كان يا ما كان، يا قارئين يا كرام بعد الصلاة على النبي خير الأنام، وصحابته وآله الكرام. كان ثلاثة رجال محمد وأحمد ومحمود أصدقاء، يحب بعضهم بعضا كثيرا، وإذا احتاج أحدهم إلى شيء سارع الآخران إلى مساعدته بكل ما يستطيعان. وهكذا يجب أن يكون الأصدقاء، فالصداقة لا تكون بالكلام فقط؛ فهذه ليست صداقة وإنما هي مسايرة ومجاملة، وإنما تكون الصдаقة بالفعل وبالمساعدة على قدر الاستطاعة، وبالمواساة بصدق وإخلاص.
في إحدى السنين أصابت محمدا أحد الأصدقاء الثلاثة ضائقة شديدة في العيد، فأتى العيد وليس عنده درهم واحد يشتري به لزوجته وأولاده ملابس وطعاما يدخل عليهم الفرح بالعيد، فحزن كثيرا بسبب ذلك. فإن أولاده سيرون أولاد الجيران يلبسون الثياب الجديدة ويأكلون الحلوى وأطايب الطعام، أما هم فليس لهم ثياب جديدة ولا طعام.
ففكر محمد ماذا يصنع؟ وأخيرا قال: “سأرسل إلى صديقي أحمد أستدين منه بعض المال؛ فإنه لن يتأخر عن إعطائي بعض المال إن كان عنده شيء منه.”
فأرسل ابنه الكبير إلى صديقه أحمد يطلب منه أن يدينه بعض ما يتيسر له من المال؛ لكي يشتري لأولاده ثيابا وطعاما للعيد. وكان أحمد أيضا ليس لديه مال يصرفه على العيد فأرسل ابنه إلى بيت صديقه محمود يستدين منه بعض المال. وكان عند محمود كيس فيه ألف درهم ليس عنده غيره، فأعطاه إلى ابن صديقه أحمد ليأخذه إلى أبيه.
رحلة كيس الدراهم بين الأصدقاء
وفي الدقيقة التي دخل بها ابن محمد إلى بيت أحمد ليطلب منه بعض المال لوالده محمد، دخل ابن أحمد يحمل الكيس الذي فيه ألف درهم آتيا من عند محمود وأعطاه لأبيه أحمد.
وعندما دخل ابن محمد سلم على أحمد وقال له: “إن والدي يسلم عليك ويقول لك: إنه لا يملك شيئا من المال لأجل العيد. فإن كنت تستطيع أن تقرضه شيئا من المال يكون لك من الشاكرين.”
فحمل أحمد كيس الألف درهم الذي أتاه من عند محمود وأعطاه لابن محمد، وقال له: “سلم على والدك، وقل له: ليس عندي غير هذا الكيس، ولو كان عندي غيره لأعطيتك أكثر منه.”
وقال لزوجته: “فلنصبر يا امرأة في هذا العيد نحن والأولاد دون حلوى، ودون ثياب جديدة، فحق الصديق على الصديق أعظم من ذلك بكثير.”
فوافقته زوجته على ذلك، وقالت له: “حسنا فعلت، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.”
الإيثار يكشف حقيقة الصداقة
وعندما وصل ابن محمد إلى بيت أبيه وأعطاه الكيس، وصل ابن محمود يطلب من محمد أن يدين أباه بعض المال لأجل العيد، لأن محمود بعد أن أعطى كيس الدراهم إلى ابن أحمد لم يبق معه شيء، فأرسل ابنه إلى محمد ليستدين منه. فأعطاه محمد الكيس الذي وصل إليه من أحمد.
وقال لزوجته: “فلنصبر يا امرأة نحن والأولاد على الفقر والحرمان في العيد في سبيل أصدقائنا، ولنا الثواب من عند الله تعالى.”
فوافقته زوجته على ذلك.
وعندما أخذ ابن محمود الكيس إلى أبيه أخذ محمود الكيس وتأمله فوجده كيسه نفسه الذي أرسله إلى أحمد. فتعجب من ذلك، وذهب بنفسه إلى أحمد وقال له: “ما فعلت بالكيس الذي أرسلته إليك؟”
قال: “أرسل إلي صديقنا محمد يستدين بعض المال فأرسلته إليه.”
فذهب الاثنان إلى محمد وسألاه عن الكيس فقال: “أرسلته إلى محمود؛ لأنه طلب أن يستدين مني بعض المال.”
وهكذا دار الكيس بينهم؛ لأن كل واحد منهم كان يؤثر صديقه ويقدمه على نفسه.
عند ذلك قال بعضهم لبعض: “فلنقسم الكيس بيننا.” فقسموه إلى ثلاثة أقسام؛ أخذ كل واحد منهم قسما، وحمدوا الله تعالى.
وعندما سمع الخليفة المأمون بذلك أعطاهم ستة آلاف دينار، لكل واحد منهم ألفان.
العبرة من القصة
هكذا تكون الصداقة بالفعل، لا بالقول والكلام الفارغ تكون تضحية وإيثارا. والذين يكونون كذلك يكون لهم ثواب عظيم عند الله.