“في التأني السلامة، يا مياسة، وفي العجلة الندامة”.
هكذا كان الأرنب أبو سريع يخاطب السلحفاة مياسة كلما التقاها. كان يفعل ذلك ليغيظها ويسخر من سيرها البطيء.
كثيرًا ما كان أبو سريع أيضًا يضع في طريق مياسة ورقة خس ويختفي وراء بعض النباتات. وكانت مياسة تقترب من ورقة الخس بمشيتها البطيئة. لكن حين تكون قد أوشكت على الوصول إليها، يكون أبو سريع قد قفز من وراء النباتات واختطف ورقة الخس من أمامها وركض بها ضاحكًا.
في أحد الأيام تسلل أبو سريع من وراء مياسة على مهل، ثم قفز فجأة أمامها فأفزعها. عندما عرف أبو سريع أن ذلك يخيفها صار يكرر فعلته مرة في الشهر أو مرتين.
لم تعد مياسة تحتمل تصرفات أبو سريع.
القرار الحازم
قالت لصديقها الفأرة سمرة، وصديقها الزرزور غندور، “إلى هنا وكفى! سأضع حدًا لهذا كله.”
سألت الفأرة سمرة القليلة الكلام، “كيف؟”
“سأحداه في سباق. هذا سيسكته!”
تمتم الزرزور غندور قائلاً، “ن…ن…نعم، لكن تسكتينه إذا سبقته. وأنت، كما تعلمين، أنت…”
أسرعت الفأرة سمرة تساعده وأكملت كلامه قائلةً، “بطيئة.”
بدا الألم على وجه مياسة وقالت، “أنتما أيضًا؟”
هكذا سكت الصديقان، الزرزور غندور والفأرة سمرة، ولم يعودا يتحدثان في ما كان.
بدأت مياسة تقوم بتدريبات شاقة. كانت تتمرن كل صباح، فتركض من أول الحقل إلى آخره. كانت تبدأ ركضها مع الفجر ولا تصل إلى آخر الحقل إلا بعد الظهر. كان الزرزور غندور يتأوه، وكانت الفأرة سمرة تتحسر، لكن لم يكن أي منهما ينطق بكلمة.
أبو سريع وسخرية السباق
من ناحية أخرى، كان أبو سريع كلما رأى مياسة تركض يضحك. ذات يوم قال لها، “أنت تتمرنين؟ لا بد أنك ستشتركين في سباق الأبطأ بين المتسابقين؟”
أجابت مياسة غاضبةً، “هذا يكفي! أنا جاهزة. لنتسابق.”
ابتلعت الفأرة سمرة ريقها، وشهق الزرزور غندور. أما أبو سريع فقد انقلب على ظهره من شدة الضحك.
قال مقهقهًا، “سباق؟ أنت وأنا؟ أنا حاضر في أي مكان وأي زمان!”
تمتم الزرزور غندور قائلاً، “أأنت متأكدة، يا مياسة؟ إنه، كما تعلمين، إنه…”
أكملت الفأرة سمرة جملة غندور قائلةً، “سريع.”
لكن بدا واضحًا أن مياسة كانت قد اتخذت قرارها، وقالت، “الثبات يعوض عن المشية البطيئة.”
جاء يوم السباق. كان على مياسة أن تبدأ سيرها فجرًا لتصل إلى نقطة انطلاق السباق في الوقت المحدد.
هناك رجاها صديقها الزرزور غندور وصديقتها الفأرة سمرة أن تعدل عن رأيها، لكنها قالت هنا أيضًا، “الثبات يعوض عن المشية البطيئة.”
التخطيط للخديعة
تعيّن طريق السباق. كان على المتسابقين أن يتسلّقا تلاً، ويدورا حول غابة مجاورة، ثم أن يعودا بعد ذلك إلى نقطة الانطلاق.
تذكر الزرزور غندور والفأرة سمرة أن في طريق السباق حوضًا من الجزر وبركة ماء. أبو سريع سريع، لكنه أرنب أحمق وضجر يسهل إلهاؤه.
قالت الفأرة سمرة بعد تفكير عميق، “أبو سريع يحب مطاردة الذباب.”
وهكذا اتفق الصديقان على خطة.
عند نقطة الانطلاق كانت الحيوانات كلها قد اجتمعت لتتفرج على السباق. لم يكن غائبًا عن الجمع إلا الزرزور غندور والفأرة سمرة. كانت سمرة قد ركضت إلى حوض الجزر، وكان غندور يكلّم ذبابة.
عيّن الثعلب حكمًا للسباق، وعندما حان الوقت صاح، “تهيّؤ، استعداد، انطلاق!”
اندفع أبو سريع بأقصى سرعة. وقبل أن تكون مياسة قد مشت ثلاث خطوات كان هو قد بلغ نصف الطريق إلى أعلى التل.
اندفع أبو سريع بأقصى سرعة. وقبل أن تكون مياسة قد مشت ثلاث خطوات كان هو قد بلغ نصف الطريق إلى أعلى التل.
الراحة تحت الشجرة
صاح من هناك ضاحكًا، “اعملي جهدك أن تصلي اليوم لا غدًا!”
في خلال بضع دقائق كان أبو سريع قد وصل إلى أعلى التل، وبدأ ينزل جانبه الآخر. أما مياسة فكانت لا تزال في مكان ما من أسفله.
في هذه الأثناء، كانت الفأرة سمرة في حوض الجزر تعمل بهمّة ونشاط. نبشت الأرض واستخرجت عددًا من الجزر ووضعتها في طريق أبو سريع. كانت تعلم أن أبو سريع لن يستطيع أن يمر بجوار الجزر من غير أن يتوقف عندها.
هذا هو ما حصل بالفعل. وصل أبو سريع وعندما رأى الجزر توقف عندها فجأةً.
صاح، “جزر! عندي وقت كثير!” ثم بدأ بالأكل. كانت الجزر طيبات. فأكل وأكل. وبعدها أحس بالعطش.
ركض إلى بركة الماء وشرب كثيرًا.
كانت الشمس عالية في السماء، والحرارة شديدة. وكان إلى جوار بركة الماء شجرة تين وارفة الظلال، والجلوس تحتها لطيف ومنعش، وعنده وقت كثير، فلا بأس من أن يستريح هناك دقائق. قال في نفسه، “مياسة لا تكون قد وصلت الآن إلى أكثر من منتصف المسافة إلى أعلى التل.”
النوم تحت الظل
في هذه الأثناء، كان الزرزور غندور قد طار في اتجاه أبو سريع ليعرف أين وصل. رآه متمدّدًا تحت الشجرة وقد أغمض عينيه وراح يبتسم ابتسامة منتصر. وقف غندور على الشجرة وأخذ يغرّد بصوت لطيف هادئ.
مع النسيم المنعش والظل الوارف والمعدة الملأنة والأغنية الناعمة، شعر أبو سريع بنعاس شديد، وسرعان ما غلبه النوم. وعندما استيقظ كانت الشمس قد أخذت في الغروب. لكنه لم يشعر بالقلق.
قال في نفسه، “سأركض بسرعة كبيرة. لا أزال قادرًا على أن أهزم تلك السلحفاة البطيئة.”
ركض بأقصى سرعة، عندما اقترب من نقطة البداية، رأى أن مياسة قد سبقته وأنها تبعد عن نهاية السباق مسافة أمتار.
لكنه كان يلهث من شدة الركض، فقال في نفسه، “عندي لحظة أستريح فيها. لا أزال قادرًا أن أصل هناك قبلها.”
الفوز بالسباق
توقف أبو سريع ليلتقط أنفاسه. فجأةً أخذت ذبابة تزنّ في أذنه. كان أبو سريع يحب مطاردة الذباب. طارت الذبابة إلى شجيرة قريبة واندفع أبو سريع وراءها بأقصى سرعة.
راحت الذبابة تخطو على الشجيرة وتطير عنها، وأبو سريع يلاحقها ولا يقدر عليها. ثم اختفت فجأةً مثلما ظهرت فجأةً.
تلفت أبو سريع حوله فرأى مياسة توشك أن تصل إلى خط النهاية! ركض بسرعة الريح، لكنه وصل متأخرًا فمياسة كانت قد اجتازت الخط.
هتفت الحيوانات كلها، “تريد منك كلمة، يا مياسة!”
لكن مياسة اكتفت بأن نظرت إلى أبو سريع مبتسمة وقالت، “الثبات يعوض عن المشية البطيئة.”
الخاتمة
التفت الزرزور غندور إلى الفأرة سمرة، وقال، “مع شيء من المساعدة من أصدقاء…” وقالت سمرة، “…ومن ذبابة.” كانت مياسة راضية عن نفسها جدا، فلم يقل لها الصديقان شيئا عما قاما به وما فعلته الذبابة. أما أبو سريع فلم يضايق مياسة بعد ذلك أبدا، لكنه كان لا يزال سريعا وضجرا يسهل إلهاؤه، فهو في نهاية الأمر أرنب وليس سلحفاة.