العلوم التربوية

مفهوم التربية وخصائصها وعلاقتها بالعلوم الأخري

يعتبر مفهوم وعلم التربية من أقدم الجهود التي قام بها الناس من أجل الارتقاء بالـسلوك الإنساني. فهو عادة متداولة بين الجنسيات من بني البشر، فهم يسعون بأشكال خاصة، في تربية أبنائهم، وتوجيههم التوجيه السليم.

وحديثا دخلت التربية بشكل علمي تقوم على التجربة والاختبار اللذان هما ركنا التحقيق في العلم.

مفهوم التربية

يختلف مفهوم التربية من مجتمع لأخر ومن ثقافة لأخرى ومن ثقافـة لأخرى بل ومن فرد لآخر. وعلى الـرغم من اختلافـات المعنى والتعريف بـالمفهوم قديماً وحديثاً إلا أنها جميعاً تنطوي على أبعاد مشتركة بصورة كلية أو جزئية.

المعنى اللغوي للتربية: نجد أن التربية بمفهومها وأصولها اللغوية تدور حول المعـاني التالية:

  • التربية مأخوذة من الفعل الثلاثي (ربا) وتعني في اللغة الارتفـاع أي بلـوغ الـذروة والإضافة والرشد. وتعني أيضاً زاد وكما قال تعالي: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ) البقرة:276، أي يزيـد الله الصدقات ويمحق الربا ويقال ربوت في البادية، أي نشأت فيها.
  • ويمكن أن تكون كلمة تربية مشتقة من الفعل الماضي (ربب) أي (ربى) ومضارعه يربي، وتعني هنا: أصلح الشيء وقومه، إن هذا المعنى أقرب المعاني لما نقـصده في التربية اي ربى ويربي تربية، ونقول رب الشيء أي المثنى به وأصلحه، ورب الأب ولده: أي رعاه والمثنى به وأحسن القيام عليه.

أما المعنى الاصطلاحي لمفهوم التربية: الـسعي لإيجاد التغـيير المطلوب في الفـرد وإيصاله إلى التكامل التدرجي والمستمر.

وهنا اختلاف في الآراء بشأن تعريف التربية ولهذا لـيس بالإمكان العثور علـى تعريف جامع ومانع لها. وهذه آراء بعض أهل الرأي والمفكرين بهذا المجال.

  1. الفلاسفة وعلماء الأخلاق ينظرون للتربية على أنها فـن قيـادة في توجيه الإنسان في بنائه وتعلمه.
    • افلاطون: يرى أن التربية تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لها.
    • جون ديوي: ينظر إلي التربية باعتبارها الحياة نفسها وليست عملية إعداد للحياة.
    • هربرت سبنسر: التربية هي إعداد الفرد ليحيى حياة كاملة.
  2. رأي علماء النفس أو علماء السلوك
    • التربية عمل متعمد واع وهادف يقوم به فرد بالغ بهدف بناء وتربية وتغيير فـرد أخر.
    • التربية هي مراقبة دائمة لحياة نامية، وإيجاد وتغيير في الفرد، بغية الحصول على قدرة إدراك المسائل، والتمهيد للاستقلال الفكري. التربية هي تنمية القـوى الذهنية والإدراك والذاكرة وتراعي المعاني والدقة والإرادة.
    • التربية هي تنظيم الذهن عن طريق إيجاد واتحاد بين معنويات الحياة.
  3. رأي علماء الاجتماع
    • التربية هي نقل عادات ومهارات وثقافـة المجتمع إلى افـراده الناشئين أو انتقـال تراثه الاجتماعي.
    • التربية عمل يقوم به جيل بالغ تجاه الـذين لم ينضجوا بعـد ولم يتهيؤوا للحيـاة الاجتماعية.
    • هي إعداد الفرد من أجل الوصول إلى الأهداف الاجتماعية.
    • هي انتقال ثروة الحضارة من جيـل إلى آخر، وهذا يـؤدي إلى تراكم ورقي الحضارة.
  4. منظار الإسلام
    • التربية هي أداة للبناء المستمر وتشغيل الإنسان، والتي تثمر بناء إنسان مفكر مؤمن ملتزم مسؤول يتمكن من التقييم والنقد للبيئة، ويعمل بتوجيهـات الـدين في مجال السلوك.
    • التربية تعني إحياء الفطرة التي خلقها الله سبحانه وتعالي في الإنسان وتنمية أبعاده الوجوديـة نحو الكمال اللامتناهي.

مما سبق يتضح أن مفهوم التربية:

  • قد يضيف ليركز على جانب واحد وهو الجانب العقلي المعرفي وقد يتسع أكثر ليشمل عدة جوانب وقد يصلح مفهوما عاما وشاملا يقصد به تنمية الكائن البشري وترقيته ليبلغ كماله الممكن بشكل متكامل أي دون إغفـال لأي جانب من جوانب شخصيته وتسير به نحو الكمال.
  • كما أن التربية هي أمر مدروس وليست طائشة وهي عمل واع يحصل على أساس العلم وليس الجهل.
  • التربية على هذا الأساس تهتم بالهدف والخطة المدروسة المستخلصة من فكر أو فلسفة أو عقيدة أو دين وقد تكون أحيانا مأخوذة منها.
  • التربية حركة دائمة ومستمرة ولا نهاية لها.
  • يقوم بها المرء نفسه أحياناً، وقد يقوم بها الآخرون بعض الأحيان.

خصائص التربية

يمكن تلخيص خصائص التربية كما يلي:

  1. أن التربية عملية هادفة إلى توجيه الجيل الناشئ من قبل الجيل الراشد لتصل به إلي درجة المواطنة الصالحة وما فيه خير المجتمع.
  2. أنها عملية شاملة فهي تسعى بالإنسان إلى النمو من كافة النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والأخلاقية والاجتماعية.
  3. أنها عملية إنسانية تختص بالإنسان دون بقية المخلوقات.
  4. أنها عملية فردية اجتماعية فهي تهتم بالفرد والمجتمع من حيث تطور كل منهم على حد سواء.
  5. أن التربية متغيرة ومتطورة باستمرار وتختلف من مجتمع إلى آخر ومن مكـان إلى آخر. فالتغير قد يصنع التربية والتربية قد تصنع التغير أيضاً.
  6. أن التربية فيها عنصران العنصر الأول هو المعلم والمربي، والعنصر الثاني هو المتعلم أو المتربي ويؤثر كل منهما في الأخر.
  7. أنها عملية تشاركية فهي لا تختص بالمدرسة وحدها. وإنما يتلقى الفرد أيـضا التربية في البيت أو الشارع، والمؤسسات الاجتماعية، ومن وسائل الإعلام المختلفة.

نشأة التربية

للتربية أهمية منذ أقدم العصور حيث أنها تساعد الفـرد على التكيف مع مجتمعه ومع البيئة المحيطة به. ولذا اهتمت المجتمعات بالتربية منذ القدم. فالتربية مصطلح عام نقل من اللاتينية حيث كان يستخدم للدلالة على تربية النبات والحيوان والإنسان معاً. ولكنه اقتصر في القرون القريبة على تهذيب وتربية البشر.

فتجد مصطلح التربية في المعجم الفلسفي بأنها تبليغ الشيء إلى كماله وجاء الفكر الفلسفي اليوناني بتعاريف كثيرة لمفهوم التربية منها:

  • أفلاطون اعتبر التربية تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لهما.
  • أرسطو قال: أن التربية هي إعداد العقل للتعلـيم كما تعد الأرض للبـذار. ولا تزال التربية إلى أيامنا هذه عملية نمو وإنماء وإضافة كل ما هو أفـضل وأجمل للمخلوق البشري.

وهنا لا بد أن نتعرض إلى التربية في بعض المجتمعات القديمة وأغراض التربيـة عندهم.

  • ففي الصين القديمة مثلاً كان الغرض من التربية هو إعداد القادة. وذلك بتزويـدهم بالمعارف القديمة التي تتصل بنظام المجتمع وصلات الأفراد وبعضهم بـبعض وإعـداد الأفراد جميعاً لمزاولة أعمالهم في قوالب موحدة.
  • أما في أثينا فكان غرض التربية هو إعداد الفـرد لذاته كي يـصل إلى درجة الكمـال الجسمية والعقلية. إلا ان الغرض من التربية المسيحية هو إعداد الفرد للحياة الأخرى، والخلاص وإنقاذ الروح. وذلك بإنكار الملذات الدنيوية والتقشف والزهد في الدنيا.
  • التربية الهندية: ترى أن الروح تنتقل بين أجساد عديدة، كل منها يتعلق بنوع الحياة التي سبقت وجميعها عرضة للشرور والألآم التي تمتلئ بها حياة الفنانين.
  • التربية عند المصريين: أمن المصريون في تربيتهم بالبعث بعد الموت وبخلـود الـروح والثواب والعقاب في الدار الآخرة. كما اعتقـدوا ان الأرواح تسكن الأجساد من جديد، لذا اهتموا بالتخطيط وبناء الأهرام لحفظها.
  • التربية عند العرب في الجاهلية: كانت تهتم في إعـداد الـنشء للحيـاة فكـان الأبناء يتدربون على أعمال أباءهم في كسب عيشهم وتأمين متطلبـات حيـاتهم ومنازلة أعدائهم. وتميز الحضر عند العرب بتدريب أبنائهم على الـصناعة والمهـن المختلفة. فكان يتعلم فيها الطفل الطرق الخاصة بكسب العيش وتأمين المسكن والملبس وفنون الصيد والقنص وإعداد آلات الحرب وصناعة ودباغة الجلود وغزل الصوف وحياكة الملابس وتربية الماشية.
  • التربية الإسلامية: تمتد هذه الفترة حوالي ستة قرون بدءاً من القرن الـسابع المـيلادي عندما انتشر الإسلام في شبه جزيرة العرب ثم انتقل سريعاً إلى بقية بلاد العـالم ومنها إمبراطورتي الروم والفرس إلى حوالي القرن الثالث عـشر الميلادي وسقوط بغـداد على يد هولاكو عام 1258م.

وقد شهدت التربية تطورا سريعا مع نمو الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بقية عصر الخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعباسي وبعد ذلك إلى يومنا هذا.

ونرى بأن مصادر التربية عند المسلمين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبذلك فقد كانت التربية جامعة. وقد شيدوا من خلالها حضارة رائعة قدمت للعالم زاداً ثقافيـاً كـان هو الأساس في تطور الحضارة الحديثة كلها. فلم يكن هدف المسلمين دنيوياً محضاً كما عند اليونان والرومان ولم يكن دينياً عند الإسرائيليين في الـصدر الأول وإما كان غرضها دينيا دنيويا معاً. وكانوا يرمون إلى إعداد المربي لعملي الدنيا والآخرة، ففي القـرآن الكـريم (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) القصص:77.

علاقة التربية بالعلوم الأخرى

  1. علم الاجتماع: هناك علاقة وطيدة بين علم الاجتماع والتربية حيث أن فلسفة التربية تشتق أصلا من فلسفة المجتمع المحيط بها، وأيضا وجود علم الاجتماع التربوي وهو العلم الذي يجمع بين علم الاجتماع والتربية ويهدف إلي الكشف عـن العلاقـات بـين العمليات التربوية وإبرازها كظاهرة اجتماعية وبيان وظيفتها في المجتمع.
  2. علم النفس: هناك علاقة وطيدة أيـضا بـين التربية وعلم الـنفس حيث أن التطبيـق العملي للتربية يستمد طرقه وبصورة تجريبية من علم النفس مما أدى إلى تكوين الطرق التربوية ذاتها. كما أن الاتجاهات الحديثة بالتربية تأخذ بضرورة الفـروق الفرديـة بـين الطلبة وقدراتهم وإمكانياتهم واستعداداتهم واتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم وهو ما يسعى إليه علم نفس النمو والفروق. وهناك أيضا علم نفس الطفولة والمراهقة، وعلم نفس الشخصية، وعلم نفس الشواذ، وعلم نفس التعلم، وعلم نفس اللعب، وعلم نفس اللغة.
  3. علم الأحياء: فعلم الأحياء يهتم بدراسة الكائنات الحية من الناحية العضوية وتكيفها مع البيئة الى تعيش فيها، من هنا يتضح عمق العلاقة مع التربية التي تبحث في معرفـة قوانين الحياة العامة والنمو والتكيف الأمر الذي ادى إلى وجود دافع داخلـي يسعى إلي تلائم الكائن الحي مع مطالب البيئة المحيطة به من مختلف أوجهها والتي هي جوهر الحياة.
  4. علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا: فعلم الإنسان هو علم يبحث في سلوك الجماعـات وثقافاتهم وما تنتجه هذه الجماعات من عناصر ثقافية، مادية كانت أم معنوية وعلاقة هذا العلم بالتربية قوية حيث أن موضوع التربية الأساسي هو الإنسان الذي يعيش في جماعة ويتفاعل مع المجتمع ضمن إطار فكري يؤمن به. ويتصل علم الإنسان بالتربية حيث أن التربية هي التي تحافظ على التراث وتنقحه وتعززه وتنقله للأجيال القادمة، وتعلم الأجيال أيضا طرق التكيف مع الثقافة.
  5. الفلسفة: الفلسفة والتربية صنوان لا يفترقان وهما مكملان لبعضهما البعض. ففلسفة التربية هي تطبيق النظرة الفلسفية في مجال الخبرة الإنسانية الذي نسميه التربية، ففلسفة التربية هي تطبيق لمختلف الآراء والنظريات الفلسفية في مجال التربية. ومن هذه الاتجاهات والفلسفات (المثالية، الواقعية، الوجودية، الطبيعية، الإسلامية… إلخ) تشكلت من حلالها أنظمة تربوية متعددة ومتنوعة.
  6. علم الاقتصاد: نبين العلاقة بين علم الاقتصاد والتربية حيث تعد التربية الاستثمار في الإنسان هو أعلى مراتب الاستثمار وأن الاستثمار في التربية هو أساس تطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى