قصة الحصان الطائر

قصة مشوقة تجمع بين الأمير أشرف والأميرة ياسمين في مغامرة مليئة بالتحديات، حيث يساعدهما حصان طائر في التغلب على الشرور وتحقيق الحب الحقيقي.
جدول المحتويات

كانت هناك أميرة جميلة تدعى ياسمين، تعيش في مملكة والدها الملك العادل. لكن حياتها تغيرت عندما تقدم ثلاثة حكماء لطلب يدها ويد شقيقتيها. قدم كل منهم هدية ثمينة، وكان من بينهم حكيم دميم أهدى الملك حصانًا عاجيًا قادرًا على الطيران. كان الأمير أشرف، ابن الملك، حاضرًا حينها، وأصر على اختبار الحصان بنفسه. بمجرد أن امتطى الحصان، انطلق به في السماء حتى ابتعد عن الأنظار، وبعد مغامرة طويلة، تعلم الأمير كيف يتحكم بالحيوان العجيب وعاد سالمًا.

في تلك الأثناء، وقع الأمير في حب الأميرة ياسمين، وقررا الهروب معًا باستخدام الحصان الطائر. تمكن الأمير من التسلل إلى القصر، وأقنع ياسمين بالهرب. لكن، في طريق العودة إلى مملكته، واجه الأمير والحكيم الدميم، الذي كان يترقب فرصة للانتقام. استغل الحكيم غياب الأمير ليخدع ياسمين ويختطفها، ويطير بها بعيدًا إلى أرض غريبة.

في تلك الأرض، التقيا بسلطان شاب وقع في حب ياسمين. لكنه لم يكن يعلم أن قلبها متعلق بالأمير أشرف. حاول السلطان إجبار ياسمين على الزواج، لكنها تظاهرت بالجنون لتفادي الزواج منه. في هذه الأثناء، كان الأمير أشرف يجوب البلاد بحثًا عن حبيبته، حتى وصل إلى مملكة السلطان وعرف بمكانها.

التقى الأمير أشرف بالسلطان وروى له قصته، وفي الوقت نفسه، حاول الحكيم الدميم الهرب والتسلل إلى القصر ليختطف ياسمين مجددًا، لكنه وقع في الفخ الذي نصبه له الأمير والسلطان معًا.

في النهاية، اعترف السلطان بحب ياسمين للأمير أشرف، وسمح لهما بالعودة إلى مملكتهما مع الحصان الطائر. وعاشا حياة سعيدة معًا، يزوران والدي ياسمين سنويًا، بينما ظل الحكيم الدميم هاربًا في بلاد بعيدة، يخطط لمؤامرة جديدة، لكن هذه قصة أخرى.

قصة الحصان الطائر مكتوبة

يحكى أنه كان لملك عظيم ابن شجاع وسيم، وثلاث بنات فاتنات. وكان الفرسان وأمراء الممالك المجاورة يأتون لطلب يد الأميرات الثلاث، لكن الملك كان يرفض طلبهم. بينما كان الملك يومًا جالسًا على عرشه، دخل عليه ثلاثة حكماء. كان مع الحكيم الأول طاووس ذهبي، ومع الثاني بوق نحاسي، ومع الثالث حصان من العاج وخشب الأبنوس.

كان الحكيم الأول شابًا صادقًا فطنًا، تقدم من الملك وقال له: “يا مولاي، جئت طالبًا يد ابنتك الكبرى. وهذا الطاووس الذهبي هديتي إليك، إنه يصيح كلما مرت ساعة من ساعات الليل أو النهار ويصفق بجناحيه”. وكان الحكيم الثاني شابًا صادقًا فطنًا أيضًا. تقدم من الملك وقال له: “يا مولاي، جئت طالبًا يد ابنتك الوسطى. وهذا البوق النحاسي هديتي إليك، إنه يحرس بوابة المدينة، فإذا اقترب غريب منها انطلق تلقائيًا بالنفير”.

تأكد للملك أن الحكيمين الشابين صادقان، فوافق على طلبهما الزواج من ابنتيه الكبرى والوسطى.

طلب الحكيم الثالث

كان الحكيم الثالث كهلاً خبيرًا دميمًا. تقدم من الملك وقال له: “يا مولاي، جئت طالبًا يد ابنتك الصغرى. وهذا الحصان العاجي هديتي إليك. إنه يطير وينقل راكبه إلى حيث يشاء”. دهش الملك لهذا الحصان العجيب، وقال للحكيم: “إذا كنت صادقًا فيما تقول، زوجتك ابنتي، وإذا كنت كاذبًا رميتك في السجن. فلنجرب حصانك هذا!” لكن الحكيم لم يكن يرغب في أن يجرب أحد الحصان ويكتشف سره. كان ينوي أن يفوز بالأميرة ثم يهرب بها وبالحصان. فأمسك لحيته ووقف يفكر في حيلة.

لاحظ الأمير أشرف، ابن الملك الشجاع الوسيم، أن الحكيم الدميم يخفي عنهم شيئًا ويحاول أن يخدعهم، فهب من مكانه وقال: “أنا أجرب الحصان يا أبي!” ثم قفز إلى ظهر الحصان وحثه على الانطلاق. لكن الحصان لم يتحرك من مكانه. التفت الأمير صوب الحكيم وقال له: “أهذا هو حصانك الذي يطير؟ إذا كنت كاذبًا قطعنا رأسك!” خاف الحكيم وأسرع يشير إلى مسكة مطوية في كتف الحصان اليمنى، وقال: “ارفع هذه المسكة ينطلق الحصان!” ما إن رفع الأمير المسكة حتى انطلق الحصان وطار في الفضاء، وظل يعلو ويعلو، بين صيحات الناس وعجبهم الشديد، حتى غاب عن الأبصار.

رحلة الأمير على الحصان الطائر

رأى الأمير نفسه ضائعًا في الفضاء، لا يعرف كيف يعيد الحصان إلى الأرض ولا كيف يوجهه، فخاف وقال في نفسه: “هذه حيلة دبرها الحكيم الدميم لقتلي!” ثم تمالك نفسه وراح يتحسس جسد الحصان، وسرعان ما وجد مسكة مطوية أخرى في الكتف اليسرى. رفع تلك المسكة فانتفض الحصان انتفاضة عنيفة وازدادت سرعته ازديادًا كبيرًا. عاد الأمير يتفحص جسد الحصان، وأخيرًا وجد بين كتفيه مسكة كرأس الديك، فرفعها. عند ذاك، هدأت سرعة الحصان وأخذ يتجه بيسر صوب الأرض.

سرعان ما عرف الأمير أيضًا أنه يستطيع توجيه الحصان يمينًا أو يسارًا بشد الرسن إلى اليمين أو إلى اليسار. وظل طوال النهار يطير فوق الجبال والأودية والبحار، سعيدًا بذلك الحصان العجيب وبالبلاد التي يراها.

وصول الأمير إلى المدينة الرائعة

وصل الأمير في طيرانه إلى مدينة رائعة تملؤها قصور وحدائق، ويتوسطها قصر يحيط به سور عالٍ وأبراج. ولما كان الظلام قد بدأ بالانتشار، قرر الأمير أن يهبط في القصر ويقدم نفسه إلى صاحبه. هبط أشرف بحصانه الطائر فوق سطح القصر. رأى درجًا من المرمر الزهري متكًا من خشب الأبنوس المطعم بالذهب والفضة، فتسلقه. ومشى ممرًا يفضي إلى باب من خشب الورد الأحمر منقوش باللالئ وأحجار الياقوت.

فتح أشرف الباب، فإذا أمامه قاعة واسعة مفروشة بالسجاد الشرقي النفيس، في صدرها ديوان حريري وفي أرجائها تحف من العاج وآنية من النحاس المطعم بالجواهر.

مواجهة الأمير أشرف والأميرة ياسمين

تناهى إلى الأمير وقع أقدام كثيرة تقترب من القاعة. وما هي إلا لحظات حتى دخلت القاعة صبية رشيقة فاتنة، يحيط بها من كل جانب ست فتيات، ويسير إلى جوارها رجل كثيف الشاربين مفتول الساعدين، يتدلى إلى جانبه سيف طويل. تلك الصبية كانت الأميرة ياسمين، ابنة ملك تلك البلاد، وكانت الفتيات الست وصيفاتها. أما الرجل الكثيف الشاربين فكان حارسها.

جمدت الأميرة ياسمين فجأة في مكانها، ووقفت تتأمل الشاب الوسيم الذي رأته أمامها وتعجب كيف وصل إلى جناحها من القصر. لكن في تلك اللحظة كان الحارس أيضًا قد رأى الأمير أشرف وهاجم عليه شاهراً سيفه. أسرع الأمير أشرف يدافع عن نفسه، فجرّد هو أيضًا سيفه وضرب الحارس ضربة أفقدته الوعي.

اضطربت الأميرة ياسمين، لكنها أحست بميل إلى ذلك الشاب الوسيم الشجاع. وكان الأمير أشرف قد وقف هو أيضًا يتأمل الأميرة مبهورًا بجمالها الفاتن، فقد كانت أجمل فتاة وقعت عليها عيناه.

قالت الأميرة: “من أنت؟” انحنى أشرف وقال لها: “أنا الأمير أشرف، ابن الملك سلطان!”

حديث الأمير والأميرة

أخذ الأمير أشرف يحدث الأميرة ياسمين عن نفسه، لكنه أخفى عنها حكاية الحصان الطائر. اطمأنت الأميرة إليه وجلست معه على الديوان الحريري، تحدثه أيضًا عن نفسها. ووقفت الوصيفات في جانب من القاعة ينظرن بإعجاب إلى الشابين السعيدين.

في أثناء ذلك، عاد الحارس إلى وعيه، فزحف متراجعًا وترك القاعة دون أن يتنبه إليه أحد. ثم شق ثوبه، وجرى إلى الملك وزعم أمامه شاكياً أن جنيًا هاجمه واحتجز الأميرة في جناحها.

هبّ الملك من مكانه وجرد سلاحه وجرى إلى جناح الأميرة، وجرى وراءه حراسه يحاولون اللحاق به.

مواجهة الملك للأمير

لم يرَ الملك جنيًا، بل رأى شابًا وسيمًا يبادل ابنته الحديث. فخفت فلقه، لكن غضبه لم يخفّ، فاندفع شاهرًا سيفه، وصاح بالشاب: “دافع عن نفسك، أيها الدخيل!” أسرع أشرف يجرّد سيفه، لكنه صاح بالملك: “أنا لست دخيلاً. أنا الأمير أشرف، ابن الملك سلطان!”

صاح الملك: “وهل يسمح الأمير لنفسه بالتسلل إلى جناح أميرة؟” ثم انقضّ على الشاب. دافع أشرف عن نفسه، وسرعان ما أسقط السيف من يد الملك، لكنه وجد نفسه محاصرًا بالحراس.

صاح الملك وقد أحاط به حراسه: “استعد للموت عند شروق الشمس!” رفع الأمير رأسه وقال: “الأمراء لا يموتون إلا في ساحة الحرب! إني على استعداد أن أواجه أشجع فرسانك، بل إني مستعد أن أواجه جيشك كله.”

أُعجب الملك بشجاعة الأمير واحترم رغبته في أن يموت في ساحة الحرب، وأعلن أن الأمير أشرف سيموت عند شروق الشمس مواجهًا كتيبة من الفرسان. وعند انتشار الصباح اقتيد الأمير إلى بوابة القصر، وهناك وجد أمامه صفوفًا من الفرسان يملأون الساحات ويسدون الطرقات.

طلب الأمير الأخير

قال الأمير أشرف: “أيها الملك، أنا أطلب أن أركب حصاني، مثلما يركب فرسانك كلهم أحصنتهم.” قال الملك: “اختر الحصان الذي تريد من بين خيول هؤلاء الفرسان.” أجاب أشرف: “لن أركب إلا الحصان الذي حملني إلى هنا!” سأل الملك: “وأين حصانك هذا؟” أجاب الأمير: “على سطح قصرك يا مولاي!” ضحك الملك من جواب الأمير، لكنه أرسل رجاله ليبحثوا عن ذلك الحصان الذي يتسلق سطوح القصور!

وسرعان ما عاد هؤلاء يحملون حصانًا عاجيًا، فراح الملك ورجال البلاط والفرسان جميعًا يضحكون، ورأوا أن الذي كانوا يحسبونه أميرًا شجاعًا متهورًا هو في الحقيقة شابٌ مجنونٌ. اقترب الأمير من الحصان وتفحصه ثم ركبه والتفت إلى الملك، وقال: “أنا مستعد!”

مواجهة الأمير أشرف للفرسان

قال الملك: “إذا كنت حقًا أميرًا فدافع عن نفسك حتى الموت، ولا ترحم أحدًا فلن يرحمك أحد.” ثم التفت إلى الفرسان وصاح: “هذا الرجل تجاسر على دخول جناح الأميرة متسللًا. تناولوه بالسيوف وأسنّة الحراب!”

سرعان ما تصاعد غبار الخيل من كل جانب، وانقض الفرسان على أشرف كأنهم موج البحر. التفت الأمير إلى جهة القصر للحظة، فشاهد الأميرة ياسمين وراء شباكها تغطي وجهها بيديها، فعرف أن الأميرة تحبه.

أسرع أشرف يرفع مسكة الطبران، فانتفض الحصان انتفاضة عظيمة، وقفز في الهواء وطار بعيدًا حتى غاب عن الأبصار.

عودة الأمير أشرف إلى مدينته

أمضى الأمير أشرف نهاره طائرًا، لا يتوقف إلا لتناول شيء من الطعام أو بعض الراحة. ومع غروب الشمس وصل إلى مدينته، فدار حولها قليلًا يتأملها من علٍ. رآه الناس مقبلًا فارتفع هتافهم، وراحوا يرقصون في الشوارع فرحين، فلقد كانوا يظنون أنه قد ابتلعه البحر أو أنه سقط عن الحصان ومات. وسمع الملك هتاف الناس، فأسرع يخرج إلى شرفته يرحب بابنه الذي ظن أنه لن يعود إليه أبدًا.

جلس الأمير في بلاط أبيه يتلقى التهاني من الأمراء والفرسان وأصحابه. لكنه لاحظ أن الحكيم الدميم، صاحب الحصان الطائر، لم يكن بينهم. سأل الأمير أباه عن الحكيم الدميم، فقال الملك: “رميته في السجن جزاء تعريضه حياتك للخطر، وكنت أنوي أن أقطع رأسه لو لم تعد إلينا سالمًا.”

رجا الأمير أشرف أباه الملك أن يعفو عن الحكيم الدميم، وقال له: “يكفي يا أبي أني عدت سالمًا، فاعفُ عنه، واسمح لي أن أرد له غدًا حصانه وأبعده عن هذه المدينة.” فأصدر الملك أمره بإطلاق سراح الحكيم.

قرار العودة للأميرة ياسمين

تلك الليلة، لم يعرف الأمير أشرف النوم. كثيرًا ما كان يترك فراشه ويخرج إلى شرفته يُحدّق في ظلام الليل ويفكر في الأودية والجبال والبحار التي تفصله عن محبوبته الأميرة ياسمين.

قبل أن ينبثق الفجر، كان قد عزم على العودة إلى ياسمين مهما كانت المخاطر. قال لنفسه: “سأستعير الحصان الطائر يومًا آخر أو يومين!”

أعدّ ثياب السفر على عجل، وحمل كيسًا من الذهب، وتسلل إلى الحصان الطائر، فركبه تحت جنح الظلام وطار.

قاد الأمير أشرف حصانه الطائر بسرعة خاطفة، ولم يعبأ هذه المرة بما يشاهد من جبال وبحار أو قرى وبلدات. فقد كان همه الوحيد أن يصل إلى الأميرة ياسمين. لكنه عندما اقترب من مدينة محبوبته، حط بحصانه فوق هضبة مشرفة وجلس ينتظر. حلّ الظلام، ومضى جانب من الليل، فركب الأمير أشرف حصانه وطار به في اتجاه المدينة. حلق عاليًا فوق قصر الملك، ثم أخذ يهبط نحوه ببطء وحذر. لكنه لاحظ أن فوق سطح القصر حراسًا مدججين بالسلاح.

خطة الأمير للتسلل إلى القصر

أدرك أشرف أن الملك يتوقع عودته، ولذلك وضع على سطح القصر حراسًا. فأسرع يعلى بحصانه بحذر كي لا يشعر به أحد، وعاد إلى الهضبة القريبة وخبأ حصانه داخل دغل كثيف، ثم توجه إلى المدينة سيرًا على قدميه.

وصل المدينة صباحًا، فدخل خانًا طلبًا للراحة واستماعًا للأخبار. لم يسمع شيئًا عن الأميرة ياسمين إلا في المساء، عندما اجتمع نزلاء الخان حول مائدة الطعام، وراحوا يتناقلون أخبار المملكة. فعرف أن الملك شدد الحراسة على منافذ القصر كلها، وأنه منع الأميرة ياسمين من مغادرة القصر، وأن الأميرة عليلة لم تذق طعامًا منذ أن ترك هو المدينة وطار بحصانه.

خطة الأمير أشرف لدخول القصر

ظل الأمير أشرف أسبوعًا حائرًا لا يعرف طريقًا للوصول إلى محبوبته، وكانت الأميرة لا تزال ممتنعة عن الطعام وتزداد ضعفًا يومًا بعد يوم، حتى خاف عليها والدها واستدعى أشهر أطباء المملكة، وأعلن أنه يخصص جائزة عظيمة لمن يشفي ابنته. فتوافد الأطباء من كل صوب، لكن لم يستطع أحد شفاؤها.

عزم الأمير على أن يدخل القصر، ولو كان في ذلك خطر على حياته. تنكر في زي طبيب عجوز، ووقف أمام الملك وأعلن أنه قادر على أن يشفي الأميرة، لكنه طلب أن يراها على انفراد. قال الملك: “تراها على انفراد إذا شئت، لكن إذا لم تشفها رميناك في السجن.”

اقترب أشرف من سرير الأميرة العليلة فلم تلتفت إليه. ناداها بصوت خفيض، فهبت من سريرها ونظرت إليه في ذهول. قال أشرف: “جئت أطلب يدك من أبيك الملك، لكن أردت أن أعرف رأيك قبل أن أكشف له سري وأعرض حياتي للخطر.”

قالت ياسمين: “أبي رجل طيب، لكنه عنيد. لقد سخرت منه أمام فرسانه، ولن يغفر لك الآن ذلك.”

قال أشرف: “إذن نهرب معًا ونتزوج في مملكة أبي.” وهكذا تعاهد الشابان على الزواج واتفقا على الهرب.

تنفيذ خطة الهروب

في ذلك المساء، عاد أشرف إلى حيث خبأ حصانه الطائر، وانتظر هبوط الظلام. وعند انتصاف الليل، طار بحصانه إلى المدينة، وحلق فوق القصر للحظات، ثم انقض كنسر عملاق على شرفة الأميرة. وما هي إلا لحظة حتى كانت الأميرة وراءه على الحصان الطائر.

لمح الحراس شبحًا طائرًا عملاقًا يحوم حول شرفة الأميرة، فتهيأوا لقذفه بالرماح والنبال، لكن الأمير أشرف كان أسرع منهم، فطار بياسمين واختفى في ظلام الليل.

وصل أشرف إلى جوار مدينته، فحط بحصانه في استراحة ملكية. دار الأمير بياسمين في جوانب الاستراحة، ثم قال لها: “سأعود إلى أبي لنعد لك استقبالًا يليق بعروس الأمير. وأنتِ انتظريني هنا، ومعك الحصان.”

اكتشاف الحكيم الدميم

كانت سعادة الملك عظيمة بعودة ابنه سالمًا، وبما حمل معه من أخبار، وأمر بنشر الزينة في أنحاء المدينة كلها وإعداد استقبال عظيم للأميرة ياسمين. عاد أشرف إلى الاستراحة، فلم يجد الأميرة ولا الحصان الطائر. وظن لأول وهلة أن ياسمين أرادت أن تلهو، فركبت الحصان وطارَت به. لكن لما طال غيابها، أحس بقلق عظيم.

في الواقع، لم يكن أشرف وياسمين وحدهما عندما هبطا في الاستراحة الملكية. فمنذ أن رحل الأمير، كان الحكيم الدميم يقضي أيامه في موقع مشرف مجاور للاستراحة الملكية انتظارًا لعودته. وكان يزداد حقدًا على الملك والأمير يومًا بعد يوم، فالملك لم يزوجه ابنته، والأمير كشف سر الحصان وطار.

فوجئ الحكيم الدميم عندما رأى الأمير أشرف يهبط بالحصان في حديقة الاستراحة. لكنه لم يشأ أن يكشف عن نفسه، فاختبأ خلف إحدى الأشجار يراقب. وسرعان ما عرف أن الصبية الفاتنة هي عروس الأمير، وأن الأمير سيتركها هناك ليعد لها استقبالًا ملكيًا، فدارت برأسه خطة خبيثة.

خداع الحكيم الدميم للأميرة

اقترب الحكيم الدميم بعد حين من ياسمين وقال لها: “مولاتي، أنا رسول الأمير جئت لأخذكِ إليه. إنه ينتظركِ في استراحة ملكية أخرى، سينطلق الموكب الملكي منها.”

قالت الأميرة، وقد ساورها الشك: “وكيف أصدق أنك فعلاً رسول الأمير؟”

أجاب الحكيم الدميم: “أطلعني الأمير على سر التحكم بالحصان. ولا أظن أنه يطلعني على مثل هذا السر لو لم أكن رسوله.” وهكذا جازت الحيلة على الأميرة.

اختطاف الحكيم الدميم للأميرة ياسمين

حمل الحكيم الدميم ياسمين ووضعها وراءه على الحصان، وطار بها بسرعة عظيمة. رأت ياسمين المدينة تختفي عن الأنظار، ورأت نفسها تقطع سهولًا وجبالًا، فأدركت أن الحكيم الدميم قد خدعها. صرخت به: “إلى أين تطير بي؟” لم يجبها الحكيم، لكنه ضحك ضحكة خبيثة عالية، وتابع طيرانه السريع. كان الحكيم يدرك أنه عليه أن يهرب إلى مملكة أخرى بعيدة، فظل يتابع طيرانه لساعات طويلة، لا يتوقف إلا لبعض الراحة. أخيرًا حط في أرض برية خضراء، يمر فيها جدول ماء صافٍ، وتلعب فيها غزلان وأرانب.

فجأة، أحاط بياسمين والحكيم والحصان عدد من الجنود يلبسون ثيابًا غريبة ويركبون خيولًا سريعة. كان أولئك الجنود من حراس سلطان شاب، كان يتصادف أنه يصطاد في تلك البقعة الجميلة من سلطنتِه. بهر جمال ياسمين السلطان، فراح يتأملها ويتساءل عمّا يجعلها تقطع البرية مع ذلك الكهل الدميم. ثم خاطب الحكيم قائلًا: “من أنت؟ ومن هذه المرأة التي معك؟” أجاب الحكيم: “أنا حكيم من حكماء الشرق، وهذه زوجتي.” صرخت ياسمين قائلة: “إنه كاذب! لقد خطفني وجاء بي إلى هنا دون إرادتي.”

كشف حقيقة الحكيم الدميم

أمر السلطان برمي الحكيم الدميم في السجن، وأنزل الأميرة ياسمين في قصره، وجعل في خدمتها عددًا من الوصيفات. ومع مرور الأيام، مال قلبه إليها. خافت ياسمين أن يجبرها السلطان يومًا على الزواج منه، فحبست نفسها في غرفتها، وراحت تردد أمامه كلما استدعاها: “يا مولاي، حصاني العاجي خطير، حصاني العاجي يطير!” وبدأ السلطان يظن أنها مجنونة، فأخذ يتجنبها.

في هذه الأثناء، كان الأمير أشرف يجول في البلاد بحثًا عن ياسمين. كان يسأل كلما نزل في مكان عن حكيم دميم، وأميرة فاتنة الجمال، وحصان طائر من العاج والأبنوس. وكثيرًا ما كان الناس يسخرون منه ويحسبونه هو الآخر مجنونًا.

أخيرًا وصل إلى بلد ذلك السلطان الشاب. نزل في خان أول وصوله، وجلس يتناول طعامه مع عدد من النزلاء، وسمع أحدهم يقول: “السلطان يحب امرأة مجنونة تزعم أن عندها حصانًا يطير.” أدرك أشرف أن تلك هي ياسمين، وعزم على أن يذهب إلى السلطان ويروي له حكايته.

مواجهة أخيرة مع الحكيم الدميم

في تلك الأثناء، كان الحكيم يفكر طوال الوقت في خطة للهروب. وفي إحدى الليالي، أخذ يتأوه ويتوجع، وطلب من حراسه أن يسمحوا له بغلي بعض الأعشاب الطبية التي تساعد على شفاء الأوجاع وإنعاش الأجسام. سمح له الحراس بذلك، والتفوا حوله يستفسرون عن تلك الأعشاب العجيبة. وقد دعاهم الحكيم إلى تذوق شراب تلك الأعشاب، ففعلوا وأعجبهم مذاقه، فشربوا كلهم منه إلا الحكيم، فإنه تظاهر بالشرب لكنه لم يفعل. وما هي إلا لحظات حتى كان الحراس قد ناموا بفعل الأعشاب المخدرة، فأسرع الحكيم يتنكر في ثياب واحد منهم، وخرج من السجن.

قدّر الحكيم، بعد ما سمعه من أخبار، أن ياسمين تتظاهر بالجنون. في اليوم التالي، تنكر في زي طبيب وأسرع إلى القصر. لكنه عندما دخل البلاط، جمد في مكانه، فقد رأى الأمير أشرف يجلس إلى جانب السلطان. كان أشرف قد قابل السلطان وروى له حكايته. وكان هو والسلطان يتوقعان أن يحاول الحكيم الهارب أخذ الحصان واختطاف الأميرة. وهكذا وقع الحكيم في الفخ!

نهاية القصة

التفت السلطان إلى أشرف وقال له: “ياسمين تحبك، حتى ادعت الجنون من أجلك. وأنت تحبها، حتى قطعت نصف الدنيا بحثًا عنها. خذ عروسك وعد إلى بلدك، وخذ الحصان أيضًا.” عاد أشرف وياسمين بحصانهما وتزوجا وعاشا حياة سعيدة. وكانا في كل عام يحملان الهدايا ويركبان الحصان الطائر ويزوران والدي الأميرة ياسمين. وكثيرًا ما كان الأمير أشرف وعمه الملك يتحدثان عن المغامرات التي قام بها أشرف وعن الحصان الطائر الذي حير الملك وفرسانه.

أما الحكيم الدميم، فلعلّك لا تستغرب إذا علمت أنه فر ثانية من السجن. لكنه لم يجرؤ على دخول بلاد أشرف، بل هرب إلى بلاد بعيدة. ولعلّه كان يسعى إلى أن يصنع حصانًا طائرًا جديدًا، ويحتال على أمير جديد، لكن هذه حكاية أخرى.

معرض الصور (قصة الحصان الطائر)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى