قصة القصر المهجور

قصة القصر المهجور تحكي عن ملك شاب يتحول إلى حصان بفعل مشعوذ شرير، ويكتشف سر بومة تبكي في قصر غامض وسط الغابة.
جدول المحتويات

في مملكة بعيدة، كان هناك ملك شاب يدعى شانفور. كان ملكًا شجاعًا يحب الفروسية والصيد، ولكنه تعرض لمؤامرة خطيرة دبرها مشعوذ شرير يُدعى هرار بالتعاون مع الأمير جريان. في أحد الأيام، باع المشعوذ هرار للملك شانفور عينًا بلورية سحرية، ومن خلالها رأى صورة فتاة جميلة تُدعى رمانة. وبدافع الفضول، استخدم الملك مسحوقًا سحريًا حوله ووزيره إلى حصانين.

حينما كان الملك والوزير في هيئة حصانين، واجها الكثير من الصعوبات، بما في ذلك استماعهم إلى محادثات أتباع الملك الذين كانوا يصفون الملك بالتهور دون علمهم بحقيقته. في إحدى الليالي، قررا اللجوء إلى قصر مهجور في الغابة هربًا من أعدائهم. داخل القصر، التقيا ببومة ضخمة تبين فيما بعد أنها الأميرة رمانة، التي حولها المشعوذ هرار إلى بومة بعد أن رفضت الزواج منه.

رغم المصاعب، ساعدت الأميرة رمانة الملك ووزيره، وقررت مساعدتهم على استعادة هيئتهم الأصلية. في تلك الليلة، جاء المشعوذ هرار إلى القصر مع رجاله، وتفاخر بخداعه للملك والوزير. ومع رحيل المشعوذ ورجاله في الصباح، حاول الملك التذكر كلمة السر التي تعيدهم إلى هيئتهم البشرية، لكنه نسيها. عندها، طلبت البومة (الأميرة رمانة) من الملك أن يطلب يدها في الزواج مقابل أن تذكره بكلمة السر. في لحظة من الذكاء والتفكير، وافق الملك على الطلب، وعندما نطق بكلمة السر “هيليبوس”، عاد هو والوزير إلى هيئتهما البشرية.

لتكتمل المفاجأة، تحولت البومة أمام عيني الملك إلى الفتاة الجميلة التي رآها في العين البلورية. كانت رمانة أميرة مملكة حلوستان. عاد الملك مع الأميرة إلى المملكة حيث استقبله الشعب بفرح كبير. وفي النهاية، قرر الملك معاقبة المشعوذ هرار بتحويله إلى حصان، ليظل يخدم الملك في المناطق الوعرة محاولًا تذكر كلمة السر التي نسيها إلى الأبد.

وهكذا انتهت قصة الملك شانفور والأميرة رمانة بانتصار الخير على الشر، وعاد السلام إلى المملكة، وعاش الجميع في سعادة وهناء.

قصة القصر المهجور مكتوبة

في قديم الزمان كان يحكم إحدى الممالك البعيدة ملك شاب اسمه شانفور. كان شانفور ملكًا شجاعًا يهوى اقتناء الخيل ويحب الفروسية والصيد. وقد قرب الملك إليه الوزير العجوز شاور واستشاره في كل شأن من شؤون المملكة. وكان شاور قد خدم والد الملك الشاب زمنًا طويلًا واكتسب خبرة وحكمة، فسارت أمور الحكم سيرًا حسنًا.

أراد سكان المملكة من ملكهم الشاب أن يتزوج لينجب وريثًا للعرش. وذات يوم دخل الوزير على الملك وقال له: “بلغني أيها الملك العظيم أن في مملكة حلوستان أميرة فاتنة اسمها رمانة، وأن الملوك والأمراء يسعون إليها لطلب يدها. وأنا أعتقد أنها ستكون لك عروسًا مناسبة”.

في هذا الوقت تناهى إلى أسماع الملك والوزير صوت رجل ينادي في الطريق على بضاعته ويلحن كلماته تلحينًا، قائلا: “أحمل صندوقًا مسحورًا وأزور ملوكًا وقصورًا، قد طفت به كل الدنيا وقطعت جبالًا وبحورًا”.

استدعى الملك البائع الغريب، فإذا هو رجل قصير ذو أذنين كبيرتين وأنف أفطس وعينين صغيرتين ثاقبتين ماكرتين. كان يعتمر طاقية عالية مدببة الرأس، يتدلى منها ريش زاهي الألوان، ويلبس رداءً فضفاضًا مطرزًا برسوم حيوانات وطيور. وكان يحمل صندوقًا نحاسيًا صغيرًا قديمًا لا يلفت النظر ولا يوحي بأن فيه أسرارًا غرائبية.

قال الملك شانفور: “ماذا في صندوقك أيها الغريب؟” فأجاب البائع: “في صندوقي يا مولاي مشط عجيب، إذا وضعته العجوز في شعرها بدت لعيني الناظر إليها صبية”. ثم أخرج مشطًا عاجيًا قديمًا وقدمه للملك. أمسك الملك المشط وقلبه بين يديه، غير مصدق لكلام الغريب، ثم قدمه للوزير شاور وقال له مبتسمًا: “أهدِ هذا المشط لزوجتك”.

رحلة العين السحرية

أخرج الغريب بعد ذلك من صندوقه كرة بلورية صغيرة، وقال: “وهذه عين سحرية، من ينظر فيها عند الفجر ويمسحها ثلاث مرات يرى وجه الفتاة التي سيقع في حبها”. فاشترى الملك تلك العين.

في اليوم التالي استيقظ شانفور فجرًا ومسح الكرة البلورية ثلاث مرات. فجأة رأى ألوانًا تتحرك داخل الصفاء البلوري وبدت أمام عينيه صبية سمراء ذات شعر أسود طويل وعينين سوداوتين واسعتين وجسم نحيل رشيق. كانت الصبية تلف شعرها بشال مطرز وتلبس رداءً قرمزيًا تشده حول جسدها بحزام أسود طويل.

سرعان ما تلاشت الألوان، وعادت العين إلى صفائها البلوري. استدعى الملك وزيره شاور في الحال، وروى له حكاية العين السحرية ووصف له الصبية، وقال: “عليك أن تأتيني بها، فهي العروس التي أريد. والويل لك إذا لم تجدها!”.

فكر الوزير شاور هنيئة ثم قال: “يا مولاي، لعل الغريب الذي باعك هذه العين السحرية يعرف طريقًا إلى الصبية!”

البحث عن الأميرة

مرت الأيام والشهور دون أن يعود البائع الغريب. وكان الملك يستيقظ كل قبيل الفجر ليفرك العين البلورية ويرى الصبية التي وقع في حبها. وذات يوم سمع فجأة صوت البائع الغريب، فأمر باستدعائه فورًا.

عندما سمع الغريب وصف الملك لفتاة العين البلورية بدا الغضب في عينيه، لكنه سرعان ما أخفى غضبه ذاك بابتسامته الماكرة، وقال: “يا مولاي، لا بد أن الفتاة التي وصفتها أميرة من أميرات القصور. سوف أسأل عنها في الممالك التي أزورها وآتيك بالخبر اليقين”.

قبل أن يغادر الغريب القصر مد يده إلى الملك بعلبة، وقال له: “يا مولاي، أرجو أن تحفظ لي هذه العلبة السحرية، فإني أخاف أن أضيعها في أسفاري، وسآخذها منك في زيارتي الآتية إليك”.

التفكير في العلبة العجيبة

ظل الملك أيامًا يفكر في العلبة العجيبة، ويشعر برغبة قوية في معرفة ما فيها. أخيرًا فتحها فوجد فيها مسحوقًا أسود وورقة قديمة عليها كتابة غريبة لم يفهم منها شيئًا، وكذلك لم يفهمها وزيره. استدعى الملك شانفور سرًا حكيمًا عالمًا من حكماء بلاده اسمه راموش، وأطلعه على الورقة. بدا العجب على وجه راموش، وقال: “هذه لغة قديمة جدًا، وفي الورقة أنه من يتنشق المسحوق الأسود، ويلتفت إلى الجهات الأربع، يتحول إلى أي حيوان يشاء أو أي طير. وعندما يرغب في العودة إلى شكله الحقيقي فما عليه إلا أن يلتفت إلى الجهات الأربع مرددًا كلمة ‘هيليبوس’. لكن عليه أن يحذر الضحك عندما يكون حيوانًا أو طيرًا، وإلا فإنه ينسى كلمة السر ويلزم حاله تلك طوال عمره”.

شغلت العلبة السحرية بال الملك شانفور، ولم يعد يستطيع أن يبعدها عن تفكيره. أخيرًا قال لوزيره: “أيها الوزير، ما رأيك أن نجرب ما في العلبة العجيبة؟” بدا القلق على وجه الوزير، لكنه لم يقل شيئًا. ثم قال الملك: “لقد كشفت لي العين البلورية صورة أجمل فتاة في الدنيا، ولعل في هذه العلبة سرًا أخطر وأعظم! إذا صح أني تحولت إلى طائر أو حيوان فإني سأكون حرًا في التنقل، وسأجد تسلية عظيمة في سماع ما يقوله الناس وما تتحدث به الحيوانات”.

التجربة الأولى للمسحوق السحري

أدرك الوزير أن عليه أن يخضع لرغبة الملك، فقال: “أنا في خدمتك دائمًا يا مولاي”. اقترح الملك أن يتحولا إلى أسدين، فالأسد ملك الوحوش. لكن الوزير قال: “الأسد يا مولاي مخيف. وسترى الناس يهربون”. واقترح الوزير أن يتحولا إلى عصفورين، وهكذا يقدران على دخول كل بيت والهروب بسرعة عند الضرورة. لكن الملك قال: “قد يصطادنا صياد أو يأكلنا طير جارح. ثم إني لا أريد أن أتحول إلى مخلوق صغير”.

أخذ الملك والوزير يتشاوران في أنواع الطير أو الحيوان التي يمكن أن يتحولا إليها دون أن يصلا إلى رأي يطمئنان إليه. فجأة قال الملك بفرح: “ننتحول إلى حصانين! فالجواد حيوان كريم ذكي”. ثم لاحظ أن وزيره متردد، فقال له: “لا تخف أيها الوزير، نكون حصانين ما دمنا راغبين في ذلك، ونعود إلى هيئتنا لحظة نشاء. ولا تنس أنه، في أثناء ذلك كله، سأظل أنا ملكًا وتظل أنت وزيرًا”.

رأى شاور أن في كلام الملك شيئًا من الحق، فقال في نفسه: “إذا كان لا بد من اتخاذ هيئة حيوان، فالحصان خير من سواه”. في صباح اليوم التالي، وقبل انتشار ضوء النهار، خرج الملك والوزير إلى ساحة القصر. تواريا خلف شجرة، وتنشق كل منهما شيئًا من المسحوق الأسود العجيب، والتفت إلى الجهات الأربع. فجأة وجد كل من الرجلين نفسه إلى جانب الآخر وقد تحول إلى حصان.

الضحك المحظور

مرت لحظة لم يصدق فيها أي منهما ما يرى. فجأة انفجر الوزير ضاحكًا، فقد رأى أمامه حصانًا يضع على رأسه تاجًا، ويلتف بثوب ملكي مطرز. ثم تذكر أنه في حضرة الملك، فأراد أن يتوقف عن الضحك لكنه عجز عن ذلك. ثم إن الملك، بدل أن يغضب من ضحك الوزير غير اللائق، انفجر هو أيضًا ضاحكًا، إذ إنه لم يكن يتخيل يومًا أن يرى حصانًا يضحك!

انتقادات غير متوقعة

مر رجلان من أتباع الملك فاقتربا من الملك والوزير، ثم مر أحدهما بيده على ظهر الملك وقال: “هذا حصان قوي فتي.” ثم أشار إلى الوزير وقال: “وهذا حصان عجوز هزيل، مسكين! إذا ركبه ملكنا في بعض عروض الفروسية، أو في رحلة صيد، قصم ظهره.” وقال الآخر: “إن ملكنا شاب متهور، لا يهمه إلا أن يفوز في عروض الفروسية، وأن يعود بصيد ثمين.”

أراد الملك أن يصرخ في وجه الرجل، لكنه تذكر أن له شكل حصان، فَكَتَمَ غيظه وسكت. عندما ابتعد الرجلان، قال الملك لوزيره غاضبًا: “هذه قلة وفاء وقلة احترام. تعال ندخل الإسطبل!” دفع الملك والوزير باب الإسطبل ودخلا، وكان في الإسطبل أفضل خيول المملكة. لكن الملك كان يؤثر من بينها جواده “نور الليل”. كان جواده ذاك أسود فاحمًا، وكان لامعًا يبص في الظلام.

عندما أطَلَّ الملك من باب الإسطبل انتفض “نور الليل” واقترب بخيلاء من الملك وقال له: “ما هذا الذي أرى؟ أأنت جديد هنا؟ لعل الملك قد ملَّ جلدي الأسود، ورغب في حصان بلحي مثلك! ألا يكفي أنه يُهْلِكني برحلات الصيد وعروض الفروسية؟ له الثناء وعليَّ الجري! سأرميه عن ظهري!” ثم نَخَرَ نَخْرَة قوية تطاير رذاذها وملأ وجه الملك.

الهروب من الورطة

غضب الملك غضبًا شديدًا ودفع برأسه خاصرة وزيره واندفع ناحية الباب. وفي ساحة القصر قال للوزير: “أريد أن أعود حالًا إلى هيئتي الملكية. لا أريد أن أعرف ما يقوله الناس أو ما تتحدث به الحيوانات.”

وقف الملك مستعدًا، وبدأ يلتفت إلى الجهات الأربع. ثم تذكر أنه عليه أن يردد كلمة بعينها، لكنه كان قد نسي تلك الكلمة. فراح يردد: “هي.. هي..” أخيرًا التفت إلى الوزير وقال له آمرًا: “أيها الوزير، ذكرني بالكلمة!”

غير أن الوزير كان قد نسي هو أيضًا الكلمة المطلوبة. وراح الملك والوزير يفكران ويفكران، لكن دون جدوى. أخيرًا بدا على الوزير العجوز الهلع الشديد، فقد تذكر أنه والملك ضحكا كثيرًا أول اتخاذهما هيئة حصان، ثم قال بحزن: “يا مولاي، لقد حذرنا الحكيم من أن المرء إذا اتخذ هيئة حيوان لا يجوز له الضحك.”

البحث عن الحكيم

أخيرًا قرر الملك والوزير التسلل ليلًا إلى منزل الحكيم راموش. عند انتصاف الليل توجها إلى المدينة بحذر شديد خشية أن يظنهما الناس حصانين شاردين. لكن حذرهما لم ينفع، فقد أوقفهما في أحد شوارع المدينة حارس ليلي، وأمسك بحبل يريد أن يجرهما به. خاف الملك والوزير خوفًا شديدًا، ثم خطرت للوزير العجوز حيلة، فقال بصوت آمر: “اتركهما! هذان الحصانان لي!”

أخذ الحارس المسكين يتلفت حوله يريد أن يرى المتكلم، لكنه لم يرَ أحدًا. واغتنم الملك والوزير هذه الفرصة فابتعدا مسرعين وتواريا في الظلام.

وصل الملك والوزير إلى بيت الحكيم راموش. أمر الملك وزيره شاور أن يطرق الباب. فاقترب المسكين من الباب الخشبي الضخم وضربه برأسه ضربة أوجعته، فارتد إلى الوراء يتأوه. استيقظ الحكيم مذعورًا، وفوجئ عندما وجد عند الباب حصانين يكلمانه. ظن أن الأمر كله حلم مزعج، لكن الملك خاطبه بلهجة آمرة قائلاً: “أنا الملك! ألم تعرفني؟ وهذا وزيري شاور!”

ثم دفع الحكيم برأسه، ودخل المنزل وهو يقول له: “أنت السبب في المصيبة التي حلت بي. فلو لم تفسر لي ما في تلك الورقة المشؤومة، لكنت الآن نائمًا في سرير الملك.”

اكتشاف المؤامرة

عندما صَحا الحكيم راموش من هول المفاجأة، قال للملك: “يبدو، يا مولاي، أنك ضحية مؤامرة خطيرة. فالبائع الغريب هو في الواقع المشعوذ الخطير هرار، ويبدو أنه متآمر مع خصمك الشرير جريان، أمير مقاطعة زالان. فلقد شوهد الرجلان اليوم، بعد شيوع خبر اختفائك، يركبان في موكب ضخم ويطوفان في شوارع المدينة. وأخشى أنك إذا لم تظهر للناس قريبًا، سيحدث أمر خطير.”

قال الملك بقلق: “وما هو هذا الأمر الخطير؟”

أجاب الحكيم: “لقد استدعى الأمير جريان أمراء المناطق ليبحثوا في أمر اختفائك. وأخشى أن يقرر الأمراء، بضغط من الأمير الشرير والمشعوذ الخطير، أن يعزلوك ويعينوا الأمير جريان ملكًا على البلاد.”

أخذ الثلاثة، الملك والوزير والحكيم، يتشاورون فيما يجب عمله، لكنهم لم يصلوا إلى رأي. أخيرًا قال الحكيم: “أخاف، يا مولاي، أن تبقيا في منزلي. فقد يصل الخبر إلى المشعوذ هرار والأمير جريان، فيفهمان ما كان ويُرسلان الجند ليقتلوكما ويقتلوني.”

غضب الملك من كلام الحكيم وقال: “ألا تقبل شيئًا من المخاطرة من أجلي؟” أجاب الحكيم: “يا مولاي، أنا رجل عجوز، لا أرغب في المخاطرة ولا أحب المغامرة. حتى لو أبقيتكما عندي، فمن أين آتي بالمال اللازم لإطعامكما والعناية بكما؟ فالحكماء، كما تعلم، فقراء.”

القصر المنعزل

ثم قال الحكيم: “يا مولاي، سمعت أن في بعض المناطق الجبلية الوعرة قصرًا منعزلًا لا يسكنه أحد ولا يعرف أحد من صاحبه. ويظنه الناس قصر أشباح فلا يقتربون منه. إذا شئتما، أخذتكما إلى هناك.”

صمت الحكيم لحظة، ثم قال: “أنا رجل عجوز، يا مولاي، لا قدرة لي على السير في المناطق الوعرة. أنت الآن حصان فتي، فهلّا حملتني!” أحس الملك بغيظ شديد، لكنه وجد أن الحكيم على حق، فهز رأسه موافقًا. وهكذا انطلق الثلاثة تحت جنح الظلام. مشوا يومين، لا يتوقفون إلا لبعض الراحة أو لتناول الطعام. وكان الحكيم يحمل طعامه القليل معه. أما الملك والوزير فكانا يأكلان مما يجدان من حشائش ويشربان من مياه البرك. وكان الملك يردد: “أعجب كيف تقنع خيولي بالحشائش!”

في نهاية اليومين وصلوا إلى غابة كثيفة ارتفع في وسطها برج عالٍ. قال الحكيم: “ذاك هو القصر. أنا الآن عائد. أرجو أن تكونا حذرين، فيقال إن الذين تجرؤوا على دخول هذا القصر لم يخرجوا منه أبدًا.”

مواجهة الخطر

دخل الملك والوزير الغابة واتجها صوب القصر. بدا عليهما التهيب والقلق بعد ما سمعاه من كلام الحكيم. كان القصر يبدو من الخارج قديمًا مهجورًا، تغطي مداخله وجدرانه النباتات البرية وتُعشش فيه الطيور. لكنه من الداخل كان قصرًا مهيبًا يقوم على أعمدة من المرمر الملون، وتتوسطه قاعة فسيحة تطل عليها شرفات تفتح على غرف علوية.

كان الليل قد هبط وأرهقتهما مشقة السفر، فانزويا في غرفة جانبية وناما نومًا عميقًا. لكن الملك والوزير لم يكونا وحدهما. فقد كان في القصر ثعبان أرقط ضخم يراقب الرجلين الحصانين بعينيه الشريرتين. ذلك الثعبان الرهيب كان حارسًا يلاحق كل من يدخل القصر ويقضي عليه.

رأى الثعبان الأرقط الملك والوزير ينامان نومًا عميقًا، فزحف نحوهما. وعندما وصل إليهما رفع رأسه الضخم استعدادًا للانقضاض عليهما. لكن في تلك اللحظة، انصب فوق رأسي الملك والوزير ماء بارد، فانتفضا وفتحا أعينهما، فرأيا الثعبان الرهيب فوق رأسيهما.

قفز الملك والوزير إلى زاوية القاعة مذعورين. قال الوزير: “فلنهرب، يا مولاي.” أجاب الملك: “وأين نهرب؟ لقد مللت الهرب!” ثم أسرع ينتزع ستارة كبيرة ويرميها على الثعبان. حاول الثعبان التخلص من الستارة، لكنه كلما ازداد انتفاضًا ازداد التفاف الستارة حول جسده. انقض الملك في الوقت المناسب على الثعبان وراح يضرب رأسه بيديه ورجليه حتى قضى عليه.

اكتشاف المساعدة الغامضة

قال الملك فجأة: “الماء الذي سقط على رأسينا هو الذي أنقذ حياتنا! من أين جاء هذا الماء؟”

في تلك اللحظة سمع الملك والوزير تنهدات وبكاء خافتًا. قال الوزير: “أتظن يا سيدي أن هذه أصوات الأشباح التي قيل إنها تسكن القصر؟”

مشى الملك والوزير إلى قاعة شبه معتمة كان الصوت صادرًا منها. ووقفا مندهشين إذ رأيا بومة ضخمة تبكي وتتأوه. سرعان ما استعد الملك للانقضاض على البومة وسحقها، لكن الوزير أسرع يشده من ذيله. صاح الملك: “اتركني! هذا طائر مخيف، وقد يكون هو أيضًا ثعبانًا يتخذ هيئة بومة.” لكن الوزير ظل ممسكًا بالملك.

صاحت البومة بصوت باكٍ: “أرجوك لا تقتلني! أنا لست بومة ولا ثعبانًا. أنا…” ثم سكنت، وعادت إلى بكائها الخافت وتنهداتها. اقترب الوزير من البومة وقال لها: “أأنت التي صببت علينا الماء؟”

هزت البومة رأسها، وقالت: “نعم، وكدت أكسر منقاري من أجلكما. لقد رأيت الثعبان يراقبكما، وعندما هاجمكما حملت دلو ماء وصببته عليكما.”

قال الملك: “اعذرينا يا عزيزتي البومة. كدنا أن نرتكب في حقك أفظع غلطة. ولكن، من أنتِ؟ ولمَ خاطرتِ بحياتك من أجلنا؟”

سر البومة المسحورة

أجابت البومة: “منذ شهور جاء بي مشعوذ خطير إلى قصره هذا، وحرمني من الرؤية نهارًا، كما حرم علي ترك القصر أو ذكر اسمي وإلا بقيت بومة طوال عمري.”

وقف الملك والوزير حائرين لا يعرفان ما يقولان. ثم اقترب الملك من البومة، وقال لها: “نحن نصدقك، ونريد أن نساعدك. ولعلكِ أنتِ أيضًا تساعديننا. فأنا لست حصانًا كما تظنين. أنا في الحقيقة ملك، وهذا الحصان العجوز هو في الحقيقة وزيري.”

توقفت البومة فجأة عن البكاء، وبدا عليها الارتياح الشديد، وقالت: “إن كل ما أستطيع أن أقوله لكما هو أني لست بومة، وأني لن أعود إلى هيئتي الطبيعية إلا إذا طلب أحد يدي.”

أسرع الملك يقول: “كوني عاقلة! فمن يتزوج بومة؟” أجابت البومة: “وهل يتزوج أحد حصانًا؟”

ثم قالت: “المشعوذ الذي حجزني يأتي هو وصحبه إلى هذا القصر مرة في الشهر. واليوم موعد زيارته الشهرية.”

مواجهة المشعوذ هرار

اختبأ الملك والوزير والبومة في غرفة علوية. وقبيل انتصاف الليل سُمع صهيل فرسان، وسرعان ما دخل القصر اثنا عشر رجلًا يلبسون ثيابًا فاخرة زاهية الألوان. وكان يتقدمهم رجل قصير ذو أذنين كبيرتين وأنف أفطس وعينين صغيرتين ثاقبتين ماكرتين.

أدرك الملك على الفور أن ذاك هو المشعوذ الشرير هرار، وأراد أن ينقض عليه، لكن الوزير سعى إلى تهدئته، وقال له هامسًا: “لا تنسَ، يا مولاي، أننا لا نزال حصانين، والحيلة خير من القوة!”

فتح المشعوذ هرار بابًا سريًا في أحد الجدران فانكشفت غرفة مليئة باللآلئ والجواهر. أخرج كل من الرجال كيسًا صغيرًا مملوءًا بالجواهر وأفرغ ما فيه في صندوق كبير. ثم اجتمعوا حول مائدة في وسط القاعة الفسيحة، وراح كل منهم يروي الطريقة التي اتبعها ذلك الشهر في الاحتيال على الناس وسلبهم مجوهراتهم.

ثم جاء دور هرار فابتسم وقال: “أوقعت الملك في الفخ بيسر لم أكن أنتظره. ضحكت كثيرًا عندما علمت أنه اختفى، ويبدو أنه أوقع معه وزيره العجوز الذي اختفى أيضًا. وتعلمون أنه لن يعود إلى هيئته الحقيقية أبدًا، لأنه حتى لو سمع كلمة ‘هيليبوس’ ألف مرة فسينساها…”

نهاية المغامرة وعودة الملك

قفز قلب الملك فرحًا عندما سمع كلمة السر، لكن الملك والوزير والبومة ظلوا ساكنين خشية انكشاف أمرهم. في الصباح، ترك المشعوذون القصر، فأسرع الملك والوزير والبومة بالخروج من مخبئهم. وقف الملك في ساحة القصر وبدأ يلتفت إلى الجهات الأربع، لكنه هذه المرة أيضًا لم يتذكر كلمة السر. راح يردد في هلع: “هي.. هي…” ثم التفت إلى الوزير يطلب منه العون، لكن الوزير كان هو أيضًا قد نسي الكلمة.

رفعت البومة رأسها ونفخت صدرها ووقفت تبتسم. التفت الملك إليها وقال لها: “نعم، أنتِ أيضًا سمعتِ الكلمة! ما هي؟”

أجابت البومة: “مهلًا أيها الملك، ألا ترى أنك نسيت شيئًا؟ اطلب يدي، تحصل على كلمة السر!”

قال الملك: “سأطلب يدكِ عندما أعود إلى هيئتي الملكية. وهل سمعتِ بملك يطلب يد بومة؟ الآن أيها الملك!” التفت الملك إلى الوزير، وقال له: “أيها الوزير، اطلب يد البومة حالًا!”

أجاب الوزير قائلاً: “عفوك يا مولاي، ولكني رجل عجوز، كما أني متزوج. وأخشى أن تنكد زوجتي عليَّ عيشي.”

فكر الملك لحظة وقال في نفسه: “إذا عدت ملكًا فمن يجبرني على الزواج من بومة؟ وإذا بقيت حصانًا فأي ضرر في أن أتزوج بومة؟” ثم قال بصوت عالٍ: “أيتها البومة، أنا الملك أطلب يدك!”

تحول البومة إلى أميرة

مد الملك يده إلى البومة لكنه جمد في مكانه مبهورًا. فقد وقفت في مكان البومة صبية سمراء ذات شعر أسود طويل وعينين سوداويتين واسعتين وجسم نحيل رشيق. لقد كانت هي فتاة العين البلورية نفسها!

راح الملك يغفر ويضرب الأرض انفعالاً، ويصيح: “أرجوكِ! كلمة السر!” ضحكت الصبية وكتبت كلمة السر على لوح خشبي ورفعته أمام الملك. وبدأ الملك يدور إلى الجهات الأربع مرددًا كلمة: “هيليبوس.” وكانت الصبية تدور معه لئلا ينسى الكلمة، وفعلت مثل ذلك مع الوزير.

وما هي إلا لحظات حتى كان الملك والوزير قد عادا إلى هيئتهما الحقيقية، فراحا يرقصان فرحًا. وقال الملك للصبية: “هل لي أن أعرف الآن من أنتِ يا عروسي؟”

أجابت الصبية: “اسمي يا مولاي رمانة، وأنا أميرة من أميرات مملكة حلوستان. لقد حجزني المشعوذ هرار هنا لأني رفضت أن أتزوجه، وحولني إلى بومة. وعندما عرفت أنك ملك في هيئة حصان غمرني الفرح، فقد كان حكيم من حكماء بلادي قد ذكر أنني سأتزوج ملكًا وأن حصانًا سيكون سبب سعادتي.”

عودة الملك والقصاص من الأعداء

دهش الملك من كلام الأميرة الفاتنة وقال: “أأنتِ إذن رمانة؟ لقد أشار عليَّ الوزير بالزواج منك، ورأيت صورتك في البلورة السحرية، لكني لم أقابلك إلا وأنا حصان! إني أعتبر اليوم الذي تحولت فيه إلى حصان يوم سعدٍ عندي.”

أسرع الملك والوزير والأميرة رمانة عائدين إلى عاصمة المملكة. وفرح الناس فرحًا شديدًا بعودة ملكهم سالمًا، ورحبوا بالأميرة رمانة ترحيبًا حارًا.

أرسل الملك المشعوذين والأمير جريان إلى القضاء لينالوا قصاصهم. أما المشعوذ هرار فقد خيره الملك بين الموت أو تنشق المسحوق الأسود العجيب والتحول إلى حصان. فاختار أن يتحول إلى حصان، وجعله الملك في خدمته يركبه في المناطق الوعرة، وخاصة عندما يزور قصر الغابة الجبلية. وقد ظل هرار طوال عمره يحاول أن يتذكر كلمة السر فيردد: “هي.. هي.. هي..” لكنه لا يتذكرها أبدًا.

معرض الصور (قصة القصر المهجور)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى