قصة الملك الشاب

اكتشف قصة الملك الشاب الذي واجه التقاليد والعادات ليختار أن يكون ملكًا مختلفًا، يعيد الحق والعدل لشعبه بعد أحلام مؤثرة.
جدول المحتويات

يحكي لنا هذا القصة عن ملك عجوز يشعر بدنو أجله فيقرر استدعاء حفيده الشاب الذي سيخلفه في الحكم، وهو فتى لم يسبق له أن رأى جده من قبل، فقد طُردت والدته من القصر وتوفيت لاحقًا تاركة إياه يتربى في كنف عائلة فقيرة. يصل الفتى إلى القصر بثياب راعٍ بسيط وعصا في يده، ليُفاجأ بالثراء والعظمة المحيطة به.

تُعطى للفتى ثياب ملكية ويقال له إنه سيصبح الملك القادم. في الليلة السابقة للتتويج، تراوده ثلاثة أحلام غريبة تكشف له عن معاناة الناس من أجل إنتاج الرفاهية والثراء للأغنياء. في الحلم الأول، يرى عمالاً فقراء في مصنع للنسيج ينسجون ثوباً من الذهب، ويعانون الجوع والإرهاق. وفي الحلم الثاني، يشهد عبيداً على متن مركب يجبرون على الغوص لجمع اللآلئ حتى الموت. أما الحلم الثالث، فيرى رجالاً ينبشون في قاع نهر جاف بحثاً عن الياقوت لتزيين تاج الملك، ويتساقطون من شدة التعب بينما تحوم النسور وتخرج الأفاعي والتنانين.

يستيقظ الفتى من هذه الأحلام وهو يشعر بالرهبة من هذه الحياة الملكية. وعندما يحين يوم التتويج، يرفض ارتداء الثياب الفاخرة أو التاج المرصع بالياقوت، قائلاً إن هذه الأشياء تحمل في طياتها آلام ومعاناة الكثيرين. يقرر أن يخرج إلى الشعب بثياب الراعي التي جاء بها ويضع على رأسه إكليلاً من الورود الحمراء بدلاً من التاج.

عندما يدخل الملك الشاب قصر الشيوخ حيث تجري مراسم التتويج، يواجه استهجان النبلاء وحراس القصر الذين يمنعونه من الدخول. لكنه يصر على موقفه ويصعد منصة الخطباء، طالباً من الله العدل والحكمة. وعندما يدخل الجنود لقتله، يملأ ضوء الشمس القاعة عبر النوافذ الملونة، فيتألق الملك الشاب كأنه يرتدي رداءً من نور، وتزهر عصا الراعي وتتلألأ ورود إكليله.

يُبهر الجميع بهذا المشهد العظيم، ويعلن رئيس مجلس الشيوخ أن الملك الشاب قد توّجه الله بنفسه. يتراجع الجنود وينحني الجميع احتراماً للملك الذي اختار أن يكون عادلاً ومحارباً للظلم، وقد حاز بذلك حب واحترام شعبه.

قصة الملك الشاب مكتوبة

كان الملك العجوز على فراش الموت، فأرسل يطلب حفيده الفتى الذي سيكون ملكاً بعده، ولم يكن الفتى قد رأى جده من قبل. فقد كان الملك غضب على ابنته وطردها من قصره. ثم تزوجت ابنة الملك بعد ذلك وأنجبت صبياً، ولكن مرضاً أهلك الأبوين، فعاش الصبي في كنف أسرة فقيرة اعتنت به وربته كما تربي أولادها.

وحين أحس الملك بدنو أجله أرسل يبحث عن ابنته فاكتشف أنها ماتت، لكنها تركت صبياً كان قد أصبح آنذاك شاباً وسيماً. وصل الفتى إلى القصر يلبس ثياب راعٍ فقير ويحمل في يده عصا الرعاة. وقد بهرته منظر الثياب الفاخرة التي كان رجال القصر ونساؤه يلبسونها. وكان ما حوله يوحي بالعظمة والهيبة. راح يتأمل السجاد الفاخر والستائر الحريرية المطرزة والشمعدانات الذهبية وآنية الزهر الفاخرة والمجوهرات.

استقبال الأمير الشاب

ولشدة ما سرّه أنهم أخذوا ثياب الراعي وعصاه وأعطوه ثياباً فاخرة يلبسها. قال سكان القصر: “أنت الآن أمير!”، وكان حقاً كذلك! وحين قيل له إنه سيتوج ملكاً، لم يكن ليستطيع التفكير إلا بالهيئة التي سيخرج بها على الناس يوم التتويج. فقد أراد ثوباً ملكياً منسوجاً من خيوط الذهب، وتاجاً مرصعاً بالياقوت، وصولجاناً مزيناً باللآلئ. وطبعت عليه هذه الأفكار في الليلة السابقة ليوم التتويج فلم يعرف معها النوم إلا بعد قلق طويل. وما إن غرق في النوم حتى عاجلته الأحلام.

الحلم الأول: مصنع النسيج

رأى في نومه أنه في قاعة واسعة جداً يعمل فيها الكثير من الرجال والنساء والأولاد. وبدا أن تلك القاعة مصنع للنسيج، يعمل فيه الناس على أنوالهم. وكان العمال كلهم فقراء يلبسون الثياب الرثة البالية. أما الأطفال منهم فمكانهم تحت الأنوال حيث يربطون بأناملهم الرقيقة الخيطان التي تنقطع. وكانت وجوه العمال شاحبة وأجسامهم ناحلة وكأنهم لم ينالوا كفايتهم من الغذاء. ووسط صحيح الأنوال وحركة العمل لم يبدُ على وجوه العمال رغبة في الكلام أو حتى في الابتسام. ووقف الملك الشاب قرب أحد العمال وسأله عما يفعل. فأجاب العامل:

“لم تراقبني؟ هل أرسلك السيد لتتجسس علينا؟”

سأل الملك الشاب: “ومن هو سيدك؟”

أجاب العامل: “إنه رجل مثلي، لكنه يملك ثياباً فاخرة، أما أنا فألبس ثياباً رثة بالية. وهو عنده من الطعام ما يفيض عن حاجته، أما أنا فأطفالي جائعون.”

الحلم الثاني: خيوط من ذهب

سأل الملك الشاب: “لم تعمل عنده إذاً؟ أنت لست عبداً.”

أجاب الرجل: “وأنت تحسبني حراً، لكني كالعبد لأني محتاج إلى هذا العمل، ومن غيره أجوع.”

لم يتوقف الرجل، في أثناء حديثه، عن العمل. وكان المكوك يطير من جانب إلى جانب، فلاحظ الملك الشاب أن الخيوط من الذهب. فسأل قائلاً: “لمن هذا الثوب؟”

أجاب الرجل: “إنه للملك الشاب الذي سيتوج غداً. علينا أن نعمل بجد لإنجاز الثوب قبل طلوع الفجر.”

سمع الملك هذا القول فصاح بالرجل طالباً منه أن يوقف العمل، فأيقظه الصوت من نومه. التفت الملك حوله فرأى ضوء القمر يملأ غرفة نومه فعرف أن الليل لم ينته بعد، فرمى نفسه على السرير وعاد إلى النوم. وسرعان ما عاجلته الأحلام مرة ثانية.

الحلم الثاني: المركب واللآلئ

رأى نفسه هذه المرة على متن مركب يسير بدفع المجاذيف، ويقوم بالتجذيف مئة عبد تكبل أقدامهم الأغلال. ورأى في وسط المركب رجلاً يحمل سوطاً، فإذا توقف أحد من العبيد عن التجذيف، ولو للحظة واحدة، ضرب الرجل ظهره العاري بالسوط. وسرعان ما وصل المركب إلى خليج صغير، فألقيت المرساة وأنزلت الأشرعة.

أمر قبطان المركب عبداً أن يغوص في البحر. غاص العبد وعاد يحمل في يده لؤلؤة أعطاها للقبطان، ثم هز القبطان سوطه فغاص العبد ثانية وعاد يحمل لؤلؤة أخرى أعطاها أيضاً للقبطان. تابع العبد الغوص مراراً وتكراراً، وكان في كل مرة يزداد إرهاقاً فيحتاج في غوصه إلى وقت أطول. وكانت اللؤلؤة الأخيرة التي اصطادها أكبر اللآلئ وأجملها، فقال القبطان: “هذه ستكون واسطة اللآلئ في صولجان الملك.” ثم أمر عبيده أن يرفعوا المرساة ويجدفوا بأقصى قوتهم، أما الغواص فقد تركوه وراءهم، لأنه كان قد مات إعياء.

صاح الملك الشاب في نومه صيحة ذعر أيقظته، لكنه رأى النجوم عبر نافذة غرفته، فعاد إلى النوم. وسرعان ما عاجلته الأحلام مرة أخرى.

الحلم الثالث: النهر الجاف والياقوت

رأى نفسه في الحلم وحيداً يمشي في غابة، ويصل بعد ذلك إلى نهر عظيم جف ماؤه. ورأى مئات الرجال ينبشون في رمال قاع النهر الجاف نبشاً محموماً. وكانت الشمس تحرق رؤوس الرجال المتعبين، لكنهم لم يتوقفوا عن العمل. لم يعرف الملك الشاب عما كانوا يبحثون، لكنه كان، بين الحين والحين، يرى الواحد منهم يقع ولا يقوم أبداً. وأقبلت النسور السوداء تحلق فوق الرؤوس، وخرجت الأفاعي المرعبة من بين أكوام الطين، وخرج معها العظايا المخيفة والتنانين، فخاف الملك وصاح:

“من هم هؤلاء الرجال، وعم يبحثون؟”

أجابه صوت من خلفه: “إنهم يسعون للعبور على حجارة ياقوت يرصع بها تاج الملك.”

التفت الملك وراءه فرأى رجلاً يحمل في يده مرآة، فسأله: “أي ملك؟”

رفع الرجل المرآة في وجه الملك وقال له: “انظر تراه.” عندما رأى الملك الشاب وجهه في المرآة، أطلق صيحة عالية واستيقظ مرة أخرى. وكان الوقت آنذاك صباحاً.

الملك الشاب يرفض التتويج التقليدي

دخل غرفة الملك ضابطان كبيران انحنيا احتراماً، ثم أمرا بعض المساعدين فجاء من يحمل الثوب الملكي المنسوج بخيوط الذهب، والتاج المرصع بالياقوت، والصولجان المزين باللآلئ. ورأى الملك ذلك كله آية في الجمال، لكنه تذكر أحلامه الثلاثة، فقال: “أبعدوا هذه الأشياء عني، فلن ألبس ثوباً ملكياً، ولن أتقلد تاجاً أو أحمل صولجاناً.”

ظن الضابطان والمساعدون أن الملك يمزح، فلم يستجيبوا لطلبه. لكنه كرر كلامه قائلاً: “أبعدوها عني! فهذا الثوب منسوج على نول الآلام، وفي قلب الياقوت دم، وموت في قلب اللآلئ.”

ثم روى لهم ما رأى في الحلم. نظر كل من الضابطين في وجه الآخر، وهمس أحدهما لصاحبه: “ولا شك أنه مجنون! وهل يغير حلم تقاليد الملوك؟”

ثم قال ضابط للملك: “يا مولاي، هذا الثوب لا بديل عنه، فكيف يعرف الشعب أنك الملك إذا لم تظهر بمظهر الملوك؟”

الملك الشاب يتخذ قراره

سأل الملك الشاب قائلاً: “ألا يكون الملك ملكاً إلا إذا تقلد تاجاً؟ الملك بأعماله لا بما يضع فوق رأسه. وحتى لو كنتم على صواب فإني لن ألبس هذا الثوب ولن أتقلد هذا التاج.” ثم طلب خروجهم جميعاً، باستثناء مساعد فتى قال له: “أرجوك اجلب لي الثياب التي كنت ألبسها أول قدومي إلى هذا القصر.” ثم لبس تلك الثياب وحمل عصا الراعي.

قال المساعد: “لكن، يا مولاي، لا أرى تاجاً على رأسك.”

فقطف الملك بعض الورود الحمراء من خارج شباك غرفته، وصنع منها إكليلاً وضعه على رأسه، وقال: “هذا هو تاجي.”

الملك الشاب يواجه النبلاء

خرج الملك الشاب إلى القاعة الكبرى حيث كان نبلاء البلاد في انتظاره. هتف النبلاء حين شاهدوه هاتفين بدهشة واستغراب: “يا مولاي! الناس في انتظار ملكهم، أما أنت فتبدو كمتسول. إنك تجلب العار علينا كلنا.”

لم يعطهم الملك الشاب جواباً، بل نزل الدرج وتوجه خارج بوابة القصر. وهناك امتطى ظهر جواده وتوجه إلى قصر الشيوخ حيث تتم مراسم التتويج، يلحق به المساعد الفتى.

ضحك كل من كانوا في الشارع وقالوا: “لا بد أنه مهرج.” لكن الملك الشاب أوقف حصانه وقال: “بل أنا الملك نفسه.” ثم أخبرهم عن أحلامه الثلاثة، فلم يفهموا لكلامه معنى. وقال أحدهم: “كيف يكون في امتناعك عن ارتداء الثوب الملكي المذهب مساعدة لنا؟ الأغنياء يوفرون لنا، نحن الفقراء، العمل. وإذا لم نعمل جُعنا!”

أجاب الملك الشاب: “علينا أن نسعى لإيجاد وسيلة أفضل، وسأجد تلك الوسيلة.” ثم تركهم ومضى.

الملك الشاب يتحدى مجلس الشيوخ

عندما وصل إلى مدخل قصر الشيوخ أوقفه الحارسان وقالا له: “الدخول ممنوع. لا يدخل أحد من هذا الباب إلا الملك الشاب.”

أجاب الملك وهو يبعد سيفيهما: “وأنا هو الملك!”

قال رئيس مجلس الشيوخ الذي كان سيرأس حفل التتويج: “أمن المعقول أن تدخل في ثياب راعٍ، يا مولاي؟ لا أستطيع تتويجك قبل أن تلبس الثوب الملكي.”

أجاب الملك الشاب: “كيف تقول كلاماً كهذا في قصر بُني للإشراف على إحقاق الحق؟ أنسيت أن الناس يولدون متساوين؟” ثم روى لرئيس مجلس الشيوخ أحلامه الثلاثة.

قال الشيخ بنبرة حزينة: “أنا، يا بني، رجل عجوز، وأعرف أن في العالم الكثير من الأمور غير العادلة. لكنك لا تستطيع منع الظلم. فأرجوك عد والبس ثوبك الملكي، فأتوجك وأضع الصولجان في يدك.”

مشى الملك الشاب متجاوزاً الشيخ، وصعد درجات منبر الخطباء، ورفع يديه وطلب من الله أن يعينه على أن يحكم بالعدل.

اللحظة الحاسمة

في هذه الأثناء دخل عدد من الجنود مشرعي السيوف، يصيحون: “أين هو هذا الملك المتسول؟ اقتلوه! إنه غير جدير بالحكم!”

التفت الملك الشاب إليهم يواجههم، وحدث في تلك اللحظة مشهد مهيب! فعبر زجاج النوافذ الملون تدفق ضوء الشمس وغمر الملك الشاب بجمال ساحر، ناسجاً حوله من حزم النور رداء أجمل من الرداء الملكي المذهب! وأزهرت عصا الراعي زنابق أشد بياضاً وأنقى من لآلئ الصولجان، وتألق إكليل الورد على رأسه باحمرار أشد نقاء من يواقيت التاج.

وقف الملك الشاب وقفة جلال ومهابة، فأسرع الجنود المبهورون يردون السيوف إلى أغمادها وينحنون مشدوهين. وقال رئيس مجلس الشيوخ له: “لقد توّجك من ليس فوق يده يد.”

تتويج الملك الشاب

ثم علت أصوات الأبواق وترددت أناشيد الجوقات، ودخلت الجموع القاعة الكبرى في قصر مجلس الشيوخ. عندئذٍ نزل الملك الشاب درجات المنبر ومشى، لكن لم يجرؤ أحد من الناس على النظر في وجهه الذي كان أشبه بوجه ملاك.

معرض الصور (قصة الملك الشاب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى