دخل مدرس الجغرافيا الفصل، وسأل تلاميذه: هل أنتم مستعدون اليوم للاختبار الشهري؟
رفع التلاميذ جميعا أيديهم موافقين، فقال: حسنا.. أعدوا أوراقكم وأجيبوا عن هذه الأسئلة.
قرأ عمر الأسئلة المكتوبة على السبورة، وحاول أن يجيب عن أي سؤال منها فلم يعرف، في حين انهمك كل زملائه في كتابة أجوبتهم عن الأسئلة.
نظر عمر إلى جاره وصديقه هشام، وطلب منه أن يساعده ولكن هشام كان مشغولا بكتابة أجوبة الأسئلة، لا سيما والمدرس يراقب التلاميذ، وقد حدد للإجابة عن الأسئلة ساعة واحدة. فلم يجد عمر وسيلة إلا أن يركل هشام بقدمه، حتى ينتبه إليه.
تألم هشام من ركلة زميله وصديقه عمر، ولكنه استمر في تأدية الاختبار، وعمر في قلق وغيظ، مما جعل مدرس الفصل ينتبه إليه، ويطلب منه أن يعتدل في جلوسه، ويهتم بالإجابة عن الأسئلة.
فشل عمر في الاختبار وتوعده لزميله
حين فرغ هشام من الإجابة عن الأسئلة، كانت الساعة قد قاربت على الانتهاء. وحاول أن يساعد عمر، ولكن الوقت لم يسمح له. فقد راح المدرس يجمع أوراق الاختبار، بينما توعد عمر هشام بينه وبين نفسه أن ينتقم منه، ويوقعه في ورطة.
خرج التلاميذ من المدرسة، وبينما عمر في طريقه إلى البيت، وباله مشغول يدبر ويخطط للإيقاع بزميله هشام في ورطة يشهدها هو، وكلما خطرت له فكرة استبدلها بغيرها، حتى إنه لم يلتفت إلى طريقه.
إذ سقط عمر فجأة في حفرة عميقة في الطريق، بها ماء قذر، ولم ير لوحة التحذير التي وضعها العمال عند الحفرة. وساعده بعض الناس في الخروج من الحفرة، وقد تلوثت ملابسه وحقيبة كتبه.
عودة عمر إلى المنزل واعترافه بالحقيقة
عاد عمر إلى البيت بملابسه الملوثة حزينا، يتمنى ألا يراه والداه وهو على تلك الحالة، وحاول أن يدخل متسللا، ولكنه سمع صوت والده يناديه.
سأله والده مندهشا: ماذا جرى لك يا بني؟
أجابه عمر وهو خجلان: تعثرت يا والدي فسقطت في حفرة بها ماء قذر.
قال والده: اذهب فنظف نفسك أولا، ثم عد إلي لنتحدث.
فأسرع عمر إلى والدته.
بعد قليل سأل والده عمر عن سبب وقوعه في حفرة الماء القذر، فقص عليه عمر الحقيقة كاملة، من ساعة الاختبار حتى وقوعه في الحفرة، ثم أبدى ندمه.
قال والده: يا بني إن هشام لم يخطئ في حقك، ولكنك أنت الذي أخطأت في حق نفسك، بل وفكرت أيضا في الأذى.
شرح الأب لمعنى اسم الله الباطن
قال عمر: أرى أن الله سبحانه وتعالى عاقبني على أفكاري السيئة، ولكن ما يحيرني وأسأل عنه نفسي: كيف علم الله بما أفكر فيه قبل أن أنفذه؟
قال والده: يا بني إن «الباطن» اسم من أسماء الله الحسنى، فهو لا يعلم الظاهر فقط، بل ويعلم الباطن أيضا. يعلم كل ما في السماوات والأرض، ويعلم كل ما تبطن أو تخفي في صدورنا.
قال عمر مندهشا: ويعلم كذلك ما في باطن الأرض يا والدي؟
قال والده: يعلم كل ما في باطن السماوات والأرض، ويعلم كل شيء لا نراه ولا نستطيع أن نصل إليه، سواء أكان غير ظاهر لنا، أو كان هناك شيء في باطنه يخفيه عنا.
إن الله سبحانه وتعالى هو الظاهر، أي الموجود بآياته ظاهرا في كل مكان، وهو كذلك «الباطن». وقد ورد اسم «الباطن» في القرآن مرة واحدة في قوله تعالى: ﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ﴾، فلا شيء يخفى على الله في الكون كله يا بني، صغيرا كان أو كبيرا.
ندم عمر وعزمه على إصلاح خطئه
قال عمر: على الإنسان يا والدي أن يحاسب نفسه على أفكاره وتصرفاته، لأن الله سبحانه يراه ويعلم ما بداخله وما يفكر فيه، كما حدث معي.
قال والده: لقد أحسنت يا عمر حين أخبرتني بالحقيقة، وأرجو أن تصلح خطأك وتعتذر لزميلك، وأن تعتمد على نفسك كما عودتنا دائما.
قال عمر مسرورا: قد ارتاح قلبي الآن من حديثك يا والدي، ولا أخفي عنك، فلم أكن راضيا عن نفسي، وعن تصرفاتي الخاطئة مع زميلي، ولكن الشيطان أراد أن يتلاعب بي، فشكرا لك.





