قصة قرية الأقزام والعمالقة

قصة قرية الأقزام والعمالقة هي حكاية خيالية أسطورية تعلم الأطفال عن نعمة العقل وأهمية استخدام الذكاء لمواجهة ما يقابلهم من مشكلات.

صراع دائم

في غابة من الغابات البعيدة، كانت تقوم في الماضي البعيد قرية غريبة عجيبة.

كان في تلك القرية حيان، تفصل بينهما الساحة العامة.

وكان عن يمين الساحة حي الأقزام، وهم ناس قصار القامات، تخالهم للوهلة الأولى، أطفالاً لم يبلغوا الخامسة من عمرهم. لكنك، حين تقترب منهم وتقع عينك على قزم منهم كلل الشيب رأسه، وسقطت أسنانه، تعرف أنه رجل طاعن في السن، لكن جسمه لم يتقدم في العمر معه فبقي طفلاً. أما بيوتهم، وهي أكواخ صغيرة من غصون الشجر، فإنك تحسبها منازل الدجاج.

وعن يسار الساحة العامة، ترتفع بيوت العمالقة.

وشتان ما بينها وبين أكواخ الحي المقابل، إنها أشبه بالحصون، أبوابها عالية، وسقوفها وسطوحها تلاعب الغيم أحياناً، والغرف فسيحة كالملاعب لأن سكانها طوال القامات في علو أشجار الصنوبر.

ويقيناً لو أن هذه القرية عمها السلام، لكانت من أطرف القرى في العالم بأسره، ولكانت مقصداً للسياح يتهافتون عليها من أقاصي المغمورة ليتفرجوا على نوعين مختلفين من البشر، حتى إننا لو وضعنا قزما فوق قزم فوق ثالث لما بلغ الثلاثة خصر واحد من جيرانهم العمالقة.

ولكن، ويا للأسف، كان الفريقان يتباغضان وبينهما مشاحنات دائمة وخصومة لا تهدأ. وهذا ما جعل الناس يتساءلون قائلين: “أليس من السهل على العمالقة القضاء على الأقزام أو طردهم من الغابة؟”.

والجواب أن العمالقة كانوا على الرغم من ضخامة أبدانهم، صغار العقول. أما الأقزام فقد كانوا من أهل الذكاء، يتوسلون الحيلة على جيرانهم حين تعوزهم القدرة عليهم.

في مساء يوم من أيام الشتاء، التم شمل الأقزام حول زعيمهم، وتحلقوا حول النار يصطلونها طلباً للدفء لأن البرد كان قارساً.

وأشار عليهم الزعيم بالصمت، وسأل: “كم يفصلنا عن العيد الكبير؟”.

فرفع شيخ رأسه نحو السماء، وراح يتأمل في غيومها كأنه يقرأ فيها مواعيد الفصول والأعياد، ثم أجاب بصوت عميق: “يفصلنا عن العيد أسبوعان فقط”.

وعاد الزعيم يسألهم: “هل بدأتم تستعدون للاحتفال بالعيد؟”

العيد علي الأبواب

وارتبك الحضور، وهمهموا، ثم خيم عليهم صمت ثقيل وكأنهم لا يملكون جوابا، وبعد فترة، فتح الشيخ قارئ الغيوم فاه وقال: “أنت أدرى الناس أيها الزعيم بما تكلف الأعياد من مال. أليس من عاداتنا قبل حلول العيد الكبير أن نرتب بيوتنا ونبتاع لنا ولأولادنا ثياباً نظيفة، ناهيك بالحلوى والفاكهة، واللحوم، والبقول والخضر؟

وحين سكت الشيخ، طلب قزم من الشباب الإذن بالكلام، ثم قال: “كان فصل الشتاء وما زال قاسيا علينا، وقد أنفقنا ما في جيوبنا على شراء ما يرد عنا البرد والجوع”.

وقال رجل آخر: “وحين تراكمت الثلوج وسدت الطرق، وراح الجليد يتكدس على المراعي، نفق الكثير من رؤوس الغنم والبقر صقيعاً وجوعاً”.

وساد الصمت على الأقزام وكأنهم استسلموا لليأس. وراح زعيمهم يحيل طرفه على وجوههم الكئيبة. ثم قال: “لماذا يظهر علي وجهوكم الاستسلام والهزيمة، ألا تعلمون أننا معشر الأقزام لا نستسلم أبداً، لابد من وجود طريقة أخري بالفطنة والذكاء؟”.

واعترض أخر وقال: “لكن الذكاء لم يجد نفعا، منذ شهرين، حين هجم علينا العمالقة بغتة، فغافلونا ونحن نيام، فسرقوا الخزانة العامة التي نضع فيها ما نملك من ذهب وجواهر، وندفنها تحت الأرض إلى وقت الحاجة”.

وهب قزم شاب واقفا وصاح بحدة: “وما ننتظر حتى نسترجع الخزانة العامة؟ ومتى كان من عادتنا أن نرضى بالهزيمة؟ ها قد اقتربت أيام العيد، ونساؤنا وبناتنا في حاجة إلى الحلى والجواهر. علينا القيام بعمل ما، عاجلا.

وسرت في الجماعة همهمات بين مؤيد ومعارض. وقال القزم الشيخ: “اعلم أيها الفتى أن العمالقة وضعوا الخزانة في مغارة، وسدوا باب المغارة بصخرة كبيرة لا نقدر على زحزحتها حتى لو تكاتفنا شيبا وشبانا، نساء ورجالا”.

وتفرس الزعيم في القزم الفتى، وقال يخاطبه بصوت عميق: “هذا صحيح، لكني علمت أن العمالقة يزيحون الصخرة عن باب المغارة ويدخلونها، ليلة العيد، للفرجة على الجواهر، ثم يختارون منها عقوداً وأساور وخواتم تتزين بها نساؤهم أيام العيد”.

جسم صغير وعقل كبير

وشعر الفتى أن الكلام يعنيه وحده دون رفاقه، فرفع صوته سائلاً الجماعة: “هل يعلم أحدكم كيف السبيل إلى المغارة؟”

وراح الأقزام ينظر بعضهم إلى بعض حائرين، ثم خفضوا رؤوسهم عاجزين عن الجواب. وانتهي مجلسهم حين نهض الزعيم منصرفا، وقد بدا اليأس عليهم جميعا، وأعيتهم الحيلة … إلا القزم الفتى، فقد بقي مكانه غارقا في تفكير عميق. وكان اسمه «شجاع»..

وكان «شجاع» قد وعد خطيبته الحسناء بأن يقدم إليها، بمناسبة العيد، هدية من جواهر وذهب. وقد عز عليه أن يحنث بوعده، وكان لا يملك المال الكافي. ما العمل؟ لا بد من حيلة تسمح له بالدخول إلى المغارة، واسترجاع خزانة الأقزام….

وصرف «شجاع» الليل بطوله وهو يفكر بالأمر.

وعند الفجر، وهو بين صاح ونائم، خطرت له فكرة جريئة؛ فنهض واقفا وانصرف فورا إلى التخطيط لها قبل تنفيذها. وإليك ما فعل ليلة العيد:

ما إن حل مساء تلك الليلة، حتى كان «شجاع» يسوق – نحو المغارة – ثلاثة حمير، على ظهر كل منها جرار من فخار مليئة بالخمر.

وقد سلك إلى المكان طريقا جانبية، فلم يلفت إليه أحدا من العمالقة. ووضع جرار الخمر عند باب المغارة في ظل الصخر الكبير، ثم تسلق المغارة، وكمن مختبئا خلف عوسجة نابتة فوقها، بحيث يرى ولا يراه أحد.

وعند هبوط الليل، ضجت تلك الناحية من الغابة بأصوات العمالقة، ووقع أرجلهم، وضحكاتهم. وكتم «شجاع» أنفاسه، وراح يراقبهم وهو خافق القلب يكاد أحيانا يتمنى أن تنشق الأرض فتبتلعه أو تبتلعهم.

مواجهة العمالقة

وحين انشقت عنهم غصون الشجر العالية وبرزوا بقاماتهم الشاهقة. وكان يتقدمهم ملكهم، على رأسه التاج وفي يده الصولجان، لمح بعضهم الحمير الثلاثة وصاح قائلاً: “انظروا هناك!”، فزعت الحمير من العمالقة وقامت بالنهيق الصاخب، مما لفت نظرهم إلى الجرار.

وحين تحلق هؤلاء العمالقة حول الحمير، تقدم الملك فانشقوا صفين عن يمينه وعن شماله. فتقدم وانحنى برأسه نحو إحدى الجرار ولامس بأنفه فم إحداها وتنشق رائحتها مليا، والجميع إليه شاخصون. وانبسطت أسارير الملك، فخلع عن فم الجرة سدادة من الخشب، ففاحت رائحة الشراب فتهللت وجوه القوم بشرا. ورمى الملك الشدادة في الجو، فطارت كالبرق عاليا، ثم سقطت كالصاعقة فوق رأس «شجاع»، فعلقت بين غصون العوسجة، ولولاها لكانت طحنت رأس القزم المسكين. وكاد يغمى عليه، فقال في نفسه: “لا شك أن الملك أدرك الحيلة وعرف أين أختبئ، وها إن ساعتي قد دنت!”.

وسمع فجأة صيحة استحسان دوت في الجو، ففتح عينيه وقد عاد إليه رشده. فأبصر الملك وقد رفع الجرة فوق رأسه ومال بعنقها نحو فمه، فاندفع منها سيل من الشراب، انحدر في شدقه انحدار الشلال في وهدة عميقة. وتهافت العمالقة على الجرار الباقية ففعلوا مثل زعيمهم.

وحين أفرغوا في حلوقهم وبطونهم آخر نقطة من الجرار، بان عليهم أثر الشراب فزاغت عيونهم وكأن أصابهم مس من الجنون. وتنهد «شجاع» ارتياحا، وقال في نفسه: “الحمد لله، إنهم لم يتساءلوا عن الجرار ومن أتى بها على ظهور الحمير. صحيح أنهم كبار الجثة، صغار العقول.” وارتجت الأرض فجأة، ونظر فرأى الصخرة الكبيرة تتدحرج عن باب المغارة…

وما إن توارى آخر عملاق في جوفها حتى هب «شجاع» واقفاً وراح ينحدر نحو الأسفل وهو يتلفت يمنة ويسرة. وقد صمم على دخول المغارة والبحث عن خزانة الأقزام العامة مهما كان الأمر…

ودخلها على رؤوس أصابع قدميه متسللاً كالشبح الصغير. وكان العمالقة يرقصون طرباً، ويرفعون أصواتهم الغليظة بالغناء وقد تخلقوا دائرين حول أكداس من الجواهر والذهب يخلب بريقها الأبصار.

شجاعة لا تنتهي

وكان «شجاع» قد رأى خزانة الأقزام قبل أن يسطو عليها العمالقة. فذهب يبحث عنها في زوايا المغارة وهو يتحاشى الجمع الهائج في وسطها. وفجأة تسمر مكانه، وخفق قلبه، وفغر فاه من الدهشة والغبطة. وقد وقع بصره على خزانة قومه ملقاة على الأرض في زاوية بعيدة. وما هي إلا لمحة بصر حتى أخذ يجثو على ركبتيه أمامها، ويفتح بابها دون عناء…

وحاول حمل الخزانة، ولكن هيهات!

إنها ثقيلة جدا، وهو عاجر حتى عن زحزحتها. ما العمل؟ وفكر قليلا وقرر أن يأخذ منها ما خف حمله وغلا ثمنه، وينصرف عائداً قبل أن يراه أحد.

وكان قد احتاط للأمر، فتناول من عبه كيسا من الكتان. وراح يتناول من الخزانة حجارة ألماس أولا، لأنها أثمن الجواهر والحجارة الكريمة. واختار من الياقوت الأحمر والفيروز الأزرق والعقيق والكهرمان والمرجان ما طالت يده، ودسها جميعا في الكيس. ولم ينس أن يغلق الخزانة من جديد حتى لا ينبه أحداً إلى عمله، وانصرف كما أتى خفيفا كالطيف…

وقفل «شجاع» راجعاً بالحمير الثلاثة والجرار الفارغة إلى حي الأقزام.

وكان فرح قومه به يفوق الوصف. وقد منحه زعيمهم من مجوهراته عقدا من اللؤلؤ فأهداه خطيبته الحسناء. وفي ليلة العيد الكبير خرجت النساء إلى ساحة الحي، وكل منهن تبرجت بشيء من الذهب أو الحجارة الكريمة. فلما أطل القمر من بين الغيوم، وسكب ضوءه على الأرض، فانعكس على الجواهر، فسطعت في الظلام، بدا للناظر أن حي الأقزام معلق بين سماءين….

وما زال يبدو للمتأمل في قصة الأقزام والعمالقة أن قوة الإنسان ليست في طوله وعرضه، بل في رأسه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى