في غابة الصنوبر الكثيفة، وتحت صخرة كبيرة ملساء، اتخذت القنافذ وكرًا لها لا تراه أعين الناس، ولا تفكر فيه عقول الصيادين. كانت القنافذ الذكية تلتزم بوكرها في النهار، ولا تخرج منه إلا في الليل بعد حلول الظلام. فيذهب كل قنفذ إلى حقل قريب أو بيدر متسع كبير، ليحمل الحبوب إلى صغاره بعيدًا عن أعين الفلاحين.
كانت القنافذ الصغيرة تأكل الحبوب بنهم، ثم تتسلل إلى النبع القريب لتروي عطشها وتعود ببطء إلى وكرها. وكان في البيدر كلب يحرس القمح والشعير من اللصوص.
المواجهة مع الكلب
في ذات ليلة، خرجت القنافذ من وكرها واتجهت نحو الحقل كعادتها. فلما اقتربت من البيدر، أحس الكلب بها، فأخذ ينتظر وصولها ليفتك بها ويستريح من شرورها، وبذلك يكون قد قام بواجبه نحو صاحبه خير قيام.
وصلت القنافذ إلى البيدر، وقبل أن تحمل الحبوب، فاجأها الكلب بنباحه وهجم عليها. استطاع الكلب أن يقتل بعض القنافذ الصغيرة التي لم تكن قادرة على الهرب بسرعة كأمهاتها، وهربت القنافذ الأخرى بسرعة واختبأت خائفة في وكرها.
البحث عن حل
في الصباح، بدأت القنافذ تفكر في طريقة تستطيع بها الحصول على طعام لصغارها بأي حال من الأحوال، وإلا وقعت الصغار فريسة للجوع أو لقمة سائغة بين فكي الكلب. بعد أخذ ورد، اتفق الجميع على عرض مشكلتهم أمام زعيمهم “كبير القنافذ”.
استمع الزعيم إلى المشكلة، وفكر قليلاً ثم قال لهم: “مشكلتكم بسيطة يا أبنائي، فلا تيأسوا. لقد وهبكم الله سلاحًا قويًا هو ريشكم الحاد، القاتل كالحراب، فلماذا لا تستعملون هذا السلاح عند الحاجة وتدافعون عن أنفسكم؟ إن استعملتم سلاحكم خافكم عدوكم وحصلتم على طعامكم وطعام صغاركم”.
الحل الحكيم
ارتفع صوت من زاوية الوكر يقول: “الحق معك يا سيدي، سنحصل على الطعام، ولكن تبقى مشكلة الماء”. فقال الزعيم: “إن ريشنا فارغ يا أبنائي، فليعمل كل واحد منكم على حمل الماء بريش ذنبه إلى أطفاله. واعلموا أن باستطاعة كل مخلوق التغلب على الجوع والعطش وعلى عدوه عندما يفكر ويستعمل عقله جيدًا، فاستعملوا عقولكم تنجحوا”.
نفذت القنافذ الذكية ما قاله زعيمها، فنجحت الحيلة. منذ ذلك اليوم، صار الصغار يعملون بنصائح الكبار، وصارت القنافذ تحمل الماء بأذنابها المجوفة. تخلصت بتعاونها وحكمتها من عدوين: عدوها الكلب الشرس وعدوها الجوع.