار ماكينة النسيج يتأملها وهي تعمل ورأى كيف تلتقي الخيوط، وكيف يتشكل الثوب. الثوب لا يتشكل إلا عندما تتقابل الخيوط وتترابط وتتوثق علاقتها ببعضها، حينئذ يكتمل الثوب ويصير رائعا. هذه قوائم الماكينة وهذا هو المكوك وتلك الخيوط المتراصة.
وبعد فترة من الزمن تساءل محمود: “أليس في مقدوري أن أصنع نولا صغيرا؟ آه يا له من حلم، أضعه في بيتي وأصنع ما أريد من أقمشة.”
وأخذ محمود يستفسر عن كل صغيرة وكبيرة وعرف أن ذلك أمر ميسور. عليه أن يوفر قوائم خشبية بدلا من القوائم الحديدية، وأن يعرف كيف ترص تلك الخيوط وكيف تتقابل وماذا يفعل لو أن خيطا انقطع، كيف يوصله بالخيط الآخر وكيف تدور. سوف تدور باليد وليس بالكهرباء.
بداية مشروع صغير
ويضحك محمود، لا بأس، المهم أن تكون ماكينتي وأن تتبوأ مكانا في بيتي وأن تصبح لي وحدي. عرف محمود أن خيوطا تفيض في المصنع تباع بثمن قليل ويمكن أن يصنع منها سجادا متواضعا يباع بثمن معقول. بدأ محمود يجمع الأخشاب واشترى تلك الخيوط وأفرغ في البيت مكانا.
تعجب أبوه وهو يراه: “ماذا تفعل يا محمود؟”
“سوف تكون مفاجأة يا أبي.”
وانتصبت القوائم الخشبية وتواصلت الخيوط ووقف محمود خلف الماكينة، وأنتج محمود أول سجادة.
في البدء تعب حتى باعها، ثم بدأ الناس يطلبون منه. بدأ النول يعمل وبدأ يشترك معه بعض العمال.
ازدهار المصنع وتحقيق حلم النجاح
انتهت العطلة الصيفية فعاد إلى دروسه يجتهد في المذاكرة، وكلما نجح في الامتحان ظهر نجاحه في مصنعه الصغير، كانت الماكينة المتواضعة تتطور يوما بعد يوم ثم صارت الماكينة اثنتين.
وما أن التحق بأول سنة بكلية الهندسة حتى كان قد اشترى ماكينة حقيقية مصنوعة من أحدث طراز. بدأ المصنع ينمو يوما بعد يوم، وكثر عماله من أهل قريته وصارت الماكينة اثنتين ثم اشترى ثالثة وهو يحتفل بتخرجه من كلية الهندسة.
صار محمود مهندسا رائعا وانعكست خبرته الهندسية على مصنعه وأصبح مصنعا كبيرا يعرفه الناس في قريتنا والقرى المجاورة، مصنع المهندس محمود.
حقق محمود حلم والديه اللذين لا يكفان عن الدعاء له بالمزيد من النجاح.





