حكى لنا معلمنا في المدرسة الابتدائية هذه الحكاية، قال: في إحدى البلاد كان يعيش تاجران متجاوران يشتريان بضائعهما من مدينة بعيدة ويبيعانها في بلدهما، فيربحان بها، ويعيشان هما وعائلتاهما عيشة هنيئة حسنة.
وفي إحدى السنين قال أحد التاجرين للآخر: “لماذا لا نسافر معا إلى تلك المدينة البعيدة التي نشتري منها بضائعنا فنتعاون مع بعضنا في هذه الرحلة البعيدة الشاقة.” فوافق التاجر الآخر على السفر معا، وأخذا يهيئان نفسيهما للسفر، ولم يكن في ذلك الوقت طائرات ولا سيارات وإنما كانوا يسافرون على الدواب.
ركب كل من التاجرين دابته، وخرجا من المدينة معا متجهين إلى المدينة البعيدة؛ ليشتريا منها البضائع التي يحتاجانها. وكانا في أثناء الطريق يأكلان معا ويشربان معا وينامان ويستيقظان معا.
ولاحظ أحد التاجرين أن رفيقه معه حزام من الجلد يشده على بطنه، وهو مملوء بالدنانير الذهبية، فطمع في مال رفيقه، وصار الشيطان يوسوس له ويقول له: “اقتل رفيقك وخذ ماله الكثير، فيصبح معك أموال وفيرة، تشتري بها بضائع كثيرة، وتصبح أكبر وأغنى تاجر في بلدك.”
والظاهر أن إيمانه كان ضعيفا، وأنه كان لا يفكر إلا في الدنيا؛ فهو لا يفكر في الآخرة ولا في عذابها، لذلك استجاب لوسوسة الشيطان، وأخذ يفكر في طريقة يقتل بها رفيقه.
جريمة في الصحراء وشاهد غير متوقع
وفي إحدى الليالي لم ينم الرجل الشرير، وعندما تأكد من نوم رفيقه، قام وأخرج من حقيبته حبلا قويا، وربط به أيدي وأرجل رفيقه قبل أن ينتبه من نومه ويستطيع أن يدافع عن نفسه. وقد تعجب رفيقه من ذلك وسأله: “لماذا تفعل ذلك؟”
فقال له: “إن معك مالا كثيرا، وأريد أن آخذه وأضمه إلى مالي لكي أصبح أغنى وأكبر تاجر في بلدي، وأريد أن أقتلك أيضا؛ فليس من المعقول أن أتركك حيا بعد ذلك.” وسحب سكينا من حزامه ليذبح بها رفيقه.
فصار رفيقه يتوسل إليه ألا يفعل وأن يتركه حيا، وقال له: “خذ مالي واتركني حرام عليك أن تقتلني، ألا تخاف من الله تعالى؟!”
فأجابه: “أنا لا أخاف من أحد، فكيف آخذ مالك وأتركك حيا؟! فإنك ستعود إلى بلدنا وتفضحني أمام الناس هناك، وتطالبني بمالك.”
وهيأ سكينه ليذبحه، وعند ذلك مرت من فوقهم حمامة فنظر إليها التاجر المظلوم وقال: “اشهدي يا حمامة على ظلم رفيقي هذا، وعلى قتله إياي!”
ونزلت السكين على عنق الرجل وفصلت رأسه عن جسده، وأخذ رفيقه ماله كله، ثم حفر له حفرة في الأرض ودفنه فيها دون أن يراه أحد. ولكن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وهو يمهل ولا يهمل.
كذبة متقنة وحياة ماجنة
وذهب التاجر الشرير وحده إلى المدينة البعيدة، واشترى بضائع كثيرة وعاد بها إلى بلده ليبيعها ويربح بها كثيرا. وعندما شاهده أهل رفيقه التاجر سألوه عنه، فأبدى دهشته وقال: “ألم يأت بعد؟! فقد سبقني على الطريق ونحن ذاهبان إلى البلدة البعيدة لأن دابتي لم تستطع اللحاق بدابته، ولم أره بعد ذلك.”
فتعجب أهل رفيقه، فكيف عاد هذا التاجر وتاجرهم لم يعد؟!
ومرت الأيام، وكثرت الأموال في يد هذا التاجر الشرير، فأضله الشيطان، وصار يبذر أمواله في الشرور والآثام، وصار يكثر من شرب الخمر، ويمشي مع أصحاب السوء والشر مثله.
وفي أحد الأيام كان يشرب الخمر مع أصحابه ويغنون ويرقصون في إحدى الحدائق، وأكثر من شرب الخمر حتى سكر وفقد عقله، وفجأة مرت من فوقهم حمامة، فنظر إليها التاجر الشرير وصار يضحك ضحكا متواصلا، حتى استغرب أصحابه من ذلك، وألحوا عليه بالسؤال.
الحمامة تكشف السر ويتحقق العدل
ولما كان عقله قد ضاع من كثرة الخمر التي شربها، قال لهم: “سأقول لكم عن سبب ضحكي؛ فهو مضحك حقا. ألا تذكرون التاجر فلان، جاري في الدكان الذي سافرت معه لشراء البضاعة؟! إنني ذبحته في الطريق وأخذت ماله، وعندما أردت ذبحه مرت فوقنا حمامة كتلك التي مرت الآن، فقال لها: اشهدي يا حمامة على قتل رفيقي لي. فتذكرت ذلك وضحكت من غبائه، فهل تستطيع حمامة أن تشهد وأن تتكلم؟!”
وكان بين أصحاب التاجر الشرير الحاضرين معه أحد أقارب التاجر المقتول فذهب وأخبر أهله بذلك، فقدموا دعوى إلى القاضي بذلك. فاستدعى القاضي أصحاب التاجر الذين سمعوا قوله فشهدوا بما سمعوا. فاستدعى التاجر وواجهه بالشهود فاعترف بما فعل، فحكم القاضي عليه بالإعدام وبمصادرة أمواله كلها.
وهكذا نال جزاء ظلمه وغدره، ولو بعد حين، وعذاب الآخرة أشد وأبقى.