كلنا رأى النملة تذهب وتروح، تحمل الطعام إلى بيتها، لا تكل ولا تمل. نراها تحمل حبة من القمح أو من الشعير، أو ذبابة ميتة، أو قطعة من الخبز أو غيرها، وقد يكون وزن ما تحمله يفوق وزنها مرات ومرات. وقد تعجز أحيانا عن متابعة الحمل، فتغيب قليلا ثم تعود ومعها عدة نملات أخريات فيتعاون جميعا على حمل أو سحب ما عجزت النملة وحدها عن حمله أو سحبه.
والنمل يعيش في مملكة كاملة فيها ملكة، وعمال يعملون وينقلون الغذاء ويخزنونه إلى وقت الحاجة، وجنود يدافعون عن المملكة عند الحاجة.
والنملة تعلم أنها إذا خزنت الحبوب كالقمح والشعير وغيرها كما هي؛ فإنها ستنبت وتفسد ولا يستفاد منها عند الحاجة، لذلك فهي تقسم حبات القمح والشعير وغيرها إلى جزأين فتبقى سالمة كما هي ولا تنبت ولا تفسد. أما حبوب الكزبرة فإنها تنبت حتى ولو قسمت إلى جزأين، لذلك تقسمها النملة إلى أربعة أجزاء لكي لا تنبت ولا تفسد! فمن علم النملة ذلك؟ والنمل هو الوحيد بين الحيوانات، بالإضافة إلى الغراب الذي يدفن موتاه في التراب؛ فمن علم النملة ذلك؟ إنه الله.
صيف من العمل وصيف من اللهو
ولعل كثيرا منا سمع غناء الصرصور في ليالي الصيف الهادئة، وبخاصة في البساتين والحقول بصوت حاد طويل، يشبه صوت: زيء، زيء، زيء، زيء، زيء. وهكذا فالنملة تمضي أيام الصيف كلها في جمع الحبوب والطعام، وتخزينها في بيتها لتأكلها في أيام الشتاء الباردة، لأنها لا تخرج في أيام الشتاء من بيتها خوفا من البرد. والصرصور يمضي أيام الصيف كلها في الكسل والغناء في الحقول والبساتين، ولا يجمع شيئا من الطعام لأيام الشتاء الطويلة الباردة.
وعندما يأتي الشتاء ويأتي البرد وتنزل الأمطار والثلوج، تجلس النملة في بيتها تحت الأرض تتمتع بالدفء، وتأكل من الطعام الكثير الذي نقلته في أيام الصيف وخبأته لمثل هذه الأيام، وهكذا تقضي الشتاء وهي دافئة شبعانة ريانة، وهذا جزاء الجد والعمل في وقت الجد والعمل. وعندما يأتي الربيع تخرج النملة من بيتها قوية نشيطة لتستأنف عملها من جديد.
جزاء الكسل في الشتاء القارس
أما الصرصور فعندما يأتي الشتاء يختبئ في جحره تحت الأرض، خوفا من البرد، ولكنه يجوع، ويعضه الجوع؛ فهو يحتاج للطعام لكي يعيش، وليس عنده شيء من الطعام. ففي أيام الصيف الدافئة، بدلا من أن يجمع الطعام ويخبئه إلى أيام الشتاء الباردة، يمضي تلك الأيام بالكسل والغناء في الحقول والبساتين، ففي أيام حصاد الحبوب يكون مشغولا بالغناء، بينما تكون النملة مشغولة بجمع الطعام لأيام الشتاء.
وعندما يجوع كثيرا يذهب إلى بيت النملة ذليلا حقيرا يطلب منها أن تدينه شيئا من الطعام لكي يعيش على أن يرده إليها في أيام الصيف، فتطرده النملة قائلة:
“هذا الطعام جمعته بعرقي وتعبي، ولا أفرط فيه إليك وإلى أمثالك الكسالى، وأنت لا ترد شيئا إذا أخذته، فأنا أعرفك وأعرف أنك بأيام الحصايد بتكون عم تغني قصايد.”
فيعود الصرصور ذليلا حقيرا، ولكن ماذا يصنع والجوع كافر، إنه يضطر عند ذلك أن يسرق شيئا من الطعام من أطراف بيت مملكة النمل، وإذا رأته جنود النمل فإنها تهاجمه وتقرصه حتى يموت فتأكله، أو يضطر إلى الخروج من جحره لعله يجد شيئا من الطعام على سطح الأرض، فيواجه البرد والمطر وقد يموت بهما، وهذا جزاء الكسلان الذي لا يعمل في وقت الجد والعمل.