تلجأ الأم أحياناً إلي الصراخ بسبب عناد الأطفال أو كثرة المسؤوليات الملقاة علي عاتقها ولكن هذا لن يفيد في حل المشكلة. فالزواج والأمومة ليسا كما يظن البعض عقداً يفرض على المرأة الخدمة الشاقة في المنزل، وخدمة الزوج والأولاد.. فالزواج والأمومة مسؤولية مشتركة بين كل فرد من أفراد الأسرة.. فالزوج اليوم يعاون زوجته في الأعمال المنزلية.. والأبناء ما أن يسمح سنهم بذلك يجب أن يتصوروا المشاركة ومعاونة الأم.
والمعروف أن معظم الأبناء يتضررون من القيام بهذه الأعمال ودور الأب والأم هو غرس مبادئ التعاون في نفوسهم منذ الصغر.. فشيء طبيعي أن يفضل الأطفال اللعب عن تنظيف حجراتهم أو اعداد المائدة.. والمؤسف أنهم لا يتصورون أن أمهاتهم يفضلن ممارسة أنواع أخرى من التسلية.. وعندما يطالبون بحقهم في اللعب فإنهم لا يتوقعون أن تنطبق هذه القاعدة على الأمهات فيطالبن بحقوقهن أيضاً.
صراخ الأم لن يحل المشكلة
يرجع السبب في ذلك لاعتياد الطفل من البداية على مشاهدة والدته تقوم بجميع أعمال المنزل.. فهي المسؤولة عن تغييـر ملابســه وتنظيف غرفته، بالإضافة إلى إعداد الطعام فتتشكل لديه صورة ذهنية عن الأم بأنها المضحية بذاتها والتي ليس لديها أي حقوق أو احتياجات خاصة بها..
ويقول «د. ويليام شامبرز» اخصائي علم نفس الأطفال بمستشفى برسبيفريان بمدينة نيويورك ان الطفل الصغير بطبيعته أناني يرى الحياة على أنها تدور حوله ومن أجل تحقيق مطالبه.. فمن المعروف بأن القدرة على فهم رغبات واحتياجات الآخرين تحتاج إلى قدر معين من الثقافة العقلية لا تنمو عند الاطفال إلا بشكل تدريجي.
ويستطرد «د. شامبرز» قائلاً: إن الخط الفاصل بين الحب الزائد والاستغلال الظالم لأحد الأطراف غامض ومشوش سواء بالنسبة للآباء والأمهات أو حتى بالنسبة للأطفال.. ويبدو أن الأطفال يعلمون ذلك جيداً ويستغلون هذه النقطة لصالحهم.
ومن مهام الأمهات هي أن يعلمن أطفالهن احترام حقوقهن. قد تكون هذه النقطة أسهل لهن في خارج المنزل بين الزملاء في العمل، ولكنها مهمة يصعب عليهن تحقيقها في المنزل.. والمشكلة التي تواجهها كل أم هي عندما ينتهي الأبناء من أداء المهام التي تكلفهم بها.
وقد قررت إحدى الأمهات القيام بإحدى التجارب التي تهديها نموذجاً لكل الأمهات.. وهي أنها كانت تصر على أن يعد أبناؤها المائدة، وكانت لا تبدأ في اعداد الطعام ألا بعد أن يكونوا قد أعدوا المائدة.. فحب الأبناء شيء والتضحية من أجلهم شيء أما تعليمهم المشاركة والتعاون فشيء آخر. وتتطلب هذه المهمة كثيراً من الصبر والمثابرة..
تحميل الأطفال المسئولية
بدلاً من صراخ الأم، ينصح «د. شامبرز» بالبدء في تعليم الطفل عندما يتم عامه الثاني.. فنبدأ أولاً في تعليمه جمع لعبه في المكان المخصص لها بعد أن يفرغ من اللعب بها.. وعندما يكبر قليلا يجب على الأم أن تصر على أن يرتب ملابسه بعد خلعها.. ثم بعد فترة ينظم سريره.. وهكذا..
والاشراف على تنفيذ هذه التعليمات مهمة عسيرة على الأم.. فالطفل الصغير لن ينظم ملابسه بالدقة التي تنظمها بها هي، كذلك الحال بالنسبة للسرير. ويكون الاغراء كبيراً بالنسبة لها على أن تسرع وتعيد تنظيمهما بطريقة أفضل.
ولكن إذا كنت ترغبين في أن يتعلم الطفل أداء الأشياء بنفسه فيجب أن تتركيه يحاول ويخطئ وصححي له الخطأ شفهياً.. بعد فترة ومن كثرة التكرار سوف يتعود الطفل على الطريقة الصحيحة.
أما التحدي الثاني الذي تواجهه كل أم فهو كيفية التعامل مع الاعتذارات والتبريرات الكثيرة التي يلجأ إليها الطفل للتهرب من المسؤولية التي تكلفه بها الأم.
وهو شيء طبيعي أن نفترض مسبقاً بأن الأطفال سوف يقاومون ويرفضون أداء المهام التي تكلفهم بها فتنظيف المنزل في نظرهم مسؤولية الأم بالدرجة الأولى.. وأفضل طريقة لمقابلة هذه المقاومة هي الهدوء الحازم مع تعضيد مطالبك بالوعد بمنح المكافآت عندما يتم الطفل المهمة المكلف بها وحرمانه منها في حالة رفضه إتمامها.. فالطلبات المشروطة بشروط بسيطة أكثر فاعلية من الصراخ والتهديد.. لأن متى بدأت الأم بالصراخ فإن الأطفال يعرفون على الفور أنك فقدت السيطرة على اعصابك وأصبحت ضعيفة وعاجزة…
فالإنسان القوي يتكلم بهدوء حتى في أشد الأوقات صعوبة، بشرط أن تعودي الى طبيعتك الباسمة الحنون بمجرد تلبية الطفل لطلبك.. فالطفل يسيئه عادة رؤية الأسى والغضب في نظرة والدته بشرط ألا تزيد الأم من استغلال هذه النقطة.
ويقول «د. شامبرز» في النهاية: أن الأسلوب الذي يحكم علاقتك بأبنائك يعتمد الى حد كبير على الأسلوب الذي تتعاملين به مع زوجك ويتعامل هـو بـه معـك.. فكثير من الأزواج لا يـقـدمـون لأبنائهم المثال الذي يحتذون به من حيث معاونة زوجاتهم في الأعمال المنزلية.
الأم العاملة
وهناك نقطة أخرى تعاني منها بعض الأمهات العاملات وهي الإحساس بالذنب الذي يولده فيهن تعبيرات الأطفال الغاضبة عندما يرهقونهم بالأعمال المنزلية وكثرة الطلبات. خاصة إذا كان الأطفال يشاهدون زملاء لهم لا يقومون بأي أعمال منزلية لأن أمهاتهم ربات بيوت متفرغات.
ويقول المتخصصون إن الأم العاملة يجب أن ترفض الوقوع تحت وطأة هذا الاحساس لأن الحياة تعتمد على التعاون والمشاركة.. وعليها على العكس أن توطد علاقتها بأبنائها وأن تستغل الساعات القليلة التي تقضيها معهم في المنزل لمشاركتهم في هواياتهم والاستماع إلى مشاكلهم.. حتى لا يشعر الأطفال أن الساعات القليلة التي تقضيها معهم الأم في المنزل تضيع في التنظيف والترتيب وإلقاء الأوامر. وأن تحاول بقدر الامكان أن تجعل هذه الساعات مليئة بالمرح والضحك بالرغم من قيام كل واحد منهم بمهمة معينة..
فمما لا شك فيه أن عمل المرأة قد أضاف مسؤوليات كثيرة على عائق الأطفال. وصراخ الأم لن يفيدها كثيراً بل إن الأم الحكيمة هي التي تعرف كيف تجعل الأطفال لا يشعرون بمثل هذه المسؤوليات.. فإذا كنا لا نريد أن يعاملنا أطفالنا كعبيد سخروا لخدمتهم فيجب علينا نحن أيضاً أن نحترم حقوقهم ورغباتهم وأوقات فراغهم.. فمهمة الآباء والأمهات لا تقتصر على التربية والتأديب والتعليم. ولكنها تعتمد على قيم كثيرة أخرى يغرسونها في نفوس أبنائهم معتمدين على الثناء والتشجيع.