أيوب عليه السلام نبي من أنبياء الله الكرام عليهم الصلاة والسلام. أنعم الله تعالى عليه بالمال والأملاك والمواشي والأولاد، فشكر الله تعالى، ولم يبطر، فكان خيرا له. ثم سلبه الله تعالى هذه النعم كلها، وابتلاه بالمرض والألم، فصبر على ابتلاء الله تعالى ولم ييئس، فكان خيرا له. وعندما وجده الله صابرا كشف عنه البلاء. وهكذا يجب أن يكون المؤمن لا يبطر في السراء ولا ييئس في الضراء.
أيوب هو من نسل سيدنا إبراهيم؛ فهو أيوب بن أموص بن زارح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم؛ وأمه من نسل لوط ابن هاران. وكان يعيش في بلاد الشام في دمشق وما حولها.
وقد أرسله الله نبيا إلى أمة الروم، وأنعم عليه بالمال والأولاد، فكان عنده خمسمئة فدان من الأرض، في كل فدان رجل وزوجته وأولاده يعملون فيه، وكان عنده كثير من الإبل والبقر والخيل والحمير، وكثير من الأموال والأولاد.
وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يطعم الفقراء ويكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيفان؛ أي: كان شاكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه.
اختبار في المال والأولاد
وعاش أيوب في النعيم ثمانين سنة، ثم أراد الله أن يختبره، هل يصبر على البلاء كما شكر على النعماء؟ لذلك أخذ المطر يقل، فأخذت المواشي تموت والزرع لا ينبت. وعندما بلغ ذلك أيوب قال: “الحمد لله تعالى؛ هو الذي أعطاني، وهو الذي أخذ مني، لقد ولدت من بطن أمي عريانا، وسأحشر إلى الله تعالى في الآخرة عريانا.”
ثم حدث زلزال هدم البيت الذي كان يسكن فيه أولاده، فماتوا جميعهم، فحزن أيوب عليهم حزنا شديدا، وقال: “يا ليت أمي لم تلدني.” ثم استغفر ربه وحمده؛ فهو الذي يعطي وهو الذي يأخذ.
ثم ابتلاه الله في صحته وجسمه فتوالت الآلام والأمراض عليه حتى أقعدته عن العمل وعن القيام والحركة. ولكن قلبه بقي مؤمنا، وعقله بقي راشدا، ولسانه بقي ذاكرا، فكان يحمد الله على كل حال، ولا يشكو إلا إليه.
سنوات من المرض وصبر الزوجة الوفية
واستمر مرض أيوب لسبع سنين، ولما طال مرضه تركه أصحابه وأقاربه، ولم يبق معه إلا زوجته (رحمة)؛ وهي من نسل يوسف بن يعقوب، التي صبرت عليه صبر الكرام؛ فلم تتركه؛ ولم تتخل عنه مطلقا. إلا أنها عندما طال مرضه قالت له: “ألا تدعو الله ليكشف عنك هذا البلاء؟!”
فغضب أيوب وقال لها: “كم بقيت في النعيم والرخاء؟”
قالت: “ثمانين سنة.”
فقال: “وكم سنة لي الآن في البلاء؟”
قالت: “سبع سنين.”
فقال: “إنني أستحيي من ربي أن أطلب منه كشف البلاء من أجل سبع سنين، وقد غمرني بالنعيم ثمانين سنة، والله لئن شفاني ربي لأضربنك مئة عصا.”
نذر في لحظة غضب ودعاء يستجلب الرحمة
وكانت زوجته تعمل كل يوم لتكسب ما تعيش منه هي وأيوب، لذلك بعد أن نذر أيوب أن يضربها مئة عصا إذا شفاه الله تعالى، ذهبت لتعمل كعادتها كل يوم. وبعد ذهابها شعر أيوب بالحزن بسبب حالته التي وصل إليها. فقد فقد المال والأولاد، وابتلي بالآلام والأمراض، فتوجه إلى الله وقال: “رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.”
فاستجاب الله له في الحال، فكشف عنه الضر والأوجاع، وعوض عليه الأموال والأولاد. أرسل إليه جبريل، فقال له: “اضرب برجلك الأرض تنبع لك عين من الماء، فاشرب منها واغتسل فيها يشفك الله تعالى من جميع الأمراض والآلام.”
فضرب سيدنا أيوب الأرض برجله كما قال له جبريل، فنبع الماء من الأرض، فصار أيوب يشرب منه ويغتسل فيه، فزالت عنه الآلام والأوجاع حالا، وقام وأخذ يمشي ويتحرك بعد أن كان مقعدا لا يستطيع أن يتحرك، ونمت عضلاته بعد أن كانت ضامرة، وتورد وجهه بعد أن كان أصفر.
الشفاء المعجزة ولقاء الزوجين
وعندما عادت زوجته لم تعرفه، فقالت له: “من أنت أيها الرجل؟ وأين زوجي أيوب؟ لقد تركته هنا وهو مريض لا يستطيع أن يتحرك، فمن أخذه من هنا؟”
فقال لها: “هل تعرفين زوجك إذا رأيتيه؟”
فقالت: “نعم أعرفه، وكيف لا أعرفه وهو زوجي؟!”
فقال لها: “انظري إلي جيدا إذن: ألا تعرفينني؟”
فنظرت إليه وقالت: “كأنك زوجي عندما كان صحيحا معافى.”
فقال لها: “أنا أيوب، أنا زوجك، فقد شفاني الله.”
فأقبلت عليه وهي تبكي من فرحها وسرورها بشفاء زوجها، وحمدا الله على ما أنعم عليهما. وعند ذلك قال لها أيوب: “إني نذرت أن أضربك مئة عصا إن شفاني الله تعالى ولا بد من تنفيذ هذا النذر.”
فقالت له: “افعل ما تريد، فأنا طوع أمرك.”
ولكن جبريل نزل حالا، وقال لأيوب: “إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: إن زوجتك امرأة صالحة صابرة، صبرت عليك في محنتك، ولا تستحق الضرب مئة عصا. ولكي تفي بنذرك خذ مئة قضيب من سنابل القمح، واجعلها حزمة واحدة واضرب بها زوجتك، فتكون قد وفيت بنذرك، ولم تؤذ زوجتك الصابرة.”
وبعد ذلك عاش أيوب وزوجته بسعادة وهناء، وقد ولدت له زوجته أولادا كثيرين بدلا من الذين توفوا ومثلهم معهم، كما أخذت الأمطار تنزل بغزارة فعاد الزرع إلى النمو، وأقبل الخير على أيوب فاشترى إبلا وغنما وبقرا وخيلاً أكثر مما كان عنده، ثم توفي إلى رحمة الله تعالى بعد أن بلغ من العمر ثلاثة وتسعين عاما. وهذا جزاء الصابرين.
العبرة من القصة
على المرء أن يشكر الله عند النعمة ولا يبطر، وعليه أن يصبر عند المصيبة ولا ييئس ولا يتبرم فكله من الله، وإن لم ينل المرء جزاء صبره في الدنيا فإنه سيناله حتما في الآخرة، وإذا أصابه ضر عليه أن يقول: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.