قصة عرق الجبين

تدور أحداث وقصة عرق الجبين حول الشاب صالح الذي كان دائما يرفض نصائح والده حتي اضطراته ظروف الحياة إلي تقدير والده وكيف كان ينصحه أفضل النصائح ولا سبيل لصالح غير الاجتهاد في العمل والابتعاد عن حياة اللعب واللهو.

حزن ووداع

غصت دار أبي صالح بالمعزين، يتوافدون من كل مكان…

– “رحمه الله… لقد كان أبو صالح مثالاً للرجل النشيط والصادق …”.

– “نعم… إن الصداقة التي جمعتني به لما يزيد عن نصف قرن، قد جعلتني أعرفه حق المعرفة … رجل حليم، وديع، تقي وكبير النفس…”.

– “خسارة كبيرة لنا، نحن الصيادين، أن نفقده…”.

وعلا صراخ النسوة ونحيبهن، من الغرفة المجاورة، فساد الصمت وسال الدمع حزنا على الفقيد…

– “شكرا لكم جميعا… كلامكم هذا يؤكد صداقتكم لوالدي، رحمه الله… شكرا لكم…”.

– “نرجو يا صالح أن تستمر معك، صداقتنا لأبيك المرحوم…”.

– “نعم، وهذا ما أرجوه أيضاً، وفاء لذكرى والدي…”.

أب صالح

كان أبو صالح صياداً ماهراً، يعيش مما يستخرجه من البحر، ويبيع الباقي في سوق السمك. وقد أمضى حياته الهادئة والسعيدة مع زوجة محبة وهبته طفلا ملأ له دنياه.

وكبر الطفل بسرعة، فصار يرافق والده إلى الشاطئ لإعداد الشباك ورميها في البحر. لكن سرعان ما أظهر صالح عدم اكتراثه للصيد وطرقه، ولم تنقض مدة طويلة حتى أعلم والديه بصراحة كلية، بأنه يرغب في تعلم مهنة أخرى. فحزن أبو صالح حزناً شديداً…

– “سمعتي في سوق السمك نظيفة… سوف أتركها لك نظيفة بعد مماتي. ألن تأبه لها؟”.

– “سمعتك كبائع أسماك؟ كم هذا مشرف!”.

– “وما بها مهنة بائع الأسماك؟”.

– “ما بها؟ يكفي ما تعبق به من روائح!”.

استحق صالح على هذا الكلام، صفعة من والده…

– “إن كنت قد صرت قادراً على الكلام وإنفاق المال، فإن الفضل في ذلك هو للبحر والأسماك! أفهمت؟”.

لكن الكلام لم ينفع. في الحقيقة، لم يكن صالح راغباً في أية مهنة أخرى، فهو شاب لاه وطائش، لا يحب العمل، بل إنفاق المال الذي يحصل عليه بغير عرق جبينه!

ومات أبو صالح، وفي قلبه غصة وحزن، مخلفاً لزوجته وابنه مبلغاً من المال، محترماً، لم يتوان صالح عن تبذيره في مدة قصيرة جداً، بالرغم من توسلات والدته إليه…

– “احرص على عدم إنفاق المال بلا جدوى يا بني… الحياة صعبة كما …”.

– “كما أعلم… نعم، أعرف هذا الكلام! لقد حفظته عن ظهر قلب!”.

لكن المال تبخر بسرعة من بين يدي صالح، فطرق الجوع بابه لا بل حطمه شر تحطيم…

ابن مهمل

– “ماذا سأفعل الآن؟ ماذا…؟ نعم! وجدتها!”.

خرج صالح من منزله وقصد منزل أبي نعيم، صديق والده…

– “مرحبا سيدي!”.

– “من؟ صالح؟ أهلاً بك يا بني، تفضل!”.

– “شكراً سيدي… لا أود إزعاجك!”.

– “أنت تزعجني؟ أبداً … أهلاً وسهلاً … كيف حال الوالدة؟”.

– “ما زالت تعيش في حزن شديد!”.

– “أفهمها … المسكينة… ولكن البركة كلها فيك يا بني!”.

– “شكراً يا سيدي… لقد كان والدي – رحمه الله – يحدثنا عنك …”.

– “رحمه الله، كان الصديق الأقرب إلي …”.

– “ولأنه كان كذلك، فقد جاءك ابنه اليوم، طالبا خدمة صغيرة، فعسى ألا تعيده خالي الوفاض!”.

– “لا والله، لن يحصل هذا! قل لي ماذا تريد مني بالتحديد؟”.

– “مبلغاً من المال، أحتاج إليه، على أن أرده إليك بعد مدة! اعتبره ديناً إذا شئت!”.

– “ما هذا الكلام يا صالح؟! أنت بمثابة أبني!”

– “هذا شرف كبير يا سيدي، أخشى ألا أستحقه!”.

استغل صالح صداقة أبيه لبعض الأشخاص، فصار يحصل منهم على كميات من المال، كبيرة، ينفقها في غير وعي، على اللهو وأصدقاء السوء، حتى أفتضح أمره وظهر على حقيقته، شخصاً لم يأخذ عن والده أيا من صفاته الحميدة!

– “والآن، ماذا أفعل؟”.

– “صفق فأرقص وأغني!”

فاجأ الصوت صالحاً، فنظر حوله ولم يجد أحداً…

– “من المتكلم؟”.

– “أنا! ألا تراني؟”

– “أنا لا أرى أمامي سوى كلب صغير!”

– “هذا صحيح! أنت تراني إذا”.

– “يا إلهي! كلب يتكلم؟”.

– “ويرقص ويغني أيضا!”.

لم يكن صالح يصدق ما يراه وما يسمعه. لقد أخذت منه الدهشة كل مأخذ، فبات واقفا شارد النظر والذهن، غارقاً في بحر من الشك والتساؤلات…

– “إنها فرصتك الذهبية يا صالح … استغلها… لا تدعها تفلت من بين يديك! كلب يتكلم ويرقص ويغني؟ هذا الحيوان يساوي ثروة تفوق ما في خزانة المملكة من مال!”.

طمع في المال

كان صالح يكلم نفسه بصوت مرتفع، لفت أسماع من كانوا يمرون بجانبه ويلقون عليه التحية، من غير أن يحصلوا على أي رد.

وأخيرا، قرر صالح الشروع في جني الأرباح، من خلال جعل الكلب العجيب، يرقص ويغني أمام الناس في الشارع، لقاء بدل يدفعونه له.

– “اقتربوا أيها الناس… شاهدوا الكلب العجيب الذي يرقص ويغني اقتربوا… سوف يبدأ العرض…”.

وراح صالح يقبض من الحاضرين المال، ويضعه في جيبه فرحاً وسعيداً…

– “هيا … بعد لحظات يبدأ العرض… هيا … تصفيق…”

وأحضر صالح الكلب وطلب من أحد الأشخاص أن يغني، فما كان من الكلب إلا أن راح… يعوي!

– “اخرس بسرعة! صوتك أخاف الكلب!”.

ضحك جمهور الحاضرين لما حصل، وقد زاد اعتقادهم بأن الأمر لا يعدو كونه كذبة جديدة، لجأ إليها صالح للحصول على المال. لكن أحداً لم يتحرك، في حين كان العرق يتصبب من مُعد العرض…

لا أحد يصدق صالح

– “استعدوا أيها الناس، فالعرض سيتواصل… أيها الكلب… تكلم… هيا … لا تخف… حسنا… لا بأس… سأصفق لك … أرقص … هيا…”.

– “يبدو أنك تجهل لغة الكلاب يا صالح…”.

– “كلبك هذا أطرش…”

– “على الأقل يعرف كيف يعوي…”

وانهالت الكلمات الساخرة جارحة، على صالح الذي لم يكن يهمه إلا إيجاد وسيلة للاحتفاظ بالمال الذي جمعه…

– “يبدو أن مزاج كلبي ليس على ما يرام اليوم… يمكنكم العودة إلى هنا غداً لحضور العرض!”

– “والمال الذي دفعناه؟”.

– “سأحتفظ به!”.

– “هذا كثير… نريد مالنا!”.

– “ولكن…”.

– “نريد مالنا في الحال!”.

– “أتظننا أغبياء لنصدق زعمك؟”

– “أعد إلينا مالنا أيها الكاذب!”.

وكان البعض مستعداً لتلقين صالح درسا لا ينساه…

– “أيها الكلب اللعين… أنظر ما سببته لي… سوف أضطر إلى التخلي عن مال دخل جيبي فصار عزيزا…”.

وتم إرجاع المال لأصحابه الذين تفرقوا وهم نادمون لأنهم صدقوا أكذوبة صالح. أما صالح، فقد حمل كلبه وانطلق به إلى مكان مقفر…

– “سوف أرى كيف أجعلك ترقص وتغني وتتكلم….”

وكان الكلب يكتفي بالعواء، فطار صواب صالح…

– “ولكنني بالأمس، سمعتك تتكلم!”.

– “لقد سمعت بالأمس صوتاً، وهذا صحيح، لكنه ليس صوت الكلب، إذ لا يعقل أن تتكلم الكلاب!”.

خاف صالح عند سماعه هذا الكلام، ونظر حوله فلم ير أحداً…

– “سوف أجن! إذا كان الكلب لا يتكلم، فمن يكون المتكلم إذا؟!”.

– “جشعك وطمعك جعلاك تظن أن صوتهما هو صوت الكلب!”.

– “ماذا؟”

– “نعم… أنت تفتش عن الوسائل التي تؤمن لك المال، شريفة كانت أم ملتوية. وقد خلت عند رؤيتك الكلب، أنه يتكلم، ففرحت إذ وجدت فيه وسيلة لكسب المال بدون تعب… لا لذة لإنسان، في إنفاق مال جمعه بدون تعب!”.

لا سبيل غير الاجتهاد والعمل

أعاد هذا الكلام صالح إلى الوراء، فتذكر كم كان أبوه يتعب في صيد الأسماك ليحصل على المال، وشعر بالندم لكونه رفض النصائح التي كانت تردد على مسمعيه…

– “سامحني يا أبي! اليوم فقط، أدركت كم أنت عظيم!”

وأراد صالح أن يعود إلى بيته، لكنه لم يجد الكلب الصغير.

– “لقد ذهب… كنت أرغب في الاعتناء به إظهاراً لشكري له على دوره في تغيير سلوكي وتفكيري…”

وانطلق صالح عائدا إلى بيت والده ومنه إلى المرفأ، حيث رأى المركب راسياً، ينتظر من يستعمله والشباك التي فيه…

– “نم قرير العين يا أبا صالح لأن صالح لن يرضى بعد اليوم بأن يأكل خبزاً بغير عرق الجبين أو بأن تمس سمعة والده النظيفة!”.

ونظر صالح إلى البحر، فبدا له أن أمواجه المزبدة التي تستقبلها الصخور بالترحاب فتأخذها في الأحضان، تقول له بلسان والده: “حياك الله يا بني!”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى