عندما كنت صغيرا قالت لي ستي العجوز: “اجلس يا بني لأحكي لك حكاية الماش.”
قلت لها: “وما الماش؟”
قالت: “هو العدس، هكذا كانوا يسمونه في زمن تركيا.”
فقلت لها: “وما هي حكاية الماش؟”
قالت: كان يا ما كان يا سامعين يا كرام بعد الصلاة على النبي بدر التمام وعلى صحابته الكرام؛ كان في امرأة، وزوجها رجل كسلان خيبان. وفي أحد الأيام أرادت الزوجة أن تطبخ مجدرة، وكان عندها قليل من البرغل ولكن ليس عندها عدس (ماش).
فقالت لزوجها: “قم يا رجل اشتر لنا شوية ماش بدرهم.”
فقال لها: “وأين يوجد الماش؟”
قالت: “في السوق.”
قال: “السوق بعيد، وأنا أنسى اسم الماش من هنا إلى السوق.”
فقالت له: “لأجل ألا تنسى اسم الماش، امش وأنت تقول طوال الطريق ماش ماش ماش، حتى تصل إلى السوق.”
فذهب الرجل وهو يقول: “ماش، ماش، ماش”، فمر على جسر بيت الشيخ بصياد يرمي بشبكته في الماء ليصطاد بها السمك، فوقف الرجل بجانبه يتفرج عليه وهو يقول: “ماش، ماش، ماش.”
رحلة النسيان وسوء الحظ
سحب الصياد شبكته من الماء فلم يجد فيها ولا سمكة واحدة، فشال يده وصفع بها الرجل على وجهه.
فصاح: “أخ، لماذا ضربتني؟!”
فقال له الصياد: “أنت لماذا تقف بجانبي وتقول: ماش ماش ماش؟! لقد نحستني وقطعت رزقي.”
فقال له الرجل: “وماذا أقول إذن؟”
قال الصياد: “قل: سبعة ثمانية كبار، سبعة ثمانية صغار.”
فمشى الرجل وهو يقول: “سبعة ثمانية كبار، سبعة ثمانية صغار، سبعة ثمانية كبار، سبعة ثمانية صغار.”
وأثناء سيره صادف جنازة رجل متوفى، فسار معهم. والظاهر أن المتوفى كان رجلا محترما كريما محبوبا، لذلك كان أقاربه يسيرون حول جنازته وهم يبكون عليه. فسار معهم الرجل وهو يقول: “سبعة ثمانية كبار، سبعة ثمانية صغار، سبعة ثمانية كبار، سبعة ثمانية صغار.”
فشال أحد أقارب الرجل المتوفى يده وضربه بها على وجهه.
فصاح: “أخ، لماذا ضربتني؟؟”
فقال له: “أنت لماذا تسير معنا وتقول: سبعة ثمانية كبار، سبعة ثمانية صغار؟! ألا يكفيك موت رجل واحد منا، فتريد أن يموت أيضا سبعة ثمانية كبار وسبعة ثمانية صغار؟!”
من مصيبة إلى أخرى
فقال له الرجل: “وماذا أقول إذن؟”
قال: “قل: الله يرحمه كان ما أكرمه.”
فسار وهو يقول: “الله يرحمه كان ما أكرمه، الله يرحمه كان ما أكرمه.”
وأثناء سيره مر بجماعة يجرون كلبا ميتا يريدون أن يرموه خارج البلد، فسار معهم يتفرج عليهم وهو يقول: “الله يرحمه كان ما أكرمه، الله يرحمه كان ما أكرمه.”
فشال أحد الجماعة يده وصفعه بها على خده.
فصاح: “أخ، لماذا ضربتني؟!”
فقال له: “هل أنت مجنون؟! كيف تقول عن هذا الكلب الميت الله يرحمه كان ما أكرمه؟! ألا تراه كلبا؟!”
فقال له: “وماذا أقول إذن؟”
قال له: “لا تقل شيئا، ماش.”
قال: “الله يجزيك الخير، هذا ما تريده زوجتي، لقد ذكرتني به.”
وذهب وهو يقول: “ماش، ماش، ماش” حتى وصل إلى السوق فاشترى ماشا بدرهم، وعاد إلى البيت وقد تورم وجهه وانتفخ من كثرة الصفعات. وهذا جزاء الكسلان الخيبان.