ما أسباب كره الأبناء للأباء؟ تشكل الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فمن خلالها، تتم صياغة شخصية الطفل، حيث يكسب لغته وآدابه وأنماط سلوكه الاجتماعي، ويتلقى مبادئه الأساسية في الحياة فـالأبوان هما حلقة الوصل بين الأبناء وثقافة المجتمع. وما من شك فـي أن الاهتمـام بتربيـة الذريـة الصالحة، يعد من أفضل صور الاستثمار وهو مطلب فطري لدى الآباء ويتضح فيما جاء علـى لسان نبي الله زكريا عليه السلام، حينما دعا ربه سبحانه وتعالى: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” (آل عمران : 38)، وفيما جاء علي لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” (إبراهيم : 40)
جدول المحتويات
إن صلاح الأبناء لا يتحقق إلاّ بصلاح الآباء؛ فهما المسئولان بالدرجة الأولـى عـن سلامة فطرة الأبناء واستقامتهم، وعلى الرغم من عظم هذه المسئولية في تربية الأبناء، إلا أن كثيراً من الآباء قد فرط بها وقصر في أداءها وهناك من مارسها وما زال يمارسها بلا وعي ولا هدى؛ فوقع فـي أخطـاء كثيـرة متنوعة، ولا يوجد ابن يكره أباه ولكن إذا كانت تشعر بأنهم يكرهونك فيجب عليك التأمل قليلاً في سلوكياتك وكيف تعاملهم، سنتعرف في مقالنا اليوم على أسباب كره الأبناء للأباء، فما هي؟
القسوة
وهي من أهم العوامل التي تؤدي إلى حدوث جفاء بين الأب والأبناء وتزرع داخل الأبناء الشعور بالكراهية تجاه الأب. وتظهر القسوة في الضرب أو الكلمات النابية القاسية وعدم وجود تواصل عاطفي بين الإبن والأب. فلا يشعر الطفل بحب أبيه من خلال النظرات أو الكلمات أو اللمسات الحانية. وهنا يبدأ الطفل في الشعور بالكره والغل ناحية أبيه.
السلوك غير المتسق
السلوك غير المتسق من قبل الآباء فيما يتعلق بالنظام داخل البيت، فمن المهم أن يكون سلوك الآباء متسقاً وأُنموذجياً أمام الأبناء ؛ كي لا يحدث سوء فهم لدى الأبناء، فإذا كان الفعل (أ) يؤدى إلى النتيجة (ب) فلابد أن يؤدى هذا الفعل إلى النتيجة (ب) في كل الأحوال.
العصبية
وهي أكثر الصفات انتشارًا بين الآباء والذين لا يشعرون كيف تؤثر العصبية سلبًا على الأبناء بشكل غير مباشر حتى وإن كانت العصبية في أمور الحياة بشكل عام. الكثير من الأطفال يشعرون بالخوف من الصوت العالي والأسلوب العصبي، ولذلك فهم ينفرون من الآباء العصبيين ويبتعدون عنهم نفسيًا. فتنشأ فجوة بين الأب والابن بسبب خوف الابن من إثارة عصبية الأب لأتفه الأسباب، ويصل الأمر إلى الكراهية في النهاية.
العقاب غير المناسب
بالتأكيد العقاب قد يكون نتيجة طبيعية ومنطقية لبعض السلوكيات. ولكن إذا كان العقاب مبالغ فيه وغير عادل فالآباء عادة يخسرون مكانهم في قلوب أبنائهم. كما يضيعون فرصة تعليمهم وتعديل سلوكهم. لأن الأبناء يكون جل اهتمامهم على العقاب غير العادل.
عدم تحمل المسؤولية
وهي من أسباب كره الأبناء للأباء فكثير من الأطفال ينشئون للأسف في ظل أب لا يتحمل أعباء أسرته، ولا يتحمل مسؤوليتهم المادية والنفسية. وهناك نوع من الآباء الذين يتركون أبنائهم ويتخلوا عن مسئوليتهم تمامًا فلا يفكرون في النفقات ولا الاهتمام بشئون أطفالهم. وهناك نوع آخر يمكث مع أبنائه ولكنه يتكاسل عن أداء مهماته تجاه أولاده. وهذين النوعين من أسوء أنواع الآباء الذين يزرعون كراهية أبنائهم بأيديهم.
الإهمال في تربية الطفل
إهمال تربية الطفل خصوصاً في مراحل الطفولة المبكرة، بمعنى أن يترك الوالدان طفلهم بدون تشجيع على السلوك المرغوب فيه أو الاستجابة له بالإضافة إلي ترك الطفل دون محاسبة إذا قام بأي سلوك مستقبح مما ينعكس سلباً على نموه النفسي
التسلط
التحكم وفرض السيطرة بالقوة والعنف أمر كفيل بنزع الحب من داخل قلوب الأبناء لآبائهم. لأنهم لا يغفرون للآباء كيف أنهم سلبوا منهم حرية اللعب في الصغر وحرية الاختيار في الكبر. بما يجعلهم يشعرون بالحرمان تجاه أشياء كثيرة كانوا يودون تجربتها واستكشافها. وما يتبع ذلك من تأثير سلبي على شخصيتهم، فهذا النوع من الآباء يربي أبناءً فاقدي الثقة بأنفسهم وناقمين على أبويهم.
إهمال التربية الدينية والأخلاق
التدين عامل إيجاب في الألفـة: والانـسجام والتآزر والتساند؛ باعتباره إيماناً: بمثل، وقيم في الحياة، ليس من بينها المـال والجـاه وعـرض الدنيا، بل في مقدمتها: الإنسانية في المعاملة ، التهذيب في الـسلوك، تقـدير الإنـسان لذاتـه واستيفاء الإخاء في الله. والتزام الأب بمفهوم الحقيقي للإسلام ثم التطبيق العملي لآدابه وأحكامه مع الالتزام الكامل بمنهج الشريعة ومبادئها بما ينعكس إيجاباً على: أخلاقهما وسلوكهما وتربيتهما للأبناء.
عدم التقدير
وهي من أسباب كره الأبناء للأباء حيث يكره الأبناء الأب الذي لا يقدرهم والذي يقابل أفعالهم بالتهكم والسخرية. بل ويتعمد اهانتهم والتقليل منهم وخاصة أمام الناس. ويترك ذلك أثرًا سلبيًا داخل نفوس الأبناء وشعورًا بغيضًا تجاه الأب بسبب احراجه لهم، والذي من المفترض أن يكون أكثر الناس تشجيعًا لهم في أي حال.
الشجار أمام الأبناء
أن الآباء في الغالب لا يراعون وجود الأبناء أثناء تصرفاتهم فهم يظهرون خلافـاتهم أمـامهم ممـا يفقدهم عنصر القدوة الحسنة، ويمكن إرجاع ذلك إلى أن الآباء يظنون أن الأبناء في الغالـب لا يلتفتون إلى سلوكهم ذلك، لا سيما في المراحل الأولى من حياتهم، كما أنهم لا يـدركون علـى النحو المطلوب الأثر السلبي المترتب على تصرفاتهم غير المسئولة أمام أبنـائهم، كمـا يمكـن إرجاع مثل ذلك السلوك إلى عدم إلمام الآباء بالمبادئ التي تقوم عليها الحياة الزوجيـة الناجحـة من تفاهم واحترام متبادل وعلاقة حسنة.
البخل
شدة البخل والتقتير على الأبناء وعدم الاستجابة لمطالبهم وحاجاتهم في معظم الأحيان؛ مما يجعلهم يشعرون بالنقص ويحسون بالحاجة، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن إشباع حاجاتهم بطرق أخرى كممارسة التسول، أو السرقة، أو الالتفاف على رفقاء السوء.
فالأب البخيل هو نوع آخر من الآباء الذين يزرعون كراهيتهم داخل أبنائهم بأيديهم. وخاصة الأب المقتدر الذي يستطيع الإنفاق بسخاء على أهل بيته ولكنه يبخل بذلك. وهو ما يجعل الأبناء يشعرون بالحقد تجاه أبيهم وخاصة عندما يستقل كل شخص بذاته ويتحمل مسؤولية نفسه. ويجد أن بخل أبيه قد تسبب له في ضياع فرصة عمل لو كان إلتحق بتدريب اللغة الإنجليزية الذي رفض والده أن يلحقه به رغم قدرته المادية.
المبالغة في التوبيخ
الآباء قد لا يكون لديهم الخبرة الكافية في التعامل مع أبنائهم كما أن لديهم حساسية مفرطة تجاه أخطاء الأبناء ولـو كانـت بسيطة ، وقد عزا الباحثون ذلك إلى حرص الآباء على عدم رسوخ بعض أنماط السلوك الـسلبي لدى الأبناء؛ كي لا تصبح عادة من الصعب الإقلاع عنها ويتناقض ذلك الـسلوك الأبـوي مـع توجيهات الرسول صلى االله عليه وسلم الذي حثنا على التزام الرفق في كل الأمور بقولـه : “إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه”.
التفرقة بين الأبناء
وهي احدى أسباب كره الأبناء للأباء، فعدم المساواة بينهم في المعاملة والإنفاق والحب يستنزف رصيد أبيهم من المحبة فيكرهونه أيضًا. لأن الأبناء يحبون أن يشعرون أن لكل منهم مكانة خاصة في قلب الأب. وأن كل منهم مهما فعل فلن يفرق الأب بينه وبين أخيه. ولكن الأب الذي يفرق بين الأبناء يسلب من أبنائه الشعور بالأمان العاطفي. فكيف سيبادله ابنه عاطفيًا إن لم يجد منه الحب في جميع الأحوال.
سوء الظن واتهام الأبناء والتقليل منهم
ذلك السلوك له آثاره المدمرة على الأبناء؛ حيث يسبب لهم ألماً نفسياً كبيراً. فضلاً عن كونه سلوكاً مخجلاً يعرض الأباء للانتقاد المباشر من قبل الآخرين. لأنه يتناقض مع طبيعة الآباء الذين غالبـاً مـا يفتخـرون بأبنائهم ويحبون أن يظهروا أمام الآخرين على أفضل صورة. وذلك السلوك يفسد العلاقـة بـين الآباء والأبناء إلى حد كبير؛ مما إلى شعور الأبناء بالإحباط والاكتئاب والشعور بالظلم. كما أنه قد يرسخ لديهم صورة سلبية عن الذات، تحد من فرص النمو السليم لديهم. فتقف حجر عثـرة أمام الرغبة الذاتية في إصلاح النفس وتعديل السلوك.
خاتمة
ولقد حث الإسلام على ضرورة مساعدة الأبناء على بر الوالدين. فهناك مفهوم يسمى عقوق الآباء للأبناء وهم الآباء الذين ظلموا أبنائهم بعدم الإنفاق عليهم وعدم تربيتهم على القيم السليمة. وهم نفسهم الآباء الذين لم يعدلوا بين أبنائهم وأهملوهم وتركوهم يعانون الحياة دون رعاية أو نفقة. وهؤلاء الآباء يدفعون الثمن في النهاية عندما يجدوا أبنائهم قد كرهوهم فيصبحوا نادمين على ما فعلوا.
ولذلك على كل أب أن يبتعد عن أسباب كره الأبناء للأباء. وأن يزرع بأولاده ما يحب أن يراه عندما يصبح رجلًا عجوزًا. وأن يتذكر قول النبي “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.