كان يعيش في مدينة بابل في العراق في الزمن القديم رجل صالح اسمه (هاروت ماروت). وكان ماهرا في السحر، ولكنه ما كان يستعمل سحره إلا في الخير والإصلاح بين الناس، فكان يستعمله في الإصلاح بين المتخاصمين، وفي رد الزوجة إلى زوجها، ورد الززوج إلى زوجته.
وكان في مدينة بابل في ذلك الوقت أميرة من بنات ملوك الفرس اسمها زهرة، وكانت جميلة جدا، وكانت لا تحب زوجها، وتريد أن تتخلص منه، وسمعت بهاروت وأنه يشتغل بالسحر، فأرسلت تطلبه إلى قصرها بغياب زوجها. فلما دخل عليها هاروت ورأى جمالها أحبها وتمنى أن تكون زوجة له! ولما رأته هي أيضا أحبته.
وبعد أن جلس عندها قالت له: “علمت أنك تشتغل بالسحر، وأنا لا أحب زوجي، وأريد أن تعمل له سحرا يقتله لكي أتخلص منه.”
فارتعد هاروت لما سمع ذلك، فهو يتمنى أن يموت زوجها لكي يتزوجها هو. ولكنه لا يريد أن يضر أحدا بسحره، فهو رجل صالح، وكان قد عاهد الله ألا يعمل سحرا فيه ضرر لأحد.
فتنة الأميرة وصراع بين الإيمان والهوى
وهكذا حدث الصراع في نفسه، فالشيطان والهوى يقولان له: اعمل السحر واقتل الزوج، وتزوج الأميرة فهي جميلة جدا، وهي تحبك. والإيمان والعقل والخوف من الله تعالى يقولون له: إياك أن تعمل السحر وتقتل الزوج، فإن في ذلك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة في جهنم، والعياذ بالله تعالى.
وأخيرا تغلب الإيمان والعقل والخوف من الله تعالى، فقال للأميرة: “إنني عاهدت الله ألا أعمل سحرا فيه ضرر لأحد، إنني أستطيع أن أعمل لك سحرا لكي تحبين زوجك ويحبك زوجك. أما أن أعمل سحرا يقتل زوجك فلا.”
فصارت الأميرة تتوسل إليه أن يصنع لها سحرا يقتل زوجها؛ لأنها لا تحبه، وقالت له: “إذا قتلت زوجي فسوف أتزوجك أنت.”
ولكنه لم يرض، وتركها وذهب إلى بيته.
وفي بيته عاد الشيطان اللعين يوسوس له ويقول له: “لماذا ضيعت هذه الفرصة لكي تحصل على هذه الأميرة الجميلة؟ لماذا لم تقتل زوجها وتتزوجها، إنه لا يعلم بذلك أحد إلا أنت وهي فقط؟!”
ولكن عقله وإيمانه قالا له: “إن الله مطلع على كل شيء، ولا يخفى عليه شيء.” ولم يستطع النوم في تلك الليلة بسبب هذا الصراع الذي حدث في نفسه بين الخير والشر، فهو يحب الأميرة ويريدها، ولكنه يخاف الله تعالى ويخشاه أيضا.
اختيار صعب بين أربعة شرور
وفي اليوم الثاني طلبته الأميرة مرة أخرى، ووضعت له على الطاولة صنما وكأسا من الخمر الثقيل وأوراقا للسحر. وبعد أن دخل وجلس، قالت له الأميرة: “اليوم لن أسمح لك أن تعود إلى بيتك إلا إذا فعلت أحد الأمور الآتية: أن تشرب هذا الخمر، أو تسجد لهذا الصنم، أو تصنع سحرا يقتل زوجي أو تنام عندي هذه الليلة.” وطلبت من حراسها أن يغلقوا أبواب القصر جميعها لكي لا يستطيع هاروت الخروج منه!
ولما رأى هاروت ذلك احتار في أمره، فماذا يصنع؟ فالسجود للصنم هو سجود لغير الله تعالى وهو حرام، وقتل الزوج حرام، والنوم عند الأميرة حرام، وشرب الخمر حرام أيضا. ولكن شيطانه قال له: إن الخمر أخفها وأسهلها. فشرب الخمر، وبعد قليل سكر وغاب عقله. وأصبح الشيطان والهوى وحدهما اللذين يسيطران عليه ويسيرانه كما يشاءان، فأمراه أن يسجد للصنم فسجد، وأمراه أن يصنع سحرا يقتل الزوج فصنع، وأمراه أن ينام عند الأميرة فنام. وهكذا عمل كل الشرور التي لم يكن يريد أن يعملها، وذلك كله بسبب شربه الخمر التي تضيع العقل.
وفي الصباح، عندما أعلم الحراس ملك بابل بما صنعه هاروت؛ أتى به وحاكمه، وحكم عليه بالصلب أمام الناس جميعهم، وهكذا نال عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أشد وأبقى.
أرأيت يا بني كيف أن الخمر أصل الشرور كلها؟! لأنها تضيع العقل، فيصبح الإنسان كالحيوان بل أضل منه، ولو لم يشربها هاروت لما ضاع عقله، ولما عمل تلك الشرور كلها، ولما نال عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والعاقل من اتعظ بغيره.
العبرة من القصة
الخمر سبب كل الشرور.





