قصة الربيع الأصفر

في قصة الربيع الأصفر، يتعلم ملك حزين درسًا مؤثرًا عن السعادة والفرح عندما يحبس الأطفال وتذبل مملكته، ثم يعود الحياة إليها.
جدول المحتويات

في مملكة هادئة، كان هناك ملك حكيم يدعى فرج الليل، لكنه رغم حكمته وسلام مملكته، كان يشعر بحزن عميق لأنه لم يكن لديه أبناء. حاول نسيان حزنه بإنشاء حديقة رائعة تزينها الأزهار وتغني فيها الطيور، لكنها لم تُشبع قلبه. بمرور الوقت، بدأ يكره رؤية الأطفال يلعبون ويضحكون في شوارع المملكة، فأمر بحبسهم في منازلهم، وفرض الصمت على شوارع المملكة.

مع مرور الأيام، خلت المملكة من الأطفال وأصبحت الحدائق خاوية، وبدأت الأزهار تذبل والأشجار تصفر. وفي يوم من الأيام، مرت سيدة الأزهار بالمملكة، لكن لغياب الأطفال لم تفتح كيسها السحري الذي كان يحوي أزهار الربيع. عندما علم الملك بذلك من كناريه الناطق، قرر أن يلتقي بسيدة الأزهار ليطلب منها أن تنثر أزهارها في مملكته. رافقها الملك في رحلة ساحرة إلى مملكة مجاورة حيث شاهد دمى ولعب الأطفال تتحدث وتطلب الحرية لتكون مع أصحابها.

في تلك المملكة، كان الملك حابس قد حرم الأطفال من اللعب خارج منازلهم، وجمع كل الدمى في ساحة كبيرة ليحرقها. لكن الملك فرج الليل تدخل في اللحظة الحاسمة، وأنقذ حصانًا خشبيًا كان قد لعب به في طفولته. اندفع الملك حابس وحراسه وراءه، لكن سيدة الأزهار أنقذته وطارته بعربتها السحرية إلى مملكته.

عندما عاد فرج الليل إلى مملكته، وجد الأزهار قد عادت والحدائق ازدانت بالخضرة من جديد. أدرك الملك خطأه، وأصدر أمرًا ملكيًا يسمح للأطفال باللعب والضحك في أي وقت وأي مكان. وكهدية رمزية، أعطى حصانه الخشبي القديم للفتاة الصغيرة لولو. وبينما كان يشاهد الأطفال يلعبون بسعادة في مملكته، امتلأ قلب الملك بالفرح، وعاد السلام والبهجة إلى المملكة من جديد.

قصة الربيع الأصفر مكتوبة

كان الملك فرج الليل ملكًا حكيمًا رصينًا، فأحبه أبناء مملكته، وسعوا دائمًا إلى إسعاده. لكن الملك لم يكن سعيدًا حقًا، فقد كان ملكًا بلا ولد. كثيرًا ما كان فرج الليل يقف وراء شباكه، يراقب أولاد المملكة يجرون في الشوارع ويلعبون، فيشعر بالحزن ويقول: “أنا الملك، لكن ليس لي ولد. كيف يكون للفقراء والأغنياء أولاد ولا يكون لي، وأنا الملك، ولد؟”

أراد الملك فرج الليل أن يشغل نفسه، فأنشأ حديقة زرع فيها الأزهار والأشجار بأشكال هندسية وخطوط متناسقة الألوان، وجلب لها الأطيار من أبعد الأقطار. كانت حديقته، بأزهارها وأشجارها وأطيارها، أجمل حديقة بين حدائق الممالك. وكان من يمر أمام القصر يقول: “الملك فرج الليل ليس له ولد، لكنه عنده أجمل حديقة في الدنيا!”

الملك وفرج الليل

بمرور الأيام، تعود الملك فرج الليل على قصره الهادئ وحديقته، وصار ينفر من الأولاد، ويكره أن يراهم يلعبون ويضحكون. حتى إنه صار يكره أن يخرج من قصره لئلا يلتقي بهم. خرج أحد الأيام الملك فرج الليل من قصره في موكب عظيم، ليستقبل ضيفه سبع الليل، ملك المملكة المجاورة. كان يركب حصانه الذهبي، يحيط به حراسه وأهل بلاطه. وبينما هو في الطريق، أصابت رأسه خطأ كرة من قماش مرصوص. وكما يمكنك أن تتصور، كانت تلك كرة أولاد كانوا يلعبون في الطريق.

غضب الملك فرج الليل غضبًا شديدًا، وصاح: “احبسوا أولاد المملكة في بيوتهم فلا يخرجوا منها أبدًا!” لعل الملك فرج الليل لم يكن ينوي أن يحبس الأولاد في بيوتهم فعلًا. أو لعله نسي أن يرجع عن أمره بعد حين. على كل حال، فقد مر وقت ولم يصدر عن الملك أمر يلغي أمره الأول، وظل الأولاد هكذا محبوسين في بيوتهم. كان الملك في هذه الأثناء يتنقل في شوارع المدينة وبين حدائقها دون أن يزعجه الأولاد بأصواتهم أو بكُراتهم. وبدا راضيًا مطمئنًا.

تخطيط الأهالي

ظل الوضع على حاله حينًا، وأخذ الناس يتشاورون فيما بينهم. قال واحد منهم: “فليَلعب أولادنا في الساحات والحدائق ليلًا، عندما يكون الملك نائمًا نومًا عميقًا!” وقال آخر: “فليَلعب أولادنا في الساحات والحدائق دون أن يفتح أي منهم فمه!” لكن اتفق الرأي أخيرًا على أن يأخذ الأهالي أولادهم ويرحلوا عن المدينة.

شرع الناس يأخذون أولادهم ويرحلون، حتى كادت المملكة تخلو من الأطفال. ذات يوم، التقى الملك بفتاة صغيرة اسمها لولو تلعب قريبًا من بيتها، وبين يديها دمية. رأت لولو الملك فرمت الدمية، وجرت إلى منزلها خائفةً، وهي تصيح: “جاء الملك! جاء الملك!” حزن الملك عندما رأى لولو تخاف منه. استدعى وزير الشؤون الطفولية، وقال له: “اليوم، رأيت طفلة صغيرة اسمها لولو تخاف مني وتهرب. أريد أن أعرف لمَ تهرب طفلة من ملك؟”

الوزير وأمر الملك

فكر الوزير طويلًا، ثم قال: “يا مولاي، الأولاد شياطين. ملأوا الطرق ضجيجًا، وقد أحسنت صنعًا بحبسهم في بيوتهم. الفتاة الصغيرة لولو أذنبت إذ خرجت، وعندما رأتك ارتعبت فهربت. هربت من القصاص، يا مولاي، وليس منك!” قال الملك عندئذ: “معك حق! فليبقَ الأولاد محبوسين! إن أمري، كما ترى، في محله!”

حل الشتاء. كان شتاءً باردًا جدًا. ملأت الثلوج الأرض وغطت الأشجار وسقوف المنازل. وكانت المدينة قد خلت من الأطفال، فبدا شتاؤها أشد برودة. قبيل انتهاء الشتاء، في ليلة صافية، مرت بالمدينة سيدة فاتنة، تلبس رداءً طويلًا مزهرًا، وتغرس في شعرها الطويل أزهارًا، وتحمل على ظهرها كيسًا كبيرًا. كانت تلك سيدة الأزهار.

سيدة الأزهار وكيسها

فتحت سيدة الأزهار كيسها تريد أن تنثر ما فيه، لكنها لم تسمع أصوات أطفال. أخذت تتنقل من بيت إلى بيت، فلم تجد في المدينة طفلًا واحدًا. ربطت كيسها، وأعادته فوق ظهرها، وتركت المدينة.

كان الملك فرج الليل ينتظر انتهاء فصل الشتاء حتى يعود إلى حديقته يعتني بأزهارها ويستمع إلى أطيارها. فتح يومًا شباكه، وأطل على حديقته. كان الثلج كله قد ذاب، لكنه لم ير بساطًا أخضر، ولا شجرًا مزهرًا. كانت حديقته صفراء، وكانت أشجاره ذابلة كأنما الدنيا خريف.

لم يصدق الملك عينيه. خرج إلى الحديقة مذعورًا، ثم ترك قصره وراح يمشي في ساحات المدينة وطرقها، ينظر إلى الأشجار ويتأمل عشب الأرض ويمد رأسه فوق أسوار المنازل. لم يجد في مملكته كلها زهرة واحدة أو ورقة شجر خضراء.

الملك والكناري

أخذ الملك فرج الليل يقرع الأبواب، ويسأل عما حدث. وعاد إلى مستشاريه يسألهم رأيهم، لكنه لم يجد عند أي منهم جوابًا شافيًا. وكان في قصره كناري في قفص. كان يحب ذلك الكناري، وكثيرًا ما كان يستمع إلى تغريده. اقترب منه، وقال له، كأنه يخاطب نفسه: “ماذا جرى؟”

غرد الكناري، ثم فتح فمه وتكلم. وكانت تلك أول مرة يتكلم فيها الكناري. قال: “أتسألني رأيي، يا مولاي؟”

فوجئ الملك إذ سمع الكناري يتكلم، لكنه قال: “نعم، أسألك رأيك!”

قال الكناري: “يا مولاي، لا يجرؤ على قول الحقيقة إلا من كان حرًا. أطلق سراحي أولًا!”

أسرع الملك يخرج الكناري من القفص. غرد الكناري طويلًا، ثم قال: “يا مولاي، مرت سيدة الأزهار شتاءً، فلم تنثر كيسها في مملكتك، كما هي عادتها كل عام. وهي لا تزال تأتي كل ليلة فتتجول في مملكتك، لكن كيسها لا يزال مربوطًا!”

لقاء سيدة الأزهار

عزم الملك على أن يلتقي سيدة الأزهار، ويطلب منها أن تفتح كيسها وتنثره في مملكته. جلس ليلًا في شرفته العالية يراقب طرق المدينة وساحاتها وحدائقها. قبيل انتصاف الليل، أحس بنسيم لطيف يداعب وجهه. وبدا أن ذلك النسيم يقول له: “أنت متعب، أيها الملك. نم! نم! عندما يطلع النهار تسأل عن سيدة الأزهار!” وسرعان ما غلبه النعاس ونام.

استيقظ الملك على أشعة الشمس المشرقة، وقال: “خدعني النسيم!” في الليلة الثانية، أتته رائحة طيبة كأنها عطر ألوف الأزهار، وبدا كأنها تقول له: “أنت متعب، أيها الملك. نم! نم!” فنام. وفي الليلة الثالثة، أتته موسيقى ساحرة، وبدا كأنها هي أيضًا تطلب منه أن ينام، فنام.

الملك والعزم على اللقاء

في الليلة الرابعة، حجب الملك شرفته بالستائر ليمنع النسيم، ووضع على أنفه كمامة ليمنع رائحة الأزهار، وسدّ أذنيه بسدادتين ليمنع صوت الموسيقى. وجلس في شرفته العالية، وقد عزم على أن يكون يقظًا جدًا هذه المرة.

قبيل انتصاف الليل، أحس الملك بيد رقيقة تنزع الكمامة عن أنفه والسدادتين عن أذنيه، وتريح ستارة الشرفة. التفت فإذا وراءه سيدة فاتنة تلبس رداء طويلًا مزهرًا، وتغرس في شعرها الطويل أزهارًا. وأحس بنسيم يشبه الذي حمله على النوم، وبرائحة أزهار وصوت موسيقى.

قالت له السيدة: “أنا سيدة الأزهار! اليوم قال لي الكناري الذي أعطيته حريته إنك تسأل عني!”

قال الملك: “يا سيدة الأزهار، انثري كيسك في مملكتي! ذبلت حدائقنا، وهجرت أرضنا الطيور!”

وضعت سيدة الأزهار يدها على كتف الملك، وقالت: “كيسي اليوم خالٍ. أنا ذاهبة إلى مملكة قريبة لأسترجع أزهارها، أعود بكيسي غدًا، وأنثره في مملكتك!”

قلق الملك فرج الليل

خاف الملك فرج الليل أن تذهب سيدة الأزهار ولا تعود، فقال لها: “أرجوكِ، اسمحي لي بمرافقتكِ!” فأذنت له سيدة الأزهار بذلك. أسرع الملك، وهو في ثياب النوم، وركب معها عربة بدا كأن عجلاتها سيقان وردٍ ملفوفة، وسقفها بساط أزهار. وبدا كأن تلك العربة تطير في سماء تضيئها نجوم زهرية.

حطت العربة في بلاد جميلة. فتسلقت سيدة الأزهار شجرة، وقالت للملك فرج الليل: “سنتوقف هنا.” تسلق الملك الشجرة وراءها، لكنه كان متعبًا فنام. استيقظ في الصباح على ضجيج وصياح. فتح عينيه، فرأى، حينما التفت، دمى أطفال ولعبًا تمشي في الطرق وتصيح وتعزف على الأوتار وتضرب الطبول والصنوج، وتجرى وتقفز وترقص. وكان ضجيجها يملأ المدينة كلها من أقصاها إلى أقصاها، وكانت كلها تصيح: “نريد أن نكون مع أصحابنا الأطفال! نريد أن نكون معهم متى أردنا! وحيث أردنا!”

حبس اللعب في المدينة

عجب الملك فرج الليل مما رأى عجبًا شديدًا، فاقتربت منه سيدة الأزهار وهمست قائلةً: “الملك حابس، ملك هذه المملكة، منع على الأولاد أن يحملوا دماهم ولعبهم إلا في منازلهم، فلا تخرج دمية أو لعبة من المنزل أبدًا!”

ولمَ يمنع الملك الأطفال عن لعبهم؟ لأنه كلما أمسكوا اللعب علت أصواتهم وملأوا الدنيا ضجيجًا! سرعان ما رأى الملك فرج الليل وسيدة الأزهار الجنود ينتشرون في الطرق، ويجمعون الدمى واللعب ويكوّمونها في ساحة المدينة الكبيرة كومة هائلة كأنها جبل. فقد غضب الملك حابس من صياح اللعب والدمى وهتافها، فصاح آمرًا: “اجمعوا لعب المملكة كلها في ساحة المدينة، وكوّموها كومة هائلة، وأحرقوها!” وجاء هو إلى الساحة ليشهد ذلك بنفسه.

نزل الملك فرج الليل عن الشجرة غاضبًا، وجرى صوب الملك حابس. وجرت وراءه سيدة الأزهار. لكنه لاحظ أن الناس كلهم ينظرون إليه في دهشة، فتذكر أنه لا يزال في ثياب النوم، فمشى متسترًا بجدران المنازل وأسوار الحدائق. وعندما وجد نفسه قريبًا من الساحة، اختبأ وراء عمود، وأخذ يراقب حراس الملك حابس والملك نفسه، ويفكر في تلك الدمى واللعب.

ثورة الحصان الخشبي

طلب الملك حابس من رجاله شعلةً يشعل بها جبل الدمى واللعب. لكن في تلك اللحظة، سمع صوتًا شبيهًا بوقع أقدام حصانٍ آتٍ من جهة قصر الملك. التفت الناس إلى ذلك الصوت، فرأوا حصانًا خشبيًا – لعبةً يجري صوب الساحة. كان الغبار يعلو ذلك الحصان، لكنه كان ذا عينين زمرديتين مضيئتين وذيل ذهبي براق.

التفت الناس إلى ذلك الحصان اللعبة مندهشين. صاح أحدهم: “ما أجمل عينيه الزمرديتين المضيئتين!” وصاح آخر: “وما أجمل ذيله الذهبي البراق!” وصاح ثالث: “أبعدوه عن كومة اللعب!” لكن مد الملك حابس يده وصاح: “هذا الحصان أيضًا، كوّموه مع غيره!” ثم رفع الشعلة وقربها من اللعب المكومة في الساحة.

قفز الملك فرج الليل بثياب النوم، واندفع صوب الحصان الخشبي ذي العينين الزمرديتين والذيل الذهبي، وأمسكه وحمله، وصاح: “هذا حصاني! كنت ألعب به وأنا صغير!” ثم جرى به هاربًا.

نهاية الأمر

جرى الملك حابس وحراسه وراء الملك فرج الليل. وجرى الناس وراء الملكين الراكضين، وجرت اللعب والدمى وراء الناس والحراس والملكين. أحس الملك فرج الليل أخيرًا بالتعب، وكاد أن يقع بين أيدي الملك حابس وحراسه. لكن، في اللحظة الأخيرة، دنت منه سيدة الأزهار ورفعته إلى عربتها وطارته.

نام الملك فرج الليل في عربة الأزهار الطائرة مطمئنًا. استيقظ في الصباح فوجد نفسه في قصره. فتح شباكه وأطل على حديقته، فوجد الأزهار قد عادت إليها واخضرت أوراق الشجر. أدرك أن سيدة الأزهار قد وفت بوعدها، ونثرت كيسها في مملكته.

كان أول ما فعله أنه أصدر أمرًا ملكيًا جاء فيه: “يوقف العمل بالأمر الذي كنا أصدرناه من قبل والذي قضى بحبس الأولاد في بيوتهم، فيسمح لهم منذ هذه اللحظة أن يلعبوا ويضحكوا كما يشاؤون وحيث يشاؤون!”

تذكر الملك فرج الليل حصانه الخشبي ذا العينين الزمرديتين والذيل الذهبي، وخشي أن يكون قد سقط من عربة الأزهار الطائرة وهو نائم. أسرع يبحث عنه فوجد في خزانة قديمة. مسح عنه الغبار، وأخذه إلى الفتاة الصغيرة لولو هديةً منه، ورأى الأولاد يجرون في مملكته فرحين ضاحكين، فامتلأ قلبه، هو أيضًا، فرحًا.

معرض الصور (قصة الربيع الأصفر)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى