2في هذه المقالة استعراض نقدي لظاهرة الجريمة وأنواعها والنظرة الحديثة لها في علم الإجرام Criminology وكيف أنها لا ترجع الى عامل واحد بعينه وراثياً كان أم بيئياً وإنما ترجع الى تضافر مجموعة من العوامل. الأمر الـذي يجعل للمدرسة والمؤسسات التربوية دور حيوي وهام في مكافحة الجريمة والحد منها على اعتبار ان الجريمة ليست سلوكا حتمياً أو محتوماً وذلك بإبراز الدور الذي يتعين علي المدرسة ومؤسساتنا التربوية في عالمنا العربى القيام به للوفاية والعلاج ومكافحة الجريمة والجنوح والانحراف.
جدول المحتويات
تعريف الجريمة
الجريمة من الناحية القانونية مصطلح قانوني لأنها كل عمل يعاقب عليه القانون أو يجرمه أي يعتبره جرماً وموجباً للعقوبة المرتكبة. والجريمة أو الجرم من الناحية الاجتماعية كل فعل يعود بالضرر على الأفراد أو المجتمع، ويعاقب عليه القانون. والجريمة ظاهرة اجتماعية بسبب كثرة انتشارها وبسبب وجودها في وسط جماعة وتنشأ الجريمة عن أسباب متعددة جسمية وعقلية وعصبية ونفسية واجتماعية واقتصادية، فمن العوامل النفسية الاتجاهات والميول والعقد والأمراض النفسية والضعف العقلي، وقد ترجع الجريمة لعوامل وراثية أو داخلية في داخل الفرد، وقد ترتد الى التأثر بالبيئة الفاسدة أو غير الصالحة، أي ترتد الى التعلم والاكتساب والاحتكاك والتفاعل مع عناصر البيئة الاجتماعية والمادية التي يعيش الفرد في كنفها. وقد تنشأ الجريمة من نقص جسمي أو ضعف عقلي أو اضطراب انفعالي.
هذا وتختلف الأفعال التي تنال التجريم من مجتمع الى آخر وفي ذات المجتمع من حقبة الى أخرى. فالجريمة ليست مطلقة وقد تغلظ العقوبة على فعل ما في فترة ما وقد تخفف، فى حقبة زمنية أخرى كما هو الحال حين غلظت عقوبة الاتجار في المخدرات فى التشريع المصري ووصلت الى حد الاعدام.
أنواع الجرائم
ويمكن تصنيف الجرائم وفقاً لقانون العقوبات الى فئات ثلاث هي
- المخالفات: وهي أخف ألوان الجرائم كالمخالفات التي توقع على من يخرج عن قواعد المرور في قيادة السيارات أو كمنع الأب طفله الصغير من التعليم الابتدائى.
- الجنح: وهي جرائم أشد من المخالفات كالضرب الذي لا يفضي الى عاهة مستديمة.
- الجنايات: وهي أشدها جميعاً ومنها القتل.
وتتفاوت العقوبات تبعاً لجسامة الجرم فتبدأ بالغرامات المالية وتنتهي بعقوبة الإعدام.
ويميل التعريف الاجتماعي للجريمة إلى اعتبارها سلوك ينتهك مرتكبه القواعد الأخلاقية، التي وضعت لها الجماعة جزاءات أو عقوبات ذات طابع رسمي. وتحدد الدولة، في أي حقبة من حقب الزمن مجموعة الأفعال التي تعتبرها جرائم موجبة لتوقيع العقوبة على من يرتكبها فالجريمة فعل يحرمه القانون ويمنع ممارسته، ويعاقب عليه.
الانحراف غير الجريمة
ولا يشمل القانون الجنائى – في معظم الجنايات – جميع الأفعال أو الأنماط السلوكية المضادة للمجتمع وللقيم وللمثل العليا والمعايير الخلقية، ومن ثم لا تدخل ضمن قائمة الجرائم أو الأفعال المؤثمة قانوناً. علي الرغم مما لها من آثار ضارة بحياة المجتمع وأفراده فالقانون الوضعي لا يعاقب على الرياء أو النفاق أو المداهنة أو الكـذب .. إلخ.
جرائم ذوي الياقات البيضاء
ولقد اشار سذرلاند3 Edwin Sutherland في كتابه جرائم ذوي الياقات البيضاء الى بعض الأعمال التى يمارسها كبار رجال الصناعة والتجارة واعتبرها صوراً من صور الإنحراف الاجتماعي ولذلك يلجأ بعض علماء الإجرام2 Criminology إلى توسيع مفهوم الجريمة لتشمل السلوك المضاد للأخلاق والمجتمع، وإن كانت لا تدخل ضمن الجرائم المعاقب عليها وفقاً لقانون العقوبات.
الجريمة بمعناها الواسع في المفهوم التربوي
واذا كان لعلماء الإجرام هذا الاتجاه الشمولي في تحديد مفهوم الجريمة، فإن رجال التربية لابد وأن يكون لهم مفهوم أكثر شمولاً لمعنى الجريمة والجنوح والانحراف ليشمل كل ما يخالف، القيم الروحية والخلقية، وأنماط السلوك المرعية والعادات الإيجابية والتقاليد والمثل والاعراف والمعايير المتمثلة في التمسك بآداب الفضيلة والعفة والصدق والولاء والوفاء والعرفان والانتماء والتضحية والإيثار والفـداء والوطنية الصالحة والأمانة والجد والاجتهاد واحترام الغير وحقوقه وحب السلم والسلام والتعاون والإخاء والبر والإحسان والتواضع..الخ. ذلك لأن التربية هي صانعة الإنسان ولابد أن يكون نتاجها صالحاً ومثالياً وايجابياً .. الخ.
وجهة النظر الحديثة للمجرم
تتجه المدارس الحديثة فى علم الاجرام وكذلك في علم النفس الجنائي إلى اعتبار المجرم مريضاً ومعاملته ومعالجته علي هذا النحو، مع التركيز على وظيفة المؤسسات العقابية كالسجون والاصلاحيات في الاصلاح والتهذيب والتأهيل واعادة التأهيل والتدريب لإمكان إعادة المجرم الى الانخراط الايجابي في المجتمع مرة ثانية لتأدية دوره فيه ولاتقاء شره.
وهناك من ينظر للسلوك المضاد للمجتمع على انه اضطراب عقلي يستوجب المعالجة الطبيعية والنفسية. ولكن الحقيقة أن هناك كثيراً من المجرمين الذين لا يعانون من اية اضطرابات أو اعراض المرض العقلي كالخطأ فـي إدراك الزمان أو المكان أو غير ذلك من مظاهر السلوك المرضي. فليس جميع المجرمين مرضى عقليين، وإن كان هذا لا يمنع من ضرورة توفر عامل نفسي في كل جريمة يكمن بين دوافعها المختلفة.
هذه صورة عابرة عن الجريمة والجنو ح. ومن خلالــها، نرى أن السلوك الإجرامي متعدد الأسباب. وأن من بين هذه الأسباب أسباب بيئية وأن السـلوك الإجرامي ليس سلوكا حتمياً. ومن هنا يمكن أن تلعب المدرسة والمؤسسات التربوية دور هام في مكافحة الجريمة والوقاية والحد منها.
إقرأ أيضاً:
- دور علم النفس التربوي في العملية التعليمية والتدريس
- مفهوم علم النفس التربوي أهدافه وأهميته ومجالاته دليل شامل
- نظرية الذكاءات المتعددة وأنواع الذكاء التسعة دليل شامل
دور المدرسة والمؤسسات التربوية في مكافحة الجريمة والانحراف
نستطيع أن نوجز الدور الذي يمكن أن تقوم به المدرسة ومؤسساتنا التربوية في مكافحة الجريمة والانحراف، وخاصة جرائم العنف والتعصب والتطرف وبخاصة جرائم الصغار والشباب بحكم احتكاكها وتعاملها مع هذه الفئات العمرية وإن كنا لا ننكر إمكان انتقال تأثير المدرسة الإيجابي الى المجتمع كله وللأسرة لأنها بمثابة المشعل الثقافي الذي يضئ المنطقة المحلية برمتها:
- لما كانت المدرسة مؤسسة علمية أو تعليمية، فإننا نتوقع ان تنتهج المنـهج العلمي عند تصديها لعلاج حالات الانحراف أو الإجرام التي تظهر بين طلابها. فتتعرف المدرسة على طبيعة المشكلة أو السلوك المشكل وتحدده تحديداً دقيقاً. ثم تجرى بحثاً حول ظروف الحدث الأسرية والاجتماعية والاقتصادية وتقيس ما لديه من ذكاء وقدرات. وتتعرف عما إذا كان يعاني من الأمراض النفسية أو العقلية بإستخدام الاختبارات والمقاييس المقننة على أمثاله من البيئة العربية. وبعد التعرف على الأسباب تشرع في العلاج، عن طريق ما لديها من الأخصائيين الاجتماعيين أو النفسيين ورجال الإدارة المدرسية والمعلمين.
- وتنبثق العقيدة في قدرة المدرسة على مكافحة الجريمة والوقاية منها من الاعتقاد بأن المدرسة مؤسسة إجتماعية في المحل الأول. فالمجتمع يؤسس المدرسة لتحقيق أهدافه، والتي هي ولا شك أهداف، مشروعة، وايجابية، وتحقيق رسالته في حقبة معينة من الزمن. وعلى ذلك فإنها مطالبة بالتعرف على أهداف المجتمع وغاياته وعلى المشكلات والتحديات التي تواجهه. وسوف تجد ولا شك من بينها مشكلات تنال من عضد الشباب والأجيال الصاعدة في مجتمعنا العربي. ومن ذلك العنف والجريمة والانحراف والتطرف والتعصب والمخدرات والإدمان والتأخر الدراسي وعدم الانتماء وما الى ذلـك. وعلي المدرسة أو الجامعة أن تسهم في حل مشاكل المجتمع ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تعترض سبيله.
- ولا شك أن المؤسسة التربوية الحديثة تدرك تمام الإدراك ان رسالتها هى الاعداد للحياة السوية والانخراط الايجابي الحياة الاجتماعية. المؤسسة التربوية ليست مهمتها قاصرة على تزويد طلابها بالحقائق والنظريات العلمية مجردة أو بعيدة عن تطبيقاتها الواقعية. بل علي المدرسة الاهتمام بالاستخدام الأمثل للمعارف العلمية في حل مشاكل المجتمع والنهوض به.
- للمدرسة دور فاعل في حياة الناس. لأنها صانعة الأجيال أو لأنها المؤسسة التي يعهد اليها المجتمع بصناعة المواطن الصالح وصقله وتشكيله وإبراز خصال الفطرة السوية فيه. وتحويله إلى قوة خلاقة ومبدعة ومنتجة وفاعلة، وإيجابية وقادرة على دفع عجلة التقدم إلى الأمام باستمرار.
- تسعى المؤسسة التربوية العربية في الوقت الحاضر لتقليل نسبة الفشل الدراسى وترك المدرسة. لأن البديل لها، في معظم الأحيان، هو الانضمام إلي شلل العصابات أو أصدقاء السوء. ويمكن لها معالجة حالات الفشل الدراسي بمزيد من الصبر والتأنى واعطاء دروس التقوية لضعاف التلاميذ.
- المؤسسة التعليمية، على اختلاف مستوياتها، بحكم كونها مركزاً للاشعاع الثقافى والاستنارة الفكرية، يمكن أن تعقد بين جنباتها الندوات والمؤتمرات والمناظرات والمحاضرات التي تناقش فيها مشاكل الجريمة والانحراف بقصد التوعية الوطنية وتحاشي التورط في براثن الجريمة.
- الفرد قد يرتكب الجريمة فى حالة إحساسه بالظلم وعجزه عن دفعه عن نفسه. ولهذا فالمؤسسة التربوية مطالبة بإحساس أبنائها بالمعاملة العادلة والمساواة والانصاف والحق واعطاء كل ذي حق حقه.. الخ.
- اذا كنا نشكو من ضعف الشعور بالانتماء الإسلامي والوطني في بعض الحالات، فإن المؤسسة التربوية مطالبة بأن تغذي الشعور بالانتماء وتزكي روح الوطنية والتضحية والفداء فى نفوس أبنائها، وغرس مشاعر الاعتزاز بالتاريخ الوطني والبطولات الاسلامية وسرد السير واستخلاص العبر من سفر تاريخنا الخالد وما فيه من انتصارات باهرة والإشارة إلى واقعنا الحالي بصورة إيجابية نركز فيها على الإيجابيات وما تحرزه المجتمعات العربية، على امتدادها من الانتصار أو الاستقلال وبسط السيادة على أراضيها، وقيام النهضة العلمية والعمرانية والإصلاحية، ودخول عالم الصناعات الثقيلة، وتنقل التكنولوجيا واستيعابها وتقدم العقل العربي وانتصاره فى مختلف المجالات.
- نشر الوعي الأمني والقانوني بتدريس المبادئ العامة للقانون بغية فهم روح القانون واحترامه.
- توفير الأنشطة الإيجابية البديلة والنافعة والتي تمتص فائض طاقة الطلاب عن طريق النشاط العلمي والثقافي والكشفى والجوالة. بالإضافة إلي عقد المسابقات الثقافية والجمالية بين الطلاب وتوفير فرص الأنشطة التطوعية أمام الطلاب للقيام بالمشروعات المحلية. مثل تطهير الببئة أو محو الأمية وجمع التبرعات وغير ذلك من الأنشطة التي تمثل التسامي والإعلاء بغرائز الإنسان ودوافعه البدائية. مع الاهتمام بتحويل طاقته الى القنوات الشرعية التي تبني جسمه وتصقل عقله وتهذب وجدانه وتزيد من الالتحام بينه وبين المجتمع.
- استضافة كبار المتخصصين في المنطقة من رجال الامن للتحدث إلى الطلاب عن دورهم في مكافحة الجريمة وعوائدها الوخيمة بالنسبة لمن يرتكبها. وكذلك دعوة رجال القضاء لإلقاء المحاضرات على الطلاب من مآل الجريمة وظروفها في المجتمع.
- حرص المؤسسة التعليمية على تنمية ضمائر الأطفال لعدم تكوين النزعات السيكوباتية
- التوسع في زيارة السجون ووحدات رعاية الأحداث لإطلاع الطلاب على ما ينتهى إليه المجرم في السجن. وذلك لأخذ العظة والعبرة والاستفادة من ذلك في حياته المستقبلية.
- عمل اسبوع سنوياً لمكافحة الجريمة والانحراف أو أسبوع الشرطة تساهم فيه المؤسسات الطلابية برجالها وطلابها.
- حث الطلاب على تقديم التبرعات للسجناء وأسرهم.
- التركيز على التربية الدينية واستمرارها حتى نهاية المراحل التعليمية لما لها من أثر طيب على سلوك الفرد والجماعة وعلى منع الجريمة والانحراف وعلى التمتع بالقيم الأخلاقية الأصيلة.
- عرض الأفلام التى تنكل بالجريمة والمجرمين وتنفر منها.
- أن مجرد قيام المؤسسات التعليمية بنشر العلم يعد عملاً مناهضاً لاتتشار الجريمة. ويؤيد ذلك أن الإحصاءات تشير الى تفشي الاجرام بين الأميين أكثر منه بين المتعلمين.
المراجع
- أ.د. العيسوي، عبدالرحمن محمد. (2003). سيكولوجية الطفولة والمراهقة. عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع.
- علم الإجرام هو فرع من فروع علم الاجتماع يركز على الدراسة العلمية للجوانب غير القانونية للجريمة والسلوك الإجرامي. والاهتمام بدرسة الجريمة دراسة علمية للتعرف علي أسبابها وكيفية الوقاية منها.
- إدوين هاردين ساذرلاند عالم اجتماع أمريكي يُعد من أكثر علماء الإجرام تأثيرًا في القرن العشرين.