يروى أن سيدنا عيسى – وكان يحب السياحة في الأرض – صادفه رجل في الطريق، فقال له: “أحب أن أسيح معك.”
فأخذه معه ومضيا حتى مرا بقرية، فاشترى سيدنا عيسى ثلاثة أرغفة، وفي ظاهر القرية جلسا ليأكلا، فدفع سيدنا عيسى رغيفا للرجل، وأخذ لنفسه رغيفا، ووضع الرغيف الثالث جانبا.
فسأله الرجل: “لمن هذا الرغيف الثالث؟”
قال: “نحتفظ به احتياطا لعل ضيفا يأتينا.”
وبعد أن أكلا قام سيدنا عيسى لبعض شأنه، وعندما عاد لم يجد الرغيف، فسأل الرجل: “أين الرغيف؟”
قال: “لا أدري.”
فسكت سيدنا عيسى، ومضيا فاعترضهما نهر، فأخذ سيدنا عيسى بيد الرجل وقال: “بسم الله.” ومشى على الماء ومشى الرجل معه حتى قطعا النهر، فتعجب الرجل.
فقال له سيدنا عيسى: “هل رأيت؟”
قال: “نعم، إنه لشيء عجيب!”
فقال له: “أين الرغيف؟”
قال: “لا أدري.”
فمضيا حتى إذا مرا بقرية صادفا فيها رجلا أعمى ورجلا أبرص، فتعلقا بسيدنا عيسى وأخذا يتوسلان إليه أن يضع يده عليهما ويبارك عليهما، فوضع يده عليهما وقال: “بسم الله.” فشفيا.
فقال للرجل: “أرأيت؟”
قال: “نعم، إنه لأعجب من الأول.”
قال: “أين الرغيف؟”
قال: “لا أدري.”
الذهب يكشف الحقيقة ويفضح الطمع
فمضيا حتى جاعا وإذا بهما يريان ولد غزالة يسير خلف أمه، فاحتال عليه سيدنا عيسى حتى أمسك به، فذبحه وسلخه وشواه، وأخذا يأكلانه حتى أتيا عليه. فجمع سيدنا عيسى عظامه وقال: “قم باسم الله.” فقام ولد الغزالة يركض خلف أمه.
فقال للرجل: “أرأيت؟”
قال: “نعم، إنه لأعجب العجب!”
قال: “أين الرغيف؟”
قال: “لا أدري.”
فمضيا حتى وصلا إلى النهر، وكان النهار قد انتصف، فأرادا أن يستريحا، فوجدا كهفا يطل على النهر، فدخلاه ليجلسا فيه. وذهب الرجل لبعض شأنه، ووجد سيدنا عيسى أرض الكهف مفروشة بالرمال، فجمعها وقسمها ثلاث كومات. وعندما عاد الرجل إلى الكهف وجد سيدنا عيسى جالسا وأمامه ثلاث كومات من الذهب يكاد بريقه يخطف الأبصار، ففتح الرجل فمه دهشة وصاح: “ما هذا؟!”
قال له سيدنا عيسى: “هذا ذهب وجدته هنا.”
فقال له الرجل: “ولمن هذه الكومات الثلاث؟”
قال: “واحدة لك، والثانية لي، والثالثة لمن أخذ الرغيف.”
قال: “أنا أخذته.”
قال له سيدنا عيسى: “الآن اعترفت يا صاحب الدنيا، كل البراهين التي قدمتها لك في الطريق لتعترف وتعود إلى رشدك لم تقنعك ولم تعتبر بها، ولم يقنعك سوى المال؟! أنت صاحب دنيا وأنا لا أسير مع صاحب الدنيا؛ فهذا فراق بيني وبينك، وخذ المال جميعه؛ خذ الكومات الثلاث.”
مؤامرة ثلاثية لامتلاك الكنز
وتركه وسار وبقي الرجل وحده. وبعد برهة من الوقت طلع عليه فارسان مسلحان اتجها نحو الكهف ليستريحا فيه، ففوجئا بأكوام الذهب وبالرجل، فصاحا: “ما هذا؟!”
فخاف الرجل على نفسه منهما وقال: “هذه كومات ثلاث؛ لكل واحد منا كومة.”
فجلسوا جميعهم. وبعد برهة قال أحد الفارسين: “إننا جائعون؛ فمن يأتينا بطعام من القرية المجاورة؟”
قال الرجل: “أنا آتيكم به.”
وذهب ليحضر الطعام. فقال الفارسان لبعضهما البعض: “كيف نعطي هذا الرجل كومة من الذهب ونحن أقوى منه؟!” وتآمرا على قتله حينما يعود.
وقال الرجل لنفسه: “كيف أدع هذين الرجلين يأخذان مالي؟! والله لأضعن لهما سما في الطعام يقضي عليهما.”
وحينما عاد بالطعام المسموم هجم الفارسان عليه وضرباه بسيوفهما حتى قتلاه، ثم أكلا الطعام، وبعد برهة وجيزة أخذا يصرخان من الألم، ثم ما لبثا أن سقطا ميتين إلى جانب الرجل المقتول. وبقي مال الدنيا في الدنيا.
وفي ذلك الوقت عاد سيدنا عيسى إلى الكهف ليرى ما حصل فيه، فرأى الرجال الثلاثة قد ماتوا ومال الدنيا في الدنيا لم يأخذوا منه معهم شيئا.
فقال: “هذا شأن الدنيا وطلابها، إنها جيفة وطلابها كلاب.”
ثم وضع يده على الذهب، وقال: “الله.” فعاد رمالا.