قالت ستي العجوز: كان يا ما كان يا سامعين يا كرام بعد الصلاة والسلام على النبي بدر التمام وصحابته الكرام.
كان يوجد ملك وله ثلاث بنات، فجمعهن يوما وقال للكبيرة: “أنت كم تحبينني؟”
فقالت له: “أحبك أكثر من عيوني.”
وسأل الثانية: “وأنت كم تحبينني؟”
فقالت له: “أكثر من روحي.”
وسأل الصغيرة: “وأنت كم تحبينني؟”
فقالت: “أنا أحبك أكثر من الملح.”
فاستصغر ذلك وغضب عليها، وطلب من وزيره أن يزوجها من أوطأ رجل في مملكته، فزوجها من عامل قمين الحمام، وهو فقير جدا. فرضيت بقسمتها وسكنت معه في بيت كالخرابة، وأكلت معه طعاما كالقمامة.
وكان معها شيء من المال الذي ادخرته عندما كانت في قصر أبيها، فأعطته لزوجها وقالت له: “اترك عملك هذا القذر واذهب تاجر بهذا المال.”
فأخذ يتردد إلى سوق التجار ويعمل معهم. وفي يوم من الأيام خرجت قافلة للتجار إلى مدينة أخرى بعيدة، فاشترك معهم وخرج مع القافلة بعدما ودع زوجته.
رحلة محفوفة بالمخاطر ولقاء في قاع البئر
وفي الطريق نفد ماء القافلة، ومروا على بئر فأرادوا أن يستقوا منها، ولكنهم سمعوا أن كل من ينزل إلى هذا البئر يموت فيها ولا يخرج منها سالما، فامتنعوا جميعهم عن النزول، وتبرع هو بالنزول لاستخراج الماء وإنقاذ القافلة من الموت عطشا.
وعندما وصل إلى قعر البئر وجد هناك عفريتا من الجن ومعه زوجتاه؛ واحدة عن يمينه سوداء، والأخرى عن شماله بيضاء، فقبض عليه العفريت وقال له: “سأسألك سؤالا إن أجبت عنه سأدعك سالما وأعطيك ما تريد من الماء، وإن لم تجب عنه سأخنقك بيدي هاتين: أي المرأتين أجمل؟ التي عن يميني أم التي عن شمالي؟”
فأجابه الرجل: “حبيبك حبه ولو كان عبدا أسود.”
فضحك العفريت حتى استلقى على قفاه، وضرب على ظهره وقال له: “لم يجبني أحد مثل جوابك هذا من قبل، لذلك خنقتهم جميعا. والآن ماذا تريد؟”
قال: “أريد ماء.”
فعبأ له ما يحتاجه من الماء، وأعطاه فوقه سلة من الرمان وقال له: “هذه لك وحدك.”
جواب حكيم وكنز من الرمان
فحمل الماء والرمان وخرج من البئر، ووزع الماء على القافلة. ورأى رجلا مسافرا إلى بلدته التي تركها، فأرسل معه سلة الرمان إلى زوجته، إذ قال لنفسه: هي أولى بها مني لأنها تحب الرمان كثيرا.
وعندما وصلت سلة الرمان إلى الزوجة فرحت بها كثيرا لأنها تحب الرمان كثيرا، وحرمت منه منذ أن تركت قصر أبيها، وكسرت رمانة لتأكلها وإذا بها تجدها ملانة لؤلؤا ومرجانا وزمردا. فاندهشت وأخذت قليلا منها إلى الصائغ لتتأكد من قيمتها، فأعجب بها الصائغ واشتراها منها بمال كثير.
وهكذا صارت تكسر رمانة كل بضعة أيام وتبيع جواهرها بمال كثير، حتى اجتمع عندها مال وفير، فاشترت أرضا مقابل قصر أبيها، وأتت بأفضل البنائين وأعطتهم مالا كثيرا، وطلبت منهم أن يبنوا على هذه الأرض قصرا أكبر وأضخم من قصر الملك وفي أقصر زمن ممكن. وبعد انتهاء القصر فرشته بأغلى الفرش، وجلبت له الخدم والحشم والعبيد.
عشاء بلا ملح يكشف الحقيقة
وعندما عاد زوجها وجدها في قصر منيف، وعز وغنى، وخدم وحشم، فتعجب من ذلك وظن أنها عادت إلى أبيها ولكنها أخبرته بقصة سلة الرمان. ففرح كثيرا.
وبعد عودته مع القافلة انتخبه التجار شهبندرا للتجار بسبب ما لمسوه فيه من حسن المعاملة والتضحية والعقل. وعندما رأى الملك هذا القصر المنيف مقابل قصره سأل: “لمن هذا القصر؟”
قالوا: “هذا لشهبندر التجار.”
فاستدعاه ليتعرف عليه، فأعجب به كثيرا بسبب رجاحة عقله وحسن تدبيره، وتوثقت العلاقات بينهما. ثم طلبت بنت الملك من زوجها أن يدعو الملك على الغداء، فدعاه. وفي اليوم الموعود صنعت لهم طعاما شهيا من الذي تعرف أن أباها يحبه ويفضله؛ لأنها هي التي كانت تشرف على طعامه عندما كانت في قصره، ولكنها لم تضع ملحا في الطعام.
وعندما أتى أبوها ووجد هذا الطعام الذي يحبه ويشتهيه، والذي لم يذقه منذ أن طرد ابنته الصغرى من قصره، تذكرها وحن إليها، وأقبل على الطعام بشهية ونهم، ولكن ما إن وضع لقمة في فمه حتى وجده دون ملح، والطعام لا يطيبه إلا الملح، فرفع يده عن الطعام وقال: “يا شهبندر التجار، ما هذا؟ قصر منيف، وخدم وحشم وعبيد، ومال كثير وطعام وفير، ولكنه مع الأسف دون ملح، وكيف يؤكل الطعام دون ملح؟”
وعند ذلك ظهرت ابنته وقبلت يديه وقالت له: “أرأيت يا أبت أن الملح هو أساس طيبة الطعام، والطعام هو عماد الحياة، والعيش والملح هما اللذان يجمعان الأحباب، فهل كنت مخطئة عندما قلت لك إنني أحبك أكثر من الملح؟”
فقبلها أبوها ورضي عنها، وقال لها: “لا تؤاخذيني يا بنتي فأنا الذي كنت مخطئا، سامحيني. ولكن أخبروني من أين لكم كل هذا النعيم، ومبلغ علمي أنك تزوجت عامل القمين؟”
فحكوا له القصة، فقال لهم: “هذا جزاء الاستقامة، فالاستقامة هي عين الكرامة.”
توتة توتة خلصت الحدوتة، وفي عبك مفلوتة.