قصة الغزال الذهبي

اكتشفوا قصة الغزال الذهبي، حكاية ملهمة للأطفال عن مغامرات سلامة في حماية غزال ذهبي من الصيادين، في عالم مليء بالشجاعة والوفاء.
جدول المحتويات

في إحدى القرى الصغيرة، عاش فتى يدعى سلامة، محب للطبيعة والزهور وصوت الرياح. كان يقضي وقته بجانب بحيرة في البرية، يحلم بصيد سمكة ناطقة أو لقاء حيوان فريد. وذات يوم، أثناء تجواله، أنقذ سلامة رشا صغيرًا ذهبيًا من بين مخالب نسر عملاق. ربطت بين سلامة والغزال الذهبي صداقة قوية، وكانا يلتقيان يوميًا في البحيرة، يلعبان ويمرحان معًا بعيدًا عن أعين الناس.

مع مرور الأيام، سمع أهل القرى المجاورة عن الغزال الذهبي، فبدأ الصيادون يأتون بحثًا عنه لاصطياده. لكن سلامة كان يراقبهم من بعيد، وفي كل مرة كانوا يقتربون من الغزال، كان ينجح في تحذيره وإبعاده عن الخطر. وفي يوم من الأيام، جاء ثلاثة صيادين غرباء إلى البحيرة مصممين على الإمساك بالغزال. اختبأوا بين الصخور، منتظرين اللحظة المناسبة.

ظهر الغزال الذهبي كعادته، يبحث عن سلامة، ولكن سلامة لم يكن هناك ليحذره. انطلق الغزال يقفز بين الصخور، غير مدرك لخطر الصيادين المختبئين. فجأة، قفز فوق صخرة حادة مزقت ساقه. رأى الصيادون ما حدث وسددوا سهامهم نحوه، لكن الغزال اختبأ بين القصب، مثلما كان يفعل مع سلامة. وعندما اشتدت الرياح، لم يتحرك القصب كي لا يكشف الغزال، لكن الرياح أجبرته على الميل، فكشف مكان الغزال. أصاب الصيادون الغزال الذهبي وحملوه معهم، وكانت البرية كلها صامتة حزينة.

بعد الحادث، عاد سلامة إلى البحيرة بعدما تعافى من إصابته. جلس بجوار القصب يستعيد ذكرياته مع الغزال الذهبي. شعر بحزن عميق، وأخذ يستمع إلى صوت الرياح تعول والقصب يبكي. ومنذ ذلك الحين، أصبح يعزف على قصبة جافة تعزف لحنًا شجيًا يشبه بكاء القصب.

ذاع خبر الغزال الذهبي وحكايته في كل مكان، وأصبح الناس يأتون إلى البحيرة ليسمعوا حكايات الرياح وبكاء القصب. أطلقوا على البحيرة اسم “بحيرة الغزال”، وتعلموا من سلامة احترام الحيوانات وتركها تعيش بسلام. عادت الغزلان الذهبية تملأ البحيرة، تلعب وتمرح، ولم تعد تخاف من البشر، بينما ظل سلامة يعزف ألحانه الحزينة بجوارها، سعيدًا برؤيتها تعيش بحرية وأمان.

قصة الغزال الذهبي مكتوبة

استيقظ سعيد باكرًا، وأسرع يعد نفسه للذهاب إلى صيد السمك. فأبوه كان قد وعده أن يرافقه في ذلك اليوم إلى بحيرة الغزال. ركب الأب وابنه جواديهما، وانطلقا في البرية. أحس سعيد بانشراح في ذلك الصباح الصيفي المنعش، وأحس بدفء الشمس يتسلل إلى قلبه، وبدا له أن الطيور تغرد له وأن أوراق الشجر تصفق ترحيبًا كلما مر بجوارها.

عند شاطئ البحيرة رأى سعيد راعيًا شابًا يراقب قطيع غنمه. أحس أن ذلك الراعي يحب مثله تأمل الشمس تشرق وتنشر الضوء والظلال. ثم رأى الراعي يخرج نايه ويعزف عليه لحنًا شجيًا. رمى سعيد صنارته في الماء، ثم قال: “يا أبي، قلت لي يومًا إنك ستحكي لي حكاية الغزال الذهبي، ألا تحكيها لي الآن؟”

قال الأب: “سأحكيها لك الآن يا بني، ولعلك يومًا ترويها لأولادك!”

قصة سلامة والطبيعة

يحكى أنه في قديم الزمان كان يعيش في إحدى القرى الصغيرة فتى اسمه سلامة. كان سلامة يحب الزهر والشجر وصوت الماء والريح. كان يحب أن أزهار البر تميل لترحب به، وأنها تخصه بعطرها وتنشره كلما مر بجوارها. وكان صوت الريح يحمل إليه حكايات لم يسمع بمثلها بشر.

وكثيرًا ما كان سلامة يقضي أيام الصيف يجوب البراري حول قريته أو يجلس على شاطئ بحيرة صغيرة بين التلال. وكانت تلك البحيرة ملاذًا يلجأ إليه كلما تعب من التجوال في البراري. وكان عند شاطئ تلك البحيرة دغل من نباتات القصب. وقد اتخذ سلامة من نبتة طويلة يابسة قصبة صيد. وكثيرًا ما كان يحلم أنه سيصطاد يومًا سمكة ناطقة، وأن تلك السمكة ستكون في الحقيقة أميرة مسحورة. وكان القصب يظللّه، ويميل مع الريح وكأنما يحني رأسه موافقًا على خيالاته وأحلامه.

مواجهة سلامة مع النسر

اصطاد سلامة يومًا بضع سمكات، ومشى عائدًا إلى منزله. وكان لا يزال قريبًا من البحيرة عندما أحس كأن الريح تهب فجأة، ورأى ظلًا كبيرًا يتراقص أمامه. رفع رأسه فرأى نسرًا عملاقًا يحوم فوقه. كان جناحا النسر المبسوطان أشبه بخيمة طائرة، وكانت عيناه السوداوان أشبه بحصى نهري يلمع في الماء.

رأى سلامة النسر ينفض عليه، وأحس أن مخالبه الحادة تكاد تلمس جلدة رأسه. فارتد ورمى النسر المهاجم بحجر. وتذكر عندئذٍ أنه يحمل بضع سمكات، فالنسر إذا وراء سمكاته!

لكن النسر لم يكن يريد سلامة ولا سمكاته. كان يسعى فقط إلى إبعاده عن رشا كان عالقًا في جنبة شوكية، وكان طامعًا في اقتناصه.

إنقاذ الرشا الذهبي

رأى سلامة النسر ينجو صوب الجنبة الشوكية، ولمح في تلك الجنبة شيئًا يتحرك ويلمع في أشعة الشمس. جرى إلى هناك، فوجد النسر قد أنشب مخالبه في رشا ذهبي صغير يريد أن يحمله ويطير. رأى النسر سلامة يندفع نحوه ويصرخ صراخًا عظيمًا، فأفلت فريسته وصفق بجناحيه الهائلين وطار.

أسرع سلامة إلى الغزال الصغير فحمله بين يديه، وغسل جراحه بماء البحيرة، وراح يربت أذنيه برفق. وفي آخر النهار ركض الرشا في البرية واختفى بين التلال.

لقاء جديد مع الرشا الذهبي

في اليوم التالي بكر سلامة في الخروج إلى البرية. جلس عند شاطئ البحيرة وأمسك قصبته يريد أن يرمي صنارته في الماء. أحس فجأة بجسم محملي يلمس عنقه. التفت فإذا وراءه الرشا الذهبي. مدّ سلامة يديه وأمسك الرشا وضمه إلى صدره. في هذا الوقت لاحظ سلامة أن فوق أنف الرشا بقعة سمراء داكنة، أشبه بغطاء لذلك الأنف. ترك سلامة قصبة الصيد، وجلس يلهو مع الرشا الذهبي ذي الأنف الأسمر.

سمع سلامة فجأة أصواتًا وضجيجًا. وكان الرشا قد قفز إلى جانب سلامة وألصق جسده به. حمل سلامة الرشا وجرى فاحتمى بين نباتات القصب. أحس سلامة بين القصب بالاطمئنان، وكان النسيم يمر بين تلك النباتات العالية فيُسمع لمروره وشوشة هادئة تزيد في اطمئنانه.

خرج سلامة ورشاؤه من بين نباتات القصب. فقد كان الذين أثاروا الضجيج أولادًا جاؤوا إلى البحيرة يلعبون ويمرحون. وكان الجو قد اكفهر، وتحول النسيم إلى ريح قوية. فغلّ الرشا في ثياب سلامة يريد أن يحتمي بها. أدرك سلامة أن الصيف يقترب من نهايته، فأشفق على الرشا الذهبي، وخاف أن يصيبه في الشتاء مكروه.

قرار سلامة

حمل سلامة الرشا وتوجه به صوب قريته، يريد أن يبقيه معه طوال الشتاء. وبدا، أول الأمر، سعيدًا جدًا. لكن بعد أن مشى قليلًا أخذت الشكوك تدخل قلبه. قال: “لن يحب الرشا طعامي! ولن ينام في فراشي! كيف يجري في المنزل حرًا ويقفز؟ وهل أكون أنا سعيدًا إذا حملني أحد من بيتي لأقضي الشتاء في البرية؟”

توقف سلامة فجأة، وربت أذني رشاه، وأفلت الرشا في البرية، فانطلق الرشا مرحًا، وراح يجري ويقفز حتى اختفى بين التلال.

انتشار خبر الغزال الذهبي

مرّ عام، وذاع في الجوار أن في البرية غزالًا ذهبيًا فريدًا. فطمع الناس في اصطياده، لكن لم ينجح أحد من أهل الجوار في ذلك. ذهب سلامة إلى البحيرة يومًا ليصطاد سمكًا. وجلس هناك سعيدًا بعودة الصيف. وكان القصب يصفق بمرح ويتمايل، وكانت الريح تحكي حكاياتها. فجأة لمح فوق إحدى التلال جسمًا يتألق في أشعة الشمس. وما هي إلا لحظات حتى انحدر ذلك الجسم صوبه انحدار جدول فوق صخور الجبال.

كان ذلك هو الرشا الذهبي، لكنه لم يعد غزالًا صغيرًا بل بدا غزالًا بالغًا رشيقًا. كان جلده يبرق في الشمس كما يبرق التبر إذا حركته يد، أو كما يلمع الماء المتموج في أشعة الشمس. وضع سلامة يده على الأنف الأسمر وداعبه برفق. ثم راح يجري هو والغزال في البرية وحول البحيرة ويغولان في القصب. وقبيل الغروب قام سلامة يريد العودة إلى قريته. فركض الغزال في البرية، وأخذ يبص كلما وقعت عليه الشمس أو خرج من ظل شجرة أو صخرة. وظل سلامة يراقبه حتى اختفى عن بصره.

لقاءات يومية في البحيرة

كان سلامة بعد ذلك يأتي كل يوم إلى البحيرة. وكان الغزال الذهبي يأتي إلى هناك، ويبقى إلى جانب سلامة أو يجري حوله في البرية. فإذا أحس باقتراب أحد فرّ يختبئ بين نباتات القصب أو أطلق ساقيه للريح واختفى بين صخور البرية وجنباتها. لكن سلامة كان يخاف على الغزال، فقد ذاع في تلك الناحية أن الغزال الذهبي يتردد على البحيرة، فأقبل الصيادون من أماكن بعيدة يريدون اصطياده.

التضحية من أجل الغزال

عزم سلامة على أن ينقطع عن الخروج إلى البحيرة، لعل الغزال الذهبي ينقطع عن التردد إليها هو أيضًا. ظل أيامًا يحبس نفسه في منزله. ثم أراد أن يعرف نتيجة انقطاعه، فتوجه في ظهيرة أحد الأيام إلى البحيرة، فلم يجد الغزال الذهبي. واطمأن قلبه. لكنه لمح بعد حين شيئًا يلمع. تلفت فإذا الغزال الذهبي يخرج من وراء بعض الصخور ويأتي راكضًا. ربت سلامة أذني صديقه الرشيق، وقال له: “ألا تعلم أني أخاف عليك؟”

وصول الصيادين إلى البحيرة

بينما كان سلامة يومًا يعد قصبة صيده، رأى ثلاثة رجال يقتربون من البحيرة. اختبأ وراء صخرة وأخذ يراقب القادمين. وسرعان ما أدرك أن الرجال الثلاثة صيادون، وقدّر أنهم وراء الغزال الذهبي. ولم يكن سلامة قد رأى أولئك الرجال من قبل، فلا بد أنهم من أولئك الذين سمعوا بالغزال الذهبي فجاؤوا لاصطياده.

ترجّل الصيادون الثلاثة عن خيولهم، وربطوها في موضع قريب، ومشوا صوب البحيرة، وكمنوا وراء بعض الصخور.

ظل سلامة ساكنًا لا يتحرك، ينظر بعينيه القلقتين في كل الاتجاهات. فجأة لمح جسمًا يلمع فوق تلة قريبة، فأدرك أن ذاك غزاله الذهبي. أدار الغزال الذهبي رأسه في البراري الممتدة أمامه، ثم جرى صوب البحيرة. وقبل أن يصبح قريبًا من مرمى الصيادين المختبئين، قفز سلامة من وراء صخرته، وراح يصرخ ويلوح بيديه.

محاولة الصيادين الإمساك بالغزال

استدار الغزال الذهبي، وأطلق ساقيه للريح، وراح يقفز قفزات طائرة بدا معها كأنه سابح في الفضاء. زعق الصيادون الثلاثة وقفزوا يطاردون سلامة. خاف سلامة خوفًا شديدًا، وجرى يحاول الاختباء بين الصخور. ورأى البحيرة أمامه، وأحس أنه قد سدت عليه الطرق.

رأى فجأة أمامه قصبة يابسة، فوضع طرفها في فمه وغاص في البحيرة تاركًا طرف القصبة الآخر فوق سطح الماء. ولبث ساكنًا لا يتحرك. وصل الصيادون الثلاثة إلى البحيرة، ونظروا حولهم في عجب شديد، فقد اختفى سلامة، لا يظهر له في البرية أثر. وعزموا على أن يتركوا البرية في ذلك اليوم، على أن يعودوا في صباح اليوم التالي.

خطة سلامة للتخلص من الصيادين

في اليوم التالي اختبأ سلامة عند البحيرة منذ الفجر، فقد كان يعلم أن الصيادين الثلاثة عائدون. ولم يطل انتظاره، فقد وصل الصيادون باكرًا. أخفوا خيولهم وراء بعض الصخور العالية، وتسللوا إلى موقع مشرف على البحيرة، وكمنوا هناك. وبدوا ثلاثتهم واثقين أنهم سيصيدون في ذلك اليوم الغزال الذهبي.

في ذلك اليوم لم يرد سلامة أن يظهر أمام الصيادين خشية أن يرموه هو بسهامهم، فعزم على أمر. وعندما رأى الغزال الذهبي يبرز في رأس التلة المجاورة، تسلل إلى موضع الخيل وفكّ رباطها، وقفز إلى ظهر جواد منها. فجزعت الجياد وصهلت صهيلًا عاليًا.

انتفض الغزال الذهبي وطار، وجرى الصيادون الثلاثة وراء جيادهم الشاردة.

نجاة سلامة وسقوطه

لم يكن سلامة قد ركب جوادًا من قبل، فتمسك بعنق الجواد وألصق جسده بظهره، وتركه يجري ويقفز على هواه. لكن الجواد كان غاضبًا وخائفًا، فشرد في البرية وراح يقفز ويجري من مكان إلى مكان. طال الوقت، فقد قفز الجواد فوق بعض الصخور قفزة عالية، فطار سلامة في الهواء.

وصل الصيادون بعد حين إلى سلامة، فوجدوه غائبًا عن الوعي، وقد امتلأ جسده جراحًا. فجمعوا خيولهم التي كانت قد هدأت، وحملوا الصبي ونقلوه إلى قريته. كانت جراح سلامة كلها سطحية، ما عدا ساقه اليمنى فقد كانت مكسورة. أشفق الصيادون على ذلك الصبي الذي خاطر بحياته لينقذ غزالًا، وعجبوا من أمره عجبًا شديدًا. لكنهم شعروا أيضًا بالارتياح، فقد تخلصوا من فتى عنيد كان يقف بينهم وبين الغزال.

كمين الصيادين

في فجر اليوم التالي كان الصيادون الثلاثة قد كمنوا وراء الصخور، ووضعوا أقواسهم في أيديهم انتظارًا لفريستهم. أطل الغزال الذهبي، كعادته كل يوم، من قمة إحدى التلال، وراح يدور بعينيه في البرية كأنما يبحث عن سلامة. لكن سلامة لم يكن هناك، فاختفى الغزال وراء التلة. ثم عاد بعد ساعة يقف بقامته العالية ويدور بعينيه في كل اتجاه.

ثم قفز إلى الأمام فجأة قفزة واسعة، وجرى صوب البحيرة. وراح يقفز هناك قفزات هائلة ويجري جريًا خاطفًا. ولم يجد الصيادون الثلاثة فرصة يرمون بها الغزال الطائر بين الصخور، فوقفوا مندهشين يتابعون جريه وقفزه، ويشهقون كلما تألق جسده الذهبي اللامع في الشمس ببريقه الباهر الفريد.

وبينما كان الغزال يقفز في الهواء، وقع على صخرة حادة مزقت ساقه. ورأى الصيادون ما حدث فوجدوا في ذلك فرصتهم، فسددوا سهامهم.

إصابة الغزال الذهبي

تحامل الغزال الذهبي على ألمه والتف وراء بعض الصخور وغلّ في القصب، كما كان يفعل هو وسلامة، واختبأ بين سيقانه العالية. رأى الصيادون الغزال الذهبي يدور وراء الصخور ويختفي. بحثوا عنه طويلًا فلم يجدوه، وبدأ اليأس يدخل قلوبهم.

في هذه الأثناء هبّت في البرية رياح، فتحركت مياه البحيرة وأغصان الشجر. أما القصب فظل ساكنًا. بدا كأنه كان يخشى إذا هو تحرك ومال أن ينكشف الغزال الذهبي المختبئ بينه ويتعرض للخطر. فقالت الريح: “أتهزأ بي، أيها القصب الهزيل؟” ثم راحت تهب هبوبًا شديدًا وتعصف. فلم يعد أمام القصب إلا أن يميل منحنيًا أو ينكسر، فآثر الانحناء ومال.

نهاية الغزال الذهبي

انكشف الغزال الذهبي، فأسرع الصيادون يسددون سهامهم ويرمونه بها. هدأت الريح وسكن القصب والماء. وبدا كأن البرية كلها في صمت. أما الصيادون فقد حملوا الغزال الذهبي، وانطلقوا به. لكنهم كانوا هم أيضًا صامتين. وبدا لهم أن البرية كلها تنفر منهم. فمشوا وقد أحْنَوْا رؤوسهم لئلا يروا الأغصان والطيور والسحب والصخور تلاحقهم بعيونها.

عندما صار سلامة قادرًا على الخروج من البيت، مشى إلى البرية وجلس في ظل القصب يتأمل ماء البحيرة، وينظر إلى التلال الخالية من حوله. وكانت صور الرشا الصغير الذي صار غزالًا ذهبيًا رشيقًا يملأ البرية تمر بمخيلته. يتذكر القفزات الطائرة والوجه المحملق واللون الذهبي والأنف الأسمر، فيبتسم ابتسامة حزينة. ثم تختفي تلك الابتسامة وتمتلئ عيناه بالدموع.

حزن سلامة والقصب

وبينما هو جالس هناك يومًا، هبّت ريح قوية راحت تهز نباتات القصب. ولم يسمع سلامة القصب يصفق، كعادته، ويوسوس وشوشة حلوة. بل سمعه يبكي وسمع الريح تعول. ظلت الريح تعول زمنًا طويلًا، كما تعول اليوم كلما هبت هبوبًا عنيفًا. وظل القصب يبكي زمنًا طويلًا جدًا، وذات يوم وجد سلامة قصبة جافة قصيرة من قصبات تلك البحيرة. أمسكها بين يديه ونفخ فيها، فسمع صوتًا شجيًا. حاول سلامة كثيرًا أن يعزف لحنًا بهيجًا، لكن لم يكن يصدر عن تلك القصبة إلا صوت شجي، هو الصوت نفسه الذي نسمعه اليوم كلما نفخنا في قصبة.

البحيرة تصبح رمزًا للغزال الذهبي

ذاع في البلاد حكاية الغزال الذهبي. وتوافد الناس من الديار والأمصار إلى شاطئ تلك البحيرة ليسمعوا عويل الرياح وبكاء القصب. وكان الناس يجلسون طويلًا حول سلامة، ويستمعون إلى عزفه الشجي، فتمتلئ عيونهم بالدموع. ولم يكن أحد يسأله أن يعرف لحنًا بهيجًا، فقد كانوا كلهم يعلمون أن قصبته لا تصدر إلا الألحان الشجية.

أسْمَى الناس البحيرة، بعد ذلك اليوم، بحيرة الغزال. ولم يعودوا يلهون بمطاردة الحيوانات الصغيرة اللطيفة واصطيادها. وكثرت الغزلان الذهبية، وصارت ترد مياه البحيرة لتشرب. وكثيرًا ما كانت تتجمع حول سلامة تستمع إلى عزفه الشجي. لم يكن لتلك الغزلان الذهبية أنوف سمراء، لكن سلامة كان راضيًا، فقد كانت كلها تلعب وتمرح ولا تخاف بشرًا.

معرض الصور (قصة الغزال الذهبي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى