خرج طارق مع جموع المصلين من المسجد بعد صلاة الجمعة، وسأل والده: “لاحظت في نهاية خطبة الإمام يا أبي أنه قال: إن الله يجيب دعوة الداع إذا دعاه (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، فهل يقبل الله دعوة كل إنسان على الأرض؟”
قال الوالد مبتسما: “سؤالك هذا هام جدا يا بني. ولكي أجيب على سؤالك، يجب أن تعلم أولا أن المجيب اسم من أسماء الله الحسنى. والله سبحانه وتعالى كتب على نفسه استجابة من دعا. ولذلك فإن الإنسان يقف رافعا يديه إلى السماء، وقد ملأته الخطايا والذنوب ويصيح: يا رب. وكان عدلا من الله ألا يستجيب لنفس عصت وضلت.. ولكن رحمة الله تنزل، وتفتح أبواب السماء، ويستجاب للدعاء.”
حوار حول استجابة الدعاء
قال طارق: “لقد سمعت من مدرس التربية الدينية يقول: إن الدعاء عبادة.”
قال الوالد: “نعم يا بني، إن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يدعوه. ولذلك يقول (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). وهكذا يحب الله من عبده أن يرفع يديه إلى السماء ويقول يا رب.”
“وهناك يا بني دعوتان لا تردان، فهو يستجيب لدعاء المضطر، مصداقا لقوله تعالى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ)، والدعاء الثاني دعوة المظلوم.”
قال طارق: “أرجو يا والدي أن تحكي لي حكاية صغيرة، فما زال البيت بعيدا.”
رحلة الصبي ودعاء المظلوم
قال والده: “حسنا، سأحكي لك حكاية شعبية بطلها صبي مثلك. في يوم من الأيام مرضت أم ولم يكن لها سوى صبي صغير مثلك، فأعطته أمه ثلاث قطع من الزجاج البارق، الذي كان يشع شعاعا جميلا، كانت تحتفظ بها ليبيعها بالمدينة ويشتري لها الدواء.”
“فقضى يومه بطوله في الطريق، كان يمشي مرة ويجلس مرة. وما إن وصل إلى بوابة المدينة، حتى قابله ثلاثة من جنود الملك، وسألوه عما يحمل من قريته.. فما كان منه إلا أن مد يديه في ثوبه، وأخرج القطع الزجاجية الثلاث.”
“وما أكبر عجبه ودهشته.. حين رآهم يمدون أيديهم مرة واحدة، ويختطفون القطع التي كانت تشع بقوة وهي في راحتي يديه.. فصرخ فيهم وصاح ثم بكى وقال: أرجوكم إن أمي فقيرة ومريضة، وقد أعطتني إياها لأبيعها وأشتري الدواء بثمنها.”
“ولكنهم بدلا من أن يعطوه حتى قطعة واحدة، اقتادوه إلى السجن، ورموه في إحدى زواياه.. تعجب الصبي البسيط الغرير.. ولم يعرف لماذا عملوا معه هكذا. أما الجنود فقد ظنوا أن قطع الزجاج ماسات عالية الثمن ولكي يخيفوه فإنهم رموه في السجن ظلما.”
“وفي صباح اليوم التالي، أخرجوه وقادوه إلى خارج المدينة، ثم دفعوه بقوة وصاحوا به: اذهب ولا تعد، وإن عدت كسرنا عظامك.. هام الصبي على وجهه وهو يعود إلى بيته باكيا.. فلما تعب من المسير جلس تحت شجرة، ونظر إلى السماء، ثم رفع يديه وقد اشتد بكاؤه وقال: يا رب لقد أخذ مني الظالمون ثمن دواء أمي. ولا أعرف كيف أعود إليها بدون الدواء.”
وما لبث أن غلبه النوم.
كيف استجاب الله لدعوة المظلوم
وسرعان ما رأى في منامه، شيخا وقورا قال له: “يا بني توجد عشبة طويلة، تنبت بجوار الشجرة.. اقطفها وعد بها إلى المدينة حالا، فإن لها نفعا كبيرا هناك.”
استيقظ الصبي ونظر إلى جوار الشجرة، وتعجب حين رأى العشبة الطويلة، فأخذها وأخفاها في طيات ملابسه، وأسرع إلى المدينة.
وهناك على بوابة المدينة، تقدم نحوه الجنود وسألوه مثل المرة السابقة: “ماذا تحمل هذه المرة؟”
فأراهم العشبة.. فضحكوا منه، لكنه قال في جدية، وهو لا يعلم ما جعله يقول هكذا: “إن هذه العشبة خير وبركة، تزيد من الإنسان قوة.”
فخطفوها منه بسرعة، وتناولوها ليبتلعوها بعد مضغ سريع، والصبي في دهشة.
وفي الحال تغيرت وجوههم، وأخذوا يبكون ويعتذرون إلى الصبي، بطريقة جعلت الناس يلتفون حولهم يشاهدون هذا المنظر العجيب.. ثلاثة من الحراس يبكون، ويعترفون بجريمتهم، ويتأسفون لصبي صغير، حتى وصل الأمر إلى قاضي المدينة.
وعند القاضي اعترف الجنود، وقالوا: “سيدنا القاضي، نحن ظلمنا هذا الصبي، وسلبنا منه هذه الماسات.. ثم سجناه، فافعل بنا ما تشاء.”
فأعاد القاضي للصبي حقه، ورمى بالجنود في السجن. وفي نفس الوقت، علم الملك بالأمر، فأمر بإعطاء الصبي بعض المال، وبعلاج أمه عند طبيب القصر.
“ولم يكتف الملك بذلك، بل أمر المنادى أن ينادي في شوارع المدينة: (كل من وقع عليه ظلم من جنود الملك أو حاشيته، أن يتقدم للقاضي أو للملك، ليأخذ حقه وينصفه).. وهكذا يا بني استجاب الله لدعوة المظلوم، فالله وحده في يده قضاء الحوائج.”
قال طارق في سرور: “ما أجمل معاني أسماء الله، أشكرك يا أبي. فذكر الله يقربنا إليه، ويقربه إلينا.”
أشار طارق بيديه وقال: “لقد وصلنا أخيرا إلى البيت.”





