استيقظ عادل من النوم على صوت والده، فوجده يجلس على فراشه فسأله: ماذا هناك يا أبي؟
فقال والده: الساعة الآن الحادية عشرة، وعليك أن تستعد لنذهب معا لصلاة الجمعة.
قال عادل: سأنهض حالا وأكون جاهزا يا أبي. فقد عدت إلى النوم بعد صلاة الفجر معك، وأشعر بأني لم أنم.
قال والده: كيف ذلك يا بني؟
قال عادل: رأيت في النوم كأنما خرجت في رحلة، وتقابلت مع أصدقاء، ودخلت أماكن لا أتذكرها جيدا، وكل ما أتذكره، أني كنت سعيدا.
قال والده: سبحان الله هو الباعث، أراد أن يلفتنا إلى قدرته.. فالإنسان وهو مستيقظ، له قانون خاص.. فإذا نام خضع لقانون مختلف. فهو في أثناء النوم يرى وعيناه مغمضتان، ويمشي وقدماه لا تتحركان، ويرى أشياء لا يراها في اليقظة. فإذا استيقظ عاد إلى الحياة بقوانين الظاهر، لذلك سمى الحق سبحانه وتعالى الاستيقاظ من النوم «بعثا».
شرح الأب لمعنى اسم الله الباعث
قال عادل: أعلم يا أبي أن الباعث اسم من أسماء الله الحسنى، وهو الذي بعث الغراب لقابيل ليعلمه كيف يدفن جثة أخيه هابيل، ويعلمه ما لم يكن يعلم.
كما أن الله سبحانه وتعالى يبعث الخلق جميعا يوم القيامة، حين يبعث الناس جميعا من قبورهم، فيهبون أحياء. والبعث من الله هو أمر من الله، بأن يقول للشيء كن فيكون، سواء أكان المبعوث نبيا أو شخصا غير ذلك.
قال عادل في دهشة: أعلم أن الله سبحانه وتعالى يبعث نبيا للناس، ولكن كيف يبعث لهم شخصا آخر؟ أرجو يا أبي أن توضح لي ذلك.
قال والده مبتسما: الباعث سبحانه وتعالى يرسل للبشر من يعلمهم ما يشاء.. والله يبعث النبيين ليبلغوا منهجه إلى الناس، والله يبعث من يشاء ليؤدي مهمة في الحياة كما حدث لطالوت.
قصة اختيار طالوت ملكا على بني إسرائيل
سأل عادل في دهشة: من طالوت هذا يا أبي؟
قال والده: في ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}، أي أن الله سبحانه وتعالى اختار طالوت ملكا على بني إسرائيل. فاعترض اليهود على اختياره، لأنه من عامة الشعب وفقيرا، والمال عند اليهود من أعظم أسباب الوجاهة والشرف.
وأخبرهم نبيهم بأن الله اصطفى طالوت، وميزه بصفات تؤهله للملك.. فقد آتاه العلم الغزير الذي يمكنه من معرفة أمورهم، وتصريف شؤونهم، كما آتاه قوة بدنية تعينه على الصمود في الحروب، وعند لقاء الأعداء. فالله يؤتي الملك من يشاء، لحكمة لا يعلمها غيره.
وقد حاق ببني إسرائيل الذل والهوان، بعد هزائمهم المتوالية من جيرانهم، فدعاهم طالوت للجهاد في سبيل الله، وحثهم على قتال أعدائهم الذين أذلوهم، فاجتمع تحت لوائه جيش كبير، وسار طالوت بجنوده، وابتعد بهم عن ديارهم.
اختبار طالوت لجيشه عند النهر
فلما أصبحوا قريبين من لقاء العدو، أراد طالوت أن يخبر عزمهم على القتال، فقال لهم وقد بلغ منهم التعب والظمأ مبلغا كبيرا: إنكم ستمرون بنهر، والله مختبركم به ليميز المطيع من العاصي، فمن لم يشرب منه ولم يذقه فهو من أتباعي.. ولكن يباح لأحدكم أن ينال غرفة من مائه بيده، يبل بها ريقه. ومن يشرب أكثر من غرفة، فليس من أتباعي.
فلما جاءوا إلى النهر، خالف معظمهم أمر طالوت، وأقبلوا على النهر يعبون منه عبا، فتخلفوا عن السير وعادوا راجعين.. واجتاز طالوت مع الذين صبروا على العطش والتعب، وقد وجد هؤلاء أنفسهم قلة ضئيلة أمام جموع أعدائهم، فقال فريق منهم في خوف: لا طاقة لنا اليوم بأعدائنا، أما الفريق المؤمن فقالوا: فلنصبر على لقاء العدو، فإن الله مع الصابرين.
انتصار الفئة المؤمنة وعودة الحوار بين عادل وأبيه
فلما خرجوا لقتال العدو، اتجهوا إلى الله ضارعين أن يملأ بالصبر قلوبهم، ويثبتهم في ميدان القتال، وأن ينصرهم على أعدائهم، فاستجاب الله دعاءهم، ونصرهم بقيادة طالوت. وهكذا أدى مهمته التي بعثه الله لها.
قال عادل: معنى ذلك يا أبي، أن طالوت هذا ليس نبيا؟
قال والده: لا، هو شخص عادي اختاره الله لمهمة محددة. وقد يختار الله سبحانه وتعالى أي شخص في أي وقت لأداء مهمة في الحياة… فلا عجب أن ترى في منامك أشياء، أو تتحدث مع من انتقلوا إلى رحمة الله منذ سنوات، فأنت في نومك في عالم آخر وحياة أخرى…. سبحان الله.
قال عادل: «الباعث» يا أبي اسم يدل على قدرة الله وعظمته سبحانه وتعالى، وقد أفادني حديثك كثيرا وأسعدني.. والآن أستأذنك دقائق، لأتوضأ وأرتدي ملابس الخروج.
وما أن استعد عادل للخروج مع والده، حتى سمعا صوت المؤذن في المسجد، يدعو الناس للصلاة، فنظر كل منهما للآخر في سرور، وخرجا معا لأداء فريضة الله.





