حمدان رجل فقير يعمل حطابا، ويعيش مع زوجته وأولاده عيشة راضية في بيت صغير.
صفوان لا يرضى عن حمدان لمظهره الفقير، فيكلمه بكبرياء، ويزهو عليه بملابسه الجديدة المزركشة، بينما يرد عليه حمدان بود وبروح طيبة.
لا تختلف زوجة صفوان عن زوجها، فتعمد أن تتحدث إلى زوجة حمدان، وتكشف عن ذراعيها، لتكشف عن الأساور الذهبية والمجوهرات، وتطلب منها أن تعمل خادمة عندها، حتى تحسن حالهم.
بينما حمدان وزوجته راضيان بما قسمه الله لهما، حامدان الله على نعمه، يخرج حمدان كل صباح ليجمع الحطب من الغابة ثم يبيعه في السوق، ويعود إلى البيت بالطعام له ولزوجته وأولاده.
في حين يأتي صفوان بالعمال يعملون في تجارته. ورغم ثروته العظيمة، يطلب المزيد من المال، بأن يخفي البضائع عن الناس، حتى إذا ارتفع ثمنها أظهرها وباعها.
تعاسة صفوان وقراره بمراقبة جاره الفقير
ذات يوم جلس صفوان مع زوجته، وقد بدا عليه الحزن، فسألته عن سبب حزنه، فقال لها: كأنك لا تعلمين يا زوجتي أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا، ونحن تنقصنا الأولاد، وأنني أشكو من المرض، ولست سعيدا.
قالت زوجته: كيف لا نكون سعيدين، وعندنا كل هذه الأموال؟
قال لها: ألا ترين أن حمدان وزوجته أسعد منا، وهما فقيران؟ فلا بد أن أعرف سر سعادتهما. ولذلك سأنهض في الصباح مبكرا، وأراقب ما يفعله حمدان.
استيقظ صفوان في الصباح الباكر، فرأى حمدان يسجد لله، ورآه يرفع يديه للسماء يدعو الله، ثم يخرج إلى الغابة يعمل في قطع الخشب، ويجمعه بهمة ونشاط، حتى إذا حان وقت صلاة الظهر، أداها في خشوع وهدوء نفس.
اكتشاف سر السعادة في يوم حمدان
ورأى صفوان كيف يستقبل الناس حمدان في السوق بحب وترحاب، وعندما يقبض منهم ثمن ما يبيعه، يحمد الله كثيرا. فعاد صفوان إلى بيته، وسأل زوجته: هل قلنا نحن مرة في يوم من الأيام: الحمد لله؟
هزت زوجته رأسها، وقالت: لا.
قال صفوان: إن حمدان يصلي ويحمد الله كثيرا، فهو أفضل منا عند الله، فسأذهب إليه وأجلس معه.
قالت زوجته: ماذا دهاك يا زوجي؟ إنه ليس من مقامنا.
قال: كفى يا امرأة. لقد أعمى المال أبصارنا عن ذكر الله.
رحب حمدان بجاره صفوان، ودعاه إلى الجلوس.
قال صفوان: اغفر لي يا حمدان، فقد راقبت اليوم حركاتك، فرأيتك تحمد الله، وما فعلت ذلك قط.
حمدان يشرح معنى اسم الله الحميد
قال حمدان: أعطانا الله من النعم ما لا يعد ولا يحصى، فالعمر كله لا يكفي إذا قضيناه في حمد الله، فهناك حمده على الحياة، وحمده على النعم، وحمده على النجاة، وحمده على الرزق.
قال صفوان: قل كل ما عندك يا حمدان، حتى يرتاح قلبي.
قال حمدان: إن الحميد اسم من أسماء الله الحسنى، وهو المستحق للحمد وحده. فالشجرة تعطينا الثمرة، والأرض تعطينا الزرع والطعام، والماء يعطينا الحياة، والهواء يحفظ علينا الحياة. ولو نظرنا إلى هذه النعم ما سكتت قلوبنا عن الحمد لله.
إن الخطوة يقدرها الله علينا تستحق الحمد، والنظرة يرينا الله ما حولنا تستحق الحمد، واليوم الذي نجد فيه ما يسرنا ويكفينا يستحق الحمد، والله سبحانه وتعالى يعافينا من الأمراض التي يصاب بها غيرنا، تستحق الحمد يا سيد صفوان.
ندم صفوان وتقديره لجاره المؤمن
وما من شيء في الكون من جماد أو نبات أو حيوان أو إنسان، إلا ويسبح بحمد الله. وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصى بين يديه، والجبال يسبحن مع داود، والأسماك في البحر يسبحن مع يونس، والأرض تسبح، والسماء تسبح، والنجوم والشجر والدواب. فكل شيء يسبح بحمد الله إلا الإنسان، فمن الناس من يسبح، ومنهم من لا يسبح مثلك، رغم ما أنعم الله عليك من نعم.
قال صفوان في ندم: أنا لم أوف الله حقه من الشكر. ولن نستطيع أن نوفي الله حقه. وقد أمرنا أن نشكره بكلمتين فقط هما الحمد لله، وأن نذكره دائما، ونؤدي فرائضه. كم ظلمت نفسي يا حمدان!
قال حمدان: استغفر الله لي ولك يا جاري العزيز.
قال صفوان: أشكر الله سبحانه، أن كان لي جار عزيز مثلك يا حمدان.





