التفت إلى زوجته الدجاجة الطيبة المخلصة البياضة، نعم البياضة، فهذه أهم صفاتها، إنها بياضة. لقد نجت بفضل تلك الحيلة وهذه المهارة من الذبح. نعم كيف يذبحون دجاجة تبيض كل يوم، إنها كنز لا يمكن التفريط فيه. أما هو فيا له من مسكين، إنه ينتظر دوره دائما، كلما تذكر كلمات صاحبة البيت الست حنان تمزق قلبه رعبا، ولاحقته الكوابيس في نومه، إنه يتذكرها دائما وهي تكرر نصيحة أمها الغالية: “إذا أذن الديك يكون ذبحه حلالا، إياك أن تذبحيه ما لم يؤذن.”
لم يعد باستطاعته أن يتحمل هذا التهديد المستمر. منذ شهور وهو يحاول إخفاء عرفه الجميل، وهو يعلم أنه فخر رجولته، كلما جاءت حنان إلى العشة لتجمع البيض دفن رأسه بين الدجاج ليختفي عن عينيها المتفحصتين، حاول دائما أن يبيض لكن دون فائدة.
صراع الديك بين الخوف من السكين وواجب الأذان
كم شعر بضآلته أمام صغاره وهم يحاولون تجريب أصواتهم المتحشرجة الضعيفة، ما زالت عيونهم متعلقة بعرفه الضخم الجميل وهم يتساءلون عن دوره. كم سمع أبناء الجيران على الأسطح يسخرون من أبنائه وتظاهر بعدم الاهتمام، وهو لا يستطيع أن يضع عينيه في أعين صغاره.
لكن كل هذا لا يساوي عنده شيئا أمام ما يشعر به عندما يرى نور الفجر، إنه حياته كلها، كلما نظر إليه تقطع قلبه وكلما نفش ريشه وأراد الأذان تذكر حد السكين، فحاول جاهدا أن يكتم صوته.
إلى متى.. إلى متى؟ يسمع أذان الفجر ولا يشاركه فرحته. إلى متى يرى الملائكة تطوف في السماء تشكر وتحمد وتسبح ربها ولا يشاركها المناجاة والتسبيح. كل أقرانه من الديوك على أسطح الجيران يتبارون وهو هكذا، ينتظر أن تطلع الشمس لتجفف دموعه. نعم لقد جرب صوته في الخفاء كثيرا، إنه يعلم أنه الأقوى، ولكنه ليس أقوى من حد السكين. كل شيء يدور في رأسه.
ليلة اكتمال القمر وقرار التضحية المصيري
لكن هذه الليلة ليست ككل ليلة، لقد منعه التفكير من النوم، ذلك القمر أكمل صفحته الجميلة الليلة وأصبح بدرا، إنه يرى حوله الملائكة تناجي ربها، ما أروعها من ليلة، واستعد الفجر ليصارع الظلام كعادته، ولكن أي ظلام هذا في تلك اللحظات الرائعة. إنهما نوران، نور الفجر ونور القمر. ها هي الديوك كلها تستعد للمباراة الحاسمة، من منهم سيفوز بتلك الليلة العظيمة.
هيهات أن يرى كل ذلك ويبقى صامتا. لقد آن الأوان أن يرفع رأسه وينفش ريشه وينفخ عرفه، يجب أن يؤدي دوره ويثبت قدرته ولو لمرة واحدة في حياته حتى ولو كان ثمن ذلك روحه. دمعت عيناه، زوجته الصامدة تفهم كل شيء، تفهم أنه لم يعد بإمكانه أن يصمت ولم يعد بإمكانها منعه وهي تراه قد نفش ريشه ومضى نحوها في خطوات ثابتة وبعيون صارمة وقد رفع رأسه لأول مرة في حياته. إنها تفخر به وتخاف عليه.
احتضن الديك النبيل زوجته فبكت، لم تستطع أن تمنع دموع الفراق، قبل أطفاله النائمين. وفي محاولة أخيرة تشبثت الدجاجة النبيلة بزوجها لتمنعه، ولكن هيهات، لقد عزم.
أذان الحرية ولحظة المواجهة مع المصير
صعد الديك إلى أعلى مكان في العشة، لمعت عيناه وهو يرى الملائكة تطوف وتسبح في السماء فانطلق يناجي ربه القدير بأعلى صوت. أذن كما لم يؤذن ديك من قبل.
سمعته كل الآذان، ما أروع أذانه! طأطأت كل الديوك رؤوسها وأنى لها بهذا الصوت القوي الندي، إنه لا ينافس، إنه صوت ثمنه الحياة.
قفزت حنان من نومها القلق بجانب العشة وبيدها السكين الحاد، وبكلتا يديها أمسكت الديك وصرخت: “وا فرحتاه! لقد أتعبتني، كم سهرت الليالي الطوال أراقبك، أنام بجانب العشة نومة الذئب أغمض عينا وأفتح أخرى، وأنا أشك في أمرك وأحذر مخالفة نصيحة أمي. لكن هيهات لقد أذنت أيها العنيد وحل ذبحك.”
لم يكن الذبح حينها يساوي شيئا عند الديك، فقد أطل برأسه إلى الحرية الحقيقية وناجى ربه لأول مرة في حياته. لقد رأى وهو يؤذن أطفاله يرفعون رؤوسهم فخرا، لقد عرفوا قيمة أباهم، عرفوا كيف يرفعون رؤوسهم، عرفوا أن الحرية ليست في الطعام أو الشراب ولكنها في أن ترفع رأسك ولا تخشى سوى خالقك.
تدخل الحاج بيومي ونجاة الديك البطل
كانت الدجاجة تبكي والأطفال يصوصون ويسخرون من أطفال الجيران ويسألونها: “أين ذهبوا بأبينا؟” ولا تدري بم تجيب.
لكن الديك الصامد لم يكن يهتم بقبضة حنان ولا بسكينها، إنه يفخر بقدومه على الموت، إنه شهيد واجبه ولسانه يردد “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.”
انطلقت حنان تعبر السلم إلى داخل البيت وقد ذاقت حلاوة الانتصار.
التفت زوجها الحاج بيومي قائلا: “ما الذي بيديك؟”
فقالت فرحة: “لقد انتصرت أخيرا! لقد أذن الديك اللئيم وحل ذبحه كما قالت أمي. ستذوق اليوم شوربة الديك ولحمه الطري.”
لم يتمالك الحاج بيومي نفسه وانتفض صارخا في وجهها: “اتركيه! ما يفيدني ذبحه؟ وقد صليت الفجر على أذانه، لقد آن لبيتنا أن تزوره الملائكة ونستيقظ على أذان الديوك. هيا أعيديه فورا.”
لم تملك حنان إلا أن أعادته إلى العشة وقد عرفت قيمة أذان الديك، فالطعام ليس كل شيء.
فرحت الدجاجة بزوجها الحنون، وجف الدمع في عينيها، والتف حوله صغاره في زهو عجيب كل منهم يقول: “هذا أبي.”





