قصة أميرة اللؤلؤ

قصة أميرة اللؤلؤ تروي رحلة عباس للبحث عن لؤلؤة سحرية واكتشاف أميرة غامضة في البحر، في مغامرة تجمع بين الحب والسحر.
جدول المحتويات

كان هناك فتى شجاع اسمه عباس يعيش في قرية ساحلية جميلة مشهورة بصيد اللؤلؤ. كبر عباس بين أمواج البحر، يشاهد الرجال يعودون بلآلئهم البراقة، ويحلم أن يجد يوماً لؤلؤة نادرة تفوق جميع اللآلئ. عندما أصبح شاباً، أصبح غواصاً ماهراً وأحب الغوص في أعماق البحر حيث كان يجد متعة عظيمة. ومع مرور الوقت، قرر عباس أن يستقل بعمله ويبحث عن لؤلؤة تكون له وحده.

في يوم من الأيام، أثناء غوصه في البحر، عثر عباس على صدفة ضخمة في قاع البحر. كانت الصدفة محاطة بصخور حادة وعمق كبير، لكنه تغلب على خوفه ووصل إليها. بعد مواجهة مع سمكة قرش، تمكن من انتزاع الصدفة وصعد بها إلى سطح الماء. عندما فتح الصدفة في منزله، وجد بداخلها لؤلؤة وردية كبيرة وجميلة، لم يرَ مثلها من قبل.

لم تكن تلك اللؤلؤة عادية؛ ففي الليالي التالية، بدأت تظهر له جنية وردية رائعة، كانت تأتي من اللؤلؤة. تعرف عباس على هذه الجنية التي كانت أميرة اللؤلؤ، وبدأ يقضي الليالي معها، تستمع له وتخبره بأسرار البحر. تعلق قلبه بها، لكن الأميرة كانت تعود كل صباح إلى صدفتها لتبقى آمنة.

في يوم من الأيام، علمت أميرة اللؤلؤ أن عباس في خطر، فقد أرسل القرصان رجاله للقضاء عليه. انطلقت الجنية تبحث عن عباس ووجدته مصاباً بين الصخور. سارعت لإنقاذه باستخدام مرهم سحري وقطعة من قلب المرجان، وظلت تعالجه طوال الليل حتى شفي.

لكن مع بزوغ شمس الصباح، بدأت الأميرة تتحول إلى ضباب وردي يتلاشى في الهواء. وقف عباس عاجزاً وهو يرى حبيبته تتلاشى أمام عينيه، تاركة وراءها بريقها في أمواج البحر. عاش عباس بقية حياته على الشاطئ، يراقب الأمواج التي كانت تحمل إليه أنفاس أميرة اللؤلؤ وصوتها، ويبقى قلبه متعلقاً بتلك الأميرة التي فقدها للأبد.

قصة أميرة اللؤلؤ مكتوبة

يحكى أن فتى فطناً شجاعاً اسمه عباس كان يعيش في قرية ساحلية اشتهر أهلها بصيد اللؤلؤ. في تلك القرية الجميلة أمضى عباس طفولته يلعب عند شاطئ البحر ويراقب مراكب صيد اللؤلؤ وهي عائدة بصيدها الثمين. وكثيراً ما كان عباس يرى الرجال يتباهون باللآلئ الكبيرة البراقة التي يعودون بها، فيحلم أن يعود هو ذات يوم بلؤلؤة تفوق في حجمها وجمالها سائر اللآلئ.

عندما شب عباس التحق بمراكب صيد اللؤلؤ، فتدرب على الغوص وبرع في عمله براعة عظيمة وكان كسواه من الغواصين يعمل في خدمة أصحاب المراكب. وكان عباس يحب عمله، ويجد في الغوص إلى أعماق البحر متعة عظيمة. وكثيراً ما كان يصطاد لآلئ فريدة براقة، فيحس بسعادة كبيرة. لكنه كان يتمنى أن يصطاد يوماً لؤلؤة تكون له.

تحقيق الحلم

عزم عباس على أن يستقل بعمله، فتكون اللآلئ التي يصطادها له وحده. وقد أشفق أصحاب المراكب على عباس عندما أعلمهم بما عزم عليه، وحذروه من مخاطر البحر ومن القرصان. والقرصان لقب كان يطلق على تاجر اللؤلؤ الوحيد في تلك الديار. وهو لقب ورثه عن جده الذي كان قرصاناً حقيقياً. ولم يكن القرصان أقل بطشاً وجشعاً من جده الذي ورث عنه لقبه، فقد كان يجبر الأهالي على أن يبيعوه اللآلئ التي يصطادونها بثمن بخس، ثم يبيعها هو في أسواق اللآلئ بثمن باهظ. وكان عباس يعلم أن عليه أن يخاف القرصان.

في اليوم التالي، كان عباس كعادته يغوص في البحر بحثاً عن اللآلئ. وقد صعد مرة من إحدى غوصاته، فوجد مركبه يبتعد. راح ينادي، لكن المركب لم يعد. وأدرك أن رجال القرصان قد أجبروا المركب على الابتعاد. أخذ عباس يتلفت حوله خوفاً من وحوش البحر. وظل ساعات يضرب الماء حتى كاد أن ييأس. وعندما مالت الشمس إلى المغيب رأى مركباً يقترب منه. فقد كان بعض رفاقه قد سمعوا بما حدث فخرجوا يبحثون عنه.

مواجهة القرصان

ظن الناس أن الفتى لن يجرؤ بعد ذلك على أن يستقل بالعمل، لكنه ظل متمسكاً بما عزم عليه. وهكذا ترك عباس أصحاب المراكب، وأخذ يصطاد اللآلئ وحده. وكثيراً ما كان يغوص في أماكن غير عميقة تجنباً لمخاطر البحر. وكان يتنقل في البحر حراً من كل قيد، ويجد متعة عظيمة في مراقبة الأسماك الملونة والغوص بين صخور المرجان البديعة، ويسعد دائماً بمياه البحر المنعشة. وكان يخبيء ما يصطاد من لآلئ، فإذا اجتمع لديه منها عدد وفير، ارتحل إلى مدينة من المدن الكبيرة، وباع في أسواقها ما شاء من لآلئه بثمن عادل.

بدا عباس كأنما قد نسي القرصان. وبينما كان يوماً يعود إلى منزله مساءً، لمح رجالاً يختبئون وراء بعض الصخور. وكان منزل عباس مبنياً على جانب صخري من الشاطئ. وكانت مياه البحر تضرب الصخور التي ارتفع فوقها المنزل، وكأنما قد جاءه رسول من البحر يقرع بابه ليلاً ونهاراً. أدرك عباس عندئذٍ أن القرصان لم ينسه، وأنه آتٍ إليه يوماً. وأخذ يفكر في طريقة يحمي بها نفسه.

أمضى عباس فصل الشتاء يعمل على تزيين منزله وتجميله. وقد زين بساطاً حريرياً ثميناً ببعض اللآلئ الصغيرة. كما إنه زين خنجره المعقوف بلآلئ براقة، وصار يحمله أينما ذهب بفخر عظيم. وفي مطلع الصيف التالي كان عباس يحلم بصيد وفير. وعزم على أن يقصد في ذلك أماكن بعيدة، وأن يغوص في أغوار عميقة. وتزود لذلك بعدة مناسبة.

بداية الصيد الكبير

وهكذا صار عباس يقصد مناطق بعيدة في البحر، ويقضي جانبًا من نهاره يبحث عن أصداف اللؤلؤ، فينتزعها بسكينه ويضعها في شبكة الأصداف. وكثيرًا ما كان يجمع بضع أصداف في الغوصة الواحدة. فإذا أحس بالتعب، صعد إلى زورقه يستريح. وكان يلبس قفازين جلديين يحميان يديه من الصخور الحادة، ويمسك أنفه بملقط عظمي يساعده على ضبط تنفسه. كانت بداية ذلك الصيف طيبة، ففاز بلآلئ كثيرة.

وبينما هو يغوص مرة لمَحَ في قاع البحر صدفة ضخمة أشبه بصخرة. حاول الوصول إلى تلك الصدفة، لكنها كانت في موضع عميق جداً من البحر، وكانت محاطة بصخور حادة. أدرك أنه إذا تابع الغوص إليها فقد يختنق قبل أن يعود إلى سطح الماء.

مغامرة الغوص العميق

صعد إلى زورقه ليستريح، ثم ربط بالزورق حبلًا طويلًا، وعلق بطرف الحبل السائب شبكة الأصداف وحجرًا يساعده على الغوص السريع. لف ذلك الطرف حول كاحله الأيسر، ثم جلس يتنفس بهدوء تنفسًا عميقًا استعدادًا للغوص، وملأ صدره بشيء من الهواء وقفر إلى الماء.

غاص عباس في البحر غوصًا سريعًا، وما هي إلا لحظات حتى كان قد وصل إلى القاع الصخري. أسرع يحرر قدمه من الحبل واتجه صوب الصدفة العملاقة. لمح عباس في تلك اللحظة ظلًا يقترب منه، فالتفت فإذا سمكة قرش ضخمة تسعى إليه. رفع سكينه ليدافع بها عن نفسه، لكنه تجنب مواجهة الوحش، ودار حول نفسه، وأخذ يصعد إلى سطح الماء صعودًا لا تسارع فيه. بدا أن الوحش لا يرغب في مطاردته.

استعد عباس للعودة إلى الصدفة، فسحب الحبل ودهن جسده بالقطران، ثم غاص مرة أخرى. هذه المرة، ظلت سمكة القرش الضخمة بعيدة عنه. أحس عباس أن اللؤلؤة الفريدة التي كان دائمًا يحلم بها هي الآن بين يديه.

اكتشاف اللؤلؤة النادرة

استل عباس سكينه وغرزها تحت الصدفة العملاقة، فبدا له أنه سمع صوتًا أشبه بالأنين. انتزع الصدفة العملاقة في لحظات وحاول أن يضعها في شبكة الأصداف، لكنها كانت كبيرة جدًا، فربطها بالحبل، وصعد إلى زورقه. ثم رفع الحبل الذي يحمل كنزه الثمين. كانت أشعة الشمس تسطع فوق مياه البحر، فتتألق الأمواج بألوان ساحرة، وتبدو لعباس وكأنها تضحك له. فتوجه إلى الشاطئ بقلب يعمره الفرح.

كان عباس يتلهف للوصول إلى منزله، فلم يلحظ عينين كانتا على الشاطئ تراقبان من وراء بعض الصخور، وكأن صاحبهما ينتظر عودته. أسرع عباس يحمل صيده الثمين ويتجه صوب منزله، ووجد الصدفة خارج الماء ثقيلة جداً، حتى كاد أن يتعثر أرضًا. وعندما وصل إلى منزله، كان الظلام قد انتشر.

اللقاء العجيب

وقف عباس لحظة يلتقط أنفاسه، ثم أمسك سكينه وفتح الصدفة العملاقة. وما إن انكشف غطاء الصدفة حتى أشع بريق غريب يبهر البصر. أفاق عباس من المفاجأة وتأمل الصدفة، فإذا فيها لؤلؤة دائرية براقة لم ير من قبل لؤلؤة في حجمها وجمالها، ولا سمع أن أحداً من الناس رأى مثلها. كانت لؤلؤة وردية تعكس ألوانًا زاهية براقة وكأنها نبع ألوان.

وضع عباس يده عليها بحنان، فأحس فيها دفء البحر وملمس القطيفة الناعمة، وعجب لتلك اللؤلؤة التي تكاد تنبض بالحياة. ترك عباس لؤلؤته الثمينة في صدفتها، فهو لم ير منزلاً آخر يليق بها خيرًا من منزله اللؤلؤي. ونام في تلك الليلة نومة مسحور، تدور في خياله أحلام لا نهاية لها.

الهجوم على عباس

بعيد انتصاف الليل، استيقظ عباس على يد تشده. فتح عينيه، فإذا أمامه حورية أشبه بطيف من نور. ظن أنه ما يراه حلم من الأحلام. ثم سمع ذلك الطيف يحدثه قائلاً: “قم يا عباس، فقد جاء رجال القرصان ليسرقوا لؤلؤتك!”

هبّ عباس من نومه مضطربًا، ورفع سكينه وجرى ناحية شبابه. فرأى ثلاثة من رجال القرصان يتسلقون سور بيته. وكان يعلم أن رجال القرصان سيأتون إليه يومًا، فأعدّ عدته. عندما وصل الرجال الثلاثة إلى مدخل البيت، شدّ عباس حبلًا فسقطت فوقهم أكوام من الحجارة كادت أن تحطم رؤوسهم. أسرعوا يفرون هاربين متوجعين. ركض عباس إلى لؤلؤته الثمينة فوجدها تتألق في صدفتها تألقًا أشبه بالابتسام. تذكر عندئذٍ الطيف الذي أيقظه، فبحث عنه في أرجاء المنزل، لكنه لم يجد له أثرًا، وبدا له ذلك الطيف حلمًا من الأحلام.

انتشار الحكايات والأساطير

منذ ذلك اليوم، أخذ الناس يتحدثون عن عباس وينسجون حوله الحكايات. صارت تلك الحكايات تدور في تلك الديار وتضاف إليها الأساطير والأخبار. لكن الحكايات التي كانت تروى عن عباس لم تكن وحدها التي يرددها الناس. فقد ذاع بينهم أيضًا أن جنية تظهر ليلًا على شاطئ البحر، تمر كأنها طيف من نور وردي يخطف الأبصار. وأقسم بعض القرويين أنهم رأوا ذلك الطيف بأعينهم.

وكان عباس يسمع تلك الحكايات فيعجب عجبًا شديدًا. فقد كان هو أيضًا يرى تلك الجنية، لكن في منامه. كان كلما أوى إلى فراشه، يرى طيفًا ورديًا على هيئة صبية فاتنة، تتشح بثوب ذي ألوان ساحرة متألقة. كانت تلك الصبية تقترب منه وتلمس يده بحنان، وتهدس بصوت ساحر قائلة: “نم هنيئًا، يا سيدي!” ثم تترك المنزل. وكان عباس يرى الحلم نفسه كل ليلة، ويشعر أن ذلك الحلم أشبه ما يكون بالحقيقة.

الكشف عن سر الجنية

عزم عباس أخيرًا على أن يكشف سر تلك الجنية التي تتجول على الشاطئ وتأتيه في نومه. ذات مساء، كمن بين بعض الصخور، وراح يراقب الشاطئ. عند اشتداد الظلام، قفز أمامه طيف وردي يتشح بثوب يتألق بألوان فريدة. أدرك في الحال أن ذلك الطيف هو جنّيته التي تزوره في المنام. خشِي أن يخرج من وراء الصخور فتَهرب، فظل في مكانه ساكنًا لا يتحرك.

راحت الجنية تقفز على صخور الشاطئ، وترمي نفسها في الماء وتلعب فيه عابثة لاهية. كلما غطست في الماء ازدادت حيوية ونشاطًا، وازداد جسدها الوردي تألقًا، وشعرها الطويل تموجًا وبريقًا.

تعلق عباس بتلك الجنية الساحرة، وتمنى لو أنه يُمسك بها ولا يتركها تُفلت منه بعد ذلك أبدًا. لكن الجنية كانت بعيدة عنه، وبدا له أن لا أحد يقوى على الإمساك بها. ظلت الجنية تقفز وتلعب وتعبث بالماء طوال الليل، وقبيل بزوغ الصباح، أسرعت تقفز فوق صخور الشاطئ عائدة من حيث أتت. قام عباس يلحق بها على حذر، فرآها تدخل بيته. أصابه ذهول شديد، فأسرع يدخل المنزل وراءها، لكنه لم يرها ولا وجد لها أثرًا.

الحقيقة المدهشة

تظاهر عباس في الليلة التالية بالنوم. وعند اشتداد الظلام، رأى لؤلؤته البراقة تتحرك في صدفتها وتزداد تألقًا. ثم رآها تنفتح كما تنفتح زهرة، فتمتد منها يدان وساقان، وتنتصب، فإذا هي الجنية التي يراها في نومه والتي رآها تلعب على الشاطئ وتعبث بالماء. أصيب عباس بذهول شديد، لكنه ظل ساكنًا ليكشف سر تلك الجنية. سرعان ما رآها تقترب منه وتلمس يده بحنان، وتجلس هنيئة إلى جانبه، وتقول له هامسة: “نم هنيئًا، يا سيدي!”

رأى عباس الجنية تتهيأ لتركه، فأسرع يمسك يدها. هبّ من نومه، وقال: “أمسكت بكِ، أيتها الجنية الماكرة!”

بدا الذعر في عيني الصبية لحظة، ثم هدأت، وعاد وجهها إلى إشراقته، وقالت: “أنا لست جنية، يا مولاي!”

“من أنت إذن؟”

“أنا أميرة اللؤلؤ. ما أسعدني أني وقعت بين يدي سيد كريم، لم يبعني، ولم ينتزعني من بيتي الذي نشأت فيه!”

اللقاء مع أميرة اللؤلؤ

ظل عباس طوال الليل يحادث أميرة اللؤلؤ. وكان قلبه يزداد تعلقًا بها لحظة بعد لحظة. وقبيل بزوغ الصباح، وقفت الأميرة وقالت: “حان الآن وقت العودة إلى صدفتِي!”

عجب عباس من ذلك، وقال لها: “لماذا تعودين إلى صدفتك؟ فأنا أحبك وأريدك أن تبقي معي!”

لكن أميرة اللؤلؤ قالت له: “إذا طلعت عليَّ شمس الصباح وأنا خارج صدفتِي، فإنّي أتلاشى كما تتلاشى قطعة من ثلج!”

وهكذا عادت الأميرة إلى صدفتها، فضمت يديها وساقيها، وسرعان ما عادت إلى شكلها اللؤلؤي. مد عباس يده إليها، فأحس فيها دفءً، وبدت في بريقها وكأنها تبتسم.

أميرة اللؤلؤ والاختفاء الغامض

صار عباس بعد ذلك ينتظر أميرته كل مساء، ولا ينام إلا حين تعود قبيل الفجر إلى صدفتها. كانت أميرة اللؤلؤ تحدثه عن أسرار البحر، وتحكي له حكايات لم يسمع بها بشر. وكانت أيضًا تساعده في تزيين بسطه الحريرية وآنيته الفضية وأسلحته القديمة باللآلئ البراقة. وكان الناس يعجبون من تلك الزينة الفريدة عجبًا شديدًا.

استيقظت أميرة اللؤلؤ ذات ليلة، فوجدت المنزل خاليًا. أصابها فرح شديد، وخافت أن يكون قد حلّ بعباس مكروه. وبينما هي حائرة في ما تفعل، سمعت جلبة تصدر خارج المنزل. اختبأت وراء شباك تراقب، فرأت رجلين يقتربان من الباب، وسمعت أحدهما يخاطب الآخر قائلًا: “لا تخف، فعَبّاس ليس هنا، ولا أظن أنه عائد يومًا إلى بيته. فقد أرسل القرصان اليوم رجاله للقضاء عليه!”

خرجت أميرة اللؤلؤ متسللة من شباك جانبي، وركضت هائمة بين الصخور تبحث عن عباس. في جانب من الشاطئ، رأت ثلاثة رجال، فجرت ناحيتهم لتسألهم عنه. وكان الرجال الثلاثة هم أنفسهم الذين أرسلهم القرصان للقضاء عليه. عندما رأوا أميرة اللؤلؤ، عرفوا أنها الجنية التي سمعوا أخبارها، وظنوا أنها آية لهم لتستقيم منهم، فركضوا هاربين. في مكان قريب، كان عباس مرميًا بين الصخور، وقد رأته أميرة اللؤلؤ فرمت نفسها عليه.

التضحية من أجل الحبيب

كان عباس مشرفًا على الموت. عرفت أميرة اللؤلؤ أنها إذا لم تسعَ إلى إنقاذه، فلن تشرق عليه شمس الصباح. رمت نفسها في البحر وغاصت إلى أعماق بعيدة تبحث عن رئة البحر الجرسية العجيبة. عندما وجدتها، أخذت منها مرهمًا هلاميًا مطهرًا. ثم حاولت أن تأخذ من البحر قطعة من قلب المرجان، لكن يديها الناعمتين لم تقدرا على انتزاع الصخر. رأتها سمكة القرش التي كانت قد حرمت حول عباس، فأشفقت عليها، وأقبلت نحوها وانتزعت بأسنانها قطعة من قلب المرجان.

أسرعت أميرة اللؤلؤ عائدة إلى عباس. وهناك، انتزعت من شعرها لؤلؤة براقه تزينه. فتحتها ورشت منها مسحوقًا أبيض ناعمًا مزجته بمرهم رئة البحر ومسحوق قلب المرجان. ثم راحت تدهن بذلك المزيج وجه عباس وجسده.

ظلَّت أميرة اللؤلؤ تقدم إلى عباس العلاج الشافي طوال الليل. عندما فتح عباس عينيه، كانت خيوط الشمس قد بدأت تتسلل إلى الأرض.

النهاية المؤلمة

عندما وعي عباس بما حوله، أصيب بذعر شديد. الشمس تشرق من وراء الأفق بوجهها الناري. هبّ عباس يريد أن يحمل أميرة اللؤلؤ ويجري بها إلى صدفتها اللؤلؤية. لكن منزلَه بعيد، وأشعة الشمس لن ترحمها. فوضعها على الأرض وهو يبكي فزعًا، ورمى نفسه عليها وبسط يديه فوقها يريد أن يحميها.

تحول أميرة اللؤلؤ

لكن أميرة اللؤلؤ كانت قد بدأت تتحول إلى جسم ضبابي شفاف متألق، أشبه برداء وردي براق. وسرعان ما امتد ذلك الضباب الوردي فوق البحر، وتألق ببريق متعدد الألوان. ثم حملت الأمواج معها ذلك البريق ورددته إلى الشاطئ، وعندما اصطدمت بالصخور، تفتحت قطرات الماء عن لآلئ شفافة. وصارت بعد ذلك كلما ارتدت واصطدمت بالصخور تتفتح عن لآلئ زبدية تتلون مع شروق الشمس وغروبها بأجمل الألوان الساحرة.

العيش مع الذكرى

ظل عباس طوال حياته يتنقل بين صخور الشاطئ، باحثًا عن أميرة اللؤلؤ. وعندما يهبط الظلام، يجلس على شرفة منزله القائم فوق الصخور ويراقب البحر طوال الليل. كان يعلم أنها لن تعود أبدًا، فقد اختارت أن يعيش هو. لكنه لم يكن قادرًا على أن يبتعد عن تلك الصخور. كان يحب أن يشعر أن أميرته هناك قريبة منه، وأن زبد البحر اللؤلؤي يحمل إليه مع كل موجة أنفاسها وصوتها وبريقها.

معرض الصور (قصة أميرة اللؤلؤ)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى