جلس أحمد يناقش شقيقته في الفيلم الذي شاهداه عن الخيال العلمي، والذي يحكي أبطاله عن امتلاكهم عجلة الزمن، التي اخترعوها، ومن خلالها يتقدم الزمن بهم أو يتأخر.. وكان النقاش حاميا بين أحمد وحنان، حول تقدم الزمن وتأخره.
سمع الوالد النقاش، فاقترب منهما وسألهما عن سبب اختلافهما، فأخبراه وكل منهما يتسابق لشرح رؤيته، فأشار لهما بالهدوء، ثم جلس بينهما وقال: “إن ما رأيتماه هو خيال وأحلام لن تتحقق أبدا لأن المقدم.. والمؤخر هو الله سبحانه وتعالى وحده، لا غيره أبدا.”
“إن أفلام الغرب يا أبنائي، تصور أحيانا أشياء لا وجود لها إلا في خيالهم وأحلامهم، ولا يصل إنسان من علم إليها إلا بمشيئته سبحانه وتعالى.. والمقدم والمؤخر اسمان من أسماء الله الحسنى، لن يطلقا على غيره أبدا.”
فقالت حنان: “اشرح لنا يا والدي معنى هذه الأسماء.”
حوار حول الزمن ومعنى اسم الله المقدم
قال الوالد: “سأشرح لكما الآن اسم المقدم، وغدا إن شاء الله اسم المؤخر.. ومن معاني اسم المقدم، أن الحق سبحانه وتعالى، عنده مفاتيح الزمن، فالزمن لا يملكه الإنسان. وإنما الزمن هو الذي يملك الإنسان. ولذلك لا يستطيع أي فرد منا أن يوقف الزمن من حياته، بمعنى أن يبقى شابا أو طفلا لا يكبر، والله سبحانه وتعالى الذي خلق الزمن، يرتب ويقدم الأحداث لهذا الكون، من بداية الخلق إلى يوم القيامة.”
“ومن معاني المقدم، أن الحق سبحانه وتعالى اختار الكون قبل أن يخلق الإنسان، ليأتي الإنسان ويجد كونا معدا، فيه كل ما يحفظ حياته، وملأه الله بالنعم وجعل الإنسان سيدا له. والله سبحانه قدم وأخر في أنبيائه، فاختار آدم أبا للبشر، واختار نوحا أول الأنبياء، ومحمدا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين.”
قصة العبد الصالح عزير وموته مئة عام
سأل الوالد أحمد وحنان، قال: “هل سمعتما عن قصة أهل الكهف؟ أو عن قصة عزير؟”
فنظر كل منهما إلى الآخر، ثم هزا رأسيهما بالنفي.
فقال: “سأحكي لكما الآن إحداهما.”
فقالا: “ليتك يا والدي تحكي لنا عن عزير فيبدو أنها قصة مشوقة.”
خرج العبد الصالح عزير عليه السلام من قريته يوما راكبا حماره، في طريقه إلى حديقته التي تبعد عن القرية قليلا.. وهناك اكتشف أن أشجارها عطشى وأرضها مشققة وجافة.. فرواها بالماء، ثم قطع بعض الثمار من التين والعنب، ووضعها في سلة.
وفي أثناء عودته، كان الحر شديدا، فتوقف عند شجرة تطل على مقبرة مهجورة، فترجل ليستريح قليلا ويريح الحمار.. نظر عزير إلى المقابر المخربة، وكانت لقرية قديمة.. فجلس يتناول طعامه من الخبز والعنب وهو يتأمل المنظر الذي حوله.
كان الصمت يعشش في المكان، وهو يرى عظام الموتى متناثرة هنا وهناك، فسأل نفسه (أنى يحيي هذه الله بعد موتها). تساءل عزير كيف يحيي الله هذه العظام بعد موتها؟ لم يكن عزير يشك أن الله سيحيي الموتى يوم القيامة.. إنما قالها تعجبا ودهشة، وهو يرى تلك العظام.
لم يكد عزير يقول ذلك، حتى أماته الله في مكانه، وأمات حماره أيضا بجواره وفي مكانه.. فلما استبطأ أهل القرية عزيرا، خرجوا يبحثون عنه في حديقته، فلم يجدوه، ولم يعثروا عليه. وكانوا يمرون بطريق المقابر فلم يروه.. ومرت أيام وأيام حتى يئس أهله وأهل قريته من عودته.
معجزة إحياء عزير وحماره
ومرت السنوات، ونسي الناس عزيرا، حتى مرت مائة عام، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يستيقظ عزير فتحول من تراب إلى عظام ثم كساه باللحم والجلد، لينهض جالسا في مكانه، فتذكر أنه كان عائدا من الحديقة فنام هنا. فنظر إلى الشمس وكانت تميل إلى الغروب فتذكر أنه جاء هذا المكان عند الظهيرة.. فرك عينيه.
فسأله الله سبحانه وتعالى: “كم لبثت؟”
قال عزير: “لبثت يوما أو بعض يوم؟”
قال سبحانه وتعالى: “بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتغير.”
نظر عزير في دهشة إلى التين والعنب والخبز، فوجد كل شيء كما هو لم يتغير. سأل نفسه: كيف تمر مائة عام والطعام كما هو طازج؟
فقال سبحانه وتعالى: “وانظر إلى حمارك.”
ونظر عزير فلم يجد غير تراب وعظام.
وبأمر الله سبحانه وتعالى، تكونت عظام الحمار بسرعة. وراح اللحم يكسو العظام، وعزير يرى ذلك بعينيه، ثم الجلد يكسو اللحم والعظام، فتكون شكل الحمار، وبإذن الله عادت روح الحمار إليه، فنهض واقفا وراح ينهق ويهز ذيله.
فقال عزير: “أعلم أن الله على كل شيء قدير.”
عودة عزير ودرس في تقديم الله وتأخيره
ركب عزير حماره، وعاد إلى قريته.. فلما دخل القرية وجدها تغيرت فلم يعرف أحدا، حتى عثر على خادمته التي تركها في العشرين فأصبح عمرها الآن 120 عاما، فسألها عن عزير، فقالت باكية: “خرج من مائة عام ولم يعد.”
فعرفها بنفسه.
فقالت المرأة وهي لا تصدقه: “ادع الله لي أن يرد بصري لأراك.”
ودعا عزير أن تبصر فرد الله إليها بصرها، فلما رأته عرفت أنه حقا عزير، وأسرعت تجري وتخبر الناس أن عزيرا عاد.
“هكذا يا أبنائي فإن الله وحده الذي يقدم ويؤخر لا أحد سواه.. إن اسم المقدم هو الذي يعطي معنى للزمن، فالله سبحانه وتعالى لو لم يقدم أشياء على أشياء، ما عرفنا للزمن معنى، ولا عرفنا للزمن قياسا.”





