كان شريف راجعا إلى البيت مع والده، حين رأى العمال يقومون ببناء مسجد جديد، بينما وقف رجل يشرف عليهم ويحثهم على العمل في همة ونشاط.
قال شريف في سرور: هذا مسجد جديد يا أبي، يقام بالقرب من بيتنا.
قال والده: سبحان الله مغير الأحوال. فهذا الرجل الذي تراه، تكفل ببناء المسجد، وأصبح رجلا طيبا يسعى لفعل الخير مرضاة لله تعالى، بعد أن كان شريرا لا يطيقه الناس.
دهش شريف وقال: وما الذي غيره يا أبي؟
قال والده: لا شيء يصعب على الله، وهو وحده القادر على أن يغير من حال إلى حال.
قال شريف: هذا صحيح يا أبي، فقد قال لنا مدرس التربية الدينية، حين سألناه عن معنى الصمد، أن الله وحده هو الصمد، الدائم الوجود الذي يغير ولا يتغير.
معنى اسم الله الصمد
قال والده في سرور: الصمد اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه أن الله وحده، هو المستغني عن كل خلقه، وهو الغني بذاته، وهو من يلجأ إليه الناس جميعا ليقضي حاجاتهم.
ومعنى الصمد أيضا، أنه تبارك وتعالى لا ينتقل من مكان إلى مكان، فهو موجود دائما في كل مكان. وكل شيء في هذه الدنيا له عمر ينتهي عنده، ولكن الله سبحانه وتعالى دائم الوجود.
قال شريف: هذا كلام جميل يا أبي، ولكن أرجو أن توضح لي هذا أكثر.
سأله والده: هل تستطيع أن تستغني عما خلق الله؟
قال شريف: معنى هذا يا أبي أن أستغني عن الطعام والشراب، وأستغني عن الناس، وهذا مستحيل.
حاجة الخلق إلى الخالق وعاصفة مفاجئة
قال والده: الإنسان منا يحتاج إلى أرض يعيش عليها، وهواء يستنشقه، وماء يشربه، وطعام يأكله، وناس يتعامل معهم. أما الله فهو وحده المستغني بذاته عن كل هذا وعن كل خلقه.
فإن أراد الله تعالى أن يغير شيئا، فله ما أراد. كأن يغير الضعيف إلى قوي، والفقير إلى غني، والقوي إلى ضعيف. والغني إلى فقير، وينزل الله المطر من السماء، فتتغير الصحراء إلى أرض خضراء وهلم جرا. فكل شيء يتغير، والله وحده سبحانه لا يتغير.
وفي أثناء حديثهما، هبت فجأة ريح عاصفة، تبعها على الفور هطول الأمطار. فأسرع شريف ووالده نحو البيت، وقال والد شريف: سبحان الله مغير الأحوال من حال إلى حال.
إنقاذ العصفورة الصغيرة وإعادتها إلى والديها بحكمة
لاحظ شريف أن عشا للعصافير سقط على الأرض من فوق شجرة بحديقة منزلهم، فلما اقترب منه رأى بداخل العش عصفورة صغيرة لا تقدر على الطيران.
طلب والد شريف منه، أن يأتي بالعش وفيه العصفورة إلى داخل البيت، حتى يمتنع المطر فيعيده مرة أخرى إلى الشجرة، فلو تركاه في العراء لماتت لشدة ضعفها.
حمل شريف العش والعصفورة، ووضعهما في ضوء مصباح المكتب، فسأله والده عن سبب ذلك، فقال: إن المصباح المضيء يبعث حرارة تدفئ العصفورة، وتجفف الماء العالق بها.
ضحك والده وقال: إنك يا شريف تفكر فيما أفكر فيه أنا أيضا. وعليك الآن أن تعيد العصفورة الصغيرة إلى أبويها بأسرع ما يمكن، فبدونهما ستفقد حياتها.
توقف المطر بعد قليل، فأخذ شريف العش وبداخله العصفورة، وخرج إلى الحديقة. ووقف تحت الشجرة التي سقط منها العش، فرأى عصفورة وعصفورا حائرين كأنما يبحثان عن شيء ضاع منهما، ويزقزقان بأصوات كالنداء.
عرف شريف أنهما أبوا العصفورة الصغيرة، وفكر أن يأتي بسلم يصعد عليه ويضع العش فوق الشجرة، ولكنه خاف ألا تفهم العصافير نيته، فتخاف وتطير عن الشجرة.
ترك شريف العش وبه العصفورة تحت الشجرة، وابتعد وراح يراقب ما يحدث، وما هي إلا لحظات حتى هبطت العصفورة الأم، وهبط بعدها الأب، وهما يزقزقان فرحا. ثم التقطت الأم صغيرتها بمنقارها وصعدت بها، وحمل الأب العش إلى أعلى الشجرة. وشريف يتابع ما يحدث في سعادة وسرور، ويقول: سبحان الله مغير الأحوال!





