هذه قصة واقعية سأرويها كما حدثت، لن أبدل فيها شيئاً، سوى أسماء أبطالها، ولا يزال بطلها حياً يرزق حتى الآن. آثرت أن أروي هذه القصة لأبين لأبنائنا وشبابنا بعضاً من المآسي والمصائب التي تحدث بسبب الزواج من أجنبيات غير مسلمات، مع أن الله لا يقول لنا: ﴿وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ﴾.
المرأة غير المسلمة عقيدتها غير عقيدتنا، وسلوكها في الحياة غير سلوكنا، وثقافتها وعاداتها غير ثقافتنا وعاداتنا، وإذا حدث انسجام في البدء بين الشاب المسلم والشابة غير المسلمة أدى بهما إلى الزواج، فسرعان ما تذهب السكرة وتأتي الفكرة بعد الزواج، وسرعان ما تظهر التناقضات في السلوك والأفكار وتتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق، ويكون الضحية في أكثر الأوقات هم الأولاد. أما إذا أسلمت المرأة قبل الزواج عن قناعة واعتقاد وإيمان لا عن حب في سبيل الزواج، فقد تتحسن الصورة تحسناً كبيراً.
لذلك على الشاب المسلم أن يفكر كثيرا قبل الإقدام على الزواج من فتاة غير مسلمة، وأن يعتبر بغيره، فالعاقل من اعتبر بغيره، والجاهل من اعتبر بنفسه، واعتبر به غيره. ولكن أنى للشاب المسلم أن يفكر، إلا من عصم الله تعالى، إذا ألقي في خضم المجتمع الغربي الصاخب، المملوء بالمغريات، والمتحلل من القيم والأخلاق، إذا لم يكن أساسه الإسلامي قوياً متيناً، وإذا لم ينشأ تنشئة صالحة تقية منذ نعومة أظفاره، فالمغريات كثيرة، والنفس أمارة بالسوء، وشياطين الإنس والجن لا يكلون ولا يملون. لذلك على الآباء أن لا يرموا بفلذات أكبادهم في تلك المستنقعات إلا بعد أن يربوهم تربية صالحة، وإلا بعد أن يزوجوهم من بلدهم قبل سفرهم، على أن يصطحبوا زوجاتهم معهم؛ فكل راع مسؤول عن رعيته ودرهم وقاية خير من قنطار علاج.
بداية حلم في بلد غريب
الشاب صالح، نشأ في بلده من عائلة عريقة غنية، وكان مجتهداً في دروسه، متميزاً بين أقرانه، يأتي في الطليعة بين الناجحين في أكثر الأوقات، لذلك كانت آماله كبيرة في المستقبل، وكان طموحه أن يصبح طبيباً مشهوراً يشار إليه بالبنان. ونجح صالح في الشهادة الثانوية بتفوق، وأخذ يفكر في إخراج طموحه وآماله إلى حيز التنفيذ، وكان يسمع أن الطب هو أرقى ما يكون في ألمانيا، لذلك أخذ يلح على والده لكي يرسله إلى ألمانيا ليدرس الطب هناك؛ ويعود إلى بلده طبيباً مشهوراً، يشار إليه بالبنان، فيفتخر به بين الناس، إذ يقولون: هذا فلان ابن فلان. ولم يفكر بما سيحدث له في هذا المجتمع الغريب، كما لم يحاول تزويجه قبل سفره ليحصنه تجاه المغريات.
وسافر صالح إلى ألمانيا، ممتلئاً نشاطاً وحماساً، وعزماً على أن يكون من الطلاب المتفوقين، وعلى أن يصبح من الأطباء المشهورين. تسجل صالح في البدء في معهد للغة لكي يدرس اللغة الألمانية ويتقنها قبل التحاقه بالجامعة، وبعد مضي سنة على الدراسة في هذا المعهد أتقن اللغة الألمانية، فتسجل في كلية الطب.
الزواج والمستقبل
وتابع دراسته في كلية الطب بكل همة ونشاط، وكان من المتفوقين فيها، ولكن الدراسة طويلة في كلية الطب تستمر سبع سنوات على الأقل، والمغريات في ألمانيا كثيرة، والأبواب مفتوحة والحريات مكفولة، والنساء كثير، والرجال قليل، بعد أن حصدتهم الحرب العامة، وصالح في فورة الشباب، لذلك وجد نفسه منساقاً للتزوج من فتاة ألمانية جميلة، وضعها القدر في طريقه، والزواج على كل حال خير من الانغماس في الرذيلة والموبقات. وعاش صالح مع زوجته أياما هنية سعيدة، وأنجب منها ولداً وبنتين، وأكمل دراسة الطب، ونجح بتفوق حتى على الطلاب الألمان الذين يعدون أنفسهم فوق الجميع.
ولم يكتف صالح بذلك، بل سجل نفسه في الدراسات العليا لكي ينال الاختصاص بالأمراض الداخلية، ويعود بعد ذلك إلى بلده مزهواً على أقرانه؛ فهو قد نال شهادة الاختصاص بالطب من أعظم مصادره وأقوى ينابيعه من أشهر جامعات ألمانيا. وأمضى صالح ثلاث سنوات أخرى في دراسة الاختصاص حتى نال شهادته، وامتدت مدة غيابه عن أهله ووطنه عشر سنين، كان خلالها في غاية الشوق إليهم، يعد الساعات والدقائق لكي يعود إليهم.
صدمة العودة المرفوضة
لذلك كان يوم حصوله على شهادة الاختصاص يوم عيد عنده، وما أن تناولها بيده حتى أسرع بها إلى زوجته وأولاده، وما أن دخل البيت حتى صار يلوح بها بيده، ويقول لهم:
وأخيراً تحقق حلمي الكبير، ونلت شهادة الاختصاص من أشهر جامعات ألمانيا، وحان وقت سفرنا إلى أهلنا ووطننا.
وكان يقول ذلك وهو في غاية السعادة والفرح والسرور. وإذا به يفاجأ بزوجته تصرخ به وتقول:
أي سفر؟! وأي أهل ووطن هذا الذي تتحدث عنه؟! نحن أهلنا هنا، ووطننا هنا، وكيف نترك هذا البلد الراقي ونذهب إلى بلدك المتخلف؟! وكيف أترك أنا عملي هنا، وأذهب إلى بلدك؟!
وصدم صالح بهذا الموقف غير المنتظر، وقال لها:
ألم نتفق قبل الزواج على العودة إلى بلدي متى أنهيت الاختصاص؟ ثم إن بلدي ليس متخلفاً، كما تقولين صحيح أنه ليس متقدماً كألمانيا، ولكنه ليس متخلفاً على كل حال.
ولكنها أصرت على قولها، وقالت له:
إذا كنت تريد أن تسافر فسافر وحدك.
قال:
والأولاد؟
قالت:
لا علاقة لك بالأولاد، هؤلاء ألمان، ويجب أن يبقوا هنا.
فقال لها:
كيف لا علاقة لي بهم وهم أولادي؟!.
وسكت على مضض. وصار في كل يوم يعاود الكرة عليها لعلها تلين، ويقول لها:
كيف تحكمين قبل أن تذهبي وتشاهدين بنفسك؟! اذهبي وانظري ثم احكمي بعد ذلك.
وهكذا إلى أن لانت وقبلت بالسفر معه هي والأولاد.
الزوجة تخطط للهروب
وفي بلده استقبله أبوه وأهله بالترحاب بعد طول الغياب، واشترى له والده بيتا في أرقى أحياء البلد، وجهز له عيادة في أكبر شوارعها. وتدفق المرضى على عيادته لأنه كان موفقاً في تشخيصه ومعالجته. وعاش سعيداً في عمله، ولكنه شقي في البيت، فما أن يدخل البيت في كل مرة حتى تصرخ فيه زوجته قائلة:
أنا ما عدت أطيق العيش هنا، أنا أعيش في سجن، أنا أريد العودة إلى ألمانيا.
وحق لها ذلك، فهي لا تستطيع التكلم باللغة العربية جيداً، والناس في الأسواق وغيرها لا يفهمون غير العربية، وصحيح كان هناك بعض الزوجات الألمانيات اللائي عدن مع أزواجهن بعد انتهاء دراستهم في ألمانيا، وكانت تتبادل الزيارة معهن، ولكن ذلك لم يكن كافياً في نظرها، وكان الفرق واسعاً بين بلدها وبين بلد زوجها، من حيث الأسواق والمؤسسات والمنتزهات والحريات وكل شيء. وهكذا أصبحت حياة الدكتور صالح في بيته جحيماً لا يطاق، حتى عرض على زوجته أن تعود وحدها إلى ألمانيا، ولكنها رفضت العودة إلا مع أولادها.
وعندما يئست من زوجها أخذت تخطط بالخفاء للهرب بالأولاد، ولم يكن ذلك صعباً، لأن الدكتور صالح كان مشغولاً في عيادته في الصباح والمساء، ولم يكن يخطر بباله أن تلجأ زوجته إلى ذلك.
الهروب والعودة المرة
لذلك استولت أولاً على جواز سفرها وجواز سفر أولادها، وخبأتها في حقيبتها دون علم زوجها؛ وكلفت إحدى معارفها من الألمانيات المقيمات في دمشق أن تشتري لها تذاكر سفر إلى ألمانيا، على أن يكون السفر بطائرة الخطوط الجوية الألمانية، وأن يكون موعد السفر في منتصف النهار.
وفي اليوم الموعود، هيأت لزوجها طعام الفطور في الصباح، وطلبت منه أن يشتري لها بعض الأشياء عند عودته من العيادة، زيادة في التعمية، ولكي يتأخر وصوله إلى البيت بعض الشيء. وذهب الدكتور صالح إلى عيادته في الساعة الثامنة صباحاً كعادته، وما أن غادر البيت حتى اتصلت الزوجة بمركز انطلاق السيارات، وطلبت سيارة حملتها مع أولادها إلى مطار دمشق، وفي منتصف النهار طارت بهم الطائرة الألمانية إلى ألمانيا.
وفي الساعة الواحدة بعد الظهر عاد الدكتور صالح إلى البيت فلم يجد أحداً، ونادى على زوجته وأولاده فلم يرد عليه أحد؛ فاحتار في أمره، أين ذهبوا؟ وأخيراً سأل الجيران عنهم، فقالوا له:
رأينا زوجتك وأولادك يركبون سيارة، ومعهم حقائب السفر، بعد ذهابك إلى العيادة، ولا ندري إلى أين ذهبوا.
فأدرك الدكتور صالح اللعبة، وفتش عن جوازات سفر زوجته وأولاده فلم يجدها. عند ذلك اتصل بمطار دمشق فأخبروه بأن طائرة ألمانية قد أقلعت منذ ساعة تقريباً، فطلب منهم أن يعطوه أسماء ركابها، فأعطوه أسماءهم، وإذا بينهم أسماء زوجته وأولاده، فحزن كثيراً، وبكى، وندم كيف لم يراقبهم مراقبة جيدة، ولكن ما عاد يفيد الندم.
العودة إلي ألمانيا
وأخيراً قرر السفر إلى ألمانيا والالتحاق بزوجته وأولاده هناك؛ فأغلق عيادته واشترى تذكرة سفر وسافر إلى ألمانيا، وذهب إلى بلد زوجته وسأل أهلها عن بيتها الجديد فدلوه عليه، وذهب إليه، فاستقبله أولاده بالفرح والسرور، واستقبلته زوجته بالفتور. وعاتب زوجته على هربها بالأولاد، وقال لها:
كنت أخبريني أنك مصرة على العيش في ألمانيا، لكي أهيئ نفسي وأسافر معكم، ونعيش كلنا هنا في ألمانيا.
وعاش مع زوجته وأولاده، وعاد إلى وظيفته في المستشفى الذي كان يعمل فيه قبل عودته إلى سورية. وكانت زوجته قد عادت أيضاً إلى وظيفتها في الشركة التي كانت تعمل فيها قبل سفرها إلى سورية مع زوجها. وأخذ الدكتور صالح يتودد إلى الأولاد كثيراً، ويأخذهم إلى النزهة كل يوم بالسيارة. أما الزوجة فكانت مشغولة أكثر يومها في الشركة، ولا تستطيع التفرغ للأولاد والخروج معهم إلا في يومي العطلة الأسبوعية السبت والأحد.
الأب يهرب بالأولاد
وقرر الدكتور صالح أن يعامل زوجته كما عاملته، وأن يهرب بالأولاد كما هربت هي بهم، وأخذ يخطط لتنفيذ ذلك. فتش أولاً عن جوازات سفر الأولاد حتى وجدها، ولكنه لم يمسها بل تركها في مكانها إلى حين الحاجة، ودرس المسافة بين البلد التي هم فيها وبين الحدود، وكم تستغرق من الوقت بالسيارة. وحدد في فكره يوم السفر. وفي اليوم المعين بعد أن ذهبت زوجته إلى عملها في الشركة في الصباح، حمل أولاده في السيارة وقال لهم:
سنذهب اليوم إلى النزهة طول النهار، وسأريكم أمكنة جميلة لم تروها قبل اليوم.
ولم يأخذ معه شيئاً من الحقائب والثياب لئلا يثير شكوك الجيران والأولاد. وسار مسرعاً بالسيارة نحو الحدود حتى وصلها وقطعها بسلام، عند ذلك فقط اطمأن قلبه وارتاحت نفسه، واشترى بعض الثياب له ولأولاده، وقال لهم:
أنتم سوريون عرب مسلمون، يجب أن تعيشوا في بلدكم سورية، ولستم ألماناً لكي تمضوا حياتكم في ألمانيا.
فبكى الأولاد أولاً، لأنهم يريدون أمهم معهم، ثم سكتوا. وتابعوا سيرهم حتى وصلوا إلى بلدهم في سورية. فوضع أولاده عند أهله لكي يشرفوا عليهم؛ وفتح عيادته، وأخذ يعمل في الصباح والمساء كما كان سابقاً.
الزوجة تحاول استعادة الأولاد
أما الزوجة فإنها عندما عادت من عملها في المساء إلى البيت في ذلك اليوم، لم تجد أحداً، فسألت الجيران عن زوجها وأولادها فقالوا لها:
إنهم ذهبوا بالسيارة إلى النزهة منذ الصباح.
فقالت في نفسها:
ما هذه النزهة طوال النهار؟!
واتصلت بالمستشفى الذي يعمل فيه زوجها، فقالوا لها:
إنه لم يأت إلى المستشفى اليوم.
فساورتها الشكوك، وبحثت عن جوازات سفر أولادها فلم تجدها، فأدركت عند ذلك أن زوجها قد هرب بهم. وندمت كيف اطمأنت إلى زوجها ولم تراقبه مراقبة جيدة!. وأسرعت إلى الاتصال بالمطارات القريبة من بلدها، فنفوا أن تكون أية طائرة قد سافرت اليوم إلى سورية، فلجأت إلى الاتصال بالشرطة وأعطتهم أوصاف سيارة زوجها، وطلبت منهم الاتصال بمراكز الحدود لمعرفة فيما إذا كانت قد اجتازت الحدود أم لا. وجاءها الجواب بعد مدة من الزمن بأن هذه السيارة التي أعطتهم أوصافها قد اجتازت الحدود منذ بضع ساعات. عند ذلك تأكدت أن زوجها وأولادها قد أفلتوا منها، وأنهم في طريقهم الآن إلى سورية، وقررت أن تلحقهم إلى هناك، ليس سريعاً، ولكن بعد تفكير وتدبير وروية.
صراع الأبناء والجوازات
واتصلت بوزارة الخارجية الألمانية، وحكت لهم قصتها، وهرب زوجها بأولادها إلى سورية، وطلبت منهم أن يأمروا السفير الألماني بدمشق أن يمنح أولادها جوازات سفر ألمانية، وأن يساعدها على إخراجهم من سورية إذا طلبت منه ذلك. وأخذت بعد ذلك تستعد للسفر إلى سورية، وسافرت إلى هناك على إحدى الطائرات الألمانية.
وذهبت إلى مدينة زوجها، ذهبت أولاً إلى بيتهم فلم تجد فيه أحداً، فذهبت إلى عيادة زوجها فوجدته هناك يعاين المرضى، فعاتبته لماذا فعل هذا، ولو أنه أخبرها لأتت معهم طائعة مختارة، فلم يصدقها ولكنه سكت. وسألته عن الأولاد، فقال:
هم عند أهلي.
وذهبت معه إلى بيت أهله، فاستقبلوها بالترحيب واستقبلها الأولاد بالفرح والسرور، وبعد بضعة أيام طلبت من زوجها أن يعودوا إلى بيتهم وأفهمته أنها قررت العيش معه ومع أولادها في سورية، وأنها لن تعود إلى ألمانيا أبداً. وانتقلوا إلى بيتهم ليعيشوا فيه كما كانوا من قبل. واتخذ الدكتور صالح كل الاحتياطات لكي لا تهرب بالأولاد مرة أخرى، فأتلف جوازات سفر الأولاد، وطلب من الجيران أن يخبروه حالاً إذا رأوها تركب سيارة هي والأولاد، كما كان يتصل من عيادته بالبيت عدة مرات في اليوم، ليتأكد من وجودها فيه.
نهاية مأساوية
وبقيت هي مدة سنة كاملة تبدي الفرح والسرور بحياتها الجديدة، لم تذكر أثناءها بلدها ألمانيا ولا مرة واحدة حتى اطمأن إليها زوجها، وبدأت رقابته تتراخى وبدأت اتصالاته بالبيت تقل شيئاً فشيئاً حتى انقطعت. عند ذلك أخذت تخطط للهرب؛ فاتصلت بالسفير الألماني ليرسل لها جوازات سفر للأولاد مع إحدى معارفها الألمانيات، فأرسلها لها. ثم اشترت تذاكر السفر، وفي اليوم الموعود، بعد أن ذهب زوجها إلى عيادته، تسللت من البيت هي والأولاد، دون أن يراها الجيران، ودون أن تحمل معها حقائب سفر، ودون أن تطلب سيارة، وذهبت هي والأولاد إلى مركز انطلاق السيارات حيث استأجرت سيارة نقلتهم إلى مطار دمشق، وهناك ركبوا طائرة الخطوط الجوية الألمانية التي نقلتهم إلى ألمانيا.
وعندما عاد الدكتور إلى البيت لم يجد فيه أحداً، وسأل الجيران فقالوا له:
لم نرها ولم نعلم عنها شيئاً.
وسأل معارفها الألمانيات زوجات زملائه الأطباء فنفوا علمهن بها. وقال لنفسه:
إذا كانت هربت بالأولاد فكيف خرجت بهم دون جوازات سفر!
ثم اتصل بالمطار بدمشق ليتأكد من ذلك، فقالوا له:
إن طائرة ألمانية قد غادرت المطار منذ قليل.
وسألهم عن أسماء الركاب فكان من بينهم اسم زوجته وأولاده. عند ذلك أصيب بالصدمة والإحباط، فكيف حدث هذا على الرغم من كل الاحتياطات؟! وقرر التفكير بهدوء لمعرفة ما يجب عليه عمله.
وأخذ يشيع في بلده أنه يريد تصفية أعماله في بلده لكي يلتحق بزوجته وأولاده ويعيش معهم نهائياً في ألمانيا، وعرض عيادته وبيته للبيع، ثم باعهما بيعاً صورياً – أي: غير حقيقي – وكان يعلم أن كل هذه الأخبار تصل إلى زوجته عن طريق الزوجات الألمانيات اللائي يعشن في سورية مع أزواجهن السوريين.
وبعد ذلك اشترى تذكرة السفر، وسافر إلى ألمانيا، وذهب إلى بلد زوجته، وكان عتاب وكلام، ثم صلح وانسجام. وقال لها:
لقد قطعت كل صلتي بسورية، وبعت بيتي وعيادتي وجئت لأعيش بقية عمري معكم هنا في ألمانيا.
فقالت له:
إنني أعرف كل ذلك.
وعاد إلى وظيفته في المستشفى.
وعاشوا جميعاً بضعة أشهر في ود وانسجام، وحب واتفاق، رأى خلالها أن الرقابة عليه صارمة من قبل زوجته وأهلها ومعارفها؛ وأنه لا يستطيع عمل شيء أو التصرف بشيء. وفي أحد الأيام ذهب الدكتور صالح إلى مستشفاه، وزوجته إلى عملها في الشركة، ولكنها لم تعد في المساء، وسألوا عنها في الشركة فقالوا لهم:
إنها لم تأت اليوم إلى عملها.
عند ذلك أخبروا الشرطة لكي تفتش عنها. وفي اليوم الثاني وجدتها الشرطة مقتولة في إحدى ضواحي البلد، عند ذلك اتهم أهلها زوجها بقتلها بسبب خلافهما على السفر والأولاد. وأخذوا الدكتور صالح إلى السجن رهن التحقيق، وكان هناك أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، لم يسأل عنه أحد، ولم يدافع عنه أحد. لم تستطع المحكمة أن تثبت التهمة عليه؛ لأنها لا تملك الدليل القاطع على ارتكابه الجريمة، كما أنها لم تبرئه وتفرج عنه، لأنه لم يكن هناك من يدافع عنه؛ ولبث في السجن بضع سنين.
وأخيراً سافر إلى ألمانيا أحد زملائه الأطباء الذين درسوا معه ألمانيا، ووكل له أحد كبار المحامين، وتتابعت جلسات المحاكمة. ولم يستطع محامي أهل الزوجة إثبات التهمة على الدكتور صالح، فاضطرت المحكمة إلى تبرئته والإفراج عنه تحت إلحاح محاميه وحججه الدامغة.
وخرج الدكتور صالح من السجن، وعاد إلى بلده وحيداً. وضاع الأولاد.
وعاد إلى عمله وعيادته، وتزوج امرأة من أهل بلده، ورزق منها الأولاد، وعاشوا في حب ووئام.
هذه قصة واحدة من قصص كثيرة عن زواج الأجنبيات، فليعتبر من كان ذا عقل وفهم، فالعاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من اتعظ بنفسه، واتعظ به غيره. يا أيها المسلمون لا ترسلوا أولادكم إلى ديار الغرب وترموا بهم في جحيمه قبل أن تحصنوهم بالعلم والفقه والزواج من المسلمات.