دور الأب في تربية الأبناء دليل شامل
أدوار ومسؤليات الأب في تربية الأبناء
علي الرغم من دور الأم الأساسي في التربية إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت ترى أهمية المشاركة ودور الأب ومسئوليته في تربية الأبناء. صار من المعروف فى مجال الدراسات التربوية المهتمة بتنشئة الأطفال مع مراعاة صحتهم النفسية، بأن علاقة الطفل الصغير مع أمه فى سنوات عمره الأولى على أساس من الرعاية والحنان وإشباع ما يحتاجه من حاجات نفسية وبيولوجية وغيرها، تمهد السبيل لثقته بنفسه، والتعرف على ذاته، وتحقيق الشعور بالانتماء والطمأنينة. وهى الأسس التى يراها الطب النفسى ضرورية كى ينعم الفرد بصحة نفسية تهيئ له فرص التطور والارتقاء وحسن التكيف.
جدول المحتويات
وعلى هذا، فقد نسلم بأن مهمة الأطفال فى سنينهم الأولى. هي مهمة تقع على عاتق الأم أكثر مما تقع على عاتق الأب. لكن أساليب التنشئة الحديثة ترى أنه لابد من مشاركة الأب فى مثل هذه التربية. وطبيعي أن يختلف دور الأب عن دور الأم كماً وكيفاً وفقا لمراحل النمو التى يمر بها الطفل. ولكنه يظل دورا حيويا مهما بلاشك.
مشاركاً فى التربية
دور الأب ومشاركته في تربية الأبناء أحد أهم مسؤولياته في التربية. إن مشاركة الزوج زوجته بشأن تربية الأطفال – سواء كانت الزوجة تعمل أو لا تعمل – هى فى المقام الأول ضمان لصحة الطفل النفسية. فرعاية لأبنائهم تجعلهم يحسون بمتعة شديدة، لأن وجود الأب وسط أولاده يهيئ دفئاً عاطفياً حميماً. ومن شأنه أن يدعم مفهوم المشاركة من أجل خلق مناخ صحى وسليم فى العلاقات بين أفراد الأسرة جميعا. وفى مثل هذا المناخ سوف يكون للأب دوره الفاعل والمؤثرة فى مساعدة أبنائه على تحقيق أهداف التنشئة السليمة. وهى تنمى ما لديهم من إمكانيات ذهنية ووجدانية إلى أقصى حد ممكن.
إن الأب بإمكانه أن يجعل من نفسه ركناً مهماً فى حياة الطفل. فهو مثلا يشارك الطفل فى عدة ألعاب خاصة كألعاب الصيد، أو الألعاب الهادئة التى تزاول بصحبة الأم. وقد يعهد الأب لطفله أن يعاونه فى أعمال أخرى كمساعدته فى تنسيق حاجياته الخاصة. أو رى أحواض النباتات أو الزهور، وبعد ذلك يستطيع الأب أن يصحب طفله فى رحلات كزيارة الأماكن الأثرية أو المتاحف أو المعارض. ومع نمو الطفل ونضجه لا مانع من أن يسمح الأب لطفله أن يستخدم الأدوات التى تستعمل فى إصلاح الكهرباء مثلاً. فيعطى الدرس الأول لأولاده فى الإلمام بشتى الأعمال اليدوية ما أمكن. إن مثل هذه الأعمال المشتركة بين الأب وأطفاله (أولاد وبنات) تقيم صلة من نوع خاص بينه وبينهم، وتقضى على أية فكرة سيئة قد يعتقدها الطفل عن أبيه، كأنه مخيف أو مرهوب أو عديم النفع.
متفاهماً مع الأم
ليس من المستغرب فى شئ إذا قلنا أنه ينبغى على الأب أن يوفر لزوجته الفرصة لتحقيق الصحة والسعادة والهناء. لاوفاء بحقها فحسب، ولكن من أجل صحة أطفاله النفسية أيضا.
الطفل كائن شديد الحساسية، يستطيع أن يستكشف عن كثب ودراية بما يجرى بين والديه. فإذا لمس من هذه العلاقة علامات الحب والتعاون والإيثار، كساه شعور فريد بالرضا والاطمئنان. وإذا لمس عكس ذلك كساه شعور بخيبة الأمل والقلق وافتقاد الأمن.
إن الازدواجية فى التربية أو التذبذب فى المعاملة ، قد تخلق طفلاً متقلب المزاج ذا شخصية منقسمة على نفسها. ولا يخفى على أحد أن الطفل إذا أدرك وجود اختلاف بشأن قواعد التربية المطبقة عليه بين والده ووالدته، فقد يحفزه ذلك على محاولة الانحياز لأحدهما دون الآخر. واللعب على وتر هذا الاختلاف أو التذبذب لتحقيق رغبته. وعموما.. فإن الأطفال فى مجملهم يتميزون بهذه البراعة لدرجة قد تدهش الآباء وتفوق تصور الكبار.
مقدراً زوجته
دور الأب في تربية الأبناء يتضمن دوره كزوج يحترم ويقدر زوجته لبناء بيت هادئ وسعيد. من الواضح أن ميلاد الطفل الأول يؤدى إلى تغيير واضح فى تشكيل خريطة الحياة الأسرية والروتين اليومى. إن الحمل والولادة يجب ألا يضعا نهاية لواجبات كل من الزوجين تجاه الآخر.. يجب أن تظل الزوجة هى أهم امرأة فى حياة زوجها. وما يساعد على هذا أن يتحدث كل منهما للآخر عن مشاعره. وأن يتأكدا من أن الطفل الجديد يعنى مرحلة جديدة فى مسيرة الزواج. ولا يعتبر بحال من الأحوال إعلاناً عن نهايته. لقد كانا هما الزوجين قبل أن يأتى الطفل، وهما اللذان سيبقيان بعد أن يكبر الأبناء ويشقوا طريقهم فى الحياة.
إقرأ أيضا:
- تأثير غياب الأب على نفسية الطفل وأهمية الوجود النفسي للأب
- دور الأم في تربية الطفل وأهمية العلاقة بينهما
مستعداً لتبعات الأبوة
يجب أن يكون الأب مستعداً لتبعات الأبوة، فيتسلح بالقراءات الواسعة فى مجال تربية الأطفال، والبحث عن خبرات وحكمة الاخرين، وعليه أن يكون متفتح الذهن، مستعداً لتقبل المواقف الصعبة. فى الفترة المبكرة التى تلى ميلاد الطفل الأول على وجه الخصوص يجب على أى من الزوجين أن يستفيد من خبرة الشريك الآخر، أو الأبوين، أو الجيران، أو المعارف. ويرى الآباء الذين لهم خبرة فى ذلك أن دور الأب حيوى، وعليه أن يكون مشاركاً ونشطا ومسؤولاً، ولايكتفى بدور المفتش أو الموجه.
على الوالدين إذاً أن يعملا كشريكين فى فريق واحد منذ البداية. . إن الرعاية تكون فى أحسن صورها إذا أخذت طابع الفريق المحب المكون من كلا الوالدين حيث ينصح كل طرف بأغلى ما عنده من معلومات ومهارات. هذه المشاركة المبكرة تؤهل للمشاركة بعيدة المدى فى التخطيط للمستقبل.
مراعياً فلسفة النمو
عرف الدكتور «فؤاد البهى السيد» النمو بأنه : سلسلة متتابعة متماسكة من تغيرات تهدف إلى غاية واحدة محددة، هى اكتمال النضج ومدى استمراره وبدء انحداره. فالنمو المعنى لا يحدث بطريقة عشوائية، بل يتطور بانتظام خطوة سابقة تليها خطوة أخرى.
وعلى ذلك فإن شخصية الطفل إنما هى ثمرة حية لنمو تدريجى متمهل. والجهاز العصبى للطفل ينضج على مراحل، وفى تسلسلات طبيعية. فهو يجلس قبل أن يقف، ويناغى قبل أن يتكلم، ويقول «لا» قبل أن يقول «نعم»، ويختلق قبل أن يقول الصدق، ويرسم دائرة قبل أن يرسم مربعاً. وهو أنانى محب لذاته قبل أن يكون مؤثرا عليها يحب الخير للغير، وهو يعتمد على الآخرين قبل أن يعتمد على نفسه. فجميع قدراته بما فى ذلك أخلاقياته خاضعة لقوانين النمو. وليس المقصود بمهمة رعاية الطفل أن يصب من الناحية السلوكية فى قالب مجهز له سلفاً. وإنما المقصود بها مساعدته خطوة خطوة، وتوجيه نموه فى الاتجاه الصحيح، وهى مهمة تقع فى جانب كبير منها على الآباء.
مانحاً الحب
منح الأب لأطفاله الحب والإحساس بالأمان يعزز الدعم والاستقرار النفسي وهو من دور ومسؤليات الوالد في تربية الأبناء. الحب هو أهم ما يستطيع الأب أن يمنحه لأبنائه، الحب غير المشروط، والمتسم بالكرم، والمقترن بالتضحية. كرر كثير من الآباء الذين استطاعوا أن يربوا أولادهم تربية ناجحة عبارات مثل : «دع أولادك يشعرون بمدى حبك لهم، لتكن هذه رسالة يومية منك إليهم..»، «يجب أن تعلم أيها الأب أن الحب هو الإجابة الأكيدة لأى موقف قد يعترض الأسرة ويكون محاطاً بالغموض والريبة».
كما يجب الحرص على تأكيد الإحساس بالأمان والاستقرار بحيث يتأكد الطفل أن حب والده له لن يتأثر إذا أتى سلوكا غير مرض. وغالباً ما ينجح الوالدان فى خلق هذا الجو العام عن طريق التعبير عن هذه المشاعر الفياضة بالإيماءات التى تنضح بها ملامح الوجه، والقبلات، والأحضان، التى يرى الخبراء أنها من العادات التربوية المحببة والمرغوبة.
متسماً بالمرح والهدوء
لابد أن ينحو الوالدان، وخصوصاً الأب إلى المرح وخفة الظل. فلا يجدر بالوالدين أن يعاملا نفسيهما وأولادهما بصرامة وجدية شديدة، فمن المفضل آن يغلب طابع المرح على بعض أوقات اليوم. يقول أحد الآباء : «حاول أيها الأب أن تبقى هادئا وتذكر باستمرار أن للصواب عدة طرق وليس طريقة واحدة فقط». وقال آخر . «النصيحة الذهبية هى أن يثق الشخص فى فطرته ويغفر لنفسه هفواته». ، وغيره يقول : «لاتكن خائفاً من ارتكاب أى خطأ لأنك عندما تحب ابنك حقيقة لن تفعل أى شئ يؤذيه ، لكل واحد أخطاؤه وهذا سببه ببساطة أن البشر خطاءون».
وإذا كانت بعض السمات أو الآراء الشخصية للآباء يحتج عليها الأبناء فيجب أن يكون لسان حال الأب «أنا هو أنا.. بالتأكيد يمكن أن اخطئ، ويمكن أن أعيد نفس الأخطاء مرة ثانية ، ولكننى متأكد أننى سأحصل منكم على تقدير ممتاز بالنسبة للمجهود الذى بذلته، لأن الله يعلم أننى حاولت، وحاولت بكل ما أملك من جهد أن أسعدكم».
معتدلاً فى تطبيق الثواب والعقاب
فى بعض الأحيان نجد الوالدين.. وخصوصاً الأب – يقوم باستخدام أساليب العقاب للسيطرة على الطفل، أو للتعديل من سلوكياته، وهو فى ذلك يتبع أساليب العقاب البدنية كالضرب، أو أساليب العقاب المعنوية كالتأنيب واللوم والتشهير.
ونحن نعلم أن العقاب له أثره فى توجيه السلوك وتدعيمه، وفى ردع الفرد عن القيام بسلوك معين لا يرضى عنه الآباء والأمهات. ولكن الذى يحدث أن بعض الآباء يغالون فى استخدامه فيواجهون كل سلوك غير مرغوب فيه من جانب أطفالهم بالعقاب. ظناً منهم أن العقاب سيعمل على كف هذا السلوك وردعه. فالعقاب قد لا يؤدى دائما إلى منع السلوك الشاذ، وأحياناً يكون هذا المنع مؤقتاً. وأحياناً قد يؤدى العقاب إلى تأكيد هذا السلوك الشاذ وتجسيمه. فالسلوك العدوانى من جانب الطفل قد يواجه بالعقاب ، وقد يتوقف الطفل عن سلوكه هذا فترة معينة كرد فعل للعقاب. ولكنه يعود إلى هذا السلوك مرة أخرى بصورة أشد. فالدافع للعدوان دائماً يكون من أهم أسبابه إحساس الطفل بالإحباط. فإذا تم عقاب الطفل، فإننا نسبب له إحباطاً إضافياً، وبالتالى يزداد اندفاعه نحو العدوان.
مخاطر المبالغة في الثواب والعقاب
والواقع أن المغالاة فى استخدام العقاب، وخاصة العقاب البدنى يؤدى إلى الجبن والخوف والقلق. أو يخلق أحياناً أطفالاً متبلدين لا يحركهم إلا العقاب أو الخوف منه.فى المقابل نجد بعض الآباء، يتبعون أساليب الثواب مع أطفالهم. كأن يغدقوا عليهم الهدايا، أو يمطرونهم بعبارات الثناء والمديح كلما نجحوا فى مهمة ما. أو إذا استجابو للتعليمات أو التوجيهات، فأبدوا من السلوك ما يرضى عنه الآباء.
والثواب، على الرغم من آثاره الإيجابية على شخصية الطفل، إلا أن الإسراف فيه يخلق منهم فى المستقبل أفراداً ماديين. لايقومون بأى عمل من الأعمال إلا من أجل المقابل المادى. كما أن الثواب قد يفقد أثره كحافز إذا كان هناك مغالاة فى استخدامه.
الثواب أكثر جدوي من العقاب
وينبغى أن نؤكد أيضا أنه ينبغى للآباء والأمهات على حد سواء الإكثار من استخدام أساليب الثواب. حيث ثبت من نتائج التجارب المتعددة فى هذا المجال أن أساليب الثواب هى الأساليب الأنفع والأجدى فى تعديل السلوكيات غير المرغوب فيها. على أن يكون ذلك فى الظروف والمواقف التى تستدعى ذلك، لأن الإفراط فى الثواب يؤدى إلى الاعتياد عليه ومن ثم يفقد تأثيره. كما ننوه بأنه يتحتم الإقلال – قدر المستطاع – من العقاب. وخاصة العقاب البدنى المؤلم أو التشهير أو المعايرة، وكل ما من شأنه أن يضعف ثقة الطفل بنفسه. لذلك.. لابد أن يكون الثواب أو العقاب على قدر عمل الطفل، أو على قدر أفعاله والنتائج المترتبة على ذلك. على أنه إذا كان هناك قرار بتوقيع عقاب ما على الطفل، فلابد من ينفذ فوراً دون تأجيل أو إبطاء.
مؤسسا للديمقراطية
التربية الديمقراطية تنتج للطفل بكل تأكيد المناخ المثالى للنمو والإزدهار. وعلى خلاف ذلك، فإن السيطرة والديكتاتورية من شأنهما أن يحققا عملية استلاب شاملة للطفل.
لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية والتربوية أن النجاح والتفوق كانا على الدوام من نصيب الأطفال الذين ينتمون إلى أوساط اجتماعية تتميز بسيادة العلاقات الديمقراطية. وبينت الدراسات أيضاً أن الإبداع والابتكار مرهونان بدرجة الحرية التى تمنع للأطفال فى حركتهم وفى تلبية احتياجاتهم.
والعلماء يقررون أنه فى السن الصغيرة ليس من الضرورى أن يسهب الأب فى الشرح والتفسير. فقبل سن السادسة تصبح الديمقراطية الكاملة سابقة لأوانها. لأنه إذا أتاح الأب أمام الطفل اختيارات عدة، وفتح له المجال لتعليقات كثيرة على نوعية المأكل والملبس مثلاً. فإنه بذلك يخلق طفلاً شرها ونهماً فى المستقبل.. ليس معنى ذلك أن تسود الديكتاتورية البيئة المنزلية، ولكن لكل سن قدرها المناسب من الديمقراطية والحرية.
مؤمناً بجدوى المشاركة
والمشاركة تعنى أن يكون هناك تبادل وجدانى وفكرى ما بين الأب وأطفاله، يشاطرهم أفراحهم وأحزانهم ، ويشاطرونه أيضاً أفراحه وأحزانه. هى صداقة من نوع خاص، فيها تبادل ثرى بين قيمتى الأخذ والعطاء، فيما يقدمه الأب لأبنائه، وفيما يقدمه الآبناء لآبيهم. تبادل لا أنانية فيه، فالأنانية تعاسة وشقاء. تبادل يعلو بقيمة التعاون القائم على الإيثار والتضحية وإنكار الذات.
كثير من الآباء لا يكترثون بأهمية المشاركة بينهم وبين أبنائهم، وكثير منهم أيضا يهضمون هذا الحق. فالآباء غالباً مشغولون وراء السعي بمتطلبات الحياة، يعملون في النهار والليل لكسب قوتهم، وتمتلئ بطون أطفالهم ويكسون أجسادهم بالملابس الدافئة. ولكننا نقول : أيها الآباء الوجبة ناقصة ، فمازال هناك خواء معنوي وفكري. لذلك.. نحن نرى ضرورة قصوى فى أن يجلس الأب مع أطفاله، كلما أمكن، وعلى قدر ما تسمح به ظروفه المعيشية، من حين إلى آخر. وليس بالضرورة دائما، أن يسامرهم، ويتجاذب معهم أطراف الحديث، ويحدثهم بتلقائية وبساطة وصراحة عما حققه من إنجازات. وما كان يود أن يحققه، أو عن نجاحاته وإخفاقاته أيضأ، أو مشكلاته فى الحياة وكيف تغلب عليها.
لا تغلو في المحاسن أو المأسي
هنا نطالب الآباء بتوخى الحذر من الغلو والتطرف، الغلو فى إظهار المحاسن على طول الخط، والتطرف فى دمغ الحياة بالقسوة والجبروت على طول الخط أيضاً. نطالبهم بالصراحة والأمانة والالتزام بهما، فلا كذب ولا مداورة ولا نفاق. لا نريد للأب أن يظهر دائما بمظهر المنتصر، القوى، القديس. إنما نريده أباً صريحاً، يعلم أطفاله أن هناك أخطاء وعثرات وإخفاقات ، وعليهم فى المستقبل تحاشيها.
مهيئاً بعض الوقت للاستماع
الاستماع لطفلك وتوفير جزء من وقتك لدعمه هو من مسؤليات ودور الأب في تربية الأبناء. يجب أن يحظى كل طفل باهتمام كاف وفردى من والده أو والدته، وهذا ما يشكل مشكلة حقيقية فى عصرنا الحالى، الذى يلهث فيه الآباء وراء توفير قوتهم اليومى، فلا يتبقى لهم من الوقت غير النذر اليسير كى يقضوه مع أبنائهم، وهنا تأتى أهمية الاستعاضة عن الكم بالكيف.
ويبدو أن السبب الرئيسى وراء التركيز على أهمية هذا الوقت هو الاعتقاد بأن من يقدمون على تربية النشء ومن يحيط بهم ويتولون رعايتهم يعتبرون هم البيئة الأولية اللصيقة التى يستقى منها الطفل قيمه وتقاليده سواء بطريقة ظاهرة، أم بطريقة غير مباشرة ومستترة، إنهم الوسط الذى تتزين فيه قيم الأخذ والعطاء، أهمية الصدق، قيمة التضحية. من المفيد أن يشارك الآباء أطفالهم فى اللعب واللهو، فى أنشطتهم وهواياته، وما أكثر ما تحين الفرصة السانحة فى لحظة من الوقت عندما يشترك الأب أو الأم فى قراءة القصص القصيرة لطفلهم الصغير، أو لعبة مسلية مشترك فيها الطفل على مستوى من الندية.
بعض النصائح للأستماع إلي طفلك
- اقرأ الطفل – كجزء من الروتين اليومى – لك وللطفل – وليكن قبل النوم مثلاً. سوف يشعر كل من الطفل والأب بحالة من الراحة والاسترخاء بعد ذلك.
- صاحب الطفل فى جولات فى الأماكن التى تتميز بجمال الطبيعة بعيداً عن الألعاب الألكترونية والأماكن المغلقة، لكى تتعود عينيه على الجمال الطبيعى الفطرى.
- لا يفوت الوالد الذكى أن يحرص على أن تشترك الأسرة فى نشاط ما فى بعض المناسبات مثل : حضور النشاط الرياضى بالمدرسة، أو أن تجلس الأسرة معا فى وقت معين من اليوم خاصة بعد العشاء حتى يصبح هذا اللقاء موعداً مهماً يشارك كل واحد منهم الآخر اهتمامته.
منصتاً جيداً
الانصات الجيد هو أداة شديدة القيمة والفائدة لفهم مشاعر الطفل والتعرف على أحاسيسه، لذا يتوجب على الوالدين أن يوفروا لأطفالهم الظروف المواتية التى تسمح لهم بالتفريغ النفسى لما يعتمل فى دواخلهم، وهو ما نسيمه بلغتنا الدارجة «الفضفضة»، فلندع الطفل ليعبر عن اهتماماته وهمومه وطرح تساؤلاته مهما كانت صغيرة أو كبيرة، لذا فمن المستحسن أن يجد الأب الوقت الذى يسمح فيه لأبنائه بأن يتكلموا دون تأجيل أو إبطاء.
لو استطاع الأب أن يكسب ثقة الطفل وهو مايزال فى سن مبكرة وصغيرة، فإن هذا يجعل من التواصل أمراً سهلاً فى المستقبل، وليتيقن كل أب أنه لا حاجة للعجلة فى اتخاذ القرار أو إسداء النصح لأنه دائما وأبداً يوجد الوقت المناسب والكافى للتصحيح والتعليم ولإعادة تقييم الخبرة والمشاعر. أحد الآباء يقول : «خصص وقتاً تستمع فيه لابنك حتي يشعر بأهميته ولتزداد ثقته بك وليكون عنده الاستعداد ليشركك فيما يدور فى ذهنه».
تعليم القيم والأخلاق
إن عملية نقل القيم والمبادئ من أهم الأدوار التى يناط بالآباء أداؤها كى يتهيأ الجيل الناشئ للنجاح والتكيف الإيجابى، وهناك خطوط عامة ينصح الآباء الذين لهم خبرة فى تربية الأطفال وتنشئتهم باتباعها وهى كالتالى:
- تحديد المسؤوليات والأدوار فى المنزل، حيث يجب أن يعرف كل فرد دوره بمن فيهم الأطفال.
- التأكيد على الانتماء الدينى وما يؤدى إليه من معاملات تتسم بحسن الأخلاق والاحترام والأمانة.
- ممارسة آداب المائدة، وتثبيت أوقات تناول الوجبات وغيرها من الأنشطة الأخرى المهمة فى المنزل.
محترماً لذاتية الطفل
بالطبع يجب أن تؤخذ الأمور بالتدريج، بمرور الوقت يصبح من الملائم أن يمنح الأطفال مناسباً من الحرية ومساحة من اتخاذ القرار الحر فيما يخص أمورهم الشخصية، لأن إحساس الطفل بذاتيته على درجة عالية من الأهمية، إذ إنه يؤدى – ليس فقط – إلى كسب حبهم ومودتهم ، ولكنه يؤدى أيضاً إلى الاحترام المتبادل. والتدرج فى إعطاء الحق فى الاختيار والقرار يجب أن يسير بالتوازى مع تحميلهم بعض المسؤوليات. كل من الاستقلالية والمسؤولية مرهون بدرجة النضج وبالقدرات النفسية أو البدنية. إذا تأكدت هذه الأمور فى حياة الطفل الناشئ فإنه سوف يشعر بالفخر والزهو لإنجازاته وبقدرته على تنظيم اليسير من أموره، وينطبق على هذا العنصر التربوى المثل الصينى الذى يقول : «لاتعط ابنك سمكة ولكن علمه كيف يصطادها».
يستجيب الأطفال استجابات جيدة لاحترام وثقة الوالدين، «ثق فى حكم طفلك على بعض المواقف عندما يكون هو – أو هى – عنده القدرة على الحكم الجيد». إنها ملكة على الأب أن يسعى باستمرار لتنميتها. يركز أحد الآباء على ضرورة احترام ابنه كشخص مستقل فيقول : إنه هو صاحب الشخصية ، له عقله الخاص ومشاعره الخاصة، إنه فى حوزة والديه فقط لمدة محددة وصغيرة، ولكنه سرعان ما يتجاوز هذه المرحلة ليصبح هو نفسه».
مشجعاً وعادلاً
تشجيع الأب ودعمه لطفله هو دور أساسي يلعبه الوالد في تربية الأبناء. تشجيع الأب وتقديره يعد أحد الأسس المهمة فى بناء صرح الصحة النفسية للأطفال، حتى ينعموا بحياة هادئة مطمئنة. إن الحب العملى الذى يمكن أن يقدمه الأب هو أن يثنى على أطفاله فى حنو ومودة. هذا الثناء الذى يبعث فيهم الدفء، ويفتق بداخلهم ينابيع الخير، ويضئ لهم طريق الحياة الذى يبدأ بالحماس ولا ينتهى. لأن كلمات التشجيع أو الثناء متى أعطيت للأطفال فى حينها، جعلتهم يحسون بقيمتهم الذاتية وبتقديرهم لأنفسهم. فكلمات التشجيع تنمى قدرات الطفل وتدفعها إلى الأمام. وإذا كان الأب مسؤولاً عن أن يسود جو الأسرة الحب والاحترام المتبادل. فهو المسؤول أيضاً عن تجنب كل ما يسئ إلى الطفل، ويقلل من قيمته الذاتية، ويثبط عزيمته. وخصوصا أولئك الآباء الذين يتوجهون بالنقد الجارح لكل خطأ يرتكبه الطفل عن عمد أحياناً، وبحسن النية أحياناً أخرى. أو لجهلهم وعدم درايتهم، متناسين أن هناك قوانين للتعلم تحكمها المحاولة والخطأ.
نعم، هناك أطفال يتميزون بصفاء السريرة، وحسن المعاشرة، وغيرهم يتصفون بالمشاكسة والعناد والعصبية. ولكن لا ننسى مبدأ على درجة كبيرة من الأهمية من مبادئ التربية القويمة ألا وهو مبدأ «الفروق الفردية» الذى يتحتم علينا مراعاته عند التربية. كما أن أسلوب التمييز بين طفل وآخر لا يصلح لاستخدامه وسيلة من وسائل التقويم أو التأديب لتعديل السلوك إلى الوجهة المطلوبة، لأنه من منظورنا لا يحل المشكلة بل يجعلها تتفاقم.
مدعماً لكرامة الطفل
أحد أهم مسؤوليات ودور الأب في تربية الأبناء هو تشجيع طفله علي الكرم وإحساس الطفل بذاته. إن اعتزاز الطفل بذاته وبقيمته الشخصية شئ بالغ الأهمية، لذلك على الأب أن يكافئه ويشجعه. وعليه أن يحاول باستمرار أن يكون إلى جواره بحيث يستطيع الطفل أن يجد أباه كلما احتاج إليه. وعلى الأب أن يكون كريما فى الدعم وفى الحب لأن الإحساس بالكرامة الذاتية أساس للنمو النفسى للطفل. هناك من خبرة الآباء المجربين بعض الخطوط العامة التى ينبغي الالتفات إليها بعين الاعتبار:
- كلما سمحت الظروف أدعم قرار ابنك.
- اظهر اهتماماً صادقاً بالبرامج المدرسية، وشجع الأنشطة غير الدراسية. واهتم بهوايات أطفالك ومواهبهم، فيمكنك أن تسمح مثلاً بأن تغطى لوحاتهم الفنية جدران حجرتهم الخاصة. وحاول أن تقضى أوقاتاً وافرة فى متابعتهم، ومشاهدة مبارياتهم التى يلعبونها.
- لاتسفه الطفل أبداً، ولا تحرجه إطلاقاً، ولا تكن شديد النقد لم ينجزه. بل انقل إليه إحساسك بالرضا وحاول أن تشعره بأنه بذل أقصى مجهود ممكن. اعطة الثقة لأنك إن لم تعطه أنت الثقة فلن يستطيع أى فرد آخر يعطيها له .
منتقياً الأصدقاء
مساعدة طفلك علي انتقاء أصدقائه هو من مسؤليات ودور الأب في تربية الأبناء. لابد للأب أن يتدخل من أجل انتقاء الأصدقاء ، وأن يرشد أبناءه ، لا أن يفرص عليهم أصدقاء بعينهم. فإذا رأى أن أطفاله ينخرطون فى علاقات سيئة وجب التدخل بكل حزم لمنع أولاده من الاختلاط بهؤلاء، مع شرح وتفسير ذلك.
والواقع أن هذا يتطلب أيضا أن يضرب الآباء المثل والقدوة بهذا الخصوص. فلا يجب أن تختلط الأم مثلا بجارة سيئة السمعة أو السلوك. وكذلك الأب لا يجب أن يخالط أصدقاء يحتسون الخمر، أو يدمنون المخدرات ، أو يلعبون الميسر، حتى لا تكون أقوالنا متناقضة مع أفعالنا.
د. وفيق صفوت مختار، الأسرة وأساليب تربية الطفل، دار العلم والثقافة، 2004