يحكى أن رجلا كان عنده حقل من الأشجار المثمرة، وكان يعمل في حقله كل يوم، ينزع الأعشاب الضارة، وينكش التراب حول الأشجار وبينها، ويسقي الأشجار بالماء.
وفي أحد الأيام وبينما كان ينكش التراب بين الأشجار، اصطدم المنكاش بشيء صلب، فكشف عنه، فإذا به جرة من النحاس، وعندما فتحها وجدها مملوءة بالدنانير الذهبية، ففرح بها كثيرا، فهو رجل فقير على كل حال. ولكنه احتار أين يخبئ هذه الجرة؟ فهو يخشى أن يراها أو يعلم بها أحد فيدل أمير البلد الظالم عليها، فيأخذها منه.
وخاف من زوجته بصورة خاصة، فهو لا يعلم هل تحفظ السر أم لا؟ لذلك قرر أن يختبر زوجته أولا قبل أن يطلعها على سر جرة الدنانير الذهبية، وهل تحفظ السر أم لا؟ فأخفى الجرة تحت ثيابه وذهب إلى البيت وأخفاها في مكان أمين لا تعرفه زوجته وذهب إلى السوق واشترى كمية من البيض خبأها أيضا في مكان أمين. وعندما نام وضع بيضة منها بجانبه في الفراش.
خطة لاختبار حافظة الأسرار
وفي الصباح أيقظ امرأته وقال لها: “إن بطني تمغصني، لا أدري ماذا حدث لي؟ إنني أحس كأن شيئا سيخرج مني.”
فقالت له زوجته: “هل أصنع لك فنجانا من النعناع أو البابونج لتسكين ألم بطنك؟”
قال لها: “لا، لا داعي لذلك.”
ثم مد يده إلى الفراش وأخرج البيضة التي وضعها فيه منذ المساء، وقال لها: “انظري، ماذا خرج مني! إنها بيضة حقيقية! فكيف حدث ذلك؟! كيف بضت بيضة؟! إن هذا شيء عجيب، لم يحدث لأحد من قبل.”
فأخذت زوجته البيضة بيدها، وكانت لا تزال ساخنة بسبب وضعها في الفراش وفحصتها ثم قالت: “إنها بيضة حقيقية حقا، وهذا شيء طيب، فلماذا أنت خائف؟ فقد تكون مثل بيضة الديك، ألا يقولون إن الديك يبيض بيضة واحدة في حياته؟!”
وأخذت البيضة وخبأتها عندها.
وفي اليوم الثاني والثالث والرابع وما بعدها كان يتكرر المشهد كل يوم، حيث يستيقظ الزوج كل يوم صباحا وهو يتألم، ثم يمد يده إلى الفراش ويخرج منه بيضة ساخنة يعطيها إلى زوجته.
السر ينتشر ويتضخم ككرة الثلج
وعندما تكرر ذلك قالت له زوجته: “إنك أصبحت تبيض كل يوم بيضة، وقد استغنينا بذلك عن شراء البيض من السوق ولله الحمد.”
فقال لها زوجها: “إياك أن تذكري ذلك لأحد، أو تتكلمي بحرف واحد عنه أمام أحد، فإن ذلك يشكل فضيحة كبيرة بالنسبة لي.”
فقالت له زوجته: “كن مطمئنا يا رجل فلن أتكلم عن ذلك أمام أحد.”
وفي أحد الأيام خرجت الزوجة إلى سطح بيتها لنشر غسيلها، فرأت جارتها على السطح المجاور لسطحها، فصارت تتحادث معها. وأثناء الحديث قالت لجارتها: “هل تحفظين السر، فإن عندي سرا أريد أن أقوله لك إذا كنت تحفظينه؟”
فقالت الجارة: “سرك في بير عميقة، إنني أحفظ السر، وكيف لا أحفظه؟!”
فقالت لها الزوجة: “إن زوجي يبيض كل يوم بيضتين من النوع الكبير الجيد، وبذلك استغنينا عن شراء البيض من السوق ولله الحمد، ولكن يا جارتي إياك أن تذكري ذلك أمام أحد، فإن ذلك يشكل فضيحة كبيرة لزوجي.”
فطمأنتها جارتها وقالت لها: “لن أتكلم عن ذلك أمام أحد.”
ولكن الجارة نزلت من سطح بيتها وذهبت حالا إلى بيت جيرانها حيث اجتمعت بجارتها، وأثناء الحديث قالت لجارتها: “علمت الآن بسر أريد أن أخبرك به، إن زوج جارتنا فلانة يبيض كل يوم خمس بيضات، وقد استغنوا عن شراء البيض من السوق. ولكن أرجو ألا تتكلمي عن ذلك أمام أحد.”
فطمأنتها جارتها. ولكن ما أن تركتها جارتها حتى ذهبت إلى بيت جارة أخرى لها، وقالت لها: “إن زوج فلانة يبيض كل يوم سبع بيضات يبيعونها في السوق، وقد يكون البيض الذي تأكلونه في بيتكم هو من بيضه الذي يبيضه.”
شائعة تصل إلى الأمير
وهكذا صار الخبر يتنقل من بيت إلى بيت ويتضخم، حتى وصل إلى أمير البلد أن فلانا يبيض كل يوم خمسين بيضة، فتعجب الأمير من ذلك، واستدعى الرجل، وسأله: “هل صحيح أنك تبيض كل يوم خمسين بيضة؟ إن كان ذلك صحيحا فإنك تشكل بالنسبة لنا ثروة قومية كبيرة، لأنك تغنينا عن استيراد البيض من البلاد المجاورة.”
فقال له الرجل: “وهل هذا معقول يا سيدي وهل أنا دجاجة حتى أبيض! حتى الدجاجة تبيض بيضة واحدة كل يوم؛ فكيف أبيض أنا خمسين بيضة؟!”
فقال له الأمير: “وما سبب هذه الشائعة إذن؟ إنه لا يوجد دخان بدون نار.”
فقال الرجل: “إن كل ما في الأمر أنني أردت اختبار حفظ زوجتي للسر، فكنت أخبئ بيضة كل يوم في فراشي وأخرجها في الصباح لزوجتي، وأقول لها إنني بضتها، فوصل الخبر إليكم أنني أبيض خمسين بيضة كل يوم. هذا كل ما في الأمر.”
فضحك الأمير وصرفه وهو يقول له: “إن زوجتك تحفظ السر حقا!”
ولكن فليطمئن النساء فلسن كلهن يفشين السر، وليس الرجال كلهم يحفظون السر.