(نينوى) مدينة في شمال العراق، كان يسكنها في الزمن القديم مئة وعشرون ألف نسمة، وكانوا كافرين بالله تعالى يعبدون صنما لهم يسمى (عشتار). فأراد الله أن يرسل إليهم نبيا يدعوهم إلى عبادة الله تعالى، وترك عبادة الأصنام. فأرسل إليهم يونس بن متى، ولقبه ذو النون، لقبه به الله في القرآن الكريم.
ويونس بن متى هو من بني إسرائيل من نسل بنيامين بن يعقوب، شقيق سيدنا يوسف عليهم الصلاة والسلام جميعا. وكان في بلاد الشام، فسافر من هناك إلى نينوى، وصار يدعو سكانها إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته وترك عبادة الصنم عشتار. ولكنهم لم يستجيبوا له، ولم يؤمنوا!
فأوحى إليه الله أن العذاب سيحل بهم بعد ثلاثة أيام إذا لم يستجيبوا له ويؤمنوا بالله تعالى، فأخبرهم بذلك، ولكنهم أصروا على كفرهم. ومضى اليوم الأول، ولما رآهم يونس أنهم مصرون على كفرهم، تركهم وخرج من المدينة قبل أن يأذن له الله بالخروج. لقد اجتهد وظن أنهم لن يؤمنوا أبدا، وكان مخطئا في اجتهاده وقلة صبره عليهم، وكان عليه أن يصبر حتى يأذن الله له بالبقاء أو بالخروج. لذلك أصابته المصائب والمحن بعد خروجه، فصبر عليها والتجأ إلى الله تعالى، فتاب عليه ونجاه من الغم.
توبة جماعية ترفع العذاب
أما مدينة نينوى فأخذت تتجمع فوقها السحب الكثيفة السوداء، وينتشر منها دخان شديد، فعلموا أن ذلك هو العذاب الذي أنذرهم به يونس بن متى. وفتشوا عنه ليؤمنوا على يده فلم يجدوه، فتشاوروا فيما بينهم، فأشار العقلاء منهم أن يخرجوا جميعهم هم وحيواناتهم إلى خارج المدينة، ويدعوا الله لعله يكشف عنهم العذاب.
فخرجوا جميعهم الشباب والشيوخ والنساء والرجال والأطفال، والحيوانات وأولادها. ثم فصلوا بين النساء والأطفال، وبين الحيوانات وأولادها، وصاروا جميعهم يصيحون ويستغيثون ويدعون الله تعالى أن يكشف البلاء والعذاب عنهم، وأنهم قد آمنوا بالله تعالى وتركوا عبادة الأصنام.
عند ذلك استجاب الله لهم وكشف العذاب عنهم، فأخذت السحب السوداء بالانكشاف والابتعاد، وأخذ الدخان بالزوال. وكان ذلك اليوم يوم جمعة، وكان يوم عاشوراء.
عاصفة وقرعة وبطن الحوت
أما يونس فإنه لم يعلم بإيمان أهل نينوى، وسار باتجاه البحر، وهو غضبان عليهم. وشعر بأنه خالف الله تعالى؛ لأنه خرج قبل أن يأذن له بالخروج. وعند الشاطئ وجد سفينة تريد أن تسير فركب معهم، لعله يصل إلى بلد لا يعرفه فيها أحد، بعد أن أحس بذنبه.
وبعد أن سارت السفينة اشتدت الريح، وهاج البحر، وكادت السفينة أن تغرق. فقال ربان السفينة: “إن بيننا رجلا مذنبا لذلك سنعمل قرعة، ومن وقعت عليه القرعة سنرمي به في البحر لكي ننقذ السفينة.”
فعملوا القرعة فوقعت على يونس، فأعادوها ثلاث مرات فوقعت عليه في المرات الثلاث! فسلم أمره إلى الله تعالى وتشهد وقال: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. اعترف بخطئه، وجدد إيمانه، ثم رمى بنفسه في البحر.
وكان يسير في البحر حوت كبير بالقرب من السفينة، فابتلع يونس حالا! ولكن الله أمره ألا يأكل لحم يونس، وألا يكسر عظمه، وأن يبقيه حيا.
دعاء في الظلمات والعودة إلى نينوى
وعندما وجد يونس نفسه في بطن الحوت حيا، صار يستغيث بالله تعالى ويدعوه، ويقول: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، لعل الله يستجيب له وينجيه مما هو فيه. فاستجاب الله تعالى له ونجاه من الغم الذي هو فيه. فبعد أن سار به الحوت ثلاثة أيام في البحر، أتى إلى الشاطئ، وأخرجه من جوفه بأمر الله تعالى، فخرج ضعيفا هزيلا ممعوطا كالفرخ عندما يخرج من البيضة.
ولئلا تؤذيه حرارة الشمس أنبت الله له شجرة من يقطين – وهو القرع – ليستظل تحتها، وصارت تأتيه غزالة في الصباح والمساء فيشرب لبنها! كل ذلك بأمر الله وقدرته. وبقي كذلك حتى قوي واشتد عوده. عند ذلك يبست شجرة اليقطين فحزن عليها.
فأوحى الله إليه: “لماذا تحزن عليها؟ فقد قوي جسمك وعادت صحتك، وعليك الآن أن تعود إلى (نينوى) لتعلمهم أمور دينهم؛ فقد تركوا عبادة الأصنام، وآمنوا بالله تعالى.”
ففرح يونس بذلك كثيرا. وعاد يونس إلى مدينة (نينوى)، وعندما رآه أهلها فرحوا به كثيرا أيضا، وصار يعلمهم أمور دينهم إلى أن توفاه الله.
وهكذا على الإنسان أن يصبر، وألا يتخلى عن دعوته منذ أول صدمة، كما عليه ألا يقطع أمله من الله مهما توالت عليه المصائب والكروب، وأن يستمر على الاستعانة بالله تعالى والاستغاثة به في جميع الأحوال.
العبرة من القصة
الصبر وطاعة الله تعالى مفتاح الفرج. والله يحب عبده التواب وينجيه من الغم إذا قال: ﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.