مدينة (أيلة) في خليج العقبة كان يسكنها في الزمن القديم – في زمن سيدنا داود – سبعون ألفا من اليهود. وعندما نزلت التوراة على سيدنا موسى، طلب الله فيها من اليهود أن يتخذوا يوم الجمعة شعارا لهم، فأبوا واختاروا يوم السبت، لذلك فرض الله عليهم ألا يعملوا في يوم السبت جزاء لهم.
وكان أهل (أيلة) يعيشون من صيد السمك من البحر، يبيعونه ويأكلون منه، فكانوا يعملون في الصيد والبيع والشراء كل أيام الأسبوع ما عدا يوم السبت.
ثم أراد الله أن يختبر طاعتهم له وللشريعة التي أنزلها على سيدنا موسى، فجعل السمك قليلا في البحر كل أيام الأسبوع التي يعملون فيها، وجعله يكثر في يوم السبت الذي لا يعملون فيه! فكانت أفواج السمك تأتي إلى شاطئ (أيلة) في يوم السبت فوق بعضها بعضا، وهم ينظرون إليها ولا يستطيعون اصطيادها؛ لأن العمل عندهم حرام في يوم السبت. ومتى انقضى يوم السبت كانت أفواج السمك تختفي إلا القليل منها، ولا تعود للظهور إلا في يوم السبت التالي.
حيلة شيطانية للتحايل على أمر الله
فاحتاروا في أمرهم كيف يصنعون، فوسوس لهم الشيطان وقال لهم: “إن الله تعالى أمركم ألا تعملوا يوم السبت، والسمك لا يأتي إلا في يوم السبت، فلماذا لا تحتالون عليه، وعهدي بكم أذكياء؟”
قالوا: “وماذا نصنع؟”
قال: “احفروا أقنية من البحر إلى البر واجعلوا عند نهايتها في البر حفرا عميقة، فإذا أتى السمك في يوم السبت؛ فإن أكثره يدخل في هذه الأقنية ويصل إلى الحفر فيقع فيها فتسدون عليه المجرى لكي لا يعود إلى البحر. ومتى حل يوم الأحد تصطادونه فتبيعون منه وتأكلون.”
فأعجبوا بهذا الرأي؛ أي أمرهم الشيطان أن يحتالوا على أمر الله، فأطاعوه. وهل يمكن الاحتيال على الله تعالى؟! فحفروا أقنية من البحر إلى البر وجعلوا في نهايتها حفرا عميقة، ودخلت مياه البحر في الأقنية حتى وصلت إلى الحفر وملأتها.
وعندما حل يوم السبت أتت أفواج السمك إلى شاطئ البحر، ودخل كثير منها في الأقنية حتى وصل إلى الحفر وسقط فيها، فسدوا عند ذلك مجاري الأقنية، وتركوا السمك في الحفر حتى يوم الأحد، فأخذوه وباعوا منه وأكلوا. إن السمك كان مطمئنا إلى أن اليهود لا يصطادون في يوم السبت، لذلك كان يأتي إلى الشاطئ وهو مطمئن البال إلى سلامته، وإذا باليهود يمكرون ويحتالون على أمر الله، فيوقعونه في الحفر لكي يأخذوه يوم الأحد.
انقسام القرية بين العصاة والصالحين
والله سبحانه وتعالى لا يغفر هذا الاحتيال، ومع ذلك أمهلهم، فتمادوا في عصيانهم، وصاروا يأخذون السمك من الحفر في يوم السبت أيضا بدلا من يوم الأحد، ويقولون: “نحن لا نصطاده، وإنما نأخذه فقط!” يكذبون ويحتالون، والله تعالى عليم بكل شيء.
ولم يفعل هذا الفعل كل أهل (أيلة)، وإنما انقسموا ثلاثة أقسام: قسم ارتكبوا هذا الذنب وأصروا على فعله، وقسم لم يفعلوه ولكنهم لم ينكروا على من فعلوه ولم ينصحوهم ولم يحذروهم من غضب الله تعالى عليهم، وقسم ثالث لم يفعلوه ولكنهم صاروا ينصحون الذين فعلوه ويحذرونهم من غضب الله تعالى عليهم. ولما لم يسمعوا لهم قالوا لهم: “نحن لن نسكن معكم بعد اليوم؛ لأننا نخاف أن ينزل علينا معكم غضب من الله تعالى.”
لذلك بنوا جدارا بينهم وبين القسم الآخر من المدينة الذي بقي فيه الذين ارتكبوا الذنب وأصروا عليه، مع الذين لم يرتكبوه ولكنهم لم ينكروا على من ارتكبوه بل سكتوا.
عقاب إلهي وعبرة للمتقين
وسمع سيدنا داود بما يفعله قسم من أهل (أيلة) من مخالفة الله تعالى، فدعا عليهم، وطلب من ربه أن ينزل غضبه عليهم. وفي أحد الأيام استيقظ الصالحون الذين بنوا الجدار فلم يسمعوا أصوات إخوانهم خلف الجدار كما كانوا يسمعون كل يوم، بل سمعوا أصواتا كأصوات الحيوانات. فتسلقوا السلالم على الجدار وصعدوا عليها وأطلوا على جيرانهم، فرأوهم قد مسخوا جميعهم قردة وخنازير! الذين ارتكبوا الذنب، والذين لم يرتكبوه ولكنهم سكتوا وظلوا ساكتين معهم.
مسخ الله تعالى الشباب إلى قردة لها أذناب وتصيح كالقردة، ومسخ الشيوخ إلى خنازير تصيح كالخنازير، وبقوا هكذا ثلاثة أيام، ثم هلكوا وماتوا جميعهم، فكان ذلك عقوبة لهم وعبرة لغيرهم ولمن يأتي بعدهم وموعظة للمؤمنين.
العبرة من القصة
هذا جزاء من يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، وكذلك جزاء من يسكت على المنكر فلا ينكره، ولا يقاطع من يفعله. فالساكت على المنكر شيطان أخرس. وإذا كان المذنبون في هذا الزمن لا يمسخون إلى قردة وخنازير؛ فإن قلوبهم تتحول إلى قلوب قردة وخنازير والعياذ بالله تعالى.