كان يا ما كان يا سامعين ويا قارئين يا كرام بعد الصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى صحابته الكرام. كان أحد الملوك وعنده حاشية وندماء، وجنود ووزراء. وأفضلهم عنده اثنان من الندماء (س) و (ع)، ولكنه كان يميل إلى أحدهما (س) أكثر من الآخر (ع) بسبب رجاحة عقله وسداد رأيه، لذلك كان يعطيه من الجوائز والأموال أكثر مما يعطي الآخر، ويقربه منه ويقدمه ويجتمع به ويستمع إليه أكثر مما يفعل مع الآخر.
فحسد الآخر الأول، وأخذ يفكر كيف يتخلص منه ومن منافسته له؛ لكي يبقى هو الوحيد عند الملك! ووسوس له شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء بخطة جهنمية تقضي على منافسه، وتسبب له الموت والهلاك، ويصفى عند ذلك الجو له وحده! ولم يدر أن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
وشاية حاسدة ومكيدة خبيثة
هذا الرجل الحسود (ع) استغل في أحد الأيام غياب النديم العاقل الذكي (س)، واقترب من الملك وقال له: “أريد أن أسر لك بسر. إن نديمك (س) يقول عنك في مجالسه الخاصة: إن فمك كريه الرائحة (أي أبخر)، ولا يصدق أن تأذن له بالانصراف حتى ينصرف عنك ليتخلص من رائحة فمك الكريهة.”
إنه كذب على الملك لكي يجعله يقتل خصمه فيتخلص منه ومن منافسته. ولكن الملك لم يصدق هذا الكلام أولا، وقال له: “وما الدليل على ما تقوله؟”
فقال له (ع): “يا صاحب الجلالة إذا أتى (س) إلى مجلسك فقربه منك كأنك تريد أن تكلمه بسر بينك وبينه، وقرب فمك منه وانظر ماذا يصنع؟”
وخرج (ع) من مجلس الملك وذهب حالا إلى بيت (س)، وطرق الباب، فرد عليه وخرج إليه. وعندما رآه تلقاه بالترحيب والاحترام ودعاه للدخول، فاعتذر. وقال له: “بل أنت تعال معي؛ فقد أعددت لك طعاما على الغداء من الذي تحبه وتشتهيه.” وأصر عليه حتى أخذه معه، وقدم له طعام الغداء، وأكثر له فيه من البصل والثوم. وهو يقول له: “إن البصل والثوم نافعان جدا للصحة، فأكثر منهما.” وصار يقدمهما له بيده، فيضطر إلى أكلهما خجلا وحياء منه ومسايرة له وهو لا يعلم ما يخبئ له.
فخ الثوم والبصل يوقع البريء
وعندما انتهى الغداء وأراد (س) الانصراف، قال له (ع): “هل ستذهب هذا المساء إلى مجلس الملك؟”
فقال له (س): “سأذهب إن شاء الله تعالى.”
فرد عليه (ع): “أنصحك يا صاحبي إذا أراد أن يكلمك الملك أن تضع يدك على فمك وأنفك؛ لئلا يشم رائحة البصل والثوم منك، فقد أكثرت منهما، وهو لا يحب رائحتهما كما تعلم.”
وذهب (س) في المساء إلى مجلس الملك فقربه الملك إليه، واقترب منه كأنه يريد يكلمه بسر، وإذا بـ (س) يضع يده على فمه وأنفه ويحاول الابتعاد عن الملك، ويحول وجهه عنه. وعند ذلك صدق الملك ما قاله (ع) بحق (س)، وغضب عليه غضبا شديدا، وقال في نفسه: “أهذا جزاء المعروف والإحسان؟!” وصمم على قتله.
ولكنه لم يرد أن يقتل أمامه؛ لأنه يحبه، لذلك كتب كتابا إلى واليه على بلدة (هـ) قال له فيه: “إذا أتاك حامل كتابي هذا فاقتله واسلخ جلده واحشه تبنا، وأعده إلي ليكون عبرة لغيره.” وختم الكتاب وأعطاه إلى (س) وقال له: “خذ هذا الكتاب إلى والي بلدة (هـ) الآن.”
رسالة الموت تبدل حاملها
فخرج (س) من مجلس الملك يريد السفر إلى بلدة (هـ)، فتلقاه (ع) عند الباب وقال له: “ماذا معك؟”
قال: “رسالة إلى والي (هـ).”
فظن (ع) أن في الكتاب جائزة، فقال لـ (س): “هل تسمح لي أن آخذ الكتاب إلى (هـ) وأريحك من هذا المشوار، لا سيما أن لي أقارب في بلدة (هـ) وأريد أن أراهم؟”
فأعطاه الكتاب.
وفي اليوم الثاني ذهب (س) إلى مجلس الملك، فتعجب منه كيف عاد حيا، وقال له: “ألم تذهب إلى بلدة (هـ)؟”
قال: “لا، بل (ع) أخذ الكتاب وذهب عني.”
فقال له الملك: “إن (ع) هذا يقول عنك: إنك تقول: إني أبخر وفمي كريه الرائحة.”
فقال (س): “معاذ الله يا صاحب الجلالة أن أقول هذا الكلام، إذن فأنا أستحق القتل إن كنت قلته.”
فقال الملك: “فلماذا إذن كنت تضع يدك على فمك وأنفك عندما كنت أكلمك؟”
قال (س): “لأمنع رائحة البصل والثوم عنك.” وقص عليه حكاية الغداء عند (ع) والبصل والثوم وما قاله له.
وأثناء هذا الكلام أتى البريد من مدينة (هـ) وهو يحمل جلد (ع) بعد أن قتله والي (هـ) وسلخه وحشاه بالتبن. فقال الملك: “هذا جزاء من يكذب ويحسد. ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها.”
العبرة من القصة
من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.