على أطراف غابة واسعة ذات أشجار وارفة، كان هناك شط نهر بديع الجمال، وكان يسكن بالقرب منه زوج من البط، يعيشان في سعادة وسرور؛ حيث الخير الوفير من أسماك النهر ومائه العذب، وحيث ظلال الغابة، وثمار أشجارها، ونسيمها العليل. على مقربة من شط النهر داخل الغابة، كان يسكن ثعلب، وقد بنى لنفسه بيتا في جذع شجرة كبيرة.
مرض الثعلب ونصيحة السلحفاة
في يوم من الأيام أصيب الثعلب بمرض شديد، فبدأ شعره يسقط، وجسمه يضعف، ولم يعد يستطيع الحركة إلا بصعوبة. فنصحته سلحفاة الغابة الحكيمة بأنه لا شفاء له من هذا المرض إلا بأكل كبد أنثى البط. فكر الثعلب وفكر إلى أن أسعفه مكره.
لقاء الثعلب بالبطة
ذهب الثعلب إلى شط النهر، واختبأ خلف صخرة كبيرة، وظل وقتًا طويلًا يترقب. مر وقت طويل إلى أن أتعبه الانتظار، وإلى أن رأى أنثى البط خارجة من النهر تنفض عن ريشها الماء وهي تتمايل في رشاقة وزهو. تقدم الثعلب نحوها بخطواته المتعبة، وفاجأها بوثبة، لكن الوثبة كانت ضعيفة؛ فتعثر في حجر صغير ووقع أمامها، وكأنه طفل صغير يتعلم المشي!
تفاجأت البطة وتراجعت إلى الخلف قليلًا وهي تنظر إلى الثعلب، فأحس بالحرج وشعر بأنه وقع في مأزق، لكن ذكاءه أسعفه، فقال لها مبتسمًا بدهاء:
- مرحبًا يا جارتي العزيزة! لقد مر زمن طويل منذ أن مرضت ولم أخرج من بيتي، ولم يزرني أحد من الأصدقاء؛ فقلت في نفسي: لا بد ألا أستسلم للمرض، ولا بد أن أخرج للتمتع بالشمس والهواء، ولزيارة الأصدقاء؛ فجئت لزيارة أقرب الجيران وأعز الأصدقاء، لكنني كما ترين لا أقوى على المشي ولا القفز، حتى عندما حاولت القفز إليك لأرحب بك لم أستطع، فوقعت وأفزعتك يا صديقتي، أنا آسف. وبدأ يبكي!
تعاطف البطة
أشفقت البطة على حال الثعلب وما وصل إليه، ولكنها ظلت حذرة منه، تحسب عدد الخطوات بينها وبينه. ومع ذلك رحبت به، ودعته للجلوس والاستراحة. بدأ الثعلب يشكو حاله للبطة، وما وصل إليه من المرض والعجز، مما جعله غير قادر على فعل أي شيء، حتى إنه أصبح غير قادر على تناول الطعام، ولم تعد نفسه راغبة في الأكل. كل ذلك والبطة تستمع إليه، وهي مشفقة عليه.
مكيدة الثعلب وخبر زواج البطة
عندما اطمأن الثعلب إلى ذلك، قال:
- لكن كل ذلك يهون أمام مصيبتك التي ستقعين فيها، وأمام ما يدبره لك زوجك الخائن الذي لم يراع عشرتك الطيبة له، وسهرك على راحته، والجهد الذي تقومين به من أجل سعادته. فقد وصل إلى مسامعي أنه تقدم لخطبة ابنة ملك البط، وقدم لها الكثير من الهدايا، ووعدها أن يبني لها بيتًا كبيرًا جميلًا على أعلى ربوة على شط النهر، لكن ملك البط لم يوافق إلا بشرط، وهو أن يجعلك زوجك تقومين على خدمتها وراحتها في هذا البيت، وقد وافق زوجك على هذا الشرط، فرحب به ملك البط زوجًا لابنته!
نصيحة الثعلب المخادع
لم تفكر البطة في كلام الثعلب وهل هو صحيح أم لا؟ لم تفكر في إخلاص زوجها لها، ولا في سعادته بقربها، ولا في أيام عشرتهما معًا، ولكن بدلًا من ذلك بدأ عقلها يطير مما سمعته، فراحت تصرخ وتصيح، وترفع صوتها بالبكاء والصياح. كل ذلك والثعلب بجوارها، يحاول بخبث أن يهدئ من روعها، ويجفف دموعها، وينفث سمه في أذنها، ويقول لها:
- إن ما دعاني لمصارحتك بهذه الحقائق هو ما رأيته فيك من إخلاصك لزوجك، وطيبة نفسك، وحسن جيرتك، ولولا هذه الصفات الجميلة التي تتمتعين بها لما صارحتك بهذا، ولا حملت نفسي عبء إفشاء الأسرار، ولكنني رأيت أن من واجبي أن أخبرك بما حدث، وأنصحك إذا لزم الأمر؛ فهذا واجب الجار على جاره!
هدأت نفس البطة قليلًا بعدما سمعت كلام الثعلب المعسول، وطلبت منه النصح والمشورة؛ لكي لا تقع في هذه المشكلة العسيرة.
العطر السحري وفخ الثعلب
قال الثعلب:
- إن حل هذه المشكلة يسير، إذا استعملنا الحيلة والتدبير. فسألته البطة:
- وكيف ذلك؟ فقال لها:
- عندي زجاجة بها عطر سحري، كان قد أهداني إياها أحد الحكماء، لو رششت منها قطرة واحدة على ريشك وشمها زوجك؛ لن يفارقك، بل سيظل في خدمتك، ولو أمرته بأي شيء، لنفذه لك!
فرحت البطة بكلام الثعلب، وبإخلاصه في حل مشكلتها، وشكرته. تخابث الثعلب وتأوه من شدة الألم في جسمه، وقال للبطة:
- إنني أحتفظ بزجاجة العطر في صندوق كبير مغلق في بيتي، لكنني لا أستطيع الآن أن أفتحه؛ لأنني كما ترين في شدة الضعف والمرض، فاذهبي أنت إلى بيتي وأحضري الزجاجة، وأنا سأنتظرك هنا أستمتع بقليل من أشعة الشمس.
نهاية البطة وتعافي الثعلب
فرحت البطة وانطلقت في سعادة إلى بيت الثعلب. تبعها الثعلب دون أن تراه إلى أن دخلت بيته، فدخل وراءها وأغلق الباب خلفه بإحكام. بعد عدة أيام كان ذكر البط يبكي أمام النهر وهو يرى ريش زوجته يتطاير في كل مكان من حوله، بينما كان الثعلب يستمتع أمام منزله بأشعة الشمس وقد عادت إليه صحته وعافيته.