في هذه المقالة سنلخص أربعاً من القواعد التي ينصح التربويون والمعالجون بتطويرها وتنميتها عند التعامل مع أبنائنا المراهقين أو بناتنا في سن المراهقة. ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
جدول المحتويات
القاعدة الأولى: الإصغاء الجيد
الإصغاء الجيد ليس بالسهولة التي نتصورها، فهو ليس مجرد أن تستمع ويكون ذهنك في نفس الوقت في واد آخر، أو أن تستمع ولكن يكون هدفك في النهاية هو أن تقنع الآخر بشكل تعسفي بوجهة نظرك فحسب. والإصغاء الجيد لا يعني مجرد ان تظهر الإنصات وعدم المقاطعة. فالإصغاء الجيد من وجهة نظرنا هو الإنصات ومحاولة فهم الآخر في نفس الوقت. معنى ذلك أن مجرد الاستماع للكلمات التي تقال لا يكفي، لأن كثيراً من المراهقين قد يجد صعوبة في التعبير عن مشاعرهم في كلمات منطوقة. ومن ثم فإن الإصغاء الجيد يتطلب استماعاً وإنصاتاً لما يقوله الآخر، وفي نفس الوقت صياغة ما يقال في إطار يجعلنا على دراية بدوافع الآخر وعالمه الخاص سواء عبر هذا الآخر عن ذلك في كلمات منطوقة أو باي شكل آخر. ولهذا فالإصغاء الجيد أحد أهم القواعد في تحسين التواصل والتعامل مع المراهقين ويمكن أن يعبر عنه في شكل قواعد فرعية يمكن تنفيذها على النحو الآتي:
- حافظ على التواصل البصري مع المتحدث.
- عبر أو قل شيئاً يبين أنك تسمع وتفهم ما يقال.
- اسأل أسئلة توضيحية.
- تحقق مما تسمع بين الحين والآخر.
- قم بإعادة ما يقال بكلماتك للتأكد من أن ما سمعته يعكس وجهة نظره بالضبط.
- تذكر أن حسن فهمك لما يقال لا يعني أنك توافق تماماً على ما قبل.
- تذكر أن استماعك الجيد يقلل من المعاندة ويحسن علاقاتك ليس بالأبناء فحسب، بل حتى مع الآخرين في الخارج. إنه يخلق ثقة وتقديراً للذات.
كيف نصغي لأبنائنا
وهكذا نجد أن الإصغاء الجيد يتطلب تفهماً لما يقال، وكيف يقال، ولماذا يقال. ولعل أهم نقطة من بين النقاط السابقة هي النقطة الرابعة: أي التحقق مما يسمع أو يقال. والترجمة العملية لذلك هي أن تكرر أو أن تعيد صياغة ما يقوله الابن بلغتك الخاصة، وبكلماتك الخاصة وأن تسأله عما إذا كان ذلك هو ما عناه بالضبط. أي باختصار راجع معه وتحقق من أنك تفهم تماماً ما يريد أن ينقله لك. وبالرغم من أن التدرب على هذا الأسلوب يستغرق وقتاً طويلاً، وقد يحتاج إلى جهد كبير لكي تتقنه، إلا أنه يمنع كثيراً من المشكلات ويقي من الأضرار التي قد تصيب علاقاتنا بأبنائنا. ولا يعني الإصغاء الجيد أنك تتفق مع ما يقال أو ما تسمع، ولكنه يمكنك في أقل الأحوال من معرفة مقاصد الابن أو الابنة على نحو جيد، مما يبقي على قنوات الاتصال مفتوحة ومتصلة والتعامل الفعال مع أبنائنا المراهقين.
أهم ثلاث مهارات في التعامل مع المراهقين ومعالجة مشكلات المراهقة
القاعدة الثانية: لا تتعجل باللوم والتأنيب وعبر بصدق عن مشاعرك
هذه القاعدة الأخرى في تحقيق التواصل الجيد تتضمن الاعتراف بمشاعرنا والتعبير عنها بدلاً من التلويح باللوم. ولهذه القاعدة أيضاً عناصرها التي تتضمن الجوانب الآتية:
- حاول أن تحافظ على تعبيرات ودية عندما تناقش أمراً مع الابن أو الابنة.
- حافظ على تواصل بصري ملائم.
- لا تلم ولا تؤنب ولا تهدد.
- ركز على السلوك موضوع المناقشة أي ركز على المشكلة التي أثارت الصراع أو الخلاف.
- عبر عما تشعر به نحو هذا السلوك موضوع الخلاف بعبارات مثل: أحس أن ذلك يجعلني أشعر . . .!، إن ما يزعجني في هذا الموقف هو…، أو مهما أفعل فإنني أشعر أنك . . .
- شجع على استمرار المناقشة بأن تعطي الطرف الآخر الوقت الملائم للتعبير عن وجهة نظره واستمع جيداً لما يقال.
- تذكر أن اللوم يضع الآخر في موقف المتهم، وبالتالي يحوله إلى العناد أو العدوانية أو تجنب الحوار على الإطلاق.
- مواقف اللوم لا يفوز فيها أحد.
وتنبع أهمية هذه القاعدة أن الشخص الذي يعترف بمشاعره ويصرح بها يعتبر شخصاً يدرك الأمر الواقع ويعترف بحقيقة إنسانية موجودة فيه، ومثل هذا الشخص لا يلوم. وهو بذلك يعطي الفرصة للتفاعل والتفاهم مع الأطراف الداخلة معه في عملية التواصل.
القاعدة الثالثة: اجعل هدفك تعديل سلوك خاطئ وليس تغيير الشخصية ككل
عندما يختلف الناس فيما بينهم، يميلون عادة إلى تبادل الاتهامات والتعليقات الجارحة، فيتهم بعضهم بعضاً بأن المشكلة هي في شخصية الطرف الآخر وأن العلاقة لن تستمر ولن تنجح إذا لم يغير هذا الطرف شخصيته ككل. وهذا آخر ما نحتاج إليه وأسوأ ما نمارسه مع الآخرين، ويجب علينا الابتعاد عن هذا السلوك خصوصاً عند التعامل مع أبنائنا المراهقين بشكل خاص في مواقف التفاعل! لأن هذا الأسلوب يؤدي إلى خطأين:
- فهو من ناحية لا يجعلنا نركز على الهدف أو على السلوك الخاطئ الذي نريده أن يتغير
- وهو فضلاً عن ذلك يثير حفيظة الطرف الآخر ويضعه في موقف الدفاع مما يلهب الموقف إذا لم يكن ملتهباً بالفعل.
ركز علي السلوك فقط
ولهذا فإن القاعدة الثالثة تتطلب أن يركز الآباء عند تعاملهم مع المراهق (وفي كل أنواع التفاعل الجيد عموماً) على أنواع السلوك الخاصة المطلوب تعديلها. بعبارة أخرى ليكن الهدف مثلاً أن يقلل من سهره في الخارج، أو أن يعود للبيت في وقت معين، أو أن يتصل بنا في حالة التأخر، بدلاً من أن نطلب منه أن يغير من شخصيته العنيدة، أو أن يكون ابناً مطيعاً. إلخ. وهكذا تتطلب هذه القاعدة تأكيداً على ما يأتي:
- أن تحافظ على تعبيرات وجهية ملائمة للموقف موضوع الخلاف.
- لا تنتقد الشخص ككل.
- وجه نقدك للطريقة أو الأسلوب التي تم بها السلوك.
- ركز على السلوك موضوع الخلاف أو النقاش فقط.
- أطلب من الشخص الآخر تعديل السلوك موضوع الخلاف وامنح وقتاً كافياً للتعديل وتغيير السلوك المرفوض.
- حاول أن تتجنب التعريض بالشخصية ككل ووضعها في موضوع الاتهام، وابتعد عن الإدانات العامة (مثل أناني، أو ضعيف الشخصية).
- تذكر أن طلب تغيير الشخصية طلب صعب تحقيقه، ولكن طلب تعديل السلوك ممكن، ويحقق الفوز للكل.
وهكذا إذا وجدت تصرفاً لا يرضيك يبدر من ابنك أو من ابنتك، فلا تهاجم شخصيته ككل، وجه انتباهك للسلوك الذي سبب لك الشعور بعدم الرضا أو الضيق بدلاً من اتهامه بخصائص شخصية يصعب عليه قبولها، وحتى إذا قبلها فسيصعب عليه تغيير شخصيته ككل. مع ملاحظة أن تنقل له حتى وأنت ترغب في تعديل سلوكه أن هذا التعديل أو عدم التعديل لا يتعارض مع حبك واحترامك له.
القاعدة الرابعة هي: التشجيع على استمرار الحوار والتواصل
إن مجرد الحوار في حد ذاته، مجرد الاتصال والتفاعل بذاتهما يستحقان منا بذل الجهد والتشجيع على الاستمرار فيها. ولهذه القاعدة أهميتها الخاصة عند التعامل مع المراهقين. ولهذا يحتاج الآباء إلى الاعتراف بأهمية التواصل واستمراره كما يحتاجان إلى معرفة القواعد السلوكية التي تساعد على استمرار التحاور والاتصال. فالمدح والتعبير عن سرورك بأن ابنك أو ابنتك صارحاك بمشاكلهم ومحاولتك أن تظهر مدى سعادتك وتقديرك لمشاركتهم إياك واتفاقهم معك في موضوع معين، كل ذلك يشجع على استمرار التحاور، ولهذا يتطلب هذا الجانب قواعد سلوكية منها:
- لا تنه مواقف الخلاف بشكل مبتور.
- حافظ على هدوئك عندما تسمع رأياً مخالفاً أو ترى سلوكاً لا توافق عليه (من المفيد هنا أن تستخدم الاسترخاء كأسلوب من أساليب المحافظة على الهدوء).
- حاول ألا تغضب وتجنب الزعل والانفعال حتى لا تسد باب الحوار.
- اعترف أو صرح بشعورك تجاه نقطة الخلاف واترك الباب مفتوحاً لاستماع وجهة النظر الأخرى.
- شجع ابنك على إبداء وجهة نظره.
- تذكر أنك عندما تسد الباب أمام ابنك في التحاور فإنك تترك الباب مفتوحاً أمامه على مصراعيه للتيارات الأخرى، التي قد تحمل أهدافاً تتعارض مع الأهداف العلاجية.
- من المهم أن نحافظ على تعبيرات ودية ونبرات صوت ملائمة دافئة وهادئة حتى لا يشعر بأن تحاورك معه نابع من التسلط أو الاستبداد.
- واستمرار التحاور والاتصال لا يعني أن يكون الهدف هو إلحاق الهزيمة بطرف آخر، أو أن الحصول على إقرار بأنه على خطأ. ولهذا كن مستعداً ومرناً حتى لو تطلب الأمر أن تغير من وجهة نظرك أو أن تتبنى وجهة نظره أو أن تصل إلى وجهة نظر وسط.
كيفية تطبيق قواعد التعامل مع المراهقين
يلخص لنا الجدول المرفق هذه القواعد الأربعة وما يتطلبه كلا منها من قواعد فرعية.
القاعدة | كيفية تطبيقها |
---|---|
الإصغاء الجيد | – المحافظة على التواصل البصري الملائم. – عبر أو قل شيئا يوحي بأنك تسمع وتفهم ما يقال. – اسأل أسئلة توضيحية. – تحقق مما تسمع بين الحين والآخر. – قم بإعادة ما يقال بكلماتك للتأكد من أن ما سمعته يعكس وجهة نظره بالضبط. – تذكر أن حسن فهمك لما يقال لا يعني أنك توافق تماماً على ما قيل. – وأنه يقلل من حدوث الصراع ويحسن علاقاتنا حتى بخارج الأسرة بسبب ما يخلق من ثقة وتقدير للذات. |
تجنب اللوم | – اجعل قسمات وجهك ودية. – احرص على التواصل البصري الملائم، ولا تلم ولا تؤنب. – ركز على السلوك وعبر عن مشاعرك عنه بصدق – تذكر أن اللوم يضع الآخر في موقع دفاعي، يجعله عنيداً وعدوانياً وبالتالي يوقف الحوار. – مواقف اللوم لا يفوز أحد فيها. – حافظ علي تعبيرات ملائمة للموقف. |
ليكن هدفك تعديل سلوك خطأ، والابتعاد عن تجريح الشخص ككل | – لا تهاجم الشخص ككل. – ركز على السلوك الخاطئ فقط. – أطلب تعديل هذا السلوك، وامنح وقت كافياً للتعديل. – تجنب تعرض الشخصية كلها للاتهام، وابتعد عن الإدانات العامة (مثل أناني، أو ضعيف الشخصية). – تذكر أن طلب تغيير الشخصية صعب تحقيقه، ولكن طلب تعديل السلوك ممكن، ويحقق الفوز للكل. – لا تنه مواقف الخلاف بشكل مبتور. |
رحب بالتحاور، وشجعه | – استرخ عندما ترى سلوكاً مختلفاً عن معتقداتك. – عبر عن مشاعرك بصدق، وبين أنك ترغب في سماعه. – شجع الآخر على إبداء وجهة نظره. – تذكر أنك عندما تسد الباب أمامه للتحاور فإنك ستتركه مفتوحاً للآخرين ممن قد يلجأ لهم. – لا تشعره بأن تحاوره معك واجب وتسلط عليه. – تذكر أن الحوار لا يعني إلحاق الهزيمة بطرف آخر، أي كن مستعداً لتغيير وجهة نظرك. |
لماذا يجد الآباء صعوبة بالغة في التعامل مع المراهق؟
الخاتمة
إن هذه القواعد الأربعة السابقة تمكن الآباء من التواصل والتعامل والتفهم الجيد لأبنائهم المراهقين أو بناتهم في مرحلة المراهقة بصورة أفضل، ومع ذلك فإننا نحذر أن أتباعك لهذه القواعد واحترامك لها لا يعني بأن الطرف الآخر سيفعل ذلك. صحيح أن هذه القواعد السلوكية تحقق السلام وتساعد على استمرار التواصـل والـحـوار وتمكن من الفهم الجيد للآخرين، إلا أن احترامك لهذه القواعد لا يضمن بأن من سيدخل معك في عملية التفاعل سيفعلون نفس الشيء. بعبارة أخرى، قد تحدث لحظات تتعرض فيها أنت للوم وتتعرض فيها شخصيتك ككل للاتهام، ويوجه لك اللوم بأنك لا تفهم مشاعرهم أو أنك تتسلط أو تتلاعب بهم… إلى آخره…
ولكن قاعدة القواعد هنا أن تثبت وأن تكون متسقاً وأن تحافظ على ما دربت نفسك عليه. ولا تنسى أنك كراشد وأكبر سناً أكثر حكمة ومن ثم فإنك أكثر قدرة على الصبر والمعالجة المتزنة لما يثور من مشكلات. كما لا تنسى أيضاً أنك بذلك ترسم أمام طفلك نموذجاً وقدوة في التعامل مع المشكلات والخلافات اليومية وهو ما قد يقدرونه لك كلما تقدمت بهم السنون.